کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1089

[42] وَ فَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ‏ (42)، أي: من خيار الفواكه و أطيبها،

و يقال لهم: كُلُوا وَ اشْرَبُوا من المآكل الشهية، و الأشربة اللذيذة، هَنِيئاً ، أي: من غير منغص و لا مكدر. و لا يتم هناؤه، حتى يسلم الطعام و الشراب، من كل آفة و نقص، و حتى يجزموا أنه غير منقطع، و لا زائل.

بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏ فأعمالكم، هي السبب الموصل لكم إلى جنات النعيم المقيم. و هكذا كلّ من أحسن في عبادة اللّه، و أحسن إلى عباد اللّه، و لهذا قال: [44- 45] إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ‏ (45)، و لو لم يكن من هذا الويل، إلا فوات هذا النعيم، لكفى به حزنا و حرمانا.

[46] هذا تهديد و وعيد للمكذبين، أنهم و إن أكلوا في الدنيا، و شربوا و تمتعوا باللذات، و غفلوا عن القربات، فإنهم مجرمون، يستحقون ما يستحقه المجرمون، فتنقطع عنهم اللذات، و تبقى عليهم التبعات.

[48] و من إجرامهم أنهم إذا أمروا بالصلاة، الّتي هي أشرف العبادات، و قِيلَ لَهُمُ: ارْكَعُوا امتنعوا من ذلك. فأي إجرام فوق هذا؟

و أي تكذيب يزيد على هذا؟

[49] وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ‏ (49)، و من الويل عليهم أنهم تنسد عنهم أبواب التوفيق، و يحرمون كلّ خير، فإنهم إذا كذبوا هذا القرآن، الذي هو أعلى مراتب الصدق و اليقين على الإطلاق.

[50] فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ‏ (50)، أ بالباطل، الذي هو كاسمه، لا يقوم عليه شبهة فضلا عن الدليل؟ أم بكلام مشرك كذاب، أفاك مبين؟ فليس بعد النور المبين، إلا دياجي الظلمات، و لا بعد التصديق، الذي قامت عليه الأدلة و البراهين القاطعة، إلا الإفك الصراح، و الكذب المبين الذي لا يليق إلا بمن يناسبه. فتبّا لهم، ما أعماهم و ويحا لهم ما أخسرهم و أشقاهم نسأل اللّه العفو و العافية، إنه جواد كريم. تم تفسير سورة المرسلات- و للّه الحمد.

تفسير سورة النبأ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1- 3] أي: عن أي شي‏ء يتساءل المكذبون بآيات اللّه؟ ثمّ بيّن ما يتساءلون عنه فقال: عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ‏ (3)، أي: عن الخبر العظيم، الذي طال فيه نزاعهم و انتشر فيه خلافهم على وجه التكذيب و الاستبعاد، و هو النبأ الذي لا يقبل الشك، و لا يدخله الريب، و لكن المكذبين بلقاء ربهم لا يؤمنون، و لو جاءتهم كل آية، حتى يروا العذاب الأليم.

[4- 5] و لهذا قال: كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ‏ (5)، أي: سيعلمون إذا نزل بهم العذاب، ما كانوا به يكذبون، حين يدعّون إلى نار جهنم دعّا. و يقال لهم: هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ‏ (14).

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1090

[6] ثمّ ذكر تعالى النعم و الأدلة الدالة على ما جاءت به الرسل، فقال: أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ‏ ، إلى: أَلْفافاً . أي:

أما أنعمنا عليكم بنعم جليلة، فجعلنا لكم‏ الْأَرْضَ مِهاداً ، أي: ممهدة مذللة لكم و لمصالحكم، من الحروث، و المساكن و السبل.

[7] وَ الْجِبالَ أَوْتاداً (7) تمسك الأرض لئلا تضطرب بكم و تميد.

[8] وَ خَلَقْناكُمْ أَزْواجاً (8)، أي:

ذكورا و إناثا، من جنس واحد، ليسكن كلّ منهما إلى الآخر، فتتكون المودة و الرحمة، و تنشأ عنهما الذرية، و في ضمن هذا الامتنان، بلذة المنكح.

[9] وَ جَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً (9)، أي: راحة لكم، و قطعا لأشغالكم، الّتي متى تمادت بكم، أضرت بأبدانكم، فجعل اللّه الليل و النوم، يغشى الناس، لتسكن حركاتهم الضارة، و تحصل راحتهم النافعة.

[12] وَ بَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً (12)، أي: سبع سموات، في غاية القوة، و الصلابة و الشدة. و قد أمسكها اللّه بقدرته، و جعلها سقفا للأرض، فيها عدة منافع لهم، و لهذا ذكر من منافعها الشمس، فقال:

[13] وَ جَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً (13) نبه بالسراج على النعمة بنورها الذي صار ضرورة للخلق، و بالوهاج، و هي: حرارتها، على ما فيها من الإنضاج و المنافع.

[14] وَ أَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ‏ ، أي: السحاب‏ ماءً ثَجَّاجاً ، أي: كثيرا جدا.

[15] لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا من برّ و شعير، و ذرة، و أرز، و غير ذلك مما يأكله الآدميون. وَ نَباتاً يشمل سائر النبات، الذي جعله اللّه قوتا لمواشيهم.

[16] وَ جَنَّاتٍ أَلْفافاً (16)، أي:

بساتين ملتفة، فيها من جميع أصناف الفواكه اللذيذة. فالذي أنعم بهذه النعم الجليلة، الّتي لا يقدر قدرها، و لا يحصى عددها كيف تكفرون به، و تكذبون ما أخبركم به، من البعث و النشور؟ أم كيف تستعينون بنعمه على معاصيه، و تجحدونها؟

[17] ذكر تعالى ما يكون في يوم القيامة الذي يتساءل عنه المكذبون، و يجحده المعاندون، أنه يوم عظيم، و أن اللّه جعله‏ مِيقاتاً للخلق.

[18] يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً ، و يجري فيه من الزعازع و القلاقل ما يشيب له المولود، و تنزعج له القلوب. فتسير الجبال، حتى تكون كالهباء المبثوث، و تنشق السماء حتى تكون أبوابا، و يفصل اللّه بين الخلائق، بحكمه الذي لا يجور، و توقد نار جهنم الّتي أرصدها اللّه، و أعدها للطاغين و جعلها مثوى لهم و مآبا، و أنهم يلبثون فيها أحقابا كثيرة، و «الحقب» على ما قاله كثير من المفسرين: ثمانون سنة.

[24] فإذا وردوها لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَ لا شَراباً ، أي: لا ما يبرد جلودهم، و لا ما يدفع ظمأهم. إِلَّا حَمِيماً ، أي: ماء حارا، يشوي وجوههم، و يقطع أمعاءهم. وَ غَسَّاقاً و هو صديد أهل النار، الذي هو في غاية النتن، و كراهة المذاق.

[26] و إنّما استحقوا هذه العقوبات الفظيعة جَزاءً وِفاقاً (26) لهم على ما عملوا من الأعمال الموصلة إليها، لم يظلمهم اللّه، و لكن ظلموا أنفسهم، و لهذا ذكر أعمالهم، الّتي استحقوا بها هذا الجزاء، فقال:

[27] إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً (27)، أي: لا يؤمنون بالبعث، و لا أن اللّه يجازي الخلق، بالخير و الشر، فلذلك أهملوا العمل للآخرة.

[28] وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً (28)، أي: كذبوا بها، تكذيبا واضحا، صريحا، و جاءتهم البينات فعاندوها.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1091

[29] وَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ من قليل أو كثير، و خير و شر أَحْصَيْناهُ كِتاباً ، أي: أثبتناه في اللوح المحفوظ، فلا يحسب المجرمون، أنا عذبناهم بذنوب لم يعملوها، و لا يحسبوا أنه يضيع من أعمالهم شي‏ء، أو ينسى منها مثقال ذرة. كما قال تعالى: وَ وُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَ يَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (49).

[30] فَذُوقُوا أيها المكذبون هذا العذاب الأليم، و الخزي الدائم‏ فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً ، فكل وقت و حين يزداد عذابهم. و هذه الآية أشد الآيات في شدة عذاب أهل النار، أجارنا اللّه منها.

[31] لما ذكر حال المجرمين، ذكر مآل المتقين، فقال: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً (31)، أي: الّذين اتقوا سخط ربهم، بالتمسك بطاعته، و الانكفاف عن معصيته فلهم مفاز و منجى، و بعد عن النار.

[32] و في ذلك المفاز لهم‏ حَدائِقَ‏ و هي البساتين الجامعة لأصناف الأشجار الزاهية بالثمار. وَ أَعْناباً تنفجر خلالها الأنهار، و خص العنب لشرفه و كثرته في تلك الحدائق.

[33] و لهم فيها زوجات على مطالب النفوس‏ كَواعِبَ‏ ، و هي النواهد، اللاتي لم ينكسر ثديهن من شبابهن و قوتهن و نضارتهن. أَتْراباً ، أي: على سن واحد متقارب. و من عادة الأتراب أن يكن متآلفات، متعاشرات، و ذلك السن الذي هن فيه ثلاث و ثلاثون سنة، أعدل ما يكون من الشباب.

[34] وَ كَأْساً دِهاقاً (34)، أي: مملوءة من رحيق، لذة للشاربين.

[35] لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً ، أي: كلاما لا فائدة فيه‏ وَ لا كِذَّاباً ، أي: إثما. كما قال تعالى: لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَ لا تَأْثِيماً (25) إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً (26)،

[36] و إنّما أعطاهم اللّه هذا الثواب الجزيل من فضله و إحسانه‏ جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً (36)، أي: بسبب أعمالهم الّتي وفقهم اللّه لها، و جعلها سببا للوصول إلى كرامته.

[37] أي: الذي أعطاهم هذه العطايا هو ربهم‏ رَبِّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُمَا الذي خلقها و دبّرها الرَّحْمنِ‏ الذي رحمته وسعت كلّ شي‏ء، فرباهم و رحمهم، و لطف بهم، حتى أدركوا ما أدركوا. ثمّ ذكر عظمته و ملكه العظيم يوم القيامة، و أن جميع الخلق كلهم ساكتون ذلك اليوم لا يتكلمون، و لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً ، إلا من أذن له الرحمن و قال صوابا، فلا يتكلم أحد إلا بهذين الشرطين: أن يأذن اللّه له في الكلام، و أن يكون ما تكلم به صوابا. لأن‏ ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُ‏ الذي لا يروج فيه الباطل، و لا ينفع فيه الكذب.

[38] و ذلك‏ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ‏ و هو جبريل عليه السّلام، الذي هو أفضل الملائكة. وَ الْمَلائِكَةُ أيضا يقوم الجميع‏ صَفًّا خاضعين للّه‏ لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ قالَ صَواباً . فلما رغّب، و رهّب، و بشّر، و أنذر، قال:

[39] ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى‏ رَبِّهِ مَآباً (39)، أي: عملا، و قدم صدق، يرجع إليه يوم القيامة.

[40] إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً لأنه قد أزف مقبلا، و كلّ ما هو آت قريب. يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ‏ ، أي: هذا الذي يهمه، و يفزع إليه، فلينظر في هذه الدار، ما قدم لدار القرار. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ لْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ‏ (18) الآيات. فإن وجد خيرا فليحمد اللّه، و إن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، و لهذا كان الكفار يتمنون الموت من شدة الحسرة و الندم .. وَ يَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً ، نسأل اللّه أن يعافينا من الكفر و الشر كلّه، إنه جواد كريم. تم تفسير سورة النبأ- و للّه الحمد.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1092

سورة النازعات‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] هذه الإقسامات بالملائكة الكرام و أفعالهم الدالة على كمال انقيادهم لأمر اللّه، و إسراعهم في تنفيذه، يحتمل أن المقسم عليه، الجزاء و البعث بدليل الإتيان بأحوال القيامة بعد ذلك. و يحتمل أن المقسم عليه، و المقسم به متحدان، و أنه أقسم على الملائكة لأن الإيمان بهم، أحد أركان الإيمان الستة. و لأن في ذكر أفعالهم هنا ما يتضمن الجزاء الذي تتولاه الملائكة، عند الموت و قبله، و بعده، فقال: وَ النَّازِعاتِ غَرْقاً (1) و هم الملائكة، الّتي تنزع الأرواح بقوة، و تغرق في نزعها، حتى تخرج الروح، فتجازى بعملها.

[2] وَ النَّاشِطاتِ نَشْطاً (2) و هي الملائكة أيضا، تجتذب الأرواح بقوة و نشاط، أو أن النشاط يكون لأرواح المؤمنين، و النزع لأرواح الكفار.

[3] وَ السَّابِحاتِ‏ أي: المترددات في الهواء صعودا و نزولا سَبْحاً .

[4] فَالسَّابِقاتِ‏ لغيرها سَبْقاً فتبادر لأمر اللّه، و تسبق الشياطين في إيصال الوحي إلى رسل اللّه، لئلا تسترقه.

[5] فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً (5) الملائكة، الّذين جعلهم اللّه يدبرون كثيرا من أمور العالم، العلوي و السفلي، من الأمطار، و النبات، و الرياح، و البحار، و الأجنة، و الحيوانات، و الجنة، و النار و غير ذلك.

[6] يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) و هي قيام الساعة.

[7] تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7)، أي: الرجفة الأخرى، الّتي تردفها، و تأتي تلوها.

[8] قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ (8)، أي: منزعجة من شدة ما ترى و تسمع.

[9] أَبْصارُها خاشِعَةٌ (9)، أي: ذليلة حقيرة، قد ملك قلوبهم الخوف، و أذهل أفئدتهم الفزع، و غلب عليهم التأسف، و استولت عليهم الحسرة.

[10] يَقُولُونَ‏ أي: منكرو البعث في الدنيا- استهزاء و إنكارا للبعث-: أَ إِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ ، أي: أ نرد بعد الموت إلى الخلقة الأولى؟ استفهام إنكاري مشتمل على غاية التعجب، و نهاية الاستغراب، أنكروا البعث، ثمّ ازدادوا استبعادا فاستمروا.

[11] يقولون، أي: الكفار في الدنيا، على وجه التكذيب: أَ إِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً (11)، أي: بالية فتاتا. و المعنى: «أ نرد إلى الحياة بعد أن صرنا عظاما و هي رميم؟».

[12] قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ (12)، أي: استبعدوا أن يبعثهم اللّه، و يعيدهم بعد ما كانوا عظاما نخرة، جهلا منهم بقدرة اللّه، و تجرّؤا عليه.

[13] قال اللّه في بيان سهولة هذا الأمر عليه: فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ (13)، ينفخ في الصور.

[14] فَإِذا هُمْ‏ ، أي: الخلائق كلهم‏ بِالسَّاهِرَةِ ، أي: على وجه الأرض، قيام ينظرون، فيجمعهم اللّه، و يقضي بينهم، بحكمه العدل، و يجازيهم.

[15] يقول اللّه تعالى لنبيه محمد صلّى اللّه عليه و سلّم: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى‏ (15)، و هذا الاستفهام عن أمر عظيم متحقق وقوعه.

[16] أي: هل أتاك حديثه‏ إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً‏ (16) و هو المحل الذي كلمه اللّه فيه، و امتنّ عليه بالرسالة، و ابتعثه بالوحي، و اجتباه فقال له:

[17] اذْهَبْ إِلى‏ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى‏ (17)، أي: فانهه عن طغيانه، و شركه،

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1093

و عصيانه، بقول لين، و خطاب لطيف لعله‏ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى‏ .

[18] فَقُلْ‏ له: هَلْ لَكَ إِلى‏ أَنْ تَزَكَّى‏ ، أي: هل لك في خصلة حميدة، و محمدة جميلة، يتنافس فيها أولو الألباب، و هي أن تزكّي نفسك، و تطهرها من دنس الكفر و الطغيان، إلى الإيمان و العمل الصالح؟

[19] وَ أَهْدِيَكَ إِلى‏ رَبِّكَ‏ ، أي: أدلك عليه، و أبيّن لك مواقع رضاه، من مواقع سخطه. فَتَخْشى‏ اللّه، إذا علمت الصراط المستقيم، فامتنع فرعون مما دعاه إليه موسى.

[20] فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى‏ (20)، أي: جنس الآية الكبرى، فلا ينافي تعددها فَأَلْقى‏ عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (107) وَ نَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ* (108).

[21- 23] فَكَذَّبَ‏ بالحق‏ وَ عَصى‏ الأمر، ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى‏ (22)، أي: يجتهد في مبارزة الحقّ. فَحَشَرَ جنوده أي: جمعهم‏ فَنادى‏ فَقالَ‏ لهم: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى‏ فأذعنوا له، و أقروا بباطله، حين استخفهم.

[25] فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَ الْأُولى‏ (25) أي: جعل اللّه عقوبته، دليلا و زاجرا، و مبينة لعقوبة الدنيا و الآخرة.

[26] إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى‏ (26)، فإن من يخشى اللّه، هو الذي ينتفع بالآيات و العبر. فإذا رأى عقوبة فرعون، عرف أن من تكبر و عصى، و بارز الملك الأعلى، يعاقبه في الدنيا و الآخرة، و أما من ترحلت خشية اللّه من قلبه، فلو جاءته كل آية لا يؤمن بها.

[27] يقول تعالى- مبينا دليلا واضحا لمنكري البعث، و مستبعدي إعادة اللّه للأجساد-: أَ أَنْتُمْ‏ أيها البشر أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ ذات الجرم العظيم، و الخلق القوي، و الارتفاع الباهر بَناها اللّه.

[28] رَفَعَ سَمْكَها ، أي:

جرمها و صورتها فَسَوَّاها بإحكام و إتقان، يحير العقول، و يذهل الألباب.

[29] وَ أَغْطَشَ لَيْلَها ، أي: أظلمه، فعمت الظلمة، جميع أرجاء السماء، فأظلم وجه الأرض. وَ أَخْرَجَ ضُحاها ، أي: أظهر فيه النور العظيم، حين أتى بالشمس، فانتشر الناس في مصالح دينهم و دنياهم.

[30] وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ‏ أي: بعد خلق السماء دَحاها ، أي: أودع فيها منافعها.

[31- 32] و فسر ذلك بقوله: أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَ مَرْعاها (31) وَ الْجِبالَ أَرْساها (32)، أي: ثبتها بالأرض. فدحى الأرض بعد خلق السماوات، كما هو نص هذه الآيات الكريمة. و أما خلق نفس الأرض، فمتقدم على خلق السماء كما قال تعالى: * قُلْ أَ إِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَ تَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ‏ (9) إلى أن قال: فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ‏ .

فالذي خلق السماوات العظام و ما فيها من الأنوار و الأجرام، و الأرض الغبراء الكثيفة، و ما فيها من ضروريات الخلق و منافعهم، لا بد أن يبعث الخلق المكلفين، فيجازيهم بأعمالهم، فمن أحسن فله الحسنى، و من أساء فلا يلومن إلا نفسه.

[34] و لهذا ذكر بعد هذا قيام الساعة، ثم الجزاء، فقال: فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ ، إلى: هِيَ الْمَأْوى‏ . أي: إذا جاءت القيامة الكبرى، و الشدة العظمى، الّتي يهون عندها كلّ شدة، فحينئذ يذهل الوالد عن ولده، و الصاحب عن‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1094

صاحبه، و كلّ محب عن حبيبه.

[35] و يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى‏ في الدنيا، من خير و شر، فيتمنى زيادة مثقال ذرة في حسناته، و يغمّ و يحزن لزيادة مثقال ذرة في سيئاته. و يعلم إذ ذاك أن مادة ربحه و خسرانه ما سعاه في الدنيا، و ينقطع كلّ سبب وصلة كانت له في الدنيا، سوى الأعمال.

[36] وَ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى‏ (36)، أي: جعلت في البراز، ظاهرة لكل أحد قد هيئت لأهلها، و استعدت لأخذهم، منتظرة لأمر ربها.

[37] فَأَمَّا مَنْ طَغى‏ (37)، أي: جاوز الحد، بأن تجرأ على المعاصي الكبار، و لم يقتصر على ما حده اللّه.

[38] وَ آثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (38) على الآخرة، فصار سعيه لها، و وقته مستغرقا في حظوظها و شهواتها، و نسي الآخرة و العمل لها.

[39] فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى‏ (39) له، أي: المقر و المسكن لمن هذه حاله.

[40] وَ أَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ‏ أي: خاف القيام عليه، و مجازاته بالعدل فأثّر هذا الخوف في قلبه، وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى‏ الذي يصدها عن طاعة اللّه، و صار هواه تبعا لما جاء به الرسول، و جاهد الهوى و الشهوة، الصادّين عن الخير.

[41] فَإِنَّ الْجَنَّةَ المشتملة على كلّ خير و سرور و نعيم‏ هِيَ الْمَأْوى‏ لمن هذا وصفه.

[42] أي: يسألك المتعنتون المكذبون بالبعث‏ عَنِ السَّاعَةِ متى وقوعها أَيَّانَ مُرْساها ، فأجابهم اللّه بقوله:

[43] فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (43)، أي: ما الفائدة لك و لهم في ذكرها، و معرفة وقت مجيئها؟ فليس تحت ذلك نتيجة. و لهذا لما كان علم العباد للساعة، ليس لهم فيه مصلحة دينية و لا دنيوية، بل المصلحة في إخفائه عليهم، طوى علم ذلك عن جميع الخلق، و استأثر بعلمه فقال:

[44] إِلى‏ رَبِّكَ مُنْتَهاها (44)، أي: إليه ينتهي علمها، كما قال في الآية الأخرى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ .

[45] إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (45)، أي: إنّما نذارتك، نفعها لمن يخشى مجي‏ء الساعة، و يخاف الوقوف بين يدي اللّه، فهم الّذين لا يهمهم إلا الاستعداد لها، و العمل لأجلها. و أما من لم يؤمن بها، فلا يبالي به، و لا بتعنته، لأنه تعنت مبني على التكذيب و العناد، و إذا وصل إلى هذه الحال، كانت الإجابة عنه عبثا، ينزه أحكم الحاكمين عنه‏

[46] كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها (46). تم تفسير سورة النازعات- بعون اللّه و توفيقه.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1095

سورة عبس‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] سبب نزول هذه الآيات الكريمات، أنه جاء رجل من المؤمنين أعمى يسأل النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و يتعلم منه. و جاء رجل من الأغنياء، و كان صلّى اللّه عليه و سلّم حريصا على هداية الخلق، فمال صلّى اللّه عليه و سلّم و أصغى إلى الغني، و صدّ عن الأعمى الفقير، رجاء لهداية ذلك الغني، و طمعا في تزكيته، فعاتبه اللّه بهذا العتاب اللطيف، فقال: عَبَسَ‏ ، أي: في وجهه‏ وَ تَوَلَّى‏ في بدنه، لأجل مجي‏ء الأعمى له. ثم ذكر الفائدة في الإقبال عليه، فقال:

[3] وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ‏ ، أي: الأعمى‏ يَزَّكَّى‏ ؟، أي: يتطهر عن الأخلاق الرذيلة، و يتصف بالأخلاق الجميلة؟

[4] أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى‏ (4)؟ أي:

يتذكر ما ينفعه، فينتفع بتلك الذكرى. و هذه فائدة كبيرة، هي المقصودة من بعثة الرسل، و وعظ الوعاظ، و تذكير المذكرين، فإقبالك على من جاء بنفسه، مفتقرا لذلك مقبلا، هو الأليق الواجب. و أما تصديك، و تعرضك للغني المستغني، الذي لا يسأل، و لا يستغني لعدم رغبته في الخير، مع تركك من هو أهم منه فإنه لا ينبغي لك فإنه ليس عليك أن لا يزكى، فلو لم يتزكّ، فلست بمحاسب على ما عمله من الشر. فدل هذا، على القاعدة المشهورة، أنه: «لا يترك أمر معلوم لأمر موهوم، و لا مصلحة متحققة لمصلحة متوهمة». و أنه ينبغي الإقبال على طالب العلم، المفتقر إليه، الحريص عليه، أزيد من غيره.

[11] يقول تعالى: كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ (11)، أي: حقا إن هذه الوعظة، تذكرة من اللّه، يذكر بها عباده، و يبين لهم في كتابه ما يحتاجون إليه، و يبين الرشد من الغي، فإذا تبين ذلك‏ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ‏ (12)، أي: عمل به كقوله تعالى: وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ .

ثم ذكر محل هذه التذكرة، و عظمها، و رفع قدرها، فقال: [12- 13] فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ القدر و الرتبة مُطَهَّرَةٍ من الآفات، و عن أن ينالها أذى الشياطين، أو يسترقوها.

بل هي‏

[15] بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) و هم الملائكة، الّذين هم سفراء بين اللّه و بين عباده.

[16] كِرامٍ‏ ، أي:

كثيري الخير و البركة بَرَرَةٍ قلوبهم و أعمالهم. و ذلك كله حفظ من اللّه لكتابه، أن جعل السفراء فيه إلى الرسل الملائكة الكرام الأقوياء الأتقياء، و لم يجعل للشياطين عليه سبيلا، و هذا مما يوجب الإيمان به، و تلقّيه بالقبول. و لكن مع هذا أبى الإنسان إلا كفورا، و لهذا قال تعالى:

[17- 19] قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ‏ (17) لنعمة اللّه، و ما أشد معاندته للحق، بعد ما تبين، و هو ما هو؟ هو من أضعف الأشياء، خلقه من ماء مهين، ثم قدر خلقه، و سواه بشرا سويا، و أتقن قواه الظاهرة و الباطنة.

[20] ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ‏ (20)، أي: يسر له الأسباب الدينية و الدنيوية، و هداه السبيل، و بيّنه و امتحنه بالأمر و النهي.

[21] ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ‏ (21)، أي: أكرهه بالدفن، و لم يجعله كسائر الحيوانات، الّتي تكون جيفها على وجه الأرض.

صفحه بعد