کتابخانه تفاسیر
تيسير الكريم الرحمن، ص: 1128
يعترضوا لهم، في أي سفر أرادوا.
[3] و لهذا أمرهم اللّه بالشكر، فقال؛ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (3)، أي: ليوحدوه، و يخلصوا له العبادة.
[4] الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَ آمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4) فرغد الرزق و الأمن من الخوف، من أكبر النعم الدنيوية، الموجبة لشكر اللّه تعالى. فلك اللهم الحمد و الشكر، على نعمك الظاهرة و الباطنة. و خصّ اللّه الربوبية بالبيت، لفضله و شرفه، و إلا فهو رب كل شيء. تم تفسير سورة قريش- بعون اللّه و تيسيره.
سورة الماعون
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[1] أَ رَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1)، أي: بالبعث و الجزاء، فلا يؤمن بما جاءت به الرسل.
[2] فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2)، أي: يدفعه بعنف و شدة، و لا يرحمه لقساوة قلبه؛ و لأنه لا يرجو ثوابا، و لا يخاف عقابا.
[3] وَ لا يَحُضُ غيره عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ ، و من باب أولى أنه بنفسه لا يطعم المسكين.
[4- 5] فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4)، أي: الملتزمين لإقامة الصلاة، و لكنهم عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ ، أي:
مضيعون لها، تاركون لوقتها، و مخلون بأركانها. و هذا لعدم اهتمامهم بأمر اللّه حيث ضيعوا الصلاة، التي هي أهم الطاعات. و السهو عن الصلاة، هو الذي يستحق صاحبه الذم و اللوم. و أما السهو في الصلاة، فهذا يقع من كل أحد، حتى من النبي صلّى اللّه عليه و سلم. و لهذا وصف اللّه هؤلاء بالرياء و القسوة، و عدم الرحمة، فقال:
[6] الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ (6)، أي: يعملون الأعمال، لأجل رئاء الناس.
[7] وَ يَمْنَعُونَ الْماعُونَ (7)، أي: يمنعون إعطاء الشيء، الذي لا يضر إعطاؤه على وجه العارية، أو الهبة، كالإناء، و الدلو، و الفأس، و نحو ذلك، مما جرت العادة ببذله، و السماح به. فهؤلاء- لشدة حرصهم- يمنعون الماعون، فكيف بما هو أكثر منه. و في هذه السورة، الحث على إطعام اليتيم، و المساكين، و التحضيض على ذلك، و مراعاة الصلاة، و المحافظة عليها، و على الإخلاص فيها، و في سائر الأعمال. و الحث على فعل المعروف، و بذل الأموال الخفيفة، كعارية الإناء، و الدلو، و الكتاب، و نحو ذلك، لأن اللّه، ذم من لم يفعل ذلك، و اللّه سبحانه أعلم. تم تفسير سورة الماعون- بعون اللّه و معونته.
تيسير الكريم الرحمن، ص: 1129
سورة الكوثر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[1] يقول اللّه تعالى لنبيه محمد صلّى اللّه عليه و سلم: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (1)، أي: الخير الكثير، و الفضل الغزير، الذي من جملته، ما يعطيه اللّه لنبيه صلّى اللّه عليه و سلم، من النهر الذي يقال له «الكوثر». و من الحوض، طوله شهر، و عرضه شهر، ماؤه أشد بياضا من اللبن، و أحلى من العسل، آنيته عدد نجوم السماء في كثرتها، و استنارتها، من شرب منه شربة، لم يظمأ بعدها أبدا. و لما ذكر منته عليه، أمره بشكرها فقال:
[2] فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ (2) خصّ هاتين العبادتين بالذكر، لأنهما أفضل العبادات، و أجلّ القربات. و لأن الصلاة تتضمن الخضوع في القلب و الجوارح للّه، و تنقله في أنواع العبودية. و في النحر، تقرب إلى اللّه، بأفضل ما عند العبد، من الأضاحي، و إخراج للمال الذي جبلت النفوس على محبته، و الشح به.
[3] إِنَّ شانِئَكَ ، أي: مبغضك و ذامك، و منتقصك هُوَ الْأَبْتَرُ ، أي: المقطوع من كل خير، مقطوع العمل، مقطوع الذكر. و أما محمد صلّى اللّه عليه و سلم، فهو الكامل حقا، الذي له الكمال الممكن للمخلوق، من رفع الذكر، و كثرة الأنصار و الأتباع، صلّى اللّه عليه و سلّم. تم تفسير سورة الكوثر- فللّه الحمد و الشكر.
تفسير سورة الكافرون
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[1- 2] أي: قل للكافرين معلنا و مصرحا لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (2)، أي: تبرّأ مما كانوا يعبدون من دون اللّه، ظاهرا و باطنا.
[3] وَ لا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (3) لعدم إخلاصكم في عبادتكم للّه، فعبادتكم له، المقترنة بالشرك، لا تسمى عبادة. و كرر ذلك، ليدل الأول على عدم وجود الفعل، و الثاني، على أن ذلك قد صار وصفا لازما. و لهذا ميز بين الفريقين، و فصل بين الطائفتين، فقال:
[6] لَكُمْ دِينُكُمْ وَ لِيَ دِينِ (6) كما قال تعالى: قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَ أَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ . تم تفسير سورة الكافرون- بفضل اللّه و تيسيره.
تيسير الكريم الرحمن، ص: 1130
سورة النصر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[1- 3] في هذه السورة الكريمة، بشارة و أمر لرسوله عند حصولها، و إشارة و تنبيه على ما يترتب على ذلك.
فالبشارة هي: البشارة بنصر اللّه لرسوله، و فتحه مكة، و دخول الناس في دين اللّه أفواجا، بحيث يكون كثير منهم من أهله و أنصاره، بعد أن كانوا من أعدائه، و قد وقع هذا المبشر به. و أما الأمر بعد حصول النصر و الفتح، فأمر رسوله أن يشكره على ذلك، و يسبح بحمده و يستغفره. و أما الإشارة، فإن في ذلك إشارتين: إشارة أن النصر يستمر للدين، و يزداد عند حصول التسبيح بحمد اللّه و استغفاره، من رسوله، فإن هذا من الشكر، و اللّه يقول: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ . و قد وجد ذلك في زمن الخلفاء الراشدين و بعدهم في هذه الأمة. لم يزل نصر اللّه مستمرا، حتى وصل الإسلام إلى ما لم يصل إليه دين من الأديان، و دخل فيه من لم يدخل في غيره، حتى حدث من الأمة من مخالفة أمر اللّه ما حدث، فابتلوا بتفرق الكلمة، و تشتت الأمر، فحصل ما حصل. و مع هذا، فلهذه الأمة، و هذا الدين، من رحمة اللّه و لطفه، ما لا يخطر بالبال، و يدور في الخيال. و أما الإشارة الثانية، فهي إلى أن أجل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قد قرب و دنا، و وجه ذلك أن عمره، عمر فاضل، أقسم اللّه به. و قد عهد أن الأمور الفاضلة، تختم بالاستغفار، كالصلاة، و الحج، و غير ذلك. فأمر اللّه لرسوله بالحمد و الاستغفار في هذه الحال، إشارة إلى أن أجله قد انتهى، فليستعد و يتهيأ للقاء ربه، و يختم عمره بأفضل ما يجده صلوات اللّه و سلامه عليه. فكان يتأول القرآن، و يقول ذلك في صلاته يكثر أن يقول في ركوعه و سجوده:
«سبحانك اللهم ربنا و بحمدك، اللهم اغفر لي». تم تفسير سورة النصر- بتيسير اللّه و معونته.
تفسير سورة المسد
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[1] أبو لهب، هو عم النبي صلّى اللّه عليه و سلّم، و كان شديد العداوة و الأذية له، فلا دين له، و لا حمية للقرابة، قبّحه اللّه.
فذمّه اللّه بهذا الذم العظيم، الذي هو خزي عليه إلى يوم القيامة، فقال: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ ، أي: خسرت يداه
تيسير الكريم الرحمن، ص: 1131
و شقي وَ تَبَ فلم يربح.
[2] ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ الذي كان عنده، فأطغاه. وَ ما كَسَبَ لم يرد عنه شيئا من عذاب اللّه، إذا نزل به.
[3] سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ (3)، أي: ستحيط به النار من كل جانب، هو
[4- 5] وَ امْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4). و كانت أيضا شديدة الأذية لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، تتعاون هي و زوجها على الإثم و العدوان، و تلقي الشر، و تسعى غاية ما تقدر عليه في أذية الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم، و تجمع على ظهرها الأوزار، بمنزلة من يجمع حطبا، قد أعد له في عنقه حبلا مِنْ مَسَدٍ ، أي:
من ليف. أو أنها تحمل في النار الحطب على زوجها، متقلدة في عنقها حبلا من مسد. و على كل، ففي هذه السورة، آية باهرة من آيات اللّه. فإن اللّه أنزل هذه السورة و أبو لهب و امرأته لم يهلكا. و أخبر أنهما سيعذبان في النار، و لا بد من لازم ذلك أنهما لا يسلمان. فوقع كما أخبر عالم الغيب و الشهادة. تم تفسير سورة المسد- بعون اللّه و تيسيره.
تفسير سورة الإخلاص
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[1] أي: قُلْ قولا جازما به، معتقدا له، عارفا بمعناه. هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، أي: قد انحصرت فيه الأحدية، فهو الأحد المنفرد بالكمال، و الذي له الأسماء الحسنى، و الصفات الكاملة العليا، و الأفعال المقدسة، الذي لا نظير له و لا مثيل.
[2] اللَّهُ الصَّمَدُ (2)، أي: المقصود في جميع الحوائج. فأهل العالم العلوي و السفلي مفتقرون إليه غاية الافتقار، يسألونه حوائجهم، و يرغبون إليه في مهماتهم، لأنه الكامل في أوصافه، العليم الذي قد كمل في علمه. الحليم الذي كمل في حلمه. الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء، و هكذا سائر أوصافه.
[3- 4] و من كماله، أنه لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ (3) لكمال غناه، وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)، لا في أسمائه، و لا في صفاته، و لا في أفعاله، تبارك و تعالى. فهذه السورة مشتملة على توحيد الأسماء و الصفات. تم تفسير سورة الإخلاص- و للّه الحمد و الشكر.
تيسير الكريم الرحمن، ص: 1132
سورة الفلق
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[1] أي: قُلْ متعوذا أَعُوذُ ، أي: الجأ، و ألوذ، و أعتصم بِرَبِّ الْفَلَقِ ، أي: فالق الحب و النوى، و فالق الإصباح.
[2] مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ (2) و هذا يشمل جميع ما خلق اللّه، من إنس، و جن، و حيوانات، فيستعاذ بخالقها من الشر الذي فيها.
[3] ثم خص بعد ما عمّ، فقال: وَ مِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ (3)، أي: من شر ما يكون في الليل، حين يغشى النعاس، و ينتشر فيه كثير من الأرواح الشريرة، و الحيوانات المؤذية.
[4] وَ مِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (4)، أي: و من شر السواحر، اللاتي يستعن على سحرهن بالنفث في العقد، التي يعقدنها على السحر.
[5] وَ مِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ (5)، و الحاسد: هو الذي يحب زوال النعمة عن المحسود فيسعى في زوالها، بما يقدر عليه من الأسباب. فاحتيج إلى الاستعاذة باللّه من شره، و إبطال كيده. و يدخل في الحاسد، العاين؛ لأنه لا تصدر العين إلا من حاسد شرير الطبع، خبيث النفس. فهذه السورة تضمنت الاستعاذة، من جميع أنواع الشرور، عموما و خصوصا. و دلّت على أن السحر له حقيقة يخشى من ضرره، و يستعاذ باللّه منه، و من أهله.
تفسير سورة الناس
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[1- 6] و هذه السورة مشتملة على الاستعاذة برب الناس و مالكهم و إلههم من الشيطان، الذي هو أصل الشرور كلها و مادّتها، الذي من فتنته و شره أنه يوسوس في صدور الناس، فيحسن لهم الشر، و يريهم إياه في صورة حسنة، و ينشط إرادتهم لفعله. و يثبطهم عن الخير، و يريهم إياه في صورة غير صورته. و هو دائما بهذه الحال، يوسوس ثم يخنس، أي: يتأخر عن الوسوسة، إذا ذكر العبد ربه، و استعان على دفعه. فينبغي له أن يستعين و يستعيذ، و يعتصم بربوبية اللّه للناس كلهم. و أن الخلق كلهم، داخلون تحت الربوبية و الملك، فكل دابة هو آخذ بناصيتها. و بألوهيته التي خلقهم لأجلها، فلا تتم لهم إلا بدفع شر عدوهم، الذي يريد أن يقتطعهم عنها، و يحول بينهم و بينها، و يريد أن يجعلهم من حزبه، ليكونوا من أصحاب السعير. و الوسواس كما يكون من الجن، يكون من الإنس. و لهذا قال: مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ (6). و الحمد للّه رب العالمين أولا و آخرا، و ظاهرا و باطنا. تم تفسير سورة الناس- و للّه الحمد و المنة.
تيسير الكريم الرحمن، ص: 1133
و نسأله تعالى أن يتم نعمته، و أن يغفر لنا ذنوبنا، التي حالت بيننا و بين كثير من بركاته، و خطايا و شهوات ذهبت بقلوبنا عن تدبر آياته.
و نرجوه، و نأمل منه أن لا يحرمنا خير ما عنده، بشرّ ما عندنا، فإنه لا ييأس من روح اللّه إلا القوم الكافرون، و لا يقنط من رحمته إلا الضالون.
و صلّى اللّه و سلم على رسوله محمد، و على آله و صحبه أجمعين، صلاة و سلاما دائمين متواصلين أبد الأوقات، و الحمد للّه الذي بنعمته تتم الصالحات.
تم تفسير كتاب اللّه بعونه، و حسن توفيقه، على يد جامعه، و كاتبه «عبد الرحمن بن ناصر بن عبد اللّه» المعروف ب «ابن سعدي»، وقع النقل في 7 شعبان، سنة 1354 ه.
ربنا تقبل منا، و اعف عنا، إنك الغفور الرحيم.
تم بحمد اللّه طبع هذا التفسير المبارك في مطابع دار إحياء التراث العربي- بيروت الزاهرة، أدامها اللّه لطبع المزيد من الكتب النافع و آخر دعوانا أن الحمد للّه رب العالمين و العاقبة للمتّقين
تيسير الكريم الرحمن، ص: 1134
محتوى تفسير الإمام السعدي