کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 995

[16] فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَ نُذُرِ (16)، أي: فكيف رأيت أيها المخاطب عذاب اللّه الأليم و إنذاره الذي لا يبقي لأحد عليه حجة.

[17] وَ لَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)، أي: و لقد يسرنا و سهلنا هذا القرآن الكريم، ألفاظه للحفظ و الأداء، و معانيه للفهم و العلم، لأنه أحسن الكلام لفظا، و أصدقه معنى، و أبينه تفسيرا، فكل من أقبل عليه يسر اللّه عليه مطلوبه غاية التيسير، و سهله عليه، و الذكر شامل لكل ما يتذكر به العاملون من الحلال و الحرام، و أحكام الأمر و النهي، و أحكام الجزاء و المواعظ و العبر، و العقائد النافعة و الأخبار الصادقة. و لهذا كان علم القرآن حفظا و تفسيرا، أسهل العلوم، و أجلّها على الإطلاق، و هو العلم النافع الذي إذا طلبه العبد، أعين عليه، و قال بعض السلف عند هذا الآية: هل من طالب علم فيعان عليه؟

و لهذا يدعو اللّه عباده إلى الإقبال عليه و التذكر بقوله: فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ .

[18] «و عاد» هي القبيلة المعروفة باليمن، أرسل اللّه إليهم هودا عليه السّلام يدعوهم إلى توحيد اللّه و عبادته، فكذبوه،

[19] فأرسل اللّه عليهم‏ رِيحاً صَرْصَراً ، أي:

شديدة جدا. فِي يَوْمِ نَحْسٍ‏ ، أي: شديد العذاب و الشقاء عليهم، مُسْتَمِرٍّ عليهم سبع ليال، و ثمانية أيام حسوما.

[20] تَنْزِعُ النَّاسَ‏ من شدتها، فترفعهم إلى جو السماء، ثمّ تدفعهم بالأرض فتهلكهم، فيصبحون‏ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ ، أي: كأن جثثهم بعد هلاكهم، مثل جذوع النخل الخاوي الذي اقتلعته الريح فسقط على الأرض، فما أهون الخلق على اللّه إذا عصوا أمره.

[21] فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَ نُذُرِ (21)، كان و اللّه العذاب الأليم، و النذارة الّتي ما أبقت لأحد عليه حجة.

[22] وَ لَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22) كرر تعالى ذلك، رحمة بعباده، و عناية بهم، حيث دعاهم إلى ما يصلح دنياهم و أخراهم.

[23] كَذَّبَتْ ثَمُودُ و هم القبيلة المعروفة المشهورة في أرض الحجر، نبيهم صالحا صلّى اللّه عليه و سلّم، حين دعاهم إلى عبادة اللّه وحده لا شريك له، و أنذرهم العقاب، إن هم خالفوه.

[24] فكذبوه و استكبروا عليه، و قالوا- كبرا و تيها-:

أَ بَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ‏ ، أي: كيف نتبع بشرا، لا ملكا، منا، لا من غيرنا، ممن هو أكبر عند الناس منا. و مع ذلك فهو شخص واحد إِنَّا إِذاً ، أي: إن اتبعناه و هو في هذه الحالة، لَفِي ضَلالٍ وَ سُعُرٍ ، أي: لضالون أشقياء.

و هذا الكلام من ضلالهم و شقائهم، فإنهم أنفوا أن يتبعوا رسولا من البشر، و لم يأنفوا أن يكونوا عابدين للشجر، و الحجر، و الصور.

[25] أَ أُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا ، أي: كيف يخصه اللّه من بيننا و ينزل عليه الذكر؟ فأي مزية خصه من بيننا؟ و هذا اعتراض من المكذبين على اللّه، لم يزالوا يدلون به، و يصولون و يردون به دعوة الرسل، و قد أجاب اللّه عن هذه الشبهة بقول الرسل لأممهم: قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى‏ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ‏ . فالرسل منّ اللّه عليهم بصفات و أخلاق و كمالات، بها صلحوا لرسالات ربهم، و الاختصاص بوحيه. و من رحمته و حكمته أن كانوا من البشر، فلو كانوا من الملائكة، لم يمكن البشر، أن يتلقوا عنهم، و لو جعلهم من الملائكة لعاجل المكذبين لهم بالعقاب العاجل. و المقصود من هذا الكلام الصادر من ثمود لنبيهم صالح،

تيسير الكريم الرحمن، ص: 996

تكذيبه، و لهذا حكموا عليه بهذا الحكم الجائر، فقالوا: بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ ، أي: كثير الكذب و الشر. فقبحهم اللّه ما أسفه أحلامهم و أظلمهم، و أشدهم مقابلة للصادقين الناصحين بالخطاب الشنيع، لا جرم عاقبهم اللّه حين اشتد طغيانهم.

[27] فأرسل اللّه الناقة الّتي هي من أكبر النعم عليهم، آية من آيات اللّه، و نعمة يحلبون من درّها، ما يكفيهم أجمعين. فِتْنَةً لَهُمْ‏ ، أي: اختبارا منه لهم و امتحانا.

فَارْتَقِبْهُمْ وَ اصْطَبِرْ ، أي: اصبر على دعوتك إياهم، و ارتقب ما يحل بهم، أو ارتقب هل يؤمنون أو يكفرون؟

[28] وَ نَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ‏ ، أي: و أخبرهم أن الماء، أي: موردهم الذي يستعذبونه، قسمة بينهم و بين الناقة، لها شرب يوم، و لهم شرب يوم آخر معلوم. كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ ، أي: يحضره من كان قسمته، و يحظر على من ليس بقسمة له.

[29] فَنادَوْا صاحِبَهُمْ‏ الذي باشر عقرها، الذي هو أشقى القبيلة فَتَعاطى‏ ، أي: انقاد لما أمروه به من عقرها فَعَقَرَ .

[30] فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَ نُذُرِ كان أشد عذاب، أرسل اللّه عليهم صيحة و رجفة، أهلكتهم عن آخرهم، و نجى اللّه صالحا و من آمن معه.

[31] إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ‏ في اليوم الرابع من عقرها صَيْحَةً واحِدَةً صاح بها جبريل عليه السّلام‏ فَكانُوا ، أي: فصاروا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ ، و الهشيم: الشجر اليابس المتهشم المتكسر، أو كالحشيش اليابس الذي يجمعه صاحب الحظيرة لماشيته في الشتاء، أي: كهشيم الحظيرة أو الشجر المتخذ لها. و المعنى الإجمالي: «إنا سلطنا عليهم صيحة واحدة، فصاروا بها كشجر يابس يجمعه من يريد اتخاذ حظيرة لبهائمه».

[32] وَ لَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (32).

[33- 40] أي: كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ لوطا عليه السّلام، حين دعاهم إلى عبادة اللّه وحده لا شريك له، و نهاهم عن الشرك و الفاحشة الّتي ما سبقهم بها أحد من العالمين. فكذبوه و استمروا على شركهم و قبائحهم، حتى إن الملائكة الّذين جاءوه بصورة أضياف حين سمع بهم قومه، جاءوا مسرعين، يريدون إيقاع الفاحشة فيهم، لعنهم اللّه و قبحهم، و راودوه عنهم. فأمر اللّه جبريل عليه السّلام، فطمس عيونهم، و أنذرهم نبيهم بطشة اللّه و عقوبته‏ بِالنُّذُرِ . وَ لَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) قلب اللّه عليهم ديارهم، و جعل أسفلها أعلاها، و تتبعهم بحجارة من سجيل منضود، مسومة عند ربك للمسرفين. و نجى اللّه لوطا و أهله من الكرب العظيم، جزاء لهم على شكرهم لربهم، و عبادته وحده لا شريك له، قال تعالى: عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)، مفهوم ذلك أنه يسير سهل على المؤمنين.

[41] أي: وَ لَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ‏ أي: فرعون و قومه‏ النُّذُرُ فأرسل اللّه إليهم موسى الكليم، و أيده بالآيات البينات، و المعجزات الباهرات، و أشهدهم من العبر ما لم يشهد غيرهم، فكذبوا بآيات اللّه كلها، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر، فأغرقه و جنوده في اليم.

[43] و المراد من ذكر هذه القصص تحذير الناس و المكذبين لمحمد صلّى اللّه عليه و سلّم، و لهذا قال:

أَ كُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ‏ ، أي: هؤلاء الذي كذبوا أفضل الرسل، خير من أولئك المكذبين، الّذين ذكر اللّه‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 997

هلاكهم، و ما جرى عليهم؟ فإن كانوا خيرا منهم، أمكن أن ينجوا من العذاب، و لم يصبهم ما أصاب أولئك الأشرار، و ليس الأمر كذلك، فإنهم إن لم يكونوا شرا منهم، فليسوا بخير منهم. أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ ، أي: أم أعطاكم اللّه عهدا و ميثاقا في الكتب الّتي أنزلها على الأنبياء، فتعتقدون حينئذ أنكم الناجون بإخبار اللّه و وعده؟

[44] و هذا غير واقع، بل غير ممكن، عقلا و شرعا، أن تكتب براءتهم في الكتب الإلهية المتضمنة للعدل و الحكمة، فليس من الحكمة نجاة أمثال هؤلاء المعاندين المكذبين، لأفضل الرسل و أكرمهم على اللّه، فلم يبق إلا أن يكون بهم قوة ينتصرون بها، فأخبر تعالى أنهم يقولون: نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ .

[45] قال تعالى مبينا لضعفهم، و أنهم مهزومون:

سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَ يُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) فوقع كما أخبر، هزم اللّه جمعهم الأكبر يوم «بدر»، و قتل صناديدهم و كبراؤهم، فأذلوا و نصر اللّه دينه و نبيه، و حزبه المؤمنين.

[46] و مع ذلك، فلهم موعد يجمع به أولهم و آخرهم، و من أصيب في الدنيا منهم، و من متع بلذاته، و لهذا قال: بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ‏ الذي يجازون به، و يؤخذ منهم الحقّ بالقسط. وَ السَّاعَةُ أَدْهى‏ وَ أَمَرُّ ، أي: أعظم و أشق، و أكبر من كلّ ما يتوهم، أو يدور في الخيال.

[47] إِنَّ الْمُجْرِمِينَ‏ ، أي: الّذين أكثروا من فعل الجرائم، و هي الذنوب العظيمة من الشرك و غيره، من المعاصي‏ لَفِي ضَلالٍ وَ سُعُرٍ ، أي: هم ضالون في الدنيا، ضلال عن العلم، و ضلال عن العمل، الذي ينجيهم من العذاب، و يوم القيامة من العذاب الأليم، و النار الّتي تستعر بهم، و تشتعل في أجسامهم، حتى تبلغ أفئدتهم.

[48] يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى‏ وُجُوهِهِمْ‏ الّتي هي أشرف ما بهم من الأعضاء، و ألمها أشد من غيرها، فيهانون بذلك، و يخزون، و يقال لهم: ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ ، أي: ذوقوا ألم النار و أسفها، و غيظها و لهبها.

[49] إِنَّا كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (49) و هذا شامل للمخلوقات، و العوالم العلوية و السفلية، إن اللّه تعالى وحده خلقها لا خالق لها سواه، و لا مشاركة في خلقه.

[50] و خلقها بقضاء سبق به علمه، و جرى به قلمه، بوقتها و مقدارها، و جميع ما اشتملت عليه من الأوصاف، و ذلك على اللّه يسير، فلهذا قال: وَ ما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50) فإذا أراد شيئا قال له كن فيكون كما أراد، كلمح البصر، من غير ممانعة و لا صعوبة.

[51] وَ لَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ‏ من الأمم السابقين الّذين عملوا كما عملتم، و كذبوا كما كذبتم‏ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ، أي: متذكر يعلم أن سنة اللّه في الأولين و الآخرين واحدة، و أن حكمته كما اقتضت إهلاك أولئك الأشرار فإن هؤلاء مثلهم، و لا فرق بين الفريقين.

[52] وَ كُلُّ شَيْ‏ءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52)، أي: كل ما فعلوه من خير و شر مكتوب عليهم في الكتب القدرية

[53] وَ كُلُّ صَغِيرٍ وَ كَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53)، أي: مسطر مكتوب. و هذه حقيقة القضاء و القدر، و أن جميع الأشياء كلها، قد علمها اللّه تعالى، و سطرها عنده في اللوح المحفوظ، فما شاء اللّه كان، و ما لم يشأ لم يكن.

فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، و ما أخطأه لم يكن ليصيبه.

[54] إِنَّ الْمُتَّقِينَ‏ للّه، بفعل أوامره، و ترك نواهيه، الّذين اتقوا الشرك و الكبائر و الصغائر. فِي جَنَّاتٍ‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 998

وَ نَهَرٍ ، أي: في جنات النعيم، التي فيها ما لا عين رأت، و لا أذن سمعت، و لا خطر على قلب بشر، من الأشجار اليانعة، و الأنهار الجارية، و القصور الرفيعة، و المنازل الأنيقة، و المآكل و المشارب اللذيذة، و الحور الحسان، و الروضات البهيات في الجنان، و رضا الملك الديان، و الفوز بقربه، و لهذا قال:

[55] فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55) فلا تسأل بعد هذا عما يعطيهم ربهم من كرامته وجوده، و يمدهم به من إحسانه و منته. جعلنا اللّه منهم، و لا حرمنا خير ما عنده، بشرّ ما عندنا. تم تفسير سورة القمر- و الحمد للّه.

سورة الرحمن‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] هذه السورة الكريمة الجليلة، افتتحها باسمه «الرحمن» الدال على سعة رحمته، و عموم إحسانه، و جزيل بره، و واسع فضله. ثمّ ذكر ما يدل على رحمته و أثرها، الذي أوصله اللّه إلى عباده من النعم الدينية و الدنيوية و الأخروية. و بعد كلّ جنس و نوع من نعمه، ينبه الثقلين لشكره، و يقول: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ* .

[2] فذكر أنه‏ عَلَّمَ الْقُرْآنَ‏ (2)، أي: علم عباده ألفاظه و معانيه، و يسرها على عباده، و هذا أعظم منة و رحمة، رحم بها العباد، حيث أنزل عليهم قرآنا عربيا بأحسن الألفاظ، و أوضح المعاني، مشتمل على كلّ خير، زاجر عن كلّ شر.

[3] خَلَقَ الْإِنْسانَ‏ (3) في أحسن تقويم كامل الأعضاء، مستوفي الأجزاء، محكم البناء، قد أتقن البارئ تعالى البديع خلقه أيّ إتقان، و ميّزه على سائر الحيوانات.

[4] بأن‏ عَلَّمَهُ الْبَيانَ‏ (4)، أي: التبين عما في ضميره، و هذا شامل للتعليم النطقي و التعليم الخطي، فالبيان الذي ميز اللّه به الآدمي على غيره من أجلّ نعمه، و أكبرها عليه.

[5] الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ بِحُسْبانٍ‏ (5)، أي: خلق اللّه الشمس و القمر، و سخرهما يجريان بحساب مقنن، و تقدير مقدر، رحمة بالعباد، و عناية بهم، و ليقوم بذلك من مصالحهم ما يقوم، و ليعرفوا عدد السنين و الحساب.

[6] وَ النَّجْمُ وَ الشَّجَرُ يَسْجُدانِ‏ (6)، أي: نجوم السماء، و أشجار الأرض، تعرف ربها و تسجد له، و تطيع و تخضع، تنقاد لما سخرها له من مصالح عباده و منافعهم.

[7] وَ السَّماءَ رَفَعَها سقفها للمخلوقات الأرضية.

وَ وَضَعَ الْمِيزانَ‏ ، أي: العدل بين العباد، في الأقوال و الأفعال، و ليس المراد به الميزان المعروف وحده، بل هو كما ذكرنا، يدخل فيه الميزان المعروف، و المكيال الذي به تكال الأشياء و المقادير، و المساحات الّتي تضبط بها المجهولات، و الحقائق الّتي يفصل بها بين المخلوقات، و يقام بها العدل بينهم، و لهذا قال:

[8] أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ‏ (8)، أي: أنزل اللّه الميزان، لئلا تتجاوزوا الحد في الحقوق و الأمور، فإن الأمر لو كان يرجع إلى عقولكم و آرائكم، لحصل من الخلل ما اللّه به عليم، و لفسدت السماوات و الأرض و من فيهن.

[9] وَ أَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ ، أي: اجعلوه قائما بالعدل، الذي تصل إليه مقدرتكم و إمكانكم. وَ لا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ‏ أي: لا

تيسير الكريم الرحمن، ص: 999

تنقصوه و تعملوا بضده و هو الجور و الظلم و الطغيان.

[10] وَ الْأَرْضَ وَضَعَها اللّه على ما كانت عليه من الكثافة و الاستقرار و اختلاف أوصافها و أحوالها لِلْأَنامِ‏ ، أي: للخلق، لكي يستقروا عليها، و تكون لهم مهادا، و فراشا يبنون بها، و يحرثون و يغرسون، و يحفرون، و يسلكون سبلها فجاجا، و ينتفعون بمعادنها، و جميع ما فيها، مما تدعو إليه حاجتهم بل ضرورتهم.

[11] ثمّ ذكر ما فيها من الأقوات الضرورية، فقال: فِيها فاكِهَةٌ و هي جميع الأشجار الّتي تثمر الثمرات الّتي يتفكه بها العباد، من العنب، و التين، و الرمان، و التفاح، و غير ذلك. وَ النَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ‏ ، أي: ذات الوعاء الذي ينفلق عن القنوان الّتي تخرج شيئا فشيئا حتى تتم، فتكون قوتا يدخر و يؤكل، و يتزود منه المقيم و المسافر، و فاكهة لذيذة من أحسن الفواكه.

[12] وَ الْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ‏ ، أي: ذو الساق الذي يداس، فينتفع بتبنه للأنعام و غيرها، و يدخل في ذلك حب البر، و الشعير، و الذرة، و الأرز، و الدخن و غير ذلك. وَ الرَّيْحانُ‏ يحتمل أن المراد به جميع الأرزاق الّتي يأكلها الآدميون، فيكون هذا من باب عطف العام على الخاص، و يكون اللّه قد امتنّ على عباده بالقوت و الرزق، عموما و خصوصا. و يحتمل أن المراد بالريحان، المعروف، و أن اللّه امتنّ على عباده بما يسره في الأرض من أنواع الروائح الطيبة، و المشام الفاخرة، الّتي تسر الأرواح، و تنشرح لها النفوس.

[13] و لما ذكر جملة كثيرة من نعمه الّتي تشاهد بالأبصار و البصائر، و كان الخطاب للثقلين، الجن و الإنس، قررهم تعالى بنعمه فقال: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ‏ (13)، أي: فبأي نعم اللّه الدينية و الدنيوية تكذبان؟ و ما أحسن جواب الجن حين تلا عليهم النبي صلّى اللّه عليه و سلّم هذه السورة، فكلما مر بقوله: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ* (13)، قالوا: و لا بشي‏ء من آلائك ربنا نكذب، فلك الحمد، فهكذا ينبغي للعبد إذا تليت عليه نعم اللّه و آلاؤه، أن يقرّ بها، و يشكر، و يحمد اللّه عليها.

[14- 16] ثمّ قال تعالى: خَلَقَ الْإِنْسانَ‏ إلى‏ تُكَذِّبانِ‏ . و هذا من نعمه تعالى على عباده، حيث أراهم من آثار قدرته و بديع صنعته، أن‏ خَلَقَ‏ أبا الْإِنْسانَ‏ و هو آدم عليه السّلام‏ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ ، أي: من طين مبلول، قد أحكم بله، و أتقن، حتى جف، فصار له صلصلة و صوت، يشبه صوت الفخار، و هو الطين المشوي. وَ خَلَقَ الْجَانَ‏ ، أي: أبا الجن، و هو إبليس لعنه اللّه‏ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ ، أي: من لهب النار الصافي، أو الذي قد خالطه الدخان. و هذا يدل على شرف عنصر الآدمي المخلوق من الطين و التراب، الذي هو محل الرزانة و الثقل و المنافع، بخلاف عنصر الجان و هو النار، الّتي هي محل الخفة و الطيش، و الشر و الفساد. و لما بين خلق الثقلين و مادة ذلك، و كان منة منه تعالى عليهم، قال: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ‏ (16).

[19- 23] أي: هو تعالى رب كلّ ما أشرقت عليه الشمس و القمر، و الكواكب النيرة، و كلّ ما غربت عنه، و كلّ ما كانا فيه، فالجميع تحت تدبيره و ربوبيته، و ثنّاهما هنا، باعتبار مشارقها، شتاء و صيفا، و اللّه أعلم. المراد بالبحرين: البحر العذاب، و البحر المالح، فهما يلتقيان، فيصب العذب في البحر المالح، و يختلطان و يمتزجان، و لكن اللّه تعالى جعل بينهما برزخا من الأرض، حتى لا يبغي أحدهما على الآخر، و يحصل النفع بكل منهما.

فالعذب: منه يشربون و تشرب أشجارهم و زروعهم و حروثهم، و الملح: به يطيب الهواء و يتولد السمك و الحوت، و اللؤلؤ و المرجان، و يكون مستقرا مسخرا للسفن و المراكب، و لهذا قال: وَ لَهُ الْجَوارِ إلى: تُكَذِّبانِ‏ .

[24- 25] أي: و سخر تعالى لعباده السفن و الجواري، الّتي تمخر البحر، و تشقه بإذن اللّه، ينشئها الآدميون، فتكون من عظمها و كبرها، كالأعلام، و هي: الجبال العظيمة. فيركبها الناس و يحملون عليها أمتعتهم، و أنواع تجاراتهم و غير ذلك مما تدعو إليه حاجتهم و ضرورتهم، و قد حفظها حافظ السماوات و الأرض، و هذه من نعم اللّه‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1000

الجليلة، و لهذا قال: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ‏ (25).

[26- 27] أي: كل من على الأرض، من إنس و جن، و دواب، و سائر المخلوقات، يفنى و يبيد، و يبقى الحي الذي لا يموت‏ ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ‏ ، أي: ذو العظمة و الكبرياء و المجد الذي يعظم و يبجل، و يجل لأجله، و الإكرام الذي هو سعة الفضل و الجود الذي يكرم أولياءه، و خواص خلقه بأنواع الإكرام الذي يكرمه أولياؤه و يجلونه، و يعظمونه و يحبونه، و ينيبون إليه و يعبدونه. [28] فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ‏ (28).

[29- 30] أي: هو الغني بذاته عن جميع مخلوقاته، و هو واسع الجود و الكرم، فكل الخلق مفتقرون إليه، يسألونه جميع حوائجهم، مجالهم و مقالهم، و لا يستغنون عنه طرفة عين، و لا أقل من ذلك. و هو تعالى‏ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ‏ يغني فقيرا، و يجبر كسيرا، و يعطي قوما، و يمنع آخرين، و يميت و يحيي، و يخفض و يرفع، لا يشغله شأن عن شأن، و لا تغلطه المسائل، و لا يبرمه إلحاح الملحين، و لا طول مسألة السائلين. فسبحان الكريم الوهاب، الذي عمت مواهبه أهل الأرض و السماوات، و عمّ لطفه جميع الخلق في كلّ الآنات و اللحظات، و تعالى الذي لا يمنعه من الإعطاء معصية العاصين، و لا استغناء الفقراء الجاهلين به و بكرمه. و هذه الشؤون الّتي أخبر أنه كلّ يوم هو في شأن، هي تقاديره و تدابيره الّتي قدرها في الأزل و قضاها، لا يزال تعالى يمضيها و ينفذها في أوقاتها، الّتي اقتضتها حكمته، و هي أحكامه الدينية الّتي هي الأمر و النهي، و القدرية الّتي يجريها على عباده مدة مقامهم في هذه الدار. حتى إذا تمت هذه الخليقة و أفناهم اللّه تعالى، و أراد أن ينفذ فيهم أحكام الجزاء، و يريهم من عدله و فضله، و كثرة إحسانه، ما به يعرفونه، و يوحدونه، نقل المكلفين من دار الابتلاء و الامتحان، إلى دار الحيوان.

[31- 32] و فرغ حينئذ لتنفيذ هذه الأحكام، الّتي جاء وقتها، و هو المراد بقوله: سَنَفْرُغُ‏ ، إلى:

تُكَذِّبانِ‏ . أي: سنفرغ لحسابكم و مجازاتكم بأعمالكم الّتي عملتموها في دار الدنيا.

[33- 34] أي: إذا جمعهم اللّه في موقف القيامة، أخبرهم بعجزهم و ضعفهم، و كمال سلطانه، و نفوذ مشيئته و قدرته، فقال معجزا لهم: يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ ، أي: تجدون مسلكا و منفذا، تخرجون به عن ملك اللّه و سلطانه. فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ‏ ، أي: لا تخرجون منه إلا بقوة، و تسلط منكم، و كمال قدرة، و أنّى لهم ذلك، و هم لا يملكون لأنفسهم نفعا و لا ضرا، و لا موتا و لا حياة، و لا نشورا؟ ففي ذلك الموقف لا يتكلم أحد إلا بإذنه، و لا تسمع إلا همسا، و في ذلك الموقف يستوي الملوك و المماليك، و الرؤساء و المرءوسون، و الأغنياء و الفقراء.

[35- 36] ثمّ ذكر ما أعد لهم في ذلك اليوم، فقال: يُرْسَلُ عَلَيْكُما إلى: تُكَذِّبانِ‏ . أي: يرسل عليكما لهب صاف من النار، و نحاس، و هو: اللهب الذي قد خالطه الدخان، و المعنى أن هذين الأمرين الفظيعين يرسلان عليكما، و يحيطان بكما، فلا تنتصران، لا بناصر، من أنفسكم، و لا بأحد ينصركم من دون اللّه. و لما كان تخويفه‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1001

لعباده نعمة منه عليهم، و سوطا يسوقهم به إلى أعلى المطالب، و أشرف المواهب، ذكر منته بذلك، فقال: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ‏ (36).

[37] فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ ، أي: يوم القيامة من الأهوال، و كثرة البلبال، و ترادف الأوجال، فانخسفت شمسها و قمرها، و انتثرت نجومها. فَكانَتْ‏ من شدة الخوف و الانزعاج‏ وَرْدَةً كَالدِّهانِ‏ ، أي: كانت كالمهل و الرصاص المذاب و نحوه‏

[38- 39] فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (38) فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَ لا جَانٌ‏ (39)، أي:

سؤال استعلام بما وقع، لأنه تعالى عالم الغيب و الشهادة، و الماضي و المستقبل، و يريد أن يجازي العباد بما علمه من أحوالهم. و قد جعل لأهل الخير و الشر يوم القيامة علامات يعرفون بها، كما قال تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ‏ .

[41- 42] و قال هنا: يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَ الْأَقْدامِ (41) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ‏ (42)، أي: فيؤخذ بنواصي المجرمين و أقدامهم، فيلقون في النار، و يسحبون إليها، و إنّما يسألهم تعالى سؤال توبيخ، و تقرير بما وقع منهم، و هو أعلم به منهم، و لكنه تعالى يريد أن تظهر للخلق حجته البالغة، و حكمته الجليلة.

[43] أي: يقال للمكذبين بالوعد و الوعيد، حيتن تسعر الجحيم: هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ‏ (43)، فليهنهم تكذيبهم بها، و ليذوقوا من عذابها، و نكالها و سعيرها، و أغلالها، ما هو جزاء لهم على تكذيبهم.

[44] يَطُوفُونَ بَيْنَها ، أي: بين أطباق الجحيم و لهبها وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ‏ ، أي: ماء حار جدا، قد انتهى حره، و زمهرير، قد اشتد برده و قره [45] فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ‏ (45).

[46] و لما ذكر ما يفعل بالمجرمين، ذكر جزاء المتقين الخائفين، فقال: وَ لِمَنْ خافَ‏ ، إلى: وَ الْإِكْرامِ‏ . أي:

و الذي خاف ربه، و قيامه عليه، فترك ما نهى عنه، و فعل ما أمر به، له جنتان، من ذهب آنيتهما، و حليتهما، و بنيانهما، و ما فيهما، إحدى الجنتين، جزاء على ترك المنهيات، و الأخرى على فعل الطاعات.

[48] و من أوصاف تلك الجنتين، أنهما ذَواتا أَفْنانٍ‏ (48)، أي: فيهما من ألوان النعيم المتنوعة، نعيم الظاهر و الباطن، ما لا عين رأت، و لا أذن سمعت، و لا خطر على قلب بشر. أن فيهما الأشجار الكثيرة الزاهرة، ذوات الغصون الناعمة، الّتي فيها الثمار اليانعة الكثيرة اللذيذة.

[50] و في تلك الجنتين‏ عَيْنانِ تَجْرِيانِ‏ يفجرونهما على ما يريدون و يشتهون.

[52] فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ من جميع أصناف الفواكه‏ زَوْجانِ‏ ، أي: صنفان، كل صنف له لذة و لون، ليس للنوع الآخر.

صفحه بعد