کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1107

لإظهار الحق، و لو كره الكافرون، و لدفع ما جاءوا به من الباطل، و يعلم بهذا، من الغالب، فإن الآدمي أضعف و أحقر من أن يغالب القوي العليم في كيده.

[17] فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (17)، أي: قليلا، فسيعلمون عاقبة أمرهم، حين ينزل بهم العقاب. تم تفسير سورة الطارق- و الحمد للّه ربّ العالمين.

سورة الأعلى‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] يأمر تعالى، بتسبيحه المتضمن لذكره و عبادته، و الخضوع لجلاله، و الاستكانة لعظمته، و أن يكون تسبيحا، يليق بعظمة اللّه تعالى، بأن تذكر أسماؤه الحسنى العالية على كل اسم بمعناها العظيم الجليل. و تذكر أفعاله التي منها أنه خلق المخلوقات، فسواها، أي: أتقن و أحسن خلقها.

[3] وَ الَّذِي قَدَّرَ تقديرا، تتبعه جميع المقدرات‏ فَهَدى‏ إلى ذلك جميع المخلوقات. و هذه هي الهداية العامة، التي مضمونها أنه هدى كل مخلوق لمصلحته، و تذكر فيها نعمه الدنيوية، و لهذا قال:

[4] وَ الَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى‏ (4)، أي:

أنزل من السماء ماء، فأنبت به أصناف النبات، و العشب الكثير، فرتع فيه الناس و البهائم، و جميع الحيوانات.

[5] ثم بعد أن استكمل ما قدر له من الشباب، ألوى نباته، و صوّح عشبه. فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى‏ (5)، أي:

أسود، أي: جعله هشيما رميما، و يذكر فيها نعمه الدينية. و لهذا امتنّ بأصلها و مادتها، و هو القرآن فقال:

[6] سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى‏ (6)، أي: سنحفظ ما أوحيناه إليك من الكتاب، و نوعيه قلبك، فلا تنسى منه شيئا. و هذه بشارة من اللّه كبيرة، لعبده، و رسوله، محمد صلّى اللّه عليه و سلّم، أن اللّه سيعلمه علما لا ينساه.

[7] إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ‏ مما اقتضت حكمته أن ينسيكه لمصلحة، و حكمة بالغة. إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَ ما يَخْفى‏ و من ذلك أنه يعلم ما يصلح عباده، أي:

فلذلك يشرع ما أراد، و يحكم بما يريد.

[8] وَ نُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى‏ (8) و هذه أيضا بشارة أخرى، أن اللّه ييسر رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم لليسرى في جميع أموره، و يجعل شرعه و دينه يسيرا.

[9] فَذَكِّرْ بشرع اللّه و آياته‏ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى‏ ، أي: ما دامت الذكرى مقبولة، و الموعظة مسموعة، سواء حصل من الذكرى جميع المقصود، أو بعضه. و مفهوم الآية أنه إن لم تنفع الذكرى، بأن كان التذكير يزيد في الشر، أو ينقص من الخير، لم تكن مأمورا بها، بل هي منهي عنها.

[10] فالذكرى ينقسم الناس فيها قسمين: منتفعون، و غير منتفعين. فأما المنتفعون، فقد ذكرهم بقوله:

سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى‏ (10) اللّه، فإن خشية اللّه تعالى، و العلم بمجازاته على الأعمال، توجب للعبد الانكفاف عما يكرهه اللّه، و السعي في الخيرات.

[11- 12] و أما غير المنتفعين، فذكرهم بقوله: وَ يَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى‏ (12) و هي: النار الموقدة، التي تطلع على الأفئدة.

[13] ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى‏ (13)، أي: يعذب عذابا أليما، من غير راحة و لا استراحة، حتى إنهم يتمنون الموت، فلا يحصل لهم، كما قال تعالى: لا يُقْضى‏ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1108

وَ لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها .

[14] قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى‏ (14)، أي: قد فاز و ربح من طهر نفسه و نقّاها من الشرك و الظلم و مساوئ الأخلاق.

[15] وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى‏ (15)، أي: اتصف بذكر اللّه، و انصبغ به قلبه، فأوجب له ذلك العمل بما يرضي اللّه، خصوصا الصلاة، التي هي ميزان الإيمان، هذا معنى الآية.

و أما من فسر قوله: «تزكى» يعني أخرج زكاة الفطر، و ذكر اسم ربه فصلى، أنه صلاة العيد، فإنه و إن كان داخلا في اللفظ، و بعض جزئياته، فليس هو المعنى وحده.

[16] بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (16)، أي: تقدمونها على الآخرة، و تختارون نعيمها المنغص المكدر الزائل، على الآخرة.

[17] وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ وَ أَبْقى‏ (17): خير من الدنيا في كل وصف مطلوب، و أبقى لكونها دار خلد و بقاء، و الدنيا دار فناء. فالمؤمن العاقل، لا يختار الأردأ على الأجود، و لا يبيع لذة ساعة، بترحة الأبد. فحب الدنيا و إيثارها على الآخرة رأس كل خطيئة.

[18- 19] إِنَّ هذا المذكور لكم في هذه السورة المباركة، من الأوامر الحسنة، و الأخبار المستحسنة لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى‏ (18) صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى‏ (19) اللذين هما أشرف المرسلين، بعد محمد صلّى اللّه و سلم عليه و عليهم أجمعين. فهذه أوامر في كل شريعة، لكونها عائدة إلى مصالح الدارين، و هي مصالح في كل زمان و مكان، و للّه الحمد. تم تفسير سورة الأعلى.

تفسير سورة الغاشية

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] يذكر تعالى أحوال يوم القيامة و ما فيها من الأهوال الطامّة، و أنها تغشى الخلائق بشدائدها، فيجازون بأعمالهم، و يتميزون إلى فريقين: فريق في الجنة، و فريق في السعير. فأخبر عن وصف كلا الفريقين، فقال في وصف أهل النار:

[2] وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ، أي: يوم القيامة خاشِعَةٌ من الذل و الفضيحة، و الخزي.

[3] عامِلَةٌ ناصِبَةٌ (3)، أي: تاعبة في العذاب، تجرّ على وجوهها، و تغشى وجوههم النار. و يحتمل أن المراد بقوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ (2) عامِلَةٌ ناصِبَةٌ (3) في الدنيا لكونهم في الدنيا أهل عبادات و عمل. و لكنه لما عدم شرطه و هو الإيمان، صار يوم القيامة هباء منثورا. و هذا الاحتمال و إن كان صحيحا، من حيث المعنى، فلا يدل عليه سياق الكلام، بل الصواب المقطوع به هو الاحتمال الأول، لأنه قيده بالظرف، و هو يوم القيامة، و لأن المقصود هنا بيان ذكر أهل النار عموما، و ذلك الاحتمال جزء قليل بالنسبة إلى أهل النار؛ و لأن الكلام في بيان حال الناس عند

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1109

غشيان الغاشية، فليس فيه تعرض لأحوالهم في الدنيا.

[4- 5] و قوله: تَصْلى‏ ناراً حامِيَةً (4)، أي: شديدا حرها، تحيط بهم من كل مكان‏ تُسْقى‏ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5)، أي: شديدة الحرارة وَ إِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ‏ فهذا شرابهم.

[6- 7] و أما طعامهم، فإنهم‏ لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لا يُسْمِنُ وَ لا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ‏ (7) و ذلك لأن المقصود من الطعام، أحد أمرين: إما أن يسد جوع صاحبه و يزيل عنه ألمه، و إما أن يسمن بدنه من الهزال.

هذا الطعام ليس فيه شي‏ء من هذين الأمرين، بل هو طعام في غاية المرارة و النتن و الخسة، نسأل اللّه العافية.

[8] و أما أهل الخير، فوجوههم يوم القيامة ناعِمَةٌ ، أي: قد جرت عليهم نضرة النعيم، فنضرت أبدانهم، و استنارت وجوههم، و سروا غاية السرور.

[9] لِسَعْيِها الذي قدمته في الدنيا من الأعمال الصالحة، و الإحسان إلى عباد اللّه. راضِيَةٌ إذا وجدت ثوابه، مدخرا مضاعفا، فحمدت عقباه، و حصل لها كل ما تتمناه.

[10] و ذلك أنها فِي جَنَّةٍ جامعة لأنواع النعيم كلها، عالِيَةٍ في محلها و منازلها، فمحلها في أعلى عليين، و منازلها مساكن عالية، لها غرف، و من فوق الغرف غرف مبنية يشرفون منها على ما أعد اللّه لهم من الكرامة. قُطُوفُها دانِيَةٌ (23)، أي: كثيرة الفواكه اللذيذة، المثمرة بالثمار الحسنة، السهلة التناول، بحيث ينالونها على أي حال كانوا، لا يحتاجون أن يصعدوا شجرة، أو يستعصي عليهم منها ثمرة.

[11] لا تَسْمَعُ فِيها ، أي: في الجنة لاغِيَةً ، أي: كلمة لغو و باطل فضلا عن الكلام المحرم، بل كلامهم، كلام حسن نافع، مشتمل على ذكر اللّه، و ذكر نعمه المتواترة عليهم، و على الآداب الحسنة بين المتعاشرين، الذي يسر القلوب، و يشرح الصدور.

[12] فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ (12)، و هذا اسم جنس، أي: فيها العيون الجارية التي يفجرونها و يصرفونها كيف شاءوا، و أنّى أرادوا.

[13] فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13)، و «السرر» جمع «سرير»، و هي: المجالس المرتفعة في ذاتها، و بما عليها من الفرش اللينة الوطيئة.

[14] وَ أَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ (14)، أي: أوان ممتلئة من أنواع الأشربة اللذيذة قد وضعت بين أيديهم، و أعدت لهم، و صارت تحت طلبهم و اختيارهم، يطوف بها عليهم، الولدان المخلدون.

[15] وَ نَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15)، أي: و سائد من الحرير و الإستبرق و غيرهما، مما لا يعلمه إلا اللّه. قد صفت للجلوس و الاتكاء عليها، و قد أريحوا، عن أن يصنعوها، أو يصفّوها بأنفسهم.

[16] وَ زَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16) و الزرابي هي: البسط الحسان، مبثوثة، أي: مملوءة بها مجالسهم من كل جانب.

[17] يقول تعالى حثّا للذين لا يصدقون الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم، و لغيرهم من الناس، أن يتفكروا في مخلوقات اللّه الدالة على توحيده: أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ‏ (17)، أي: ألا ينظرون إلى خلقها البديع، و كيف سخرها اللّه للعباد، و ذللها لمنافعهم الكثيرة، التي يضطرون إليها.

[19] وَ إِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ‏ (19) بهيئة باهرة، حصل بها الاستقرار للأرض، و ثباتها من الاضطراب، و أودع فيها من المنافع الجليلة ما أودع.

[20] وَ إِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ‏ (20)، أي: مدت مدا واسعا، و سهلت غاية التسهيل، ليستقر العباد على ظهرها، و يتمكنوا من حرثها

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1110

و غراسها، و البنيان فيها، و سلوك طرقها. و اعلم أن تسطيحها لا ينافي أنها كرة مستديرة، قد أحاطت الأفلاك فيها من جميع جوانبها، كما دل على ذلك النقل و العقل، و الحس و المشاهدة، كما هو مذكور معروف عند كثير من الناس، خصوصا في هذه الأزمنة، التي وقف فيها الناس على أكثر أرجائها، بما أعطاهم اللّه من الأسباب المقربة للبعيد. فإن التسطيح، إنما ينافي كروية الجسم الصغير جدا، الذي لو سطح، لم يبق له استدارة تذكر. و أما جسم الأرض الذي هو كبير جدا و واسع، فيكون كرويا مسطحا، و لا يتنافى الأمران، كما يعرف ذلك أرباب الخبرة.

[21] فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21)، أي: ذكّر الناس و عظهم و أنذرهم و بشّرهم، فإنك مبعوث لدعوة الخلق إلى اللّه و تذكيرهم، و لم تبعث مسيطرا عليهم، مسلّطا، و لا موكّلا بأعمالهم. فإذا قمت بما عليك، فلا عليك بعد ذلك لوم، كقوله تعالى: وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ .

[23- 24] و قوله: إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَ كَفَرَ (23)، أي: لكن من تولى عن الطاعة و كفر باللّه‏ فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ (24)، أي: الشديد الدائم.

[25] إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ‏ (25) أي: رجوع الخلائق و جمعهم في يوم القيامة.

[26] ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ‏ (26) على ما عملوا، من خير و شر.

تفسير سورة الفجر

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1- 3] الظاهر أن المقسم عليه، هو المقسم به، و ذلك جائز مستعمل، إذا كان أمرا ظاهرا مهمّا، و هو كذلك في هذا الموضع. فأقسم تعالى بالفجر، الذي هو آخر الليل، و مقدمة النهار، لما في إدبار الليل، و إقبال النهار، من الآيات الدالة على كمال قدرة اللّه تعالى، و أنه تعالى هو المدبر لجميع الأمور، الذي لا تنبغي العبادة إلا له. و يقع في الفجر، صلاة فاضلة معظمة، يحسن أن يقسم اللّه بها. و لهذا أقسم بعده، بالليالي العشر، و هي على الصحيح: ليالي عشر رمضان، أو عشر ذي الحجة، فإنها ليال مشتملة على أيام فاضلة، و يقع فيها من العبادات و القربات، ما لا يقع في غيرها. و في ليالي عشر رمضان ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر، و في نهارها، صيام آخر رمضان الذي هو أحد أركان الإسلام العظام. و في أيام عشر ذي الحجة، الوقوف بعرفة، الذي يغفر اللّه فيه لعباده مغفرة، يحزن لها الشيطان، فإنه ما رئي الشيطان أحقر و لا أدحر منه في يوم عرفة، لما يرى من تنزّل الأملاك و الرحمة من اللّه على عباده. و يقع فيها كثير من أفعال الحج و العمرة. و هذه أشياء معظمة، مستحقة أن يقسم اللّه بها.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1111

[4] وَ اللَّيْلِ إِذا يَسْرِ (4)، أي: وقت سريانه، و إرخائه ظلامه على العباد، فيسكنون و يستريحون، و يطمئنون، رحمة منه تعالى و حكمة.

[5] هَلْ فِي ذلِكَ‏ المذكور قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ أي: لذي عقل؟ نعم، بعض ذلك يكفي، لمن كان له قلب، أو ألقى السمع و هو شهيد. يقول تعالى:

[6- 7] أَ لَمْ تَرَ بقلبك و بصيرتك‏ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ هذه الأمة الطاغية، و هي‏ إِرَمَ‏ القبيلة المعروفة في اليمن‏ ذاتِ الْعِمادِ ، أي: القوة الشديدة، و العتو و التجبر.

[8] الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ (8)، أي: في جميع البلدان في القوة و الشدة، كما قال لهم نبيهم هود عليه السّلام: وَ اذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَ زادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏ .

[9] وَ ثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ (9)، أي: وادي القرى، نحتوا بقوتهم الصخور، فاتخذوها مساكن.

[10] وَ فِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ (10)، أي: ذي الجنود الذين ثبتوا ملكه، كما تثبت الأوتاد ما يراد إمساكه بها.

[11] الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (11) هذا الوصف عائد إلى عاد و ثمود و فرعون و من تبعهم، فإنهم طغوا في بلاد اللّه، و آذوا عباد اللّه، في دينهم و دنياهم،

[12] و لهذا قال: فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ (12) و هو العمل بالكفر و شعبه، من جميع أجناس المعاصي. و سعوا في محاربة الرسل، و صد الناس عن سبيل اللّه.

[13] فلما بلغوا من العتو ما هو موجب لهلاكهم، أرسل اللّه عليهم من عذابه سوط عذاب.

[14] إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ (14) لمن يعصيه، يمهله قليلا ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر.

[15] يخبر تعالى عن طبيعة الإنسان من حيث هو، و أنه جاهل ظالم، لا علم له بالعواقب، يظن الحالة التي تقع فيه تستمر و لا تزول، و يظن أن إكرام اللّه في الدنيا و إنعامه عليه، يدل على كرامته و قربه منه.

[16] و أنه إذا قدر عَلَيْهِ رِزْقَهُ‏ أي: ضيّقه، فصار يقدر قوته لا يفضل عنه، أن هذا إهانة من اللّه له، فرد اللّه عليه هذا الحسبان، فقال:

[17] كَلَّا ، أي: ليس كل من نعّمته في الدنيا فهو كريم عليّ، و لا كل من قدرت عليه رزقه، فهو مهان لديّ.

و إنما الغنى و الفقر، و السعة و الضيق، ابتلاء من اللّه، و امتحان يمتحن به العباد، ليرى من يقوم بالشكر و الصبر فيثيبه على ذلك الثواب الجزيل، و من ليس كذلك فينقله إلى العذاب الوبيل. و أيضا، فإن وقوف همة العبد عند مراد نفسه فقط، من ضعف الهمة، و لهذا لامهم اللّه على عدم اهتمامهم بأحوال الخلق المحتاجين، فقال: كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ‏ (17) الذي فقد أباه و كاسبه، و احتاج إلى جبر خاطره و الإحسان إليه. فأنتم لا تكرمونه بل تهينونه، و هذا يدل على عدم الرحمة في قلوبكم، و عدم الرغبة في الخير.

[18] وَ لا تَحَاضُّونَ عَلى‏ طَعامِ الْمِسْكِينِ‏ (18)، أي: لا يحض بعضكم بعضا، على إطعام المحاويج من الفقراء و المساكين، و ذلك لأجل الشح على الدنيا، و محبتها الشديدة المتمكنة من القلوب، و لهذا قال:

[19] وَ تَأْكُلُونَ التُّراثَ‏ ، أي: المال المخلف‏ أَكْلًا لَمًّا ، أي:

ذريعا، لا تبقون على شي‏ء منه.

[20] وَ تُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (20) أي: شديدا، و هذا كقوله: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (16) وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ وَ أَبْقى‏ (17)، كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ (20) وَ تَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21).

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1112

[21] كَلَّا ، أي: ليس كل ما أحببتم من الأموال، و تنافستم فيه من اللذات، بباق لكم، بل أمامكم يوم عظيم، و هول جسيم، تدك فيه الأرض و الجبال و ما عليها حتى تجعل قاعا صفصفا، لا عوج فيه و لا أمت.

[22] و يجي‏ء اللّه لفصل القضاء بين عباده، في ظلل من الغمام. و تجي‏ء الملائكة الكرام، أهل السماوات كلهم، صفا صفا، أي:

صفا بعد صف، كل سماء يجي‏ء ملائكتها صفا، يحيطون بمن دونهم من الخلق، و هذه الصفوف صفوف خضوع و ذل للملك الجبار.

[23] وَ جِي‏ءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ‏ تقودها الملائكة بالسلاسل. فإذا وقعت هذه الأمور يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ‏ ما قدمه من خير و من شر. وَ أَنَّى لَهُ الذِّكْرى‏ ، فقد قامت أوانها، و ذهب زمانها.

[24] يَقُولُ‏ متحسرا على ما فرط في جنب اللّه:

يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي‏ الباقية الدائمة، عملا صالحا، كما قال تعالى: يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يا وَيْلَتى‏ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا (28). و في هذا دليل على أن الحياة التي ينبغي السعي في كمالها و تحصيلها و كمالها، و في تتميم لذّاتها، هي الحياة في دار القرار، فإنها دار الخلد و البقاء.

[25] فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ (25) لما أهمل ذلك اليوم، و نسي العمل له.

[26] وَ لا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ (26)، فإنهم يوثقون بسلاسل من نار، و يسحبون على وجوههم في الحميم، ثم في النار يسجرون، فهذا جزاء المجرمين.

و أما من آمن باللّه، و اطمأن به، و صدق رسله، فيقال له:

[27] يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) إلى ذكر اللّه، الساكنة إلى حبه، التي قرت عينها باللّه.

[28] ارْجِعِي إِلى‏ رَبِّكِ‏ الذي رباك بنعمته‏ راضِيَةً مَرْضِيَّةً ، أي: راضية عن اللّه، و عن ما أكرمها به من الثواب، و اللّه قد رضي عنها.

[29- 30] فَادْخُلِي فِي عِبادِي (29) وَ ادْخُلِي جَنَّتِي‏ (30) و هذا تخاطب به الروح يوم القيامة، و تخاطب به وقت السياق و الموت. تم تفسير سورة الفجر- و الحمد للّه رب العالمين.

تفسير سورة البلد

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1- 2] يقسم تعالى‏ بِهذَا الْبَلَدِ الأمين، و هو مكة المكرمة، أفضل البلدان على الإطلاق، خصوصا وقت حلول الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم فيها.

[3] وَ والِدٍ وَ ما وَلَدَ (3)، أي: آدم و ذريته.

[4] و المقسم عليه قوله: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ (4) يحتمل أن المراد بذلك ما يكابده الإنسان و يقاسيه، من الشدائد في الدنيا، و في البرزخ، و يوم يقوم الأشهاد. و أنه ينبغي له أن يسعى في عمل يريحه من هذه الشدائد، و يوجب له الفرح و السرور الدائم. و إن لم يفعل،

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1113

فإنه لا يزال يكابد العذاب الشديد، أبد الآباد. و يحتمل أن المعنى: لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم، و أقوم خلقة، يقدر على التصرف و الأعمال الشديدة. و مع ذلك، فإنه لم يشكر اللّه على هذه النعمة العظيمة، بل بطر بالعافية و تجبّر على خالقه، فحسب بجهله و ظلمه أن هذه الحال ستدوم له، و أن سلطان تصرفه لا ينعزل، و لهذا قال:

[5- 6] أَ يَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) و يطغى و يفتخر بما أنفق من الأموال على شهوات نفسه، حيث‏ يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً (6)، أي: كثيرا، بعضه فوق بعض. و سمى اللّه الإنفاق في الشهوات و المعاصي إهلاكا، لأنه لا ينتفع المنفق بما أنفق، و لا يعود إليه من إنفاقه إلا الندم و الخسارة، و التعب و القلة، لا كمن أنفق في مرضاة اللّه، في سبيل الخير، فإن هذا قد تاجر مع اللّه، و ربح أضعاف أضعاف ما أنفق.

قال اللّه متوعدا هذا الذي افتخر بما أنفق في الشهوات:

[7] أَ يَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7)، أي: أ يظن في فعله هذا، أن اللّه لا يراه و لا يحاسبه على الصغير و الكبير؟ بل قد رآه اللّه، و حفظ عليه أعماله، و وكل به الكرام الكاتبين، لكل ما عمله من خير و شر.

[8- 9] ثم قرره بنعمه، فقال: أَ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَ لِساناً وَ شَفَتَيْنِ‏ (9) للجمال و البصر، و النطق، و غير ذلك من المنافع الضرورية فيها، فهذه نعم الدنيا.

[10] ثم قال في نعم الدين: وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ‏ (10)، أي: طريقي الخير و الشر، بينا له الهدى من الضلال، و الرشد من الغي. فهذه المنن الجزيلة، تقتضي من العبد أن يقوم بحقوق اللّه، و يشكره على نعمه، و أن لا يستعين بها على معاصي اللّه، و لكن هذا الإنسان لم يفعل ذلك.

[11] فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11)، أي: لم يقتحمها و يعبر عليها، لأنه متبع لهواه. و هذه العقبة شديدة عليه، ثم فسر هذه العقبة بقوله:

[12- 13] وَ ما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13)، أي: فكها من الرق، بعتقها أو مساعدتها على أداء كتابتها، و من باب أولى فكاك الأسير المسلم عند الكفار.

[14] أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14)، أي: مجاعة شديدة، بأن يطعم وقت الحاجة، أشد الناس حاجة.

[15] يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ (15) جامعا بين كونه يتيما، و فقيرا ذا قرابة.

[16] أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ (16)، أي: قد لزق بالتراب من الحاجة و الضرورة.

[17] ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا و عملوا الصالحات، أي: آمنوا بقلوبهم بما يجب الإيمان به، و عملوا الصالحات بجوارحهم. فدخل في هذا كل قول و فعل واجب أو مستحب. وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ على طاعة اللّه، و عن معصيته، و على أقداره المؤلمة بأن يحث بعضهم بعضا، على الانقياد لذلك، و الإتيان به، كاملا منشرحا به الصدر، مطمئنة به النفس. وَ تَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ للخلق، من إعطاء محتاجهم، و تعليم جاهلهم، و القيام بما يحتاجون إليه من جميع الوجوه، و مساعدتهم على المصالح الدينية و الدنيوية، و أن يحب لهم ما يحب لنفسه، و يكره لهم ما يكره لنفسه.

[18] أولئك قاموا بهذه الأوصاف، و الذين وفقهم اللّه لاقتحام العقبة أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (18) لأنهم أدوا ما أمر اللّه به من حقوقه و حقوق عباده، و تركوا ما نهوا عنه، و هذا عنوان السعادة و علامتها.

صفحه بعد