کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1101

[15] و لهذا جوزي على ذلك، بأن حجب عن اللّه، كما حجب قلبه عن آيات اللّه.

[16] ثُمَّ إِنَّهُمْ‏ مع هذه العقوبة البليغة لَصالُوا الْجَحِيمِ‏ .

[17] ثم يقال لهم توبيخا و تقريعا هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ‏ . فذكر لهم ثلاثة أنواع من العذاب: عذاب الجحيم، و عذاب التوبيخ و اللوم، و عذاب الحجاب عن رب العالمين، المتضمن لسخطه و غضبه عليهم، و هو أعظم عليهم من عذاب النار. و دل مفهوم الآية، على أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة في الجنة، و يتلذذون بالنظر إليه أعظم من سائر اللذات، و يبتهجون بخطابه، و يفرحون بقربه، كما ذكر اللّه ذلك في عدة آيات من القرآن، و تواتر فيه النقل عن رسول صلّى اللّه عليه و سلّم. و في هذه الآيات، التحذير من الذنوب، فإنها ترين على القلب و تغطيه، شيئا فشيئا. حتى ينطمس نوره، و تموت بصيرته، فتنقلب عليه الحقائق، فيرى الباطل حقا، و الحق باطلا، و هذا من أعظم عقوبات الذنوب.

[18] لما ذكر أن كتاب الفجار في أسفل الأمكنة و أضيقها، ذكر أن كتاب الأبرار في أعلاها، و أوسعها، و أفسحها. و أن كتابهم‏ كِتابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ‏ (21) من الملائكة الكرام، و أرواح الأنبياء، و الصديقين و الشهداء، و ينوّه اللّه بذكرهم في الملأ الأعلى. و «عليون» اسم لأعلى الجنة. فلما ذكر كتابهم، ذكر أنهم في نعيم، و هو اسم جامع لنعيم القلب، و الروح، و البدن.

[23] عَلَى الْأَرائِكِ‏ ، أي: على السرر المزينة بالفرش الحسان. يَنْظُرُونَ‏ إلى ما أعد اللّه لهم من النعيم، و ينظرون إلى وجه ربهم الكريم.

[24] تَعْرِفُ‏ أيها الناظر فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ‏ ، أي: بهاءه و نضارته و رونقه. فإن توالي اللذات، و المسرات، و الأفراح، يكسب الوجه نورا، و حسنا، و بهجة.

[25] يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ‏ و هو من أطيب ما يكون من الأشربة و ألذها. مَخْتُومٍ‏ ذلك الشراب‏

[26] خِتامُهُ مِسْكٌ‏ . يحتمل أن المراد مختوم عن أن يداخله شي‏ء ينقص لذته، أو يفسد طعمه، و ذلك الختام، الذي ختم به مسك. و يحتمل أن المراد أنه الذي يكون في آخر الإناء، الذي يشربون منه الرحيق حثالة، و هي المسك الأذفر. فهذا الكدر منه، الذي جرت العادة في الدنيا، أنه يراق، يكون في الجنة بهذه المثابة. وَ فِي ذلِكَ‏ النعيم المقيم، الذي لا يعلم حسنه و مقداره إلا اللّه. فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ‏ ، أي: فليتسابقوا في المبادرة إليه بالأعمال الموصلة إليه، فهذا أولى ما بذلت فيه نفائس الأنفاس، و أحرى ما تزاحمت للوصول إليه فحول الرجال.

[27- 28] وَ هذا الشراب‏ مِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ‏ (28) صرفا و هي أعلى أشربة الجنة على الإطلاق، فلذلك كانت خالصة للمقربين، الذين هم أعلى الخلق منزلة، و ممزوجة لأصحاب اليمين، أي: مخلوطة بالرحيق و غيره من الأشربة اللذيذة.

[29] لما ذكر تعالى جزاء المجرمين، و جزاء المحسنين، و ذكر ما بينهما من التفاوت العظيم، أخبر أن المجرمين كانوا في الدنيا، يسخرون بالمؤمنين، و يستهزئون بهم، و يضحكون منهم، فيتغامزون بهم، عند مرورهم عليهم، احتقارا لهم و ازدراء، و مع هذا تراهم مطمئنين، لا يخطر الخوف على بالهم.

[31] وَ إِذَا انْقَلَبُوا إِلى‏ أَهْلِهِمُ‏ صباحا و مساء انْقَلَبُوا فَكِهِينَ‏ ، أي: مسرورين مغتبطين. و هذا أشد ما يكون من الاغترار، أنهم جمعوا بين غاية الإساءة،

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1102

مع الأمن في الدنيا، حتى كأنهم قد جاءهم كتاب و عهد من اللّه، أنهم من أهل السعادة، و قد حكموا لأنفسهم، أنهم أهل الهدى، و أن المؤمنين ضالون، افتراء على اللّه، و تجرؤا على القول عليه بلا علم. قال تعالى:

[33] وَ ما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ‏ (33)، أي: و ما أرسلوا وكلاء على المؤمنين، ملزمين بحفظ أعمالهم، حتى يحرصوا على رميهم بالضلال، و ما هذا منهم، إلا تعنت و عناد و تلاعب، ليس له مستند و لا برهان، و لهذا كان جزاؤهم في الآخرة، من جنس عملهم.

[34] قال تعالى:

فَالْيَوْمَ‏ ، أي: يوم القيامة، الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ‏ حين يرونهم في غمرات العذاب يتقلبون، و قد ذهب عنهم ما كانوا يفترون.

[35] و المؤمنون في غاية الراحة و الطمأنينة عَلَى الْأَرائِكِ‏ و هي السرر المزينة.

يَنْظُرُونَ‏ إلى ما أعد اللّه لهم من النعيم، و ينظرون إلى وجه ربهم الكريم.

[36] هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ‏ (36)، أي: هل جوزوا من جنس عملهم؟ فكما ضحكوا في الدنيا من المؤمنين، و رموهم بالضلال، ضحك المؤمنون منهم في الآخرة، حين رأوهم في العذاب و النكال، الذي هو عقوبة الغي و الضلال. نعم ثوبوا ما كانوا يفعلون، عدلا من اللّه، و حكمة، و اللّه عليم حكيم.

تفسير سورة الإنشقاق‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] يقول تعالى مبينا لما يكون في يوم القيامة من تغير الأجرام العظام: إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ‏ (1)، أي: انفطرت و تمايز بعضها من بعض، و انتثرت نجومها، و خسف شمسها و قمرها.

[2] وَ أَذِنَتْ لِرَبِّها ، أي: استمعت لأمره، و ألقت سمعها، و أصاخت لخطابه. وَ حُقَّتْ‏ ، أي: حق لها ذلك، فإنها مسخرة، مدبرة، تحت مسخر ملك عظيم لا يعصى أمره، و لا يخالف حكمه.

[3] وَ إِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ‏ (3)، أي: رجفت و ارتجت، و نسفت عليها جبالها، و دك ما عليها من بناء و معلم، فسويت، و مدها اللّه مد الأديم، حتى صارت واسعة جدا، تسع أهل الموقف على كثرتهم، فتصير قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا، و لا أمتا.

[4] وَ أَلْقَتْ ما فِيها من الأموات و الكنوز. وَ تَخَلَّتْ‏ منهم، فإنه ينفخ في الصور فتخرج الأموات من الأجداث إلى وجه الأرض، و تخرج الأرض كنوزها، حتى تكون كالأسطوان العظيم، يشاهده الخلق و يتحسرون على ما هم فيه يتنافسون.

[5- 6] وَ أَذِنَتْ لِرَبِّها وَ حُقَّتْ (5) يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى‏ رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ‏ (6) أي: إنك ساع إلى اللّه، و عامل بأوامره و نواهيه، و متقرب إليه إما بالخير، و إما

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1103

بالشر، ثم تلاقي اللّه يوم القيامة فلا تعدم منه جزاء بالفضل أو العدل، بالفضل إن كنت سعيدا، و بالعقوبة العادلة إن كنت شقيا.

[7] و لهذا ذكر تفضيل الجزاء، فقال: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ‏ (7)، و هم أهل السعادة.

[8] فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (8) و هو العرض اليسير على اللّه، فيقرره اللّه بذنوبه، حتى إذا ظن العبد أنه قد هلك، قال اللّه تعالى: «إني قد سترتها عليك في الدنيا، و أنا أسترها لك اليوم».

[9] وَ يَنْقَلِبُ إِلى‏ أَهْلِهِ‏ في الجنة. مَسْرُوراً لأنه قد نجا من العذاب و فاز بالثواب.

[10] وَ أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ‏ (10)، أي: بشماله من وراء ظهره.

[11] فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً (11) من الخزي و الفضيحة، و ما يجد في كتابه من الأعمال التي قدمها و لم يتب منها.

[12- 13] وَ يَصْلى‏ سَعِيراً (12)، أي: تحيط به السعير من كل جانب و يقبل على عذابها، و ذلك‏ إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً (13) لا يخطر البعث على باله، و قد أساء، و لا يظن أنه راجع إلى ربه و موقوف بين يديه.

[15] بَلى‏ إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً (15) فلا يحسن أن يتركه سدى لا يؤمر و لا ينهى و لا يثاب و لا يعاقب.

[16] أقسم في هذا الموضع بآيات الليل، فأقسم بالشفق الذي هو بقية نور الشمس، الذي هو مفتتح الليل.

[17] وَ اللَّيْلِ وَ ما وَسَقَ‏ (17)، أي: احتوى عليه من حيوانات و غيرها.

[18] وَ الْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ‏ (18)، أي: امتلأ نورا بإبداره، و ذلك أحسن ما يكون و أكثر منافع، و المقسم عليه قوله: لَتَرْكَبُنَ‏ ، أي: أيها الناس‏ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ‏ ، أي: أطوارا متعددة و أحوالا متباينة من النطفة إلى العلقة، إلى المضغة، إلى نفخ الروح. ثم يكون وليدا و طفلا و مميزا، ثم يجري عليه قلم التكليف، و الأمر و النهي، ثم يموت بعد ذلك، ثم يبعث و يجازى بأعماله. فهذه الطبقات المختلفة الجارية على العبد، دالة على أن اللّه وحده هو المعبود، الموحد، المدبر لعباده، بحكمته و رحمته، و أن العبد فقير، عاجز، تحت تدبير العزيز الرحيم.

[21] و مع هذا، فكثير من الناس لا يؤمنون‏ وَ إِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ‏ (21)، أي: لا يخضعون للقرآن، و لا ينقادون لأوامره، و نواهيه.

[22] بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ‏ (22)، أي: يعاندون الحق بعد ما تبين، فلا يستغرب عدم إيمانهم و انقيادهم للقرآن، فإن المكذب بالحق عنادا، لا حيلة فيه.

[23] وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ‏ (23)، أي: بما يعملونه و ينوونه سرا، فاللّه يعلم سرهم و جهرهم، و سيجازيهم بأعمالهم، و لهذا قال:

[24] فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ‏ (24)، و سميت البشارة بشارة لأنها تؤثر في البشرة سرورا أو غما. فهذه حال أكثر الناس، التكذيب بالقرآن، و عدم الإيمان به.

[25] إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ‏ (25) و من الناس فريق هداهم اللّه، فآمنوا باللّه، و قبلوا ما جاءتهم به الرسل، فآمنوا و عملوا الصالحات. فهؤلاء لهم أجر غير ممنون، أي: غير مقطوع، بل هو أجر دائم مما لا عين رأت، و لا أذن سمعت، و لا خطر على قلب بشر، و الحمد للّه. تم تفسير سورة الانشقاق.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1104

سورة البروج‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] وَ السَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ‏ (1)، أي: ذات المنازل، المشتملة على منازل الشمس و القمر، و الكواكب المنتظمة في سيرها، على أكمل ترتيب و نظام دال على كمال قدرة اللّه و رحمته، و سعة علمه و حكمته.

[2] وَ الْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) و هو يوم القيامة، الذي وعد اللّه الخلق أن يجمعهم فيه، و يضم فيه أولهم و آخرهم، و قاصيهم و دانيهم، الذي لا يمكن أن يتغير، و لا يخلف اللّه الميعاد.

[3] وَ شاهِدٍ وَ مَشْهُودٍ (3) و شمل هذا، كل من اتصف بهذا الوصف، أي مبصر و مبصر، و حاضر و محضور، وراء و مرئي.

و المقسم عليه، ما تضمنه هذا القسم، من آيات اللّه الباهرة، و حكمه الظاهرة، و رحمته الواسعة.

[4] و قيل: إن المقسم عليه قوله: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (4)، و هذا دعاء عليهم بالهلاك. و «الأخدود»: الحفر التي تحفر في الأرض.

و كان أصحاب الأخدود هؤلاء، قوما كافرين، و لديهم قوم مؤمنون، فراودوهم على الدخول في دينهم، فامتنع المؤمنون من ذلك، فشقّ الكافرون أخدودا في الأرض، و قذفوا فيها النار، و قعدوا حولها، و فتنوا المؤمنين، و عرضوهم عليها. فمن استجاب لهم أطلقوه، و من استمر على الإيمان، قذفوه في النار، و هذا غاية المحاربة للّه و لحزبه المؤمنين، و لهذا لعنهم اللّه، و أهلكهم، و توعدهم، فقال: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (4).

[5- 7] ثم فسر الأخدود بقوله: النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ (6) وَ هُمْ عَلى‏ ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7).

و هذا من أعظم ما يكون من التجبر و قساوة القلب، لأنهم جمعوا بين الكفر بآيات اللّه و معاندتها، و محاربة أهلها، و تعذيبهم بهذا العذاب، الذي تنفطر منه القلوب.

[8] و حضورهم إياهم عند إلقائهم فيها، و الحال أنهم ما نقموا من المؤمنين إلا حالة يمدحون عليها، و بها سعادتهم، و هي: أنهم كانوا يؤمنون‏ بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ، أي: الذي له العزة، التي قهر بها كل شي‏ء، و هو حميد في أقواله، و أفعاله، و أوصافه.

[9] الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ خلقا و عبيدا، يتصرف فيهم بما شاء. وَ اللَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ شَهِيدٌ علما و سمعا و بصرا. فهلا خاف هؤلاء المتمردون عليه، أن يأخذهم العزيز المقتدر، أو ما علموا كلهم أنهم مماليك للّه، ليس لأحد على أحد سلطة، من دون إذن المالك؟ أو خفي عليهم أن اللّه محيط بأعمالهم، مجازيهم عليها؟ كلا إن الكافر في غرور، و الجاهل في عمى و ضلال عن سواء السبيل.

[10] ثم أوعدهم و وعدهم، و عرض عليهم التوبة، فقال: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَ لَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ‏ (10)، أي: العذاب الشديد المحرق. قال الحسن رحمه اللّه: انظروا إلى هذا الكرم و الجود، قتلوا أولياءه و أهل طاعته، و هو يدعوهم إلى التوبة. و لما ذكر عقوبة الظالمين، ذكر ثواب المؤمنين، فقال:

[11] إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بقلوبهم‏ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ‏ بجوارحهم‏ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ الذي حصل‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1105

لهم الفوز، برضا اللّه، و دار كرامته.

[12] إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12)، أي: إن عقوبته لأهل الجرائم و الذنوب العظام، لقوية شديدة، و هو للظالمين بالمرصاد. قال اللّه تعالى: وَ كَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى‏ وَ هِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102).

[13] إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَ يُعِيدُ (13)، أي:

هو المنفرد بإبداء الخلق و إعادته، فلا يشاركه في ذلك مشارك.

[14] وَ هُوَ الْغَفُورُ الذي يغفر الذنوب جميعها، لمن تاب، و يعفو عن السيئات، لمن استغفره و أناب.

الْوَدُودُ الذي يحبه أحبابه، محبة لا يشبهها شي‏ء. فكما أنه لا يشابهه شي‏ء في صفات الجلال و الجمال، و المعاني و الأفعال، فمحبته في قلوب خواص خلقه، التابعة لذلك، لا يشبهها شي‏ء من أنواع المحاب. و لهذا كانت محبته أصل العبودية، و هي المحبة التي تتقدم جميع المحاب و تغلبها، و إن لم يكن غيرها تبعا لها، كانت عذابا على أهلها. و هو تعالى الودود، الوادّ لأحبابه، كما قال تعالى: يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ‏ ، و المودة هي المحبة الصافية. و في هذا سر لطيف، حيث قرن «الودود» بالغفور، ليدل ذلك على أن أهل الذنوب، إذا تابوا إلى اللّه و أنابوا، غفر لهم ذنوبهم، و أحبهم، فلا يقال:

تغفر ذنوبهم، و لا يرجع إليهم الود، كما قال بعض الظالمين. بل اللّه أفرح بتوبة عبده حين يتوب، من رجل على راحلته، عليها طعامه و شرابه، و ما يصلحه، فأضلها في أرض فلاة مهلكة، فأيس منها، فاضطجع في ظل شجرة ينتظر الموت. فبينما هو على تلك الحال، إذا راحلته على رأسه، فأخذ بخطامها، فاللّه أعظم فرحا بتوبة العبد، من هذا براحلته، و هذا أعظم فرح يقدر. فللّه الحمد و الثناء، و صفو الوداد، ما أعظم بره، و أكثر خيره، و أغزر إحسانه، و أوسع امتنانه.

[15] ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15)، أي: صاحب العرش العظيم، الذي من عظمته، أنه وسع السماوات و الأرض، و الكرسي. فهي بالنسبة إلى العرش، كحلقة ملقاة في فلاة، بالنسبة لسائر الأرض، و خص اللّه العرش بالذكر لعظمته، و لأنه أخص المخلوقات بالقرب منه، و هذا على قراءة الجر، يكون «المجيد» نعتا للعرش. و أما على قراءة الرفع، فإنه يكون نعتا للّه، و المجد سعة الأوصاف و عظمتها.

[16] فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (16)، أي: مهما أراد شيئا فعله، إذا أراد شيئا قال له كن فيكون، و ليس أحد فعالا لما يريد إلا اللّه. فإن المخلوقات، و لو أرادت شيئا، فإنه لا بد لإرادتها من معاون و ممانع، و اللّه لا معاون لإرادته، و لا ممانع له، مما أراد.

[17- 18] ثم ذكر من أفعاله الدالة على صدق ما جاءت به رسله، فقال: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَ ثَمُودَ (18) و كيف كذبوا المرسلين، فجعلهم من المهلكين.

[19] بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ‏ (19) أي: لا يزالون مستمرين على التكذيب و العناد، لا تنفع فيهم الآيات، و لا تجدي لديهم العظات.

[20] وَ اللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ (20) قد أحاط بهم علما و قدرة، كقوله: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ (14). ففيه الوعيد الشديد للكافرين، من عقوبة من هم في قبضته، و تحت تدبيره.

[21] بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21)، أي: وسيع المعاني عظيمها، كثير الخير و العلم.

[22] فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22) من التغيير و الزيادة و النقص، و محفوظ من الشياطين، و هو: اللوح المحفوظ الذي قد أثبت اللّه فيه‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1106

كل شي‏ء. و هذا يدل على جلالة القرآن و جزالته، و رفعة قدره عند اللّه تعالى، و اللّه أعلم.

سورة الطارق‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] يقول اللّه تعالى: وَ السَّماءِ وَ الطَّارِقِ‏ (1). ثم فسر الطارق بقوله:

[3] النَّجْمُ الثَّاقِبُ‏ (3)، أي: المضي‏ء، الذي يثقب نوره، فيخرق السماوات، فينفذ حتى يرى في الأرض، و الصحيح أنه اسم جنس، يشمل سائر النجوم الثواقب. و قد قيل: إنه «زحل» الذي يخرق السماوات السبع و ينفذها، فيرى منها. و سمي طارقا، لأنه يطرق ليلا، و المقسم عليه قوله:

[4] إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ (4) يحفظ عليها أعمالها الصالحة و السيئة، و ستجازى بعملها المحفوظ عليها.

[5- 7] فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ‏ (5)، أي: فليتدبر خلقته و مبدأه، فإنه‏ خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ‏ (6)، و هو المني الذي‏ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ‏ (7)، يحتمل أنه من بين صلب الرجل، و ترائب المرأة، و هي ثدياها. و يحتمل أن المراد: المني الدافق، و هو مني الرجل، و أن محله الذي يخرج منه ما بين صلبه و ترائبه. و لعل هذا أولى، فإنه إنما وصف به الماء الدافق، الذي يحس به و يشاهد دفقه، و هو مني الرجل. و كذلك لفظ الترائب، فإنها تستعمل للرجل، فإن الترائب للرجل، بمنزلة الثديين للأنثى، فلو أريد الأنثى، لقيل: «من الصلب و الثديين»، و نحو ذلك، و اللّه أعلم.

[8] فالذي أوجد الإنسان من ماء دافق، يخرج من هذا الموضع الصعب، قادر على رجعه في الآخرة، و إعادته للبعث، و النشور و الجزاء. و قد قيل: إن معناه، أن اللّه على رجع الماء المدفوق، في الصلب لقادر، و هذا المعنى و إن كان صحيحا، فليس هو المراد من الآية،

[9] و لهذا قال بعده: يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ (9)، أي: تختبر سرائر الصدور، و يظهر ما كان في القلوب من خير و شر، على صفحات الوجوه كما قال تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ‏ . ففي الدنيا، ينكتم كثير من الأشياء، و لا يظهر عيانا للناس، و أما يوم القيامة، فيظهر برّ الأبرار، و فجور الفجار، و تصير الأمور علانية.

[10] و قوله: فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ ، أي: من نفسه يدفع بها وَ لا ناصِرٍ من خارج، ينتصر به، فهذا القسم على العاملين، وقت عملهم، و عند جزائهم.

[11- 12] ثم أقسم قسما ثانيا، على صحة القرآن، فقال: وَ السَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ (11) وَ الْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ‏ (12)، أي: ترجع السماء بالمطر كل عام، و تنصدع الأرض للنبات، فيعيش بذلك الآدميون و البهائم، و ترجع السماء أيضا بالأقدار و الشؤون الإلهية، كل وقت، و تنصدع الأرض عن الأموات.

[13] إِنَّهُ‏ ، أي: القرآن‏ لَقَوْلٌ فَصْلٌ‏ ، أي: حق و صدق، بيّن واضح.

[14] وَ ما هُوَ بِالْهَزْلِ‏ (14)، أي: جد ليس بالهزل، و هو القول الذي يفصل بين الطوائف و المقالات، و تنفصل به الخصومات.

[15] إِنَّهُمْ‏ ، أي:

المكذبين للرسول صلّى اللّه عليه و سلّم، و للقرآن‏ يَكِيدُونَ كَيْداً ليدفعوا بكيدهم الحق، و يؤيدوا الباطل.

[16] وَ أَكِيدُ كَيْداً (16)

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1107

لإظهار الحق، و لو كره الكافرون، و لدفع ما جاءوا به من الباطل، و يعلم بهذا، من الغالب، فإن الآدمي أضعف و أحقر من أن يغالب القوي العليم في كيده.

[17] فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (17)، أي: قليلا، فسيعلمون عاقبة أمرهم، حين ينزل بهم العقاب. تم تفسير سورة الطارق- و الحمد للّه ربّ العالمين.

سورة الأعلى‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] يأمر تعالى، بتسبيحه المتضمن لذكره و عبادته، و الخضوع لجلاله، و الاستكانة لعظمته، و أن يكون تسبيحا، يليق بعظمة اللّه تعالى، بأن تذكر أسماؤه الحسنى العالية على كل اسم بمعناها العظيم الجليل. و تذكر أفعاله التي منها أنه خلق المخلوقات، فسواها، أي: أتقن و أحسن خلقها.

[3] وَ الَّذِي قَدَّرَ تقديرا، تتبعه جميع المقدرات‏ فَهَدى‏ إلى ذلك جميع المخلوقات. و هذه هي الهداية العامة، التي مضمونها أنه هدى كل مخلوق لمصلحته، و تذكر فيها نعمه الدنيوية، و لهذا قال:

[4] وَ الَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى‏ (4)، أي:

أنزل من السماء ماء، فأنبت به أصناف النبات، و العشب الكثير، فرتع فيه الناس و البهائم، و جميع الحيوانات.

[5] ثم بعد أن استكمل ما قدر له من الشباب، ألوى نباته، و صوّح عشبه. فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى‏ (5)، أي:

أسود، أي: جعله هشيما رميما، و يذكر فيها نعمه الدينية. و لهذا امتنّ بأصلها و مادتها، و هو القرآن فقال:

[6] سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى‏ (6)، أي: سنحفظ ما أوحيناه إليك من الكتاب، و نوعيه قلبك، فلا تنسى منه شيئا. و هذه بشارة من اللّه كبيرة، لعبده، و رسوله، محمد صلّى اللّه عليه و سلّم، أن اللّه سيعلمه علما لا ينساه.

[7] إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ‏ مما اقتضت حكمته أن ينسيكه لمصلحة، و حكمة بالغة. إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَ ما يَخْفى‏ و من ذلك أنه يعلم ما يصلح عباده، أي:

فلذلك يشرع ما أراد، و يحكم بما يريد.

[8] وَ نُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى‏ (8) و هذه أيضا بشارة أخرى، أن اللّه ييسر رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم لليسرى في جميع أموره، و يجعل شرعه و دينه يسيرا.

[9] فَذَكِّرْ بشرع اللّه و آياته‏ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى‏ ، أي: ما دامت الذكرى مقبولة، و الموعظة مسموعة، سواء حصل من الذكرى جميع المقصود، أو بعضه. و مفهوم الآية أنه إن لم تنفع الذكرى، بأن كان التذكير يزيد في الشر، أو ينقص من الخير، لم تكن مأمورا بها، بل هي منهي عنها.

[10] فالذكرى ينقسم الناس فيها قسمين: منتفعون، و غير منتفعين. فأما المنتفعون، فقد ذكرهم بقوله:

سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى‏ (10) اللّه، فإن خشية اللّه تعالى، و العلم بمجازاته على الأعمال، توجب للعبد الانكفاف عما يكرهه اللّه، و السعي في الخيرات.

[11- 12] و أما غير المنتفعين، فذكرهم بقوله: وَ يَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى‏ (12) و هي: النار الموقدة، التي تطلع على الأفئدة.

صفحه بعد