کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 712

تعظيمه و شدة الاهتمام به، من كونه نزل من اللّه، لا من غيره، مقصودا فيه نفعكم و هدايتكم.

[193] نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ‏ (193) و هو: جبريل عليه السّلام، الذي هو أفضل الملائكة و أقواهم، الْأَمِينُ‏ الذي قد أمن أن يزيد فيه أو ينقص.

[194] عَلى‏ قَلْبِكَ‏ يا محمد لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ‏ تهدي به إلى طريق الرشاد، و تنذر به عن طريق الغي.

[195] بِلِسانٍ عَرَبِيٍ‏ و هو أفضل الألسنة، بلغة من بعث إليهم، و باشر دعوتهم أصلا، اللسان البيّن الواضح. و تأمل كيف اجتمعت هذه الفضائل الفاخرة في هذا الكتاب الكريم، فإنه أفضل الكتب، نزل به أفضل الملائكة، على أفضل الخلق، على أفضل أمة أخرجت للناس، بأفضل الألسنة و أفصحها، و أوسعها، و هو: اللسان العربي المبين.

[196] وَ إِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ‏ (196) أي: قد بشرت به كتب الأولين و صدقته، و هو لما نزل، طبق ما أخبرت به، صدقها، بل جاء بالحق، و صدق المرسلين.

[197] أَ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً على صحته، و أنه من اللّه‏ أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ‏ الّذين قد انتهى إليهم العلم، و صاروا أعلم الناس، و هم أهل الصنف. فإن كل شي‏ء يحصل به اشتباه، يرجع فيه إلى أهل الخبرة و الدراية، فيكون قولهم حجة على غيرهم. كما عرف السحرة الّذين مهروا في علم السحر، صدق معجزة موسى، و أنه ليس بسحر. فقول الجاهلين بعد هذا، لا يؤبه به.

[198- 199] وَ لَوْ نَزَّلْناهُ عَلى‏ بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ‏ (198) الّذين لا يفقهون لسانهم، و لا يقدرون على التعبير كما ينبغي‏ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ‏ (199) يقولون: ما نفقه ما يقول، و لا ندري ما يدعو إليه، فليحمدوا ربهم، أن جاءهم على لسان أفصح الخلق، و أقدرهم على التعبير عن المقاصد، بالعبارات الواضحة، و أنصحهم. و ليبادروا إلى التصديق به، و تلقّيه بالتسليم و القبول. و لكن تكذيبهم له من غير شبهة، إن هو إلا محض الكفر و العناد، و أمر قد توارثته الأمم المكذبة.

[200] فلهذا قال: كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ‏ (200) أي: أدخلنا التكذيب، و نظمناه في قلوب أهل الإجرام، كما يدخل السلك في الإبرة، فتشربته، و صار وصفا لها.

[201] و ذلك بسبب ظلمهم و جرمهم، فلذلك‏ لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ‏ (201) على تكذيبهم.

[202] فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ‏ (202) أي: يأتيهم على حين غفلة، و عدم إحساس منهم، و لا استشعار بنزوله، ليكون أبلغ في عقوبتهم و النكال بهم.

[203] فَيَقُولُوا إذ ذاك: هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ‏ أي: يطلبون أن ينظروا و يمهلوا، و الحال إنه قد فات الوقت، و حل بهم العذاب، الذي لا يرفع عنهم، و لا يفتّر ساعة.

[204] يقول تعالى: أَ فَبِعَذابِنا و هو العذاب الأليم العظيم، الذي لا يستهان به، و لا يحتقر، يَسْتَعْجِلُونَ‏ فما الذي غرهم؟ هل فيهم قوة و طاقة، للصبر عليه؟، أم عندهم قوة يقدرون بها على دفعه، أو رفعه، إذا نزل؟، أم يعجزوننا، و يظنون أننا، لا نقدر على ذلك.

[205- 206] أَ فَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ‏ (205) أي: أ فرأيت إذا لم نستعجل عليهم، بإنزال العذاب، و أمهلناهم عدة سنين، يتمتعون في الدنيا ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ‏ (206) من‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 713

العذاب.

[207] ما أَغْنى‏ عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ‏ (207) من اللذات، و الشهوات، أي: أي شي‏ء يغني عنهم، و يفيدهم، و قد مضت اللذات، و بطلت، و اضمحلت، و أعقبت تبعا لها، و ضوعف لهم العذاب عند طول المدة. القصد أن الحذر، من وقوع العذاب، و استحقاقهم له. و أما تعجيله و تأخيره، فلا أهمية تحته، و لا جدوى عنده.

[208] يخبر تعالى عن كمال عدله، في إهلاك المكذبين، و أنه ما أوقع بقرية، هلاكا و عذابا، إلا بعد أن يعذر منهم، و يبعث فيه النّذر بالآيات البينات، فيدعونهم إلى الهدى، و ينهونهم عن الردى، و يذكرونهم بآيات اللّه، و ينبهونهم على أيامه في نعمه و نقمه.

[209] ذِكْرى‏ لهم و إقامة حجة عليهم. وَ ما كُنَّا ظالِمِينَ‏ فنهلك القرى، قبل أن ننذرهم، و نأخذهم، و هم غافلون عن النذر، كما قال تعالى: وَ ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ، رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ‏ .

[210- 211] و لما بين تعالى، كمال القرآن و جلالته، نزهه عن كل صفة نقص، و حماه- وقت نزوله، و بعد نزوله- من شياطين الجن و الإنس فقال: وَ ما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ (210) وَ ما يَنْبَغِي لَهُمْ‏ أي: لا يليق بحالهم و لا يناسبهم‏ وَ ما يَسْتَطِيعُونَ‏ ذلك.

[212] إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ‏ (212) قد: أبعدوا عنه، و أعدت لهم الرجوم لحفظه، و نزل به جبريل، أقوى الملائكة، الذي لا يقدر شيطان أن يقربه، أو يحوم حول ساحته، و هذا كقوله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ‏ (9).

[213] ينهى تعالى رسوله أصلا، و أمته أسوة له في ذلك، عن دعاء غير اللّه، من جميع المخلوقين، و أن ذلك موجب للعذاب الدائم، و العقاب السرمدي، لكونه شركا، مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَ مَأْواهُ النَّارُ ، و النهي عن الشي‏ء، أمر بضده، فالنهي عن الشرك، أمر بإخلاص العبادة وحده لا شريك له، محبة، و خوفا، و رجاء، و ذلا، و إنابة إليه في جميع الأوقات.

[214] و لما أمره بما فيه كمال نفسه، أمره بتكميل غيره فقال: وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ‏ (214) الّذين هم أقرب الناس إليك، و أحقهم بإحسانك الديني و الدنيوي، و هذا لا ينافي أمره بإنذار جميع الناس. كما إذا أمر الإنسان بعموم الإحسان، ثمّ قيل له «أحسن إلى قرابتك»، فيكون هذا الخصوص، دالا على التأكيد، و زيادة الحث. فامتثل صلّى اللّه عليه و سلم، هذا الأمر الإلهي، فدعا سائر بطون قريش، فعمم و خصص، و ذكرهم و وعظهم، و لم يبق صلّى اللّه عليه و سلم، من مقدوره شيئا، من نصحهم، و هدايتهم، إلا فعله، فاهتدى من اهتدى، و أعرض من أعرض.

[215- 216] وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏ (215) بلين جانبك، و لطف خطابك لهم، و توددك، و تحببك إليهم، و حسن خلقك و الإحسان التام بهم. و قد فعل صلّى اللّه عليه و سلم، ذلك كما قال تعالى: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 714

وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ، فهذه أخلاقه صلّى اللّه عليه و سلّم، أكمل الأخلاق، التي يحصل به من المصالح العظيمة، و دفع المضار، ما هو مشاهد. فهل يليق بمؤمن باللّه و رسوله، و يدّعي اتباعه و الاقتداء به، أن يكون كلا على المسلمين، شرس الأخلاق، شديد الشكيمة، غليظ القلب، فظّ القول، فظيعه؟. و إن رأى منهم معصية، أو سوء أدب، هجرهم، و مقتهم، و أبغضهم، لا لين عنده، و لا أدب لديه، و لا توفيق. قد حصل من هذه المعاملة، من المفاسد، و تعطيل المصالح، ما حصل، و مع ذلك تجده محتقرا، لمن اتصف بصفات الرسول الكريم، و قد رماه بالنفاق و المداهنة، و ذكر نفسه و رفعها، و أعجب بعمله. فهل يعدّ هذا، إلا من جهله، و تزيين الشيطان، و خدعه له، و لهذا قال اللّه لرسوله: فَإِنْ عَصَوْكَ‏ في أمر من الأمور، فلا تتبرأ منهم، و لا تترك معاملتهم، بخفض الجناح، و لين الجانب، بل تبرأ من عملهم، فعظهم عليه، و أنصحهم، و ابذل قدرتك في ردهم عنه، و توبتهم منه. و هذا الدفع، احتراز و هم من يتوهم، أن قوله: وَ اخْفِضْ جَناحَكَ‏ للمؤمنين، يقتضي الرضاء بجميع ما يصدر منهم، ماداموا مؤمنين، فدفع هذا، و اللّه أعلم.

[217] أعظم مساعد للعبد على القيام بما أمر به، الاعتماد على ربه، و الاستعانة بمولاه، على توفيقه للقيام بالمأمور، فلذلك أمر اللّه تعالى بالتوكل عليه فقال: وَ تَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ‏ (217) و التوكل هو: اعتماد القلب على اللّه تعالى، في جلب المنافع، و دفع المضار، مع ثقته به، و حسن ظنه بحصول مطلوبه، فإنه عزيز رحيم، بعزته يقدر على إيصال الخير، و دفع الشر عن عبده، و برحمته به، يفعل ذلك.

[218- 219] ثمّ نبهه على الاستعانة، باستحضار قرب اللّه، و النزول في منزل الإحسان فقال: الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَ تَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ‏ (219) أي: يراك في هذه العبادة العظيمة، التي هي الصلاة، وقت قيامك، و تقلبك راكعا و ساجدا. خصها بالذكر، لفضلها و شرفها، و لأن من استحضر فيها قرب ربه، خشع و ذل، و أكملها، و بتكميلها، يكمل سائر عمله، و يستعين بها على جميع أموره.

[220] إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ‏ لسائر الأصوات، على اختلافها، و تشتتها، تنوعها، الْعَلِيمُ‏ الذي أحاط بالظواهر و البواطن، و الغيب و الشهادة. فاستحضار العبد برؤية اللّه له في جميع أحواله، و سمعه لكل ما ينطق به، و علمه بما ينطوي عليه قلبه، من الهم، و العزم، و النيات، يعينه على منزلة الإحسان.

[221] هذا جواب لمن قال من مكذبي الرسول: إن محمدا ينزل عليه شيطان. و قول من قال: إنه شاعر فقال:

هَلْ أُنَبِّئُكُمْ‏ أي: أخبركم الخبر الحقيقي، الذي لا شك فيه، و لا شبهة، عَلى‏ مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ‏ ، عليه أي: بصفة الأشخاص، الّذين تنزل عليهم الشياطين.

[222] تَنَزَّلُ عَلى‏ كُلِّ أَفَّاكٍ‏ أي: كذاب، كثير القول للزور، و الإفك بالباطل، أَثِيمٍ‏ في فعله، كثير المعاصي، هذا الذي تنزل عليه الشياطين، و تناسب حاله حالهم؟.

[223] يُلْقُونَ‏ عليه‏ السَّمْعَ‏ الذي يسترقونه من السماء، وَ أَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ‏ أي: أكثر ما يلقون إليه، كذب، فيصدق واحدة، و يكذب معها مائة، فيختلط الحقّ بالباطل، و يضمحل الحقّ بسبب قلته، و عدم علمه. فهذه صفة الأشخاص، الّذين تنزل عليهم الشياطين، و هذه صفة وحيهم له. و أما محمد صلّى اللّه عليه و سلم، فحاله مباينة لهذه الأحوال، أعظم مباينة، لأنه الصادق الأمين، البار، الراشد، الذي جمع بين برّ القلب، و صدق اللهجة، و نزاهة الأفعال، من المحرم. و الوحي الذي ينزل عليه من عند اللّه، ينزل محروسا محفوظا، مشتملا على الصدق العظيم، الذي لا شك فيه و لا ريب. فهل يستوي- يا أهل العقول- هديه و إفكهم؟. و هل يشتبهان، إلا على مجنون، لا يميز، و لا يفرق بين الأشياء؟

[224] فلما نزهه عن نزول الشياطين عليه، برّأه أيضا من الشعر فقال: وَ الشُّعَراءُ أي: هل أنبئكم أيضا عن‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 715

حالة الشعراء، و وصفهم الثابت، فإنهم‏ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ‏ عن طريق الهدى، المقبلون على طريق الغي و الردى. فهم في أنفسهم غاوون، و تجد أتباعهم كل غاو، ضال فاسد.

[225] أَ لَمْ تَرَ غوايتهم و شدة ضلالهم‏ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ من أودية الشعر، يَهِيمُونَ‏ فتارة في مدح، و تارة في قدح، و تارة يتغزلون، و أخرى يسخرون، و مرة يمرحون، و آونة يحزنون، فلا يستقر لهم قرار، و لا يثبتون على حال من الأحوال.

[226] وَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ‏ (226) أي: هذا وصف الشعراء، أنهم تخالف أقوالهم أفعالهم. فإذا سمعت الشاعر يتغزل بالغزل الرقيق، قلت هذا أشد الناس غراما، و قلبه فارغ من ذاك، و إذا سمعته يمدح أو يذم، قلت: هذا صدق، و هو كذب. و تارة يتمدح بأفعال لم يفعلها، و تروك لم يتركها، و كرم لم يحم حول ساحته، و شجاعة يعلو بها على الفرسان، و تراه أجبن من كل جبان، هذا وصفهم. فانظر، هل يطابق حالة الرسول محمد صلّى اللّه عليه و سلم، الراشد البار، الذي يتبعه كل راشد و مهتد، الذي قد استقام على الهدى، و جانب الردى، و لم تتناقض أفعاله؟، فهو لا يأمر إلا بالخير، و لا ينهى إلا عن الشر، و لا أخبر بشي‏ء إلا صدق، و لا أمر بشي‏ء إلا كان أول الفاعلين له، و لا نهى عن شي‏ء إلا كان أول التاركين له. فهل تناسب حاله، حالة الشعراء، و يقاربهم؟ أم هو مخالف لهم من جميع الوجوه؟ فصلوات اللّه و سلامه، على هذا الرسول الأكمل، و الهمام الأفضل، أبد الآبدين، و دهر الداهرين، الذي ليس بشاعر، و لا ساحر، و لا مجنون، لا يليق به إلا كل الكمال.

[227] و لما وصف الشعراء بما وصفهم به، استثنى منهم من آمن باللّه و رسوله، و عمل صالحا، و أكثر من ذكر اللّه، و انتصر من أعدائه المشركين، من بعد ما ظلموهم. فصار شعرهم، من أعمالهم الصالحة، و آثار إيمانهم، لاشتماله على مدح أهل الإيمان، و الانتصار من أهل الشرك و الكفر، و الذّبّ عن دين اللّه، و تبيين العلوم النافعة، و الحث على الأخلاق الفاضلة فقال: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ ذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَ انْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ‏ (227) إلى موقف و حساب، لا يغادر صغيرة و لا كبيرة، إلا أحصاها، و لا حقا إلا استوفاه. و الحمد للّه ربّ العالمين. تم تفسير سورة الشعراء.

تفسير سورة النمل‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] ينبه تعالى عباده على عظمة القرآن، و يشير إليه إشارة دالة على التعظيم فقال: تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَ كِتابٍ مُبِينٍ‏ أي: هي أعلى الآيات، و أقوى البينات، و أوضح الدلالات، و أبينها على أجل المطالب، و أفضل المقاصد،

تيسير الكريم الرحمن، ص: 716

و خير الأعمال، و أزكى الأخلاق. آيات تدل على الأخبار الصادقة، و الأوامر الحسنة، و النهي عن كل عمل وخيم، و خلق ذميم. آيات بلغت في وضوحها و بيانها البصائر النيرة، مبلغ الشمس للأبصار. آيات دلت على الإيمان، و دعت للوصول إلى الإيمان، و أخبرت عن الغيوب الماضية و المستقبلة، طبق ما كان و يكون. آيات دعت إلى معرفة الرب العظيم، بأسمائه الحسنى، و صفاته العليا، و أفعاله الكاملة.

آيات عرفتنا برسله و أوليائه، و وصفتهم حتى كأننا ننظر إليهم بأبصارنا. و لكن مع هذا لم ينتفع بها كثير من العالمين، و لم يهتد بها جميع المعاندين، صونا لها، عن من لا خير فيه و لا صلاح، و لا زكاء في قلبه. و إنّما اهتدى بها، من خصهم اللّه بالإيمان، و استنارت بذلك قلوبهم، و صفت سرائرهم.

[2] فلهذا قال: هُدىً وَ بُشْرى‏ لِلْمُؤْمِنِينَ‏ (2) أي:

تهديهم إلى سلوك الصراط المستقيم، و تبين لهم، ما ينبغي أن يسلكوه أو يتركوه، و تبشرهم بثواب اللّه، المرتب على الهداية لهذا الطريق. ربما قيل: لعله يكثر مدعو الإيمان فهل يقبل من كل أحد ادّعى أنه مؤمن ذلك؟ أم لا بد لذلك من دليل؟ و هو الحقّ، فلذلك بيّن تعالى صفة المؤمنين فقال:

[3] الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ فرضها، و نفلها، فيأتون بأفعالها الظاهرة، من أركانها، و شروطها، و واجباتها، و مستحباتها. و أفعالها الباطنة، و هو: الخشوع الذي روحها و لبها، باستحضار قرب اللّه، و تدبر ما يقول المصلي و يفعله. وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ المفروضة لمستحقيها وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ‏ أي: قد بلغ معهم الإيمان إلى أن وصل إلى درجة اليقين، و هو: العلم التام، و الواصل إلى القلب، الداعي إلى العمل. و يقينهم بالآخرة، يقتضي كمال سعيهم لها، و حذرهم من أسباب العذاب و موجبات العقاب، و هذا أصل كل خير.

[4] إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ و يكذبون بها، و يكذبون من جاء بإثباتها. زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ‏ حائرين مترددين، مؤثرين سخط اللّه على رضاه، قد انقلبت عليهم الحقائق، فرأوا الباطل حقا، و الحقّ باطلا.

[5] أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ‏ أي: أشده، و أسوأه، و أعظمه، وَ هُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ‏ حصر الخسار فيهم، بكونهم خسروا أنفسهم و أهليهم يوم القيامة، و خسروا الإيمان الذي دعتهم إليه الرسل.

[6] وَ إِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ‏ (6) أي: و إن هذا القرآن الذي ينزل عليك، و تتلقنه، ينزل من عند حكيم يضع الأشياء مواضعها، و ينزلها منازلها. عليم بأسرار الأحوال، و بواطنها كظواهرها. و إذا كان من عند حَكِيمٍ عَلِيمٍ‏ علم أنه كله حكمة و مصالح للعباد، من الذي هو أعلم بمصالحهم منهم؟

[7] إِذْ قالَ مُوسى‏ لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً إلى آخر قصته، يعني: اذكر هذه الحالة الفاضلة الشريفة من أحوال موسى ابن عمران، و ابتداء الوحي إليه و اصطفاءه برسالته، و تكليم اللّه إياه. و ذلك أنه لما مكث في مدين عدة سنين، و سار بأهله من مدين، متوجها إلى مصر، فلما كان في أثناء الطريق، ضل، و كان في ليلة مظلمة باردة، فقال لهم: إِنِّي آنَسْتُ ناراً أي: أبصرت نارا من بعيد سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ عن الطريق. أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ‏ أي:

تستدفئون، و هذا دليل على أنه تائه، و مشتد برده، هو و أهله.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 717

[8] فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَ مَنْ حَوْلَها أي: ناداه اللّه تعالى و أخبره، أن هذا محل مقدس مبارك. و من بركته، أن جعله اللّه موضعا لتكليم اللّه لموسى و إرساله. وَ سُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ على أن يظن به نقص، أو سوء، بل هو الكامل، في وصفه، و فعله.

[9] يا مُوسى‏ إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏ (9) أي: أخبره اللّه أنه اللّه المستحق للعبادة، وحده لا شريك له، كما في الآية الأخرى‏ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي‏ (14). الْعَزِيزُ الذي قهر جميع الأشياء، و أذعنت له كل المخلوقات، الْحَكِيمُ‏ في أمره و خلقه. و من حكمته، أن أرسل عبده، موسى بن عمران، الذي علم اللّه منه، أنه أهل لرسالته و وحيه و تكليمه. و من عزته، أن تعتمد عليه، و لا تستوحش من انفرادك، و كثرة أعدائك، و جبروتهم. فإن نواصيهم، بيد اللّه، و حركاتهم و سكونهم، بتدبيره.

[10] وَ أَلْقِ عَصاكَ‏ فألقاها فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌ‏ و هو ذكر الحيات، سريع الحركة. وَلَّى مُدْبِراً وَ لَمْ يُعَقِّبْ‏ ذعرا من الحية التي رأى، على مقتضى الطبائع البشرية. فقال اللّه له: يا مُوسى‏ لا تَخَفْ‏ و قال في الآية الأخرى:

أَقْبِلْ وَ لا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ‏ . إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ‏ لأن جميع المخاوف مندرجة في قضائه و قدره، و تصريفه، و أمره. فالذين اختصهم اللّه برسالته، و اصطفاهم لوحيه، لا ينبغي لهم أن يخافوا غير اللّه، خصوصا عند زيادة القرب منه، و الحظوة بتكليمه.

[11] إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ أي: فهذا الذي هو محل الخوف و الوحشة بسبب ما أسدى من الظلم، و ما تقدم له من الجرم. و أما المرسلون، فما لهم و للوحشة، و الخوف؟ و مع هذا، من ظلم نفسه بمعاصي اللّه، و تاب و أناب، فبدل سيئاته حسنات، و معاصيه طاعات، فإن اللّه غفور رحيم. فلا يبأس أحد من رحمته و مغفرته، فإنه يغفر الذنوب جميعا، و هو أرحم بعباده من الوالدة بولدها.

[12] وَ أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ لا برص و لا نقص، بل بياض يبهر الناظرين شعاعه. فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى‏ فِرْعَوْنَ وَ قَوْمِهِ‏ أي: هاتان الآيتان، انقلاب العصا حية تسعى، و إخراج اليد من الجيب، فتخرج بيضاء في جملة تسع آيات، تذهب بها، و تدعو فرعون و قومه‏ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ‏ ، فسقوا بشركهم، و عتوهم، و علوهم على عباد اللّه، و استكبارهم في الأرض، بغير الحقّ. فذهب موسى عليه السّلام إلى فرعون و ملئه، و دعاهم إلى اللّه تعالى، و أراهم الآيات.

[13] فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً مضيئة، تدل على الحقّ، و يبصر بها كما تبصر الأبصار بالشمس. قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ‏ لم يكفهم مجرد القول بأنه سحر، بل قالوا: مُبِينٌ‏ ظاهر لكل أحد. و هذا من أعجب العجائب، الآيات المبصرات، و الأنوار الساطعات تجعل من بين الخزعبلات، و أظهر السحر. هل هذا، إلا من أعظم المكابرة، و أوقح السفسطة.

[14] وَ جَحَدُوا بِها أي كفروا بآيات اللّه، جاحدين لها. وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ‏ أي: ليس جحدهم، مستندا إلى الشك و الريب. و إنّما جحدهم مع علمهم، و تيقنهم بصحتها ظُلْماً منهم لحق ربهم و لأنفسهم. وَ عُلُوًّا على الحقّ و على العباد، و على الانقياد للرسل. فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ‏ أسوأ عاقبة، دمرهم اللّه و أغرقهم في البحر، و أخزاهم، و أورث مساكنهم المستضعفين من عباده.

[15] يذكر في هذا القرآن، و ينوه بمنته على داود و سليمان ابنه، بالعلم الواسع الكثير، بدليل التنكير، كما قال تعالى: وَ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَ كُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَ كُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَ عِلْماً الآية. وَ قالا شاكرين لربهما منته، الكبرى بتعليمهما: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى‏ كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ‏ فحمدا اللّه على جعلهما من المؤمنين، أهل السعادة، و أنهما كانا من خواصهم. و لا شك أن المؤمنين أربع‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 718

درجات: الصالحون، ثمّ فوقهم: الشهداء، ثمّ فوقهم:

الصديقون، ثمّ فوقهم: الأنبياء. و داود و سليمان، من خواص الرسل، و إن كانا دون درجة أولي العزم الخمسة.

لكنهما من جملة الرسل الفضلاء الكرام، الّذين نوه اللّه بذكرهم، و مدحهم في كتابه، مدحا عظيما، فحمدا اللّه على بلوغ هذه المنزلة. و هذا عنوان سعادة العبد، أن يكون شاكرا للّه على نعمه، الدينية و الدنيوية، و أن يرى جميع النعم من ربه. فلا يفخر بها و لا يعجب بها، بل يرى أنها تستحق عليه شكرا كثيرا. فلما مدحهما مشتركين، خص سليمان، بما خصه به، لكون اللّه أعطاه ملكا عظيما، و صار له من المجريات، ما لم يكن لأبيه، صلى اللّه عليهما و سلم، فقال:

[16] وَ وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ أي: ورث علمه و نبوته، فانضم علم أبيه إلى علمه، فلعله، تعلم من أبيه ما عنده، من العلم، مع ما كان عليه من العلم وقت أبيه، كما تقدم من قوله ففهمناها سليمان. و قالا: شكرا للّه، و تبجحا بإحسانه، و تحدثا بنعمته: يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ فكان عليه الصلاة و السّلام، يفقه ما تقول، و تتكلم به، كما راجع الهدهد، و راجعه، و كما فهم قول النملة للنمل، كما يأتي، و هذا، لم يكن لأحد غير سليمان عليه السّلام. وَ أُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ أي: أعطانا اللّه من النعم، و من أسباب الملك، و من السلطنة و القهر، ما لم يؤت أحدا من الآدميين. و لهذا دعا ربه فقال: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي‏ فسخر اللّه له الشياطين، يعملون له كل ما شاء، من الأعمال، التي يعجز عنها غيرهم، و سخر له الريح، غدوها شهر، و رواحها شهر. إِنَّ هذا الذي أعطانا اللّه، و فضلنا، و اختصنا به‏ لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ‏ الواضح الجلي، فاعترف أكمل اعتراف بنعمة اللّه تعالى.

[17] وَ حُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ وَ الطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ‏ (17) أي: جمع له جنوده الكثيرة، الهائلة، المتنوعة، من بني آدم، و من الجن، و الشياطين، و من الطيور فهم يوزعون، يدبرون، و يرد أولهم على آخرهم، و ينظمون غاية التنظيم، في سيرهم و نزولهم، و حلهم، و ترحالهم قد استعد لذلك، و أعد له عدته. و كل هذه الجنود مؤتمرة بأمره، لا تقدر على عصيانه، و لا تتمرد عليه، كما قال تعالى: هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ‏ أي: أعط بغير حساب، فسار بهذه الجنود الضخمة في بعض أسفاره.

[18] حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى‏ وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ منبهة لرفقتها، و بني جنسها: يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَ جُنُودُهُ وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ‏ . فنصحت هذه النملة، و أسمعت النمل، إما بنفسها، و يكون اللّه قد أعطى النمل أسماعا خارقة للعادة، لأن التنبيه للنمل، الذي قد ملأ الوادي بصوت نملة واحدة، من أعجب العجائب.

و إما بأنها أخبرت من حولها من النمل، ثمّ سرى الخبر من بعضهن لبعض، حتى بلغ الجميع، و أمرتهن بالحذر، و الطريق في ذلك، و هو دخول مساكنهن. و عرفت حالة سليمان و جنوده، و عظمة سلطانه، و اعتذرت عنهم، أنهم إن حطموكم، فليس عن قصد منهم، و لا شعور، فسمع سليمان عليه الصلاة و السّلام قولها، و فهمه.

صفحه بعد