کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 978

و فعلا، و مكرمون أيضا عند اللّه. و منها: أن إبراهيم عليه السّلام، قد كان بيته، مأوى للطارقين و الأضياف، لأنهم دخلوا عليه من غير استئذان، و إنما سلكوا طريق الأدب، في ابتداء السلام، فرد عليهم إبراهيم سلاما، أكمل من سلامهم و أتم، لأنه أتى به جملة اسمية دالة على الثبوت و الاستمرار.

فصل‏

و منها: مشروعية تعرف من جاء إلى الإنسان، أو صار له فيه نوع اتصال، لأن في ذلك فوائد كثيرة. و منها:

أدب إبراهيم و لطفه في الكلام، حيث قال: قَوْمٌ مُنْكَرُونَ‏ و لم يقل: «أنكرتكم»، و بين اللفظين من الفرق ما لا يخفى. و منها: المبادرة إلى الضيافة و الإسراع بها، لأن خير البر عاجله، و لهذا بادر إبراهيم بإحضار قرى أضيافه.

و منها: أن الذبيحة الحاضرة، الّتي قد أعدت لغير الضيف الحاضر، إذا جعلت له، ليس فيها أقل إهانة، بل ذلك من الإكرام، كما فعل إبراهيم عليه السّلام، و أخبر اللّه أن ضيفه مكرمون. و منها: ما منّ اللّه به على خليله إبراهيم، من الكرم الكثير، و كون ذلك حاضرا لديه، و في بيته معدا، لا يحتاج إلى أن يأتي به من السوق أو الجيران، أو غير ذلك.

و منها: أن إبراهيم، هو الذي خدم أضيافه، و هو خليل الرحمن، و سيد من ضيّف الضيفان. و منها: أنه قرّبه إليهم في المكان الذي هم فيه، فلم يجعله في موضع، و يقول لهم: «تفضلوا، أو ائتوا عليه» لأن هذا أيسر و أحسن.

و منها: حسن ملاطفة الضيف في الكلام اللين، خصوصا عند تقديم الطعام إليه، فإن إبراهيم عرض عليهم عرضا لطيفا، فقال: أَ لا تَأْكُلُونَ‏ ، و لم يقل: «كلوا» و نحوه من الألفاظ، الّتي غيرها أولى منها، بل أتى بأداة العرض، فقال: أَ لا تَأْكُلُونَ‏ . فينبغي للمقتدى به أن يستعمل من الألفاظ الحسنة، ما هو المناسب و اللائق بالحال، كقوله لأضيافه: «أ لا تأكلون» أو: «أ لا تتفضلون» أو «تشرفوننا و تحسنون إلينا»، و نحو ذلك. و منها: أن من خاف من أحد، لسبب من الأسباب، فإن عليه أن يزيل عنه الخوف، و يذكر له ما يؤمن روعه، و يسكّن جأشه، كما قالت الملائكة لإبراهيم لما خافهم: لا تَخَفْ‏ ، و أخبروه بتلك البشارة السارة، بعد الخوف منهم. و منها: شدة فرح سارة، امرأة إبراهيم، حتى جرى منها ما جرى، من صك وجهها، و صرّتها غير المعهود. و منها: ما أكرم اللّه به إبراهيم و زوجته سارة، من البشارة، بغلام عليم.

[38- 39] أي: وَ فِي مُوسى‏ و ما أرسله اللّه به إلى فرعون و ملئه، بالآيات البينات، و المعجزات الظاهرات، آية للذين يخافون العذاب الأليم، فلما أتى موسى بذلك السلطان المبين، تولى فرعون‏ بِرُكْنِهِ‏ ، أي: أعرض بجانبه عن الحقّ، و لم يلتفت إليه، و قدحوا فيه أعظم القدح، فقالوا: ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ‏ ، أي: إن موسى، لا يخلو، إما أن يكون ما أتى به سحرا و شعوذة، ليس من الحقّ في شي‏ء، و إما أن يكون مجنونا، لا يؤخذ بما صدر منه لعدم عقله.

هذا، و قد علموا، خصوصا فرعون، أن موسى صادق، كما قال تعالى: وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا .

و قال موسى لفرعون: لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ بَصائِرَ الآية.

[40] فَأَخَذْناهُ وَ جُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَ هُوَ مُلِيمٌ‏ (40)، أي: مذنب طاغ، عات على اللّه، فأخذه أخذ عزيز مقتدر.

[41] أي: وَ آية لهم‏ فِي عادٍ القبيلة المعروفة إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ‏ ، أي: الّتي لا خير فيها، حين كذبوا نبيهم هودا عليه السّلام.

[42] ما تَذَرُ مِنْ شَيْ‏ءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ‏ (42)، أي: كالرمم البالية، فالذي أهلكهم على قوتهم و بطشهم، دليل على كمال قوته و اقتداره، الذي لا يعجزه شي‏ء، المنتقم ممن عصاه.

[43] أي: وَ فِي ثَمُودَ آية عظيمة، حين أرسل اللّه إليهم صالحا عليه السّلام، فكذبوه و عاندوه، و بعث اللّه له الناقة، آية مبصرة، فلم يزدهم ذلك إلا عتوا و نفورا. إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ‏

[44] فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ ، أي: الصيحة العظيمة المهلكة وَ هُمْ يَنْظُرُونَ‏ إلى عقوبتهم بأعينهم.

[45] فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ‏ ينجون به من العذاب‏ وَ ما كانُوا مُنْتَصِرِينَ‏ لأنفسهم.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 979

[46] وَ قَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ‏ (46) أي: و كذلك ما فعل اللّه بقوم نوح، حين كذبوا نوحا عليه السّلام، و فسقوا عن أمر اللّه. فأرسل عليهم السماء و الأرض بماء منهمر، فأغرقهم عن آخرهم، و لم يبق من الكافرين ديارا، و هذه عادة اللّه و سنته، فيمن عصاه.

[47] يقول تعالى مبينا لقدرته العظيمة: وَ السَّماءَ بَنَيْناها ، أي: خلقناها و أتقنّاها، و جعلناها سقفا للأرض و ما عليها. بِأَيْدٍ ، أي: بقوة و قدرة عظيمة وَ إِنَّا لَمُوسِعُونَ‏ لأرجائها و أنحائها. و إنا لموسعون أيضا على عبادنا بالرزق الذي ما ترك دابة في مهامه القفار، و لجج البحار، و أقطار العالم العلوي و السفلي، إلا و أوصل إليها من الرزق، ما يكفيها، و ساق إليها من الإحسان ما يغنيها.

فسبحان من عم بجوده جميع المخلوقات، و تبارك الذي وسعت رحمته، جميع البريات.

[48] وَ الْأَرْضَ فَرَشْناها ، أي: جعلناها فراشا للخلق، يتمكنون فيها من كلّ ما تتعلق به مصالحهم، من مساكن و غراس و زرع و حرث و جلوس، و سلوك للسبل الموصلة إلى مقاصدهم و مآربهم. و لما كان الفراش قد يكون صالحا للانتفاع من كلّ وجه، و قد يكون من وجه دون وجه، أخبر تعالى أنه مهدها أحسن مهاد، على أكمل الوجوه و أحسنها، و أثنى على نفسه بذلك، فقال:

فَنِعْمَ الْماهِدُونَ‏ الذي مهد لعباده ما اقتضته حكمته و رحمته.

[49] وَ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ‏ ، أي: صنفين، ذكر و أنثى، من كلّ نوع من أنواع الحيوانات. لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ‏ لنعم اللّه الّتي أنعم بها عليكم في تقدير ذلك، و حكمته حيث جعل ما هو السبب لبقاء نوع الحيوانات كلها، لتقوموا بتنميتها و خدمتها و تربيتها، فيحصل من ذلك ما يحصل من المنافع.

[50] فلما دعا العباد إلى النظر إلى آياته الموجبة لخشيته، و الإنابة إليه، أمر بما هو المقصود من ذلك، و هو الفرار إليه، أي: الفرار مما يكرهه اللّه ظاهرا و باطنا إلى ما يحبه، ظاهرا و باطنا، فرار من الجهل إلى العلم، و من الكفر إلى الإيمان، و من المعصية إلى الطاعة، و من الغفلة إلى الذكر. فمن استكمل هذه الأمور، فقد استكمل الدين كله، و زال عنه المرهوب، و حصل له غاية المراد و المطلوب. و سمى اللّه الرجوع إليه فرارا، لأن في الرجوع إلى غيره أنواع المخاوف و المكاره، و في الرجوع إليه أنواع المحاب و الأمن و السرور و السعادة و الفوز. فيفرّ العبد من قضائه و قدره إلى قضائه و قدره، و كلّ من خفت منه فررت منه إلى اللّه تعالى، فإنه بحسب الخوف منه، يكون الفرار إليه. إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ‏ ، أي: منذر لكم من عذاب اللّه، و مخوف بيّن النذارة.

[51] وَ لا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ ، هذا من الفرار إلى اللّه، بل هذا أصل الفرار إليه أن يفر العبد من اتخاذ آلهة غير اللّه من الأوثان و الأنداد و القبور، و غيرها، مما عبد من دون اللّه، و يخلص لربه العبادة و الخوف، و الرجاء و الدعاء، و الإنابة.

[52] يقول اللّه- مسليا لرسوله صلّى اللّه عليه و سلّم- عن تكذيب المشركين باللّه، المكذبين له، القائلين فيه من الأقوال الشنيعة، ما هو منزه عنه، و أن هذه الأقوال ما زالت دأبا و عادة للمجرمين المكذبين للرسل، فما أرسل اللّه من رسول إلا رماه قومه بالسحر أو الجنون.

[53] يقول اللّه تعالى: هذه الأقوال الّتي صدرت منهم- الأولين و الآخرين- هل هي أقوال‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 980

تواصوا بها، و لقن بها بعضهم بعضا؟ فلا يستغرب- بسبب ذلك- اتفاقهم عليها: أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ‏ تشابهت قلوبهم و أعمالهم بالكفر و الطغيان، فتشابهت أقوالهم الناشئة عن طغيانهم؟ و هذا هو الواقع، كما قال تعالى: وَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ‏ ، و كذلك المؤمنون، لما تشابهت قلوبهم بالإذعان للحق و طلبه، و السعي فيه بادروا إلى الإيمان برسلهم و تعظيمهم، و توقيرهم، و خطابهم بالخطاب اللائق بهم.

[54] يقول تعالى آمرا رسوله بالإعراض عن المعرضين المكذبين: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ‏ ، أي: لا تبال بهم و لا تؤاخذهم، و أقبل على شأنك. فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ‏ في ذنبهم، و إنما عليك البلاغ، و قد أديت ما حملت، و بلّغت ما أرسلت به.

[55] وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى‏ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ‏ (55) و التذكير نوعان: تذكير بما لم يعرف تفصيله، مما عرف مجمله بالفطر و العقول، فإن اللّه فطر العقول على محبة الخير و إيثاره، و كراهة الشر و الزهد فيه، و شرعه موافق لذلك، فكل أمر و نهي من الشرع، فهو من التذكير، و تمام التذكير، أن يذكر ما في المأمور، من الخير و الحسن و المصالح، و ما في المنهي عنه من المضار. و النوع الثاني من التذكير: تذكير بما هو معلوم للمؤمنين، و لكن انسحبت عليه الغفلة و الذهول، فيذكّرون بذلك، و يكرر عليهم ليرسخ في أذهانهم، و ينتبهوا و يعملوا بما تذكروه من ذلك، و ليحدث لهم نشاطا و همة، توجب لهم الانتفاع و الارتفاع. و أخبر اللّه أن الذكرى تنفع المؤمنين، لأن ما معهم من الإيمان و الخشية و الإنابة، و اتباع رضوان اللّه، يوجب لهم أن تنفع فيهم الذكرى و تقع الموعظة منهم موقعها كما قال تعالى: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى‏ (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى‏ (10) وَ يَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى‏ (11).

و أما من ليس له معه إيمان و لا استعداد لقبول التذكير، فهذا لا ينفع تذكيره، بمنزلة الأرض السبخة الّتي لا يفيدها المطر شيئا، و هؤلاء الصنف، لو جاءتهم كلّ آية لا يؤمنوا بها حتى يروا العذاب الأليم.

[56] هذه الغاية الّتي خلق اللّه الجن و الإنس لها، و بعث جميع الرسل يدعون إليها، و هي عبادته المتضمنة لمعرفته و محبته، و الإنابة إليه، و الإقبال عليه، و الإعراض عما سواه. و ذلك متوقف على معرفة اللّه تعالى، فإن تمام العبادة، متوقف على المعرفة باللّه، بل كلما ازداد العبد معرفة بربه، كانت عبادته أكمل، فهذا الذي خلق اللّه المكلفين لأجله، فما خلقهم لحاجة منه إليهم.

[57] ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَ ما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ‏ (57) تعالى اللّه الغني عن الحاجة إلى أحد بوجه من الوجوه، و إنما جميع الخلق فقراء إليه، في جميع حوائجهم و مطالبهم، الضرورية و غيرها، و لهذا قال:

[58] إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ‏ ، أي: كثير الرزق، الذي ما من دابة في الأرض و لا في السماء إلا على اللّه رزقها، و يعلم مستقرها و مستودعها. ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ‏ ، أي: الذي له القوة و القدرة كلها، الذي أوجد بها الأجرام العظيمة، السفلية و العلوية، و بها تصرف في الظواهر و البواطن و نفذت مشيئته في جميع البريات، فما شاء اللّه كان، و ما لم يشأ لم يكن، و لا يعجزه هارب، و لا يخرج على سلطانه أحد، و من قوته أنه أوصل رزقه إلى جميع العالم. و من قدرته و قوته أن يبعث الأموات بعد ما مزقهم البلى، و عصفت بهم الرياح، و ابتلعتهم الطيور و السباع، و تمزقوا

تيسير الكريم الرحمن، ص: 981

و تفرقوا في مهامه القفار، و لجج البحار، فلا يفوته منهم أحد، و يعلم ما تنقص الأرض منهم، فسبحان القوي المتين.

[59] أي: فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا بتكذيبهم محمدا صلّى اللّه عليه و سلّم من العذاب و النكال‏ ذَنُوباً ، أي: نصيبا و قسطا، مثل ما فعل بأصحابهم من أهل الظلم و التكذيب. فَلا يَسْتَعْجِلُونِ‏ بالعذاب، فإن سنة اللّه في الأمم واحدة. فكل مكذب يدوم على تكذيبه من غير توبه و إنابة، فإنه لا بد أن يقع عليه العذاب، و لو تأخر عنه مدة، و لهذا توعدهم اللّه بيوم القيامة، فقال:

[60] فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ‏ (60) و هو يوم القيامة، الذي قد وعدوا فيه بأنواع العذاب و النكال و الأغلال، فلا مغيث، و لا منقذ لهم من عذاب اللّه. نعوذ باللّه منه. تم تفسير سورة الذاريات.

سورة الطور

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] يقسم تعالى بهذه الأمور العظيمة، المشتملة على الحكم الجليلة، على البعث و الجزاء للمتقين، و المكذبين، فأقسم بالطور، و هو الجبل الذي كلم اللّه عليه موسى بن عمران، عليه الصلاة و السّلام، و أوحى إليه ما أوحى من الأحكام. و في ذلك من المنة عليه و على أمته، ما هو من آيات اللّه العظيمة، و نعمه الّتي لا يقدر العباد لها على عدّ و لا ثمن.

[2] وَ كِتابٍ مَسْطُورٍ (2) يحتمل أن المراد به اللوح المحفوظ، الذي كتب اللّه به كلّ شي‏ء، و يحتمل أن المراد به القرآن الكريم، الذي هو أفضل الكتب، أنزله اللّه محتويا على نبأ الأولين و الآخرين، و علوم السابقين و اللاحقين.

[3] و قوله: فِي رَقٍ‏ ، أي: و رق‏ مَنْشُورٍ ، أي: مكتوب مسطور، ظاهر غير خفي، لا تخفى حاله على كل عاقل بصير.

[4] وَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) و هو البيت الذي فوق السماء السابعة، المعمور مدى الأوقات، بالملائكة الكرام، يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك، يتعبدون فيه لربهم، ثمّ لا يعودون إليه إلى يوم القيامة، و قيل: إن البيت المعمور هو بيت اللّه الحرام، و المعمور بالطائفين، و المصلين، و الذاكرين كلّ وقت، و بالوفود إليه بالحج و العمرة. كما أقسم اللّه به في قوله: وَ هذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ‏ (3)، و حقيق ببيت هو أفضل بيوت الأرض، الذي يقصده الناس بالحج و العمرة، أحد أركان الإسلام، و مبانيه العظام، الّتي لا يتم إلا بها، و هو الذي بناه إبراهيم و إسماعيل، و جعله اللّه مثابة للناس و أمنا، أن يقسم اللّه به، و يبين من عظمته ما هو اللائق به و بحرمته.

[5] وَ السَّقْفِ الْمَرْفُوعِ‏ (5)، أي: السماء، الّتي جعلها اللّه سقفا للمخلوقات، و بناء للأرض، تستمد منه أنوارها، و يقتدى بعلاماتها و منارها، و ينزل اللّه منها المطر و الرحمة، و أنواع الرزق.

[6] وَ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6)، أي: المملوء ماء، قد سجره اللّه، و منعه من أن يفيض على وجه الأرض، مع أن مقتضى الطبيعة، أن يغمر وجه الأرض، و لكن حكمته اقتضت أن يمنعه عن الجريان و الفيضان، ليعيش من على وجه الأرض، من أنواع الحيوان.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 982

و قيل: إن المراد بالمسجور: الموقد الذي يوقد نارا يوم القيامة، نارا تلظى، ممتلئا- على سعته- من أصناف العذاب.

[7] هذه الأشياء الّتي أقسم اللّه بها، مما يدل على أنها من آيات اللّه و أدلة توحيده، و براهين قدرته، و بعثه الأموات، و لهذا قال: إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ‏ (7)، أي: لا بد أن يقع، و لا يخلف اللّه وعده و قيله.

[8] ما لَهُ مِنْ دافِعٍ‏ (8) يدفعه، و لا مانع يمنعه، لأن قدرة اللّه، لا يغالبها مغالب، و لا يفوتها هارب.

[9] ثمّ ذكر وصف ذلك اليوم، الذي يقع فيه العذاب، فقال: يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً (9)، أي: تدور السماء و تضطرب، و تدوم حركتها بانزعاج، و عدم سكون.

[10] وَ تَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً (10)، أي: تزول عن أماكنها، و تسير كسير السحاب، و تتلون كالعهن المنفوش، و تبث بعد ذلك حتى تصير مثل الهباء، و ذلك كله لعظم هول يوم القيامة، فكيف بالآدمي الضعيف؟

[11] فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ‏ (11)، و الويل: كلمة جامعة لكل عقوبة و حزن و عذاب و خوف.

[12] ثمّ ذكر وصف المكذبين الّذين استحقوا به الويل، فقال: الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ‏ (12)، أي: خوض بالباطل و لعب به. فعلومهم و بحوثهم بالعلوم الضارة المتضمنة للتكذيب بالحق، و التصديق بالباطل. و أعمالهم أعمال أهل الجهل و السفه و اللعب، بخلاف ما عليه أهل التصديق و الإيمان من العلوم النافعة، و الأعمال الصالحة.

[13] يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى‏ نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13)، أي: يدفعون إليها دفعا، و يساقون إليها سوقا عنيفا، يجرون على وجوههم، و يقال لهم توبيخا و لوما:

[14] هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ‏ (14)، فاليوم ذوقوا عذاب الخلد الذي لا يبلغ قدره، و لا يوصف أمره.

[15] أَ فَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ‏ (15) يحتمل أن الإشارة إلى النار و العذاب، كما يدل عليه سياق الآيات، أي: لما رأوا النار و العذاب قيل لهم من باب التقريع: «أ هذا سحر لا حقيقة له، فقد رأيتموه، أم أنتم في الدنيا لا تبصرون»، أي: لا بصيرة لكم و لا علم عندكم، بل كنتم جاهلين بهذا الأمر لم تقم عليكم الحجة؟ و الجواب انتفاء الأمرين. أما كونه سحرا، فقد ظهر لهم أنه أحق الحقّ، و أصدق الصدق، المنافي للسحر من جميع الوجوه.

و أما كونهم لا يبصرون، فإن الأمر بخلاف ذلك، بل حجة اللّه قد قامت عليهم، و دعتهم الرسل إلى الإيمان بذلك، و أقامت من الأدلة و البراهين على ذلك، ما يجعله من أعظم الأمور المبرهنة الواضحة الجلية. و يحتمل أن الإشارة بقوله: أَ فَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ‏ (15) إلى ما جاء به محمد صلّى اللّه عليه و سلّم من الحقّ المبين، و الصراط المستقيم، أي:

أ فيتصور من له عقل، أن يقول عنه: إنه سحر، و هو أعظم الحقّ و أجله؟ و لكن لعدم بصيرتهم، قالوا فيه ما قالوا.

[16] اصْلَوْها ، أي: ادخلوا على وجه تحيط بكم، و تشمل أبدانكم، و تطلع على أفئدتكم. فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ‏ ، أي: لا يفيدكم الصبر على النار شيئا، و لا يتأسى بعضكم ببعض، و لا يخفف عنكم العذاب، و ليست من الأمور، الّتي إذا صبر العبد عليها، هانت مشقتها و زالت شدتها. و إنما فعل بهم ذلك، بسبب أعمالهم الخبيثة، و كسبهم، و لهذا قال: إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏ .

[17] لما ذكر تعالى عقوبة المكذبين، ذكر نعيم المتقين ليجمع بين الترغيب و الترهيب، فتكون القلوب بين الخوف و الرجاء، فقال: إِنَّ الْمُتَّقِينَ‏ لربهم، الّذين اتقوا سخطه و عذابه، بفعل أسبابه من امتثال الأوامر، و اجتناب النواهي. فِي جَنَّاتٍ‏ ، أي: بساتين، قد اكتست رياضها من الأشجار الملتفة، و الأنهار المتدفقة، و الصور المحدقة، و المنازل المزخرفة. وَ نَعِيمٍ‏ ، و هذا شامل لنعيم القلب و الروح و البدن.

[18] فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ‏ ، أي:

معجبين به، متمتعين على وجه الفرح و السرور، بما أعطاهم اللّه من النعيم الذي لا يمكن وصفه، و لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين. وَ وَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ‏ فرزقهم المحبوب، و نجاهم من المرهوب لما فعلوا ما أحبه، و جانبوا ما يسخطه.

[19] كُلُوا وَ اشْرَبُوا ، أي: مما تشتهيه أنفسكم، من أصناف المآكل و المشارب اللذيذة.

هَنِيئاً ، أي: متهنئين بذلك على وجه البهجة و الفرح، و السرور و الحبور. بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏ ، أي: نلتم ما نلتم‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 983

بسبب أعمالكم الحسنة، و أقوالكم المستحسنة.

[20] مُتَّكِئِينَ عَلى‏ سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ الاتكاء هو: الجلوس على وجه التمكن و الراحة و الاستقرار، و السرر هي: الأرائك المزينة بأنواع الزينة من اللباس الفاخر و الفرش الزاهية. و وصف اللّه السرر بأنها مصفوفة ليدل ذلك على كثرتها، و حسن تنظيمها، و اجتماع أهلها و سرورهم، بحسن معاشرتهم، و ملاطفة بعضهم بعضا. فلما اجتمع لهم من نعيم القلب و الروح و البدن ما لا يخطر بالبال، و لا يدور في الخيال من المآكل و المشارب اللذيذة، و المجالس الحسنة الأنيقة، لم يبق إلا التمتع بالنساء اللاتي لم يتم سرور إلا بهن. فذكر تعالى أن لهم من الأزواج، أكمل النساء أوصافا و خلقا و أخلاقا، و لهذا قال: وَ زَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ‏ و هن النساء اللواتي قد جمعن جمال الصور الظاهرة و بهاءها، و من الأخلاق الفاضلة، ما يوجب أن يحيرن بحسنهن الناظرين، و يسلبن عقول العالمين، و تكاد الأفئدة أن تطير شوقا إليهن، و رغبة في وصالهن، و العين: حسان الأعين مليحاتها، الّتي صفا بياضها و سوادها.

[21] و هذا من تمام نعيم الجنة، أن ألحق اللّه بهم ذريتهم، الّذين اتبعوهم بإيمان، أي: لحقوهم بالإيمان الصادر من آبائهم، فصارت الذرية تبعا لهم بالإيمان، و من باب أولى إذا تبعتهم ذريتهم بإيمانهم الصادر منهم أنفسهم.

فهؤلاء المذكورون، يلحقهم اللّه بمنازل آبائهم في الجنة، و إن لم يبلغوها، جزاء لآبائهم، و زيادة في ثوابهم. و مع ذلك، لا ينقص اللّه الآباء من أعمالهم شيئا. و لما كان ربما توهم متوهم أن أهل النار كذلك، يلحق اللّه بهم ذريتهم، أخبر أنه ليس حكم الدارين حكما واحدا، فإن النار دار العدل، و من عدله تعالى أن لا يعذب أحدا إلا بذنب، و لهذا قال: كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ‏ ، أي: مرتهن بعمله، فلا تزر وازرة وزر أخرى، و لا يحمل على أحد ذنب أحد.

فهذا اعتراض من فوائده إزالة هذا الوهم المذكور.

[22] و قوله: وَ أَمْدَدْناهُمْ‏ ، أي: أمددنا أهل الجنة من فضلنا الواسع، و رزقنا العميم‏ بِفاكِهَةٍ من العنب و الرمان و التفاح، و أصناف الفواكه اللذيذة الزائدة على ما به يتقوتون. وَ لَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ‏ من كلّ ما طلبوه و اشتهته أنفسهم، من لحوم الطير و غيرها.

[23] يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً ، أي: تدور كاسات الرحيق و الخمر عليهم، و يتعاطونها فيما بينهم، و تطوف عليهم الولدان المخلدون بأكواب و أباريق. لا لَغْوٌ فِيها وَ لا تَأْثِيمٌ‏ ، أي: ليس في الجنة كلام لغو، و هو الذي لا فائدة فيه، و لا تأثيم و هو: الذي ليس فيه إثم و معصية، و إذا انتفى الأمران، ثبت الأمر الثالث، و هو أن كلامهم فيها، سلام طيب طاهر، مسر للنفوس، مفرح للقلوب، يتعاشرون أحسن عشرة، و يتنادمون أطيب المنادمة، و لا يسمعون من ربهم، إلا ما يقر أعينهم، و يدل على رضاه عنهم و محبته لهم.

[24] وَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ‏ ، أي: خدم شباب‏ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ‏ من حسنهم و بهائهم، يدورون عليهم بالخدمة، و قضاء أشغالهم، و هذا يدل على كثرة نعيمهم وسعته، و كمال راحتهم.

[25] وَ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ‏ (25) عن أمور الدنيا و أحوالها.

[26] قالُوا في ذكر بيان الذي‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 984

أوصلهم إلى ما هم فيه من الحبرة و السرور. إِنَّا كُنَّا قَبْلُ‏ ، أي: في دار الدنيا فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ‏ ، أي: خائفين و جلين، فتركنا من خوفه الذنوب، و أصلحنا لذلك العيوب.

[27] فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا بالهداية و التوفيق، وَ وَقانا عَذابَ السَّمُومِ‏ ، أي: العذاب الحار الشديد حره.

[28] إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ‏ أن يقينا عذاب السموم، و يوصلنا إلى النعيم، و هذا شامل لدعاء العبادة، و دعاء المسألة، أي: لم نزل نتقرب إليه بأنواع العبادات، و ندعوه في سائر الأوقات. إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ‏ ، فمن برّه و رحمته إيانا أن أنالنا رضاه و الجنة، و وقانا سخطه و النار.

[29] يأمر اللّه تعالى رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم أن يذكر الناس، مسلمهم و كافرهم، لتقوم حجة اللّه على الظالمين، و يهتدي بتذكيره الموفقون، و أن لا يبالي بقول المشركين المكذبين، و أذيتهم و أقوالهم التي يصدون بها الناس عن اتباعه، مع علمهم أنه أبعد الناس عنها، و لهذا نفى عنه كل نقص رموه به، فقال: فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ‏ ، أي: منّه و لطفه‏ بِكاهِنٍ‏ ، أي: له رئيّ من الجن، يأتيه بخبر بعض الغيوب، الّتي يضم إليها مائة كذبة. وَ لا مَجْنُونٍ‏ فاقد للعقل، بل أنت أكمل الناس عقلا، و أبعدهم عن الشياطين، و أعظمهم صدقا، و أجلهم و أكملهم.

[30] و تارة يَقُولُونَ‏ فيه: إنه‏ شاعِرٌ يقول الشعر، و الذي جاء به شعر، و اللّه يقول: وَ ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَ ما يَنْبَغِي لَهُ‏ .

نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ‏ ، أي: ننتظر به الموت، فيبطل أمره، و نستريح منه.

[31] قُلْ‏ لهم جوابا لهذا الكلام السخيف: تَرَبَّصُوا أي: انتظروا بي الموت، فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ‏ نتربص بكم، أن يصيبكم اللّه بعذاب من عنده، أو بأيدينا.

[32] أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ‏ (32)، أي: أ هذا التكذيب لك، و الأقوال الّتي قالوها؟ هل صدرت عن عقولهم و أحلامهم؟ فبئس العقول و الأحلام، الّتي هذه نتائجها، و هذه ثمراتها. فإن عقولا جعلت أكمل الخلق عقلا مجنونا، و جعلت أصدق الصدق، و أحق الحقّ، كذبا و باطلا، لهي العقول الّتي ينزه المجانين عنها. أم الذي حملهم على ذلك ظلمهم و طغيانهم؟ و هو الواقع، فالطغيان ليس له حد يقف عليه، فلا يستغرب من الطاغي المتجاوز الحد، كل قول و فعل صدر منه.

[33] أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ‏ ، أي: تقول محمد القرآن، و قاله من تلقاء نفسه؟ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ‏ فلو آمنوا، لم يقولوا ما قالوا.

[34] فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ‏ (34) أنه تقوله، فإنكم العرب الفصحاء، و الفحول البلغاء، و قد تحداكم أن تأتوا بمثله، فتصدق معارضتكم أو تقروا بصدقه، و أنكم لو اجتمعتم، أنتم و الإنس و الجن، لم تقدروا على معارضته و الإتيان بمثله، فحينئذ أنتم بين أمرين: إما مؤمنون به، مقتدون بهديه، و إما معاندون متبعون، لما علمتم من الباطل.

صفحه بعد