کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1053

الحسن و الإتقان‏ ما تَرى‏ فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ‏ ، أي:

خلل و نقص. و إذا انتفى النقص من كلّ وجه، و صارت حسنة كاملة، متناسبة من كلّ وجه، في لونها و هيئتها، و ارتفاعها، و ما فيها من الشمس، و الكواكب النيرات، الثوابت منهن و السيارات. و لما كان كمالها معلوما، أمر اللّه تعالى بتكرار النظر إليها و التأمل في أرجائها، فقال: فَارْجِعِ الْبَصَرَ ، أي: أعده إليها، ناظرا معتبرا هَلْ تَرى‏ مِنْ فُطُورٍ ، أي: نقص و اختلال.

[4] ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ‏ المراد بذلك: كثرة التكرار يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَ هُوَ حَسِيرٌ ، أي: عاجزا عن أن يرى خللا أو فطورا، و لو حرص غاية الحرص.

[5] ثمّ صرح بذكر حسنها، فقال: وَ لَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ ، إلى: لِأَصْحابِ السَّعِيرِ . وَ لَقَدْ زَيَّنَّا ، أي:

و لقد جمّلنا السَّماءَ الدُّنْيا الّتي ترونها و تليكم. بِمَصابِيحَ‏ و هي النجوم، على اختلافها في النور و الضياء، فإنه لو لا ما فيها من النجوم، لكانت سقفا مظلما، لا حسن فيه و لا جمال. و لكن جعل اللّه هذه النجوم زينة للسماء، و جمالا و نورا، و هداية يهتدى بها في ظلمات البر و البحر. و لا ينافي إخباره أنه زين السماء الدنيا بمصابيح، أن يكون كثير من النجوم فوق السماوات السبع، فإن السماوات شفافة، و بذلك تحصل الزينة للسماء الدنيا، و إن لم تكن الكواكب فيها. وَ جَعَلْناها ، أي: المصابيح‏ رُجُوماً لِلشَّياطِينِ‏ الّذين يريدون استراق خبر السماء. فجعل اللّه هذه النجوم، حراسة للسماء عن تلقف الشياطين أخبارها، إلى الأرض، فهذه الشهب، الّتي ترمى من النجوم، أعدها اللّه في الدنيا للشياطين. وَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ لأنهم تمردوا على اللّه، و أضلوا عباده، و لهذا كان أتباعهم من الكفار مثلهم، قد أعد اللّه لهم عذاب السعير، فلهذا قال:

[6] وَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ (6) الّتي يهان أهلها، غاية الهوان.

[7] إِذا أُلْقُوا فِيها على وجه الإهانة و الذل‏ سَمِعُوا لَها شَهِيقاً ، أي: صوتا عاليا فظيعا وَ هِيَ تَفُورُ .

[8] تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ ، أي: تكاد على اجتماعها أن يفارق بعضها بعضا، و تتقطع من شدة غيظها على الكفار، فما ظنك ما تفعل بهم، إذا حصلوا فيها؟ ثمّ ذكر توبيخ الخزنة لأهلها، فقال: كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ؟ أي: حالكم هذه و استحقاقكم النار، كأنكم لم تخبروا عنها، و لم تحذركم النذر منها.

[9] قالُوا بَلى‏ قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَ قُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (9)، فجمعوا بين تكذيبهم الحاضر، و التكذيب العام بكل ما أنزل اللّه. و لم يكفهم ذلك، حتى أعلنوا بضلال الرسل المنذرين و هم الهداة المهتدون، و لم يكتفوا بمجرد الضلال، بل جعلوا ضلالهم ضلالا كبيرا، فأي عناد و تكبّر و ظلم يشبه هذا؟

[10] وَ قالُوا معترفين بعدم أهليتهم للهدى و الرشاد: لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ فنفوا عن أنفسهم طرق الهدى، و هي السمع لما أنزل اللّه، و جاءت به الرسل، و العقل الذي ينفع صاحبه، و يوقفه على حقائق الأشياء، و إيثار الخير، و الانزجار عن كلّ ما عاقبته ذميمة، فلا سمع لهم و لا عقل. و هذا بخلاف أهل اليقين و العرفان، و أرباب الصدق و الإيمان، فإنهم أيدوا إيمانهم بالأدلة السمعية، فسمعوا ما جاء من عند اللّه، و جاء به‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1054

رسول اللّه علما و معرفة و عملا. و الأدلة العقلية: المعرفة للهدى من الضلال، و الحسن من القبيح، و الخير من الشر.

و هم- في الإيمان- بحسب ما منّ اللّه عليهم به، من الاقتداء بالمعقول و المنقول، فسبحان من يختص بفضله من يشاء، و يمن على من يشاء من عباده، و يخذل من لا يصلح للخير.

قال تعالى عن هؤلاء الداخلين للنار، المعترفين بظلمهم و عنادهم:

[11] فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ (11)، أي: بعدا لهم و خسارة و شقاء. فما أشقاهم و أرداهم، حيث فاتهم ثواب اللّه، و كانوا ملازمين للسعير، الّتي تستعر في أبدانهم، و تطلع على أفئدتهم!!

[12] لما ذكر حالة الأشقياء الفجار، ذكر وصف الأبرار السعداء، فقال: إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ‏ ، أي: في جميع أحوالهم، حتى في الحالة الّتي لا يطلع عليهم فيها إلا اللّه، فلا يقدمون على معاصيه، و لا يقصرون عما أمرهم به.

لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم، و إذا غفر اللّه ذنوبهم، وقاهم شرها، و وقاهم عذاب الجحيم. وَ أَجْرٌ كَبِيرٌ هو ما أعده لهم في الجنة، من النعيم المقيم، و الملك الكبير، و اللذات المتواصلات، و القصور و المنازل العاليات، و الحور الحسان، و الخدم، و الولدان. و أعظم من ذلك و أكبر رضا الرحمن الذي يحله على ساكني الجنان.

[13] هذا إخبار من اللّه بسعة علمه، و شمول لطفه، فقال: وَ أَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ‏ ، أي: كلاهما سواء لديه، لا يخفى عليه منهما خافية. إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ، أي: بما فيها من النيات، و الإرادات، فكيف بالأقوال و الأفعال، الّتي تسمع و ترى؟

[14] ثمّ قال- مستدلا بدليل عقلي على علمه-: أَ لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ‏ ، فمن خلق الخلق و أتقنه، و أحسنه، كيف لا يعلمه؟ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ الذي لطف علمه و خبره، حتى أدرك السرائر و الضمائر، و الخبايا و الخفايا، و الغيوب‏ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفى‏ . و من معاني اللطيف، أنه الذي يلطف بعبده و وليه، فيسوق إليه البر و الإحسان، من حيث لا يشعر، و يعصمه من الشر، من حيث لا يحتسب، و يرقيه إلى أعلى المراتب، بأسباب لا تكون من العبد على بال، حتى إنه يذيقه المكاره، ليوصله بها، إلى المحاب الجليلة، و المطالب النبيلة.

[15] أي: هو الذي سخر لكم الأرض، و ذللها، لتدركوا منها كلّ ما تعلقت به حاجتكم، من غرس و بناء، و حرث، و طرق يتوصل بها إلى الأقطار النائية، و البلدان الشاسعة. فَامْشُوا فِي مَناكِبِها ، أي: لطلب الرزق و المكاسب. وَ كُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَ إِلَيْهِ النُّشُورُ ، أي: بعد أن تنتقلوا من هذه الدار الّتي جعلها اللّه امتحانا، و بلغة يتبلغ بها إلى الدار الآخرة، تبعثون بعد موتكم، و تحشرون إلى اللّه، ليجازيكم بأعمالكم الحسنة و السيئة.

[16] هذا تهديد و وعيد، لمن استمر في طغيانه و تعدّيه، و عصيانه الموجب للنكال، و حلول العقوبة، فقال:

أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ و هو اللّه تعالى، العالي على خلقه. أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ بكم و تضطرب، حتى تهلكوا و تتلفوا.

[17] أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ، أي: عذابا من السماء، يحصبكم، و ينتقم اللّه منكم‏ فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ ، أي: كيف يأتيكم ما أنذرتكم به الرسل و الكتب. فلا تحسبوا أن أمنكم من أن يعاقبكم‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1055

بعقاب من الأرض و من السماء ينفعكم، فستجدون عاقبة أمركم، سواء طال عليكم الأمد أو قصر.

[18] فإن من قبلكم، كذبوا كما كذبتم، فأهلكهم اللّه تعالى، فانظروا كيف إنكار اللّه عليهم، عاجلهم بالعقوبة الدنيوية قبل عقوبة الآخرة، فاحذروا أن يصيبكم ما أصابهم.

[19] و هذا عتاب و حث على النظر إلى حالة الطير، الّتي سخرها اللّه، و سخر لها الجو و الهواء، تصف فيه أجنحتها للطيران، و تقبضها للوقوع، فتظل سابحة في الجو، مترددة فيه، بحسب إرادتها و حاجتها. ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ‏ فإنه الذي سخر لهن الجو، و جعل أجسادها و خلقتها، في حالة مستعدة للطيران. فمن نظر في حالة الطير، و اعتبر فيها، دلته على قدرة الباري، و عنايته الربانية، و أنه الواحد الأحد، الذي لا تنبغي العبادة إلا له. إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ بَصِيرٌ ، فهو المدبر لعباده، بما يليق بهم، و تقتضيه حكمته.

[20] يقول تعالى للعتاة النافرين عن أمره، المعرضين عن الحقّ: أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ‏ ، أي: ينصركم، إذا أراد الرحمن بكم سوءا، فيدفعه عنكم؟ أي: من الذي ينصركم على أعدائكم غير الرحمن؟ فإنه تعالى هو الناصر المعز المذل، و غيره من الخلق لو اجتمعوا على نصر عبد، لم ينفعوه بمثقال ذرة، على أيدي أيّ عدوّ كان. فاستمرار الكافرين على كفرهم، بعد أن علموا أنه لا ينصرهم أحد من دون الرحمن، غرور و سفه.

[21] أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ‏ ، أي: الرزق كله من اللّه، فلو أمسك عنكم الرزق، فمن الذي يرسله لكم؟ فإن الخلق لا يقدرون على رزق أنفسهم، فكيف بغيرهم؟ فالرزاق المنعم، الذي لا يصيب العباد نعمة إلا منه، هو الذي يستحق أن يفرد بالعبادة. و لكن الكافرين‏ لَجُّوا ، أي: استمروا فِي عُتُوٍّ ، أي: قسوة و عدم لين للحق‏ وَ نُفُورٍ ، أي: شرود عن الحقّ.

[22] أَ فَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى‏ وَجْهِهِ أَهْدى‏ أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ‏ (22) أي: أيّ الرجلين أهدى؟ من كان تائها في الضلال، غارقا في الكفر قد انتكس قلبه، فصار الحقّ عنده باطلا، و الباطل حقا؟ أو من كان عالما بالحق، مؤثرا له، عاملا يمشي على الصراط المستقيم في أقواله و أعماله، و جميع أحواله؟ فبمجرد النظر إلى حال الرجلين، يعلم الفرق بينهما، و المهتدي من الضال منهما، و الأحوال أكبر شاهد من الأقوال.

[23] يقول تعالى- مبينا أنه المعبود وحده، و داعيا عباده إلى شكره، و إفراده بالعبادة-: قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ‏ ، أي: أوجدكم من العدم، من غير معاون له و لا مظاهر. و لما أنشأكم، كمل لكم الوجود، إذ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ ، و هذه الثلاثة، هي أفضل أعضاء البدن، و أكمل القوى الجسمانية. و لكنكم مع هذا الإنعام‏ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ‏ اللّه، قليل منكم الشاكر، و قليل منكم الشكر.

[24] قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ‏ ، أي: بثكم في أقطارها، و أسكنكم في أرجائها، و أمركم، و نهاكم، و أسدى إليكم من النعم، ما به تنتفعون، ثمّ بعد ذلك يحشركم ليوم القيامة.

[25] و لكن هذا الوعد بالجزاء، ينكره هؤلاء المعاندون‏ وَ يَقُولُونَ‏ تكذيبا: مَتى‏ هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ‏ ، جعلوا علامة صدقهم، أن يخبروهم بوقت مجيئه، و هذا ظلم و عناد.

[26] قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ‏ لا

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1056

عند أحد من الخلق، و لا ملازمة بين هذا الخبر، و بين الإخبار بوقته، فإن الصدق يعرف بأدلته. و قد أقام اللّه من الأدلة و البراهين على صحته، ما لا يبقى معه أدنى شك، لمن ألقى السمع و هو شهيد.

[27] يعني أن محل تكذيب الكفار و غرورهم به حين كانوا في الدنيا، فإذا كان يوم الجزاء، و رأوا العذاب منهم‏ زُلْفَةً ، أي: قريبا، ساءهم ذلك، و أفظعهم، و أقلقهم، فتغيرت لذلك وجوههم، و وبخوا على تكذيبهم، و قيل: هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ‏ . فاليوم رأيتموه عيانا، و انجلى لكم الأمر، و تقطعت بكم الأسباب، و لم يبق إلا مباشرة العذاب.

[28] و لما كان المكذبون للرسول صلّى اللّه عليه و سلّم، الّذين يردون دعوته، ينتظرون هلاكه، و يتربصون به ريب المنون، أمره اللّه أن يقول لهم: إنكم إن حصلت لكم أمنيتكم، و أهلكني اللّه و من معي، فليس ذلك بنافع لكم شيئا، لأنكم كفرتم بآيات اللّه، و استحققتم العذاب، فمن يجيركم من عذاب أليم قد تحتّم وقوعه بكم؟ فإذا، تعبكم و حرصكم على هلاكي، غير مفيد و لا مجد لكم شيئا. و من قولهم: إنهم على هدى، و الرسول على الضلال، أعادوا في ذلك و أبدوا، و جادلوا عليه و قاتلوا.

[29] فأمر اللّه نبيه أن يخبر عن حاله، و حال أتباعه، ما به يتبين لكل أحد هداهم و تقواهم، و هو أن يقولوا: هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْنا ، و الإيمان يشمل التصديق الباطن، و الأعمال الباطنة و الظاهرة. و لما كانت الأعمال، وجودها و كمالها، متوقفان على التوكل، خص اللّه التوكل من سائر الأعمال، و إلا فهو داخل في الإيمان، و من جملة لوازمه كما قال تعالى: وَ عَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ‏ .

فإذا كانت هذه حال الرسول، و حال من اتبعه، و هي الحال الّتي تتعين للفلاح، و تتوقف عليها السعادة، و حالة أعدائه بضدها، فلا إيمان لهم و لا توكل، علم بذلك، من هو على هدى، و من هو في ضلال مبين. ثمّ أخبر عن انفراده بالنعم، خصوصا الماء الذي جعل اللّه منه كلّ شي‏ء حيّ، فقال:

[30] قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً ، أي: غائرا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ‏ تشربون منه، و تسقون أنعامكم، و أشجاركم، و زروعكم؟ و هذا استفهام بمعنى النفي، أي: لا يقدر أحد على ذلك، غير اللّه تعالى. تم تفسير سورة الملك- و الحمد للّه.

تفسير سورة القلم‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] يقسم تعالى بالقلم، و هو اسم جنس شامل للأقلام، الّتي تكتب بها أنواع العلوم، و يسطر بها المنثور و المنظوم.

[2] و ذلك أن القلم، و ما يسطر به من أنواع الكلام، من آياته العظيمة، الّتي تستحق أن يقسم بها، على براءة نبيه محمد صلّى اللّه عليه و سلّم، مما نسبه إليه أعداؤه من الجنون، فنفى عنه ذلك بنعمة ربه عليه، و إحسانه، حيث منّ عليه بالعقل الكامل، و الرأي الجزل، و الكلام الفصل، الذي هو أحسن ما جرت به الأقلام، و سطره الأنام، و هذا هو السعادة في الدنيا.

[3] ثمّ ذكر سعادته في الآخرة، فقال: وَ إِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ‏ (3)، أي: لأجرا عظيما، كما يفيده التنكير، غير مقطوع، بل هو دائم مستمر. و ذلك لما أسلفه النبي صلّى اللّه عليه و سلّم من الأعمال الصالحة، و الأخلاق الكاملة، و الهداية إلى كلّ خير.

[4] و لهذا قال: وَ إِنَّكَ لَعَلى‏ خُلُقٍ عَظِيمٍ‏ (4)، أي: عليّ به، مستعل بخلقك الذي منّ اللّه عليك به. و حاصل خلقه العظيم، ما فسرته به أم المؤمنين عائشة رضي اللّه عنها لمن سألها عنه، فقالت: «كان خلقه القرآن»، و ذلك نحو

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1057

قوله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ‏ (199)، فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ‏ الآية، لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ‏ الآية. و ما أشبه ذلك من الآيات الدالات على اتصافه صلّى اللّه عليه و سلّم بمكارم الأخلاق، و الآيات الحاثّات على كلّ خلق جميل، فكان له منها، أكملها و أجلّها، و هو في كلّ خصلة منها، في الذروة العليا. فكان سهلا لينا، قريبا من الناس، مجيبا لدعوة من دعاه، قاضيا لحاجة من استقضاه، جابرا لقلب من سأله، لا يحرمه، و لا يرده خائبا. و إذا أراد أصحابه منه أمرا وافقهم عليه، و تابعهم فيه إذا لم يكن فيه محذور، و إن عزم على أمر لم يستبد به دونهم، بل يشاورهم و يؤامرهم.

و كان يقبل من محسنهم، و يعفو عن مسيئهم، و لم يكن يعاشر جليسا، إلا أتم عشرة و أحسنها. فكان لا يعبس في وجهه، و لا يغلظ عليه في مقاله، و لا يطوي عنه بشره، و لا يمسك عليه فلتات لسانه، و لا يؤاخذه بما يصدر منه من جفوة، بل يحسن إليه غاية الإحسان و يحتمله غاية الاحتمال. فلما أنزل اللّه نبيه محمدا صلّى اللّه عليه و سلّم في أعلى المنازل، و كان أعداؤه ينسبون إليه أنه مجنون مفتون، قال:

[5- 6] فَسَتُبْصِرُ وَ يُبْصِرُونَ (5) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ‏ (6)، و قد تبين أنه أهدى الناس، و أكملهم لنفسه و لغيره. و أن أعداءه أضل الناس، و شر الناس للناس، و أنهم الّذين فتنوا عباد اللّه، و أضلوهم عن سبيله، و كفى بعلم اللّه بذلك، فإنه المحاسب المجازي.

[7] إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ‏ (7)، و هذا فيه تهديد للضالين، و وعد للمهتدين، و بيان لحكمة اللّه، حيث كان يهدي من يصلح للهداية دون غيره.

[8] يقول اللّه تعالى لنبيه صلّى اللّه عليه و سلّم: فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ‏ (8) الّذين كذبوك، و عاندوا الحقّ، فإنهم ليسوا أهلا لأن يطاعوا، لأنهم لا يأمرون إلا بما يوافق أهواءهم، و هم لا يريدون إلا الباطل، فالمطيع لهم مقدم على ما يضره، و هذا عام في كلّ مكذب، و في كلّ طاعة ناشئة عن التكذيب، و إن كان السياق في شي‏ء خاص، و هو أن المشركين طلبوا من النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أن يسكت عن عيب آلهتهم و دينهم، و يسكتوا عنه، و لهذا قال:

[9] وَدُّوا ، أي: المشركون‏ لَوْ تُدْهِنُ‏ ، أي: توافقهم على بعض ما هم عليه، إما بالقول، أو الفعل، أو بالسكوت عما يتعين الكلام فيه.

فَيُدْهِنُونَ‏ ، و لكن اصدع بأمر اللّه، و أظهر دين الإسلام، فإن تمام إظهاره، نقض ما يضاده، و عيب ما يناقضه.

[10] وَ لا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ‏ ، أي: كثير الحلف، فإنه لا يكون كذلك إلا و هو كذاب. و لا يكون كذابا، إلا و هو مَهِينٍ‏ ، أي: خسيس النفس، ناقص الحكمة، ليس له رغبة في الخير، بل إرادته في شهوات نفسه الخسيسة.

[11] هَمَّازٍ أي: كثير العيب للناس و الطعن فيهم، بالغيبة و الاستهزاء، و غير ذلك. مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ‏ ، أي:

يمشي بين الناس بالنميمة، و هو: نقل كلام بعض الناس لبعض، لقصد الإفساد بينهم، و إيقاع العداوة و البغضاء.

[12- 13] مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ الذي يلزمه القيام به من النفقات الواجبة و الكفارات و الزكوات و غير ذلك، مُعْتَدٍ على الخلق يظلمهم في دمائهم و أموالهم و أعراضهم‏ أَثِيمٍ‏ ، أي: كثير الإثم و الذنوب المتعلقة في حق‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1058

اللّه‏ عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ‏ أي: غليظ شرس الخلق قاس، غير منقاد زَنِيمٍ‏ أي: دعيّ، ليس له أصل و لا مادة ينتج منها الخير، بل أخلاقه أقبح الأخلاق، و لا يرجى منه فلاح، له زنمة، أي: علامة في الشر يعرف بها. و حاصل هذا، أن اللّه تعالى نهى عن طاعة كلّ حلاف كذاب، خسيس النفس، سيى‏ء الأخلاق، خصوصا الأخلاق المتضمنة للإعجاب بالنفس، و التكبر على الحقّ و على الخلق، و الاحتقار للناس، بالغيبة و النميمة، و الطعن فيهم، و كثرة المعاصي.

[14- 15] و هذه الآيات- و إن كانت نزلت في بعض المشركين- كالوليد بن المغيرة أو غيره، لقوله عنه: أَنْ كانَ ذا مالٍ وَ بَنِينَ (14) إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ‏ (15) أي: لأجل كثرة ماله و ولده، طغى و استكبر عن الحقّ، و دفعه حين جاءه، و جعله من جملة أساطير الأولين، الّتي يمكن صدقها و كذبها. فإنها عامة في كلّ من اتصف بهذا الوصف، لأن القرآن نزل لهداية الخلق كلهم، و يدخل فيه أول الأمة و آخرهم. و ربما نزل بعض الآيات في سبب شخص من الأشخاص، لتتضح به القاعدة العامة، و يعرف به أمثال الجزئيات الداخلة في القضايا العامة.

[16] ثمّ توعد تعالى من جرى منه ما وصف اللّه، بأن اللّه سيسمه على الخرطوم في العذاب، و يعذبه عذابا ظاهرا، يكون عليه سمة و علامة، في أشق الأشياء عليه، و هو وجهه.

[17] يقول تعالى: إنا بلونا هؤلاء المكذبين بالخير، و أمهلناهم، و أمددناهم بما شئنا من مال و ولد و طول عمر، و نحو ذلك، مما يوافق أهواءهم، لا لكرامتهم علينا، بل ربما يكون استدراجا لهم، من حيث لا يعلمون.

فاغترارهم بذلك، نظير اغترار أصحاب الجنة، الذي هم فيها شركاء، حين أينعت أشجارها، و زهت ثمارها، و آن وقت صرامها، و جزموا أنها في أيديهم، و طوع أمرهم، و أنه ليس ثمّ مانع يمنعهم منها.

[18] و لهذا أقسموا و حلفوا من غير استثناء، أنهم سيصرمونها، أي: يجذونها مصبحين. و لم يدروا أن اللّه بالمرصاد، و أن العذاب سيخلفهم عليها، و يبادرهم إليها.

[19- 21] فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ‏ ، أي: عذاب نزل عليها ليلا وَ هُمْ نائِمُونَ‏ ، فأبادها، و أتلفها فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ‏ (20)، أي: كالليل المظلم، و ذهبت الأشجار و الثمار، هذا و هم لا يشعرون بهذا الواقع الملم، و لهذا تنادوا فيها بينهم لما أصبحوا، يقول بعضهم لبعض:

[22- 24] أَنِ اغْدُوا عَلى‏ حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا قاصدين لها وَ هُمْ يَتَخافَتُونَ‏ فيما بينهم بمنع حق اللّه تعالى، و يقولون: لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ‏ ، أي: بكروا قبل انتشار الناس، و تواصوا مع ذلك، بمنع الفقراء و المساكين. و من شدة حرصهم و بخلهم، أنهم يتخافتون بهذا الكلام مخافتة، خوفا أن يسمعهم أحد، فيخبر الفقراء.

[25] وَ غَدَوْا في هذه الحالة الشنيعة، و القسوة، و عدم الرحمة عَلى‏ حَرْدٍ قادِرِينَ‏ ، أي: على إمساك و منع لحق اللّه، جازمين بقدرتهم عليها.

[26] فَلَمَّا رَأَوْها على الوصف الذي ذكر اللّه كالصريم، قالُوا من الحيرة و الانزعاج: إِنَّا لَضَالُّونَ‏ ، أي: تائهون عنها، لعلها غيرها.

[27] فلما تحققوها، و رجعت إليهم عقولهم، قالوا:

بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ‏ (27) منها، فعرفوا حينئذ أنه عقوبة.

[28] قالَ أَوْسَطُهُمْ‏ ، أي: أعدلهم، و أحسنهم طريقة: أَ لَمْ‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1059

أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ‏ ، أي: تنزهون اللّه عما لا يليق به، و من ذلك، ظنكم أن قدرتكم مستقلة، فلو استثنيتم، و قلتم: «إن شاء اللّه» و جعلتم مشيئتكم تابعة لمشيئته، ما جرى عليكم ما جرى.

[29] قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ‏ (29)، أي:

استدركوا بعد ذلك، و لكن بعد ما وقع على جنتهم العذاب، الذي لا يرفع. و لكن بعد ما وقع على جنتهم العذاب، الذي لا يرفع. و لكن لعل تسبيحهم هذا، و إقرارهم على أنفسهم بالظلم، ينفعهم في تخفيف الإثم و يكون توبة، و لهذا ندموا ندامة عظيمة.

[30- 31] فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ‏ (30) فيما أجروه و فعلوه، قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ‏ (31)، أي: متجاوزين للحد في حق اللّه، و حق عباده.

[32] عَسى‏ رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى‏ رَبِّنا راغِبُونَ‏ (32) فهم رجوا اللّه أن يبدلهم خيرا منها، و وعدوا أنهم سيرغبون إلى اللّه، و يلحون عليه في الدنيا. فإن كانوا كما قالوا، فالظاهر أن اللّه أبدلهم في الدنيا خيرا منها لأن من دعا اللّه صادقا، و رغب إليه و رجاه، أعطاه سؤله.

[33] قال تعالى معظما ما وقع: كَذلِكَ الْعَذابُ‏ ، أي: الدنيوي لمن أتى بأسباب العذاب أن يسلبه اللّه الشي‏ء الذي طغى به و بغى، و آثر الحياة الدنيا، و أن يزيله عنه، أحوج ما يكون إليه. وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ من عذاب الدنيا لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ‏ ، فإن من علم ذلك، أوجب له الانزجار عن كلّ سبب يوجب العقاب، و يحرم الثواب.

[34- 35] يخبر تعالى بما أعده للمتقين الكفر و المعاصي، من أنواع النعيم و العيش السليم في جوار أكرم الأكرمين، و أن حكمته تعالى، لا تقتضي أن يجعل المتقين القانتين لربهم، المنقادين لأوامره، المتبعين مراضيه، كالمجرمين الّذين أوضعوا في معاصيه، و الكفر بآياته، و معاندة رسله، و محاربه أوليائه.

[36] و أن من ظن أنه يسويهم في الثواب، فإنه قد أساء الحكم، و أن حكمه باطل، و رأيه فاسد.

[37- 38] و أن المجرمين إذا ادعوا ذلك، فليس لهم مستند، لا كتاب فيه يدرسون و يتلون، أنهم من أهل الجنة، و أن لهم ما طلبوا و تخيروا.

[39] و ليس لهم عند اللّه عهد و يمين بالغة إلى يوم القيامة أن لهم ما يحكمون و ليس لهم شركاء و أعوان على إدراك ما طلبوا، فإن كان لهم شركاء و أعوان، فليأتوا بهم، إن كانوا صادقين. و من المعلوم أن جميع ذلك منتف، فليس لهم كتاب، و لا لهم عهد عند اللّه في النجاة، و لا لهم شركاء يعينونهم، فعلم أن دعواهم باطلة فاسدة.

[40] و قوله: سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ‏ (40)، أي: أيهم الكفيل بهذه الدعوى الّتي تبين بطلانها، فإنه لا يمكن أحدا، أن يتصدر بها، و لا يكون زعيما فيها.

[42] أي: إذا كان يوم القيامة، و انكشف فيه من القلاقل و الزلازل و الأهوال، ما لا يدخل تحت الوهم، و أتى الباري لفصل القضاء بين عباده، و مجازاتهم، فكشف عن ساقه الكريمة، الّتي لا يشبهها شي‏ء، و رأى الخلائق من جلال اللّه و عظمته، ما لا يمكن التعبير عنه، فحينئذ يدعون إلى السجود للّه. فيسجد المؤمنون الّذين كانوا يسجدون للّه، طوعا و اختيارا، و يذهب الفجار المنافقون ليسجدوا فلا يقدرون على السجود، و تكون ظهورهم كصياصي البقر، لا يستطيعون الانحناء.

صفحه بعد