کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 760

و عقلاؤهم، و أولو الألباب منهم، و الكمل منهم. فإن كان آيات بيّنات، في صدور أمثال هؤلاء، كانوا حجة على غيرهم. و إنكار غيرهم، لا يضر، و لا يكون ذلك إلا ظلما، و لهذا قال: وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ‏ لأنه لا يجحدها إلا جاهل، تكلم بغير علم، و لم يقتد بأهل العلم، و من هو متمكن من معرفته على حقيقته، أو متجاهل، عرف أنه حق فعائده، و عرف صدقه، فخالفه.

[50] أي: و اعترض هؤلاء الظالمون المكذبون للرسول، و لما جاء به، و اقترحوا عليه، نزول آيات، عينوها كما قال اللّه عنهم: وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (90) الآيات. فتعيين الآيات، ليس عندهم، و لا عند الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم، فإن في ذلك تدابير، مع اللّه، و أنه لو كان كذا، و ينبغي أن يكون كذا، و ليس لأحد من الأمر شي‏ء.

و لهذا قال: قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ‏ إن شاء أنزلها، أو منعها وَ إِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ‏ و ليس لي مرتبة، فوق هذه المرتبة. و إذا كان القصد بيان الحقّ من الباطل، فإذا حصل المقصود- بأي طريق- كان اقتراح الآيات المعينات على ذلك، ظلما و جورا، و تكبرا على اللّه، و على الحقّ. بل لو قدر أن تنزل تلك الآيات، و يكون في قلوبهم أنهم لا يؤمنون بالحق إلا بها، كان ذلك ليس بإيمان، و إنّما ذلك، شي‏ء وافق أهواءهم، فآمنوا، لا لأنه حق، بل لتلك الآيات. فأي فائدة حصلت، في إنزالها على التقدير الفرضي؟

[51] و لما كان المقصود بيان الحقّ، ذكر تعالى طريقه فقال: أَ وَ لَمْ يَكْفِهِمْ‏ في علمهم بصدقك، و صدق ما جئت به‏ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى‏ عَلَيْهِمْ‏ . و هذا كلام مختصر جامع، فيه من الآيات البينات، و الدلالات الباهرات، شي‏ء كثير، فإنه كما تقدم إتيان الرسول به بمجرده، و هو أمي، من أكبر الآيات على صدقه. ثمّ عجزهم عن معارضته، و تحديهم إياه، آية أخرى. ثمّ ظهوره، و بروزه جهرا علانية، يتلى عليهم، و يقال: هو من عند اللّه، قد أظهره الرسول، و هو في وقت قلّ فيه أنصاره، و كثر مخالفوه و أعداؤه، فلم يخفه، و لم يثن ذلك عزمه. بل خرج به على رؤوس الأشهاد، و نادى به بين الحاضر و الباد، بأن هذا كلام ربي. فهل أحد يقدر على معارضته، أو ينطق بمباراته أو يستطيع مجاراته؟ ثمّ هيمنته على الكتب المتقدمة، و تصحيحه للصحيح، و نفي ما أدخل فيها من التحريف، و التبديل. ثمّ هدايته لسواء السبيل، في أمره و نهيه. فما أمر بشي‏ء فقال العقل «ليته لم يأمر به»، و لا نهى عن شي‏ء قال العقل: «ليته لم ينه عنه». بل هو مطابق للعدل و الميزان، و الحكمة المعقولة لذوي البصائر و العقول. ثمّ مسايرة إرشاداته، و هدايته، و أحكامه، لكل حال و كلّ زمان، بحيث لا تصلح الأمور إلا به. فجميع ذلك، يكفي من أراد تصديق الحقّ، و عمل على طلب الحقّ. فلا كفى اللّه من لم يكفه القرآن، و لا شفى اللّه من لم يشفه الفرقان، و من اهتدى به و اكتفى، فإنه رحمة له و خير، فلذلك قال: إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَ ذِكْرى‏ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ‏ و ذلك لما يحصل فيه من العلم الكثير، و الخير الغزير و تزكية القلوب و الأرواح، و تطهير العقائد، و تكميل الأخلاق، و الفتوحات الإلهية، و الأسرار الربانية.

[52] قُلْ كَفى‏ بِاللَّهِ بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ شَهِيداً فأنا قد استشهدته. فإن كنت كاذبا، أحلّ بي ما به تعتبرون. و إن‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 761

كان إنّما يؤيدني، و ينصرني، و ييسر لي الأمور، فلتكفكم هذه الشهادة الجليلة من اللّه. فإن وقع في قلوبكم أن شهادته- و أنتم لم تسمعوه، و لم تروه- لا تكفي دليلا، فإنه‏ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ . و من جملة معلوماته حالي و حالكم، و مقالي لكم. فلم كنت متقولا عليه، مع علمه بذلك، و قدرته على عقوبتي- لكان قدحا، في علمه، و قدرته، و حكمته كما قال تعالى: وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (44) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ‏ (46). وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَ كَفَرُوا بِاللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ‏ حيث خسروا الإيمان باللّه، و ملائكته، و كتبه، و رسله، و اليوم الآخر، و حيث فاتهم النعيم المقيم، و حيث حصل لهم في مقابلة الحقّ الصحيح، كل باطل قبيح، و في مقابلة النعيم، كل عذاب أليم، فخسروا أنفسهم و أهليهم يوم القيامة.

[53] يخبر تعالى، عن جهل المكذبين للرسول، و ما جاء به، و أنهم يقولون- استعجالا للعذاب، و زيادة تكذيب:

مَتى‏ هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* ؟ يقول تعالى:

وَ لَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى‏ مضروب لنزوله، و لم يأت بعد لَجاءَهُمُ الْعَذابُ‏ بسبب تعجيزهم لنا، و تكذيبهم الحقّ، فلو آخذناهم بجهلهم، لكان كلامهم، أسرع لبلائهم و عقوبتهم. و لكن- مع ذلك- فلا يستبطئوا نزوله‏ وَ لَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ‏ . فوقع كما أخبر اللّه تعالى، لما قدموا ل «بدر» بطرين مفاخرين، ظانين أنهم قادرون على مقصودهم.

فأذلهم اللّه، و قتل كبارهم، و استوعب جملة أشرارهم، و لم يبق فيهم بيت، إلا أصابته تلك المصيبة. فأتاهم العذاب من حيث لم يحتسبوا، و نزل بهم، و هم لا يشعرون. هذا، و إن لم ينزل عليهم العذاب الدنيوي، فإن أمامهم العذاب الأخروي، الذي لا يخلص منهم أحد منه، سواء عوجل بعذاب الدنيا، أو أمهل.

[54] وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ‏ ليس لهم عنها، معدل و لا منصرف. و قد أحاطت بهم من كلّ جانب، كما أحاطت بهم ذنوبهم، و سيئاتهم، و كفرهم. و ذلك العذاب، هو العذاب الشديد.

[55] يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَ يَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏ (55) فإن أعمالكم انقلبت عليكم عذابا، و شملكم العذاب، كما شملكم الكفر و الذنوب.

[56- 57] يقول تعالى: يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا و صدقوا رسولي‏ إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ‏ فإذا تعذرت عليكم عبادة ربكم في أرض، فارتحلوا منها إلى أرض أخرى، حيث كانت العبادة للّه وحده. فأماكن العبادة، و مواضعها، واسعة، و المعبود واحد، و الموت لا بد أن ينزل بكم ثمّ ترجعون إلى ربكم، فيجازى من أحسن عبادته و جمع بين الإيمان و العمل الصالح بإنزاله الغرف العالية، و المنازل الأنيقة الجامعة لما تشتهيه الأنفس، و تلذ الأعين، و أنتم فيها خالدون.

[58- 59] ف نِعْمَ‏ تلك المنازل، في جنات النعيم‏ أَجْرُ الْعامِلِينَ‏ اللّه. الَّذِينَ صَبَرُوا على عبادة اللّه‏ وَ عَلى‏ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ‏ في ذلك. فصبرهم على عباده اللّه، يقتضي بذل الجهد و الطاقة في ذلك، و المحاربة العظيمة للشيطان، الذي يدعوهم إلى الإخلال بشي‏ء من ذلك. و توكلهم، يقتضي شدة اعتمادهم على اللّه، و حسن ظنهم‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 762

به، أن يحقق ما عزموا عليه من الأعمال، و يكملها. و نص على التوكل، و إن كان داخلا في الصبر؛ لأنه يحتاج إليه في كلّ فعل و ترك مأمور به، و لا يتم إلا به.

[60] أي: الباري تبارك و تعالى، قد تكفل بأرزاق الخلائق كلهم، قويهم، و عاجزهم. فكم‏ مِنْ دَابَّةٍ في الأرض ضعيفة القوى، ضعيفة العقل. لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا و لا تدخره، بل لم تزل، لا شي‏ء معها من الرزق، و لا يزال اللّه يسخر لها الرزق، في كلّ وقت بوقته. اللَّهُ يَرْزُقُها وَ إِيَّاكُمْ‏ فكلكم عيال اللّه القائم برزقكم، كما قام بخلقكم و تدبيركم. وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ‏ فلا تخفى عليه خافية، و لا تهلك دابة من عدم الرزق، بسبب أنها خافية عليه. كما قال تعالى: وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها وَ يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَ مُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ‏ (6).

[61- 63] هذا استدلال على المشركين، المكذبين بتوحيد الإلهية و العبادة، و إلزام لهم، بما أثبتوه من توحيد الربوبية. فأنت لو سألتهم من خلق السموات و الأرض، و من نزل من السماء ماء، فأحيا به الأرض بعد موتها، و من بيده تدبير جميع الأشياء؟ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ‏ وحده و لا لاعترفوا بعجز الأوثان، و من عبدوه مع اللّه، عن شي‏ء من ذلك. فاعجب لإفكهم، و كذبهم، و عدولهم إلى من أقروا بعجزه، و أنه لا يستحق أن يدبر شيئا. و سجّل عليهم عدم العقل، و أنهم السفهاء، ضعفاء الأحلام. فهل تجد أضعف عقلا، و أقل بصيرة، ممن أتى إلى حجر، أو قبر و نحوه و هو يدري أنه لا ينفع و لا يضر، و لا يخلق و لا يرزق- ثمّ صرف له خالص الإخلاص، و صافي العبادة، و أشركه مع الرب، الخالق الرازق، النافع الضار. و قل: الحمد للّه الذي بيّن الهدى من الضلال، و أوضح بطلان ما عليه المشركون، ليحذره الموفقون. و قل: الحمد للّه، الذي خلق العالم العلوي و السفلي، و قام بتدبيرهم، و رزقهم، و بسط الرزق على من يشاء، و ضيقه عمّن يشاء، حكمة منه، و لعلمه بما يصلح عباده، و ما ينبغي لهم.

[64] يخبر تعالى عن حالة الدنيا و الآخرة، و في ضمن ذلك، التزهيد في الدنيا و التشويق للأخرى فقال: وَ ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا في الحقيقة إِلَّا لَهْوٌ وَ لَعِبٌ‏ تلهو بها القلوب، و تلعب بها الأبدان، بسبب ما جعل اللّه فيها من الزينة و اللذات، و الشهوات الخالبة للقلوب المعرضة، الباهجة للعيون الغافلة، المفرحة للنفوس المبطلة الباطلة. ثمّ تزول سريعا، و تنقضي جميعا، و لم يحصل منها محبها، إلا على الندم و الخسران. وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ‏ أي: الحياة الكاملة، الّتي من لوازمها، أن تكون أبدان أهلها، في غاية القوة، و قواهم في غاية الشدة، لأنها أبدان و قوى خلقت للحياة، و أن يكون موجودا فيها، كل ما تكمل به الحياة، و تتم به اللذة، من مفرحات القلوب، و شهوات الأبدان، من المآكل، و المشارب، و المناكح، و غير ذلك، مما لا عين رأت. و لا أذن سمعت، و لا خطر على قلب بشر. لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ‏ لما آثروا الدنيا على الآخرة، و لو كانوا يعقلون لما رغبوا عن دار الحيوان، و رغبوا في دار اللهو و اللعب، فدل ذلك أن الّذين يعلمون لا بد أن يؤثروا الآخرة على الدنيا، لما يعلمونه من حالة الدارين.

[65] ثمّ ألزم تعالى، المشركين بإخلاصهم للّه، في حال الشدة، عند ركوب البحر، و تلاطم أمواجه، و خوفهم الهلاك، يتركون وقتذاك أندادهم، و يخلصون الدعاء للّه وحده لا شريك له. فلما زالت عنهم الشدة، و نجى من أخلصوا له الدعاء إلى البر، أشركوا به، من لا نجاهم من شدة، و لا أزال عنهم مشقة. فهلا أخلصوا للّه الدعاء، في حال الرخاء و الشدة، و اليسر و العسر، ليكونوا مؤمنين حقا، مستحقين ثوابه، مندفعا عنهم عقابه. و لكن شركهم هذا بعد نعمتنا عليهم، بالنجاة من البحر، ليكون عاقبته الكفر بما آتيناهم، و مقابلة النعمة بالإساءة، و ليكملوا تمتعهم في الدنيا، الذي هو كتمتع الأنعام، ليس لهم همّ إلا بطونهم و فروجهم.

[66] فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ‏ حين ينتقلون من الدنيا إلى الآخرة، شدة الأسف، و أليم العقوبة. ثمّ امتنّ عليهم بحرمه الآمن، و أنهم أهله في أمن، و سعة و رزق، و الناس من حولهم، يتخطفون و يخافون. فلا يعبدون الذي أطعمهم من جوع، و آمنهم من خوف.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 763

[67] أَ فَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ‏ و هو ما هم عليه من الشرك، و الأقوال، و الأفعال الباطلة. وَ بِنِعْمَةِ اللَّهِ‏ هم‏ يَكْفُرُونَ‏ فأين ذهبت عقولهم، و انسلخت أحلامهم حيث آثروا الضلال على الهدى، و الباطل على الحق، و الشقاء على السعادة، و حيث كانوا أظلم الخلق.

[68] وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى‏ عَلَى اللَّهِ كَذِباً فنسب ما هو عليه من الضلال و الباطل، إلى اللّه. أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ‏ على يد رسوله محمد صلّى اللّه عليه و سلّم. و لكن هذا الظالم العنيد، أمامه جهنم‏ أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ‏ يؤخذ بها منهم الحقّ، و يخزون بها، و تكون منزلهم الدائم، الذي لا يخرجون منه.

[69] وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا و هم الّذين هاجروا في سبيل اللّه، و جاهدوا أعداءهم، و بذلوا مجهودهم في اتباع مرضاته. لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا أي: الطرق الموصلة إلينا، و ذلك، لأنهم محسنون. وَ إِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ‏ بالعون، و النصر، و الهداية. دل هذا، على أن أحرى الناس بموافقة الصواب، أهل الجهاد. و على أن من أحسن فيما أمر به، أعانه اللّه، و يسر له أسباب الهداية. و على أن من جد و اجتهد في طلب العلم الشرعي، فإنه يحصل له من الهداية، و المعونة على تحصيل مطلوبه، أمور إلهية، خارجة عن مدرك اجتهاده، و تيسر له أمر العلم. فإن طلب العالم الشرعي، من الجهاد في سبيل اللّه، بل هو أحد نوعي الجهاد، الذي لا يقوم به إلا خواص الخلق، و هو الجهاد بالقول و اللسان، للكفار و المنافقين. و الجهاد على تعليم أمور الدين، و على رد نزاع المخالفين للحق، و لو كانوا من المسلمين.

تم تفسير سورة العنكبوت.

تفسير سورة الرّوم‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1- 3] كانت الفرس و الروم، في ذلك الوقت، من أقوى دول الأرض. و كان يكون بينهما من الحروب و القتال، ما يكون بين الدول المتوازنة. و كانت الفرس مشركين، يعبدون النار. و كانت الروم أهل كتاب، ينتسبون إلى التوراة و الإنجيل، و هم أقرب إلى المسلمين من الفرس، فكان المسلمون يحبون غلبتهم، و ظهورهم على الفرس.

و كان المشركون، لاشتراكهم و الفرس في الشرك، يحبون ظهور الفرس على الروم. فظهر الفرس على الروم، و غلبوهم غلبا لم يحط بملكهم، بل أدنى أرضهم. ففرح بذلك مشركو مكة، و حزن المسلمون، فأخبرهم اللّه و وعدهم أن الروم ستغلب الفرس.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 764

[4- 5] فِي بِضْعِ سِنِينَ‏ تسع، أو ثمان، و نحو ذلك، مما لا يزيد على العشر، و لا ينقص عن الثلاث، و أن غلبة الفرس للروم، ثمّ غلبة الروم للفرس، كل ذلك بمشيئته و قدره و لهذا قال: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ فليس الغلبة و النصر لمجرد وجود الأسباب. و إنّما هي لا بد أن يقترن بها القضاء و القدر. وَ يَوْمَئِذٍ أي: يوم يغلب الروم الفرس و يقهرونهم‏ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ أي: يفرحون بانتصارهم على الفرس، و إن كان الجميع كفارا، و لكن بعض الشر أهون من بعض، و يحزن يومئذ المشركون. وَ هُوَ الْعَزِيزُ الذي له العزة، الّتي قهر بها الخلائق أجمعين‏ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَ تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَ تُذِلُّ مَنْ تَشاءُ . الرَّحِيمُ‏ بعباده المؤمنين، حيث قيّض لهم من الأسباب الّتي تسعدهم و تنصرهم، ما لا يدخل في الحساب.

[6] وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ‏ فتيقنوا ذلك، و اجزموا به، و اعلموا أنه لا بد من وقوعه. فلما نزلت هذه الآيات، الّتي فيها هذا الوعد، صدق بها المسلمون، و كفر بها المشركون، حتى تراهن بعض المسلمين و بعض المشركين، على مدة سنين عينوها. فلما جاء الأجل، الذي ضربه اللّه، انتصر الروم على الفرس، و أجلوهم عن البلاد الّتي أخذوها منهم، و تحقق وعد اللّه. و هذا من الأمور الغيبية، الّتي أخبر بها اللّه قبل وقوعها، و وجدت في زمان من أخبرهم اللّه بها، من المسلمين و المشركين. وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ‏ أن ما وعد اللّه به حق، فلذلك يوجد فريق منهم يكذبون بوعده، و يكذبون آياته. و هؤلاء الذي لا يعلمون، أي: لا يعلمون بواطن الأشياء و عواقبها.

[7] و إنّما يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا فينظرون إلى الأسباب، و يجزمون بوقوع الأمر، الذي في رأيهم، انعقدت أسباب وجوده، و يتيقنون عدم الأمر الذي لم يشاهدوا له من الأسباب المقتضية لوجوده، شيئا فهم واقفون مع الأسباب، غير ناظرين إلى مسببها، المتصرف فيها. وَ هُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ‏ قد توجهت قلوبهم، و أهواؤهم، و إراداتهم، إلى الدنيا و شهواتها، و حطامها، فعملت لها، وسعت، و أقبلت بها و أدبرت، و غفلت عن الآخرة. فلا الجنة تشتاق إليها، و لا النار تخافها و تخشاها، و لا المقام بين يدي اللّه و لقائه، يروعها و يزعجها، و هذا علامة الشقاء، و عنوان الغفلة عن الآخرة. و من العجب أن هذا القسم من الناس، قد بلغت بكثير منهم، الفطنة و الذكاء في ظاهر الدنيا، إلى أمر يحير العقول، و يدهش الألباب. و أظهروا من العجائب الذرية، و الكهربائية، و المراكب البرية و البحرية، و الهوائية، ما فاقوا به و برزوا، و أعجبوا بعقولهم، و رأوا غيرهم عاجزا عمّا أقدرهم اللّه عليه. فنظروا إليهم بعين الاحتقار و الازدراء، و هم مع ذلك، أبلد الناس في أمر دينهم، و أشدهم غفلة عن آخرتهم، و أقلهم معرفة بالعواقب. قد رآهم أهل البصائر النافذة، في جهلهم يتخبطون، و في ضلالهم يعمهون، و في باطلهم يترددون. نسوا اللّه، فأنساهم أنفسهم، أولئك هم الفاسقون. و لو نظروا إلى ما أعطاهم اللّه و أقدرهم عليه، من الأفكار الدقيقة في الدنيا و ظاهرها، و ما حرموا من العقل العالي، لعرفوا أن الأمر للّه، و الحكم له في عباده، و إن هو إلا توفيقه أو خذلانه، و لخافوا ربهم و سألوه أن يتم لهم ما وهبهم، من نور العقول و الإيمان، حتى يصلوا إليه،

تيسير الكريم الرحمن، ص: 765

و يحلوا بساحته. و هذه الأمور لو قارنها الإيمان، و بنيت عليه، لأثمرت الرّقي العالي، و الحياة الطيبة. و لكنها لما بني كثير منها على الإلحاد، لم تثمر إلا هبوط الأخلاق، و أسباب الفناء و التدمير.

[8- 9] أي: أ فلم يتفكر هؤلاء المكذبون لرسل اللّه و لقائه‏ فِي أَنْفُسِهِمْ‏ . فإن في أنفسهم، آيات يعرفون بها، أن الذي أوجدهم من العدم، سيعيدهم بعد ذلك، و أن الذي نقلهم أطوارا من نطفة إلى علقة، إلى مضغة، إلى آدمي، قد نفخ فيه الروح، إلى طفل، إلى شاب، إلى شيخ، إلى هرم، غير لائق أن يتركهم سدى مهملين، لا ينهون و لا يؤمرون، و لا يثابون و لا يعاقبون. ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ‏ أي: ليبلوكم أيكم أحسن عملا. وَ أَجَلٍ مُسَمًّى‏ أي: مؤقت بقاؤهما إلى أجل تنقضي به الدنيا، و تقوم القيامة، و تبدل الأرض غير الأرض و السموات. وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ‏ فلذلك لم يستعدوا للقائه، و لم يصدقوا رسله الّتي أخبرت به، و هذا الكفر عن غير دليل. بل الأدلة القاطعة، دلّت على البعث و الجزاء. و لهذا نبههم على السير في الأرض، و النظر في عاقبة الّذين كذّبوا رسلهم، و خالفوا أمرهم، ممن هم أشد من هؤلاء قوة، و أكثر آثارا في الأرض، من بناء قصور، و مصانع، و من غرس أشجار، و من زرع، و إجراء أنهار. فلم تغن عنهم قوتهم، و لا نفعتهم آثارهم، حين كذّبوا رسلهم، الّذين جاءوهم بالبينات الدالات على الحقّ، و صحة ما جاءوهم به. فإنهم حين ينظرون في آثار أولئك، لم يجدوا إلا أمما بائدة، و خلقا مهلكين، و منازل بعدهم موحشة، و ذم من الخلق عليهم متتابع. و هذا جزاء معجل، توطئة للجزاء الأخروي، و مبتدأ له. و كلّ هذه الأمم المهلكة، لم يظلمهم اللّه بذلك الإهلاك، و إنّما ظلموا أنفسهم، و تسببوا في هلاكها.

[10] ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا أي: المسيئين‏ السُّواى‏ أي: الحالة السيئة الشنيعة. و صار ذلك داعيا لهم إلى‏ أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَ كانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ‏ . فهذا عقوبة إساءتهم و ذنوبهم. ثمّ ذلك الاستهزاء و التكذيب، يكون سببا لأعظم العقوبات، و أعضل المثلاث.

[11] يخبر تعالى، أنه المتفرد بإبداء المخلوقات، ثمّ يعيدهم، ثمّ إليه يرجعون بعد إعادتهم، ليجازيهم بأعمالهم.

و لهذا ذكر جزاء أهل الشر، ثمّ جزاء أهل الخير، فقال:

[12] وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ و يقوم الناس لرب العالمين، و يردون القيامة عيانا. يومئذ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ‏ أي:

ييأسون من كلّ خير. و ذلك لأنهم ما قدموا لذلك اليوم إلا الإجرام، و هو الذنوب، من كفر، و شرك، و معاصي.

فلما قدموا أسباب العقاب، و لم يخلطوها بشي‏ء من أسباب الثواب، أيسوا، و أبلسوا، و أفلسوا، و ضل عنهم ما كانوا يفترونه، من نفع شركائهم، و أنهم يشفعون لهم.

[13- 14] و لهذا قال: وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ‏ الّتي عبدوها مع اللّه‏ شُفَعاءُ وَ كانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ‏ . تبرأ المشركون ممن أشركوهم مع اللّه، و تبرأ المعبودون، و قالوا: تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا

تيسير الكريم الرحمن، ص: 766

يَعْبُدُونَ‏ ، و التعنوا، و ابتعدوا. و في ذلك اليوم يفترق أهل الخير و الشر، كما افترقت أعمالهم في الدنيا.

[15] فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ‏ و آمنوا بقلوبهم، و صدقوا ذلك بالأعمال الصالحة فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ فيها سائر أنواع النبات و أصناف المشتهيات.

يُحْبَرُونَ‏ أي: يسرون، و ينعمون بالمآكل اللذيذة، و الأشربة، و الحور الحسان، و الخدم، و الولدان، و الأصوات المطربات، و السماع المبهج، و المناظر العجيبة، و الروائح الطيبة، و الفرح و السرور و اللذة و الحبور، مما لا يقدر أحد أن يصفه.

[16] وَ أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا و جحدوا نعمه، و قابلوها بالكفر وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا الّتي جاءتهم بها رسلنا فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ‏ فيه. قد أحاطت بهم جهنم من جميع جهاتهم، و اطّلع العذاب الأليم على أفئدتهم، و شوى الحميم وجوههم، و قطع أمعاءهم. فأين الفرق بين الفريقين، و أين التساوي بين المنعمين و المعذبين؟

[17- 18] هذا إخبار عن تنزهه عن السوء و النقص، و تقدسه عن أن يماثله أحد من الخلق، و أمر للعباد أن يسبحوه، حين يمسون، و حين يصبحون، و وقت العشي، و وقت الظهيرة. فهذه الأوقات الخمسة، أوقات الصلوات الخمس، أمر اللّه عباده بالتسبيح فيها و الحمد. و يدخل في ذلك، الواجب منه، كالمشتملة عليه الصلوات الخمس. و المستحب كأذكار الصباح و المساء، و أدبار الصلوات، و ما يقترن بها من النوافل؛ لأن هذه الأوقات الّتي اختارها اللّه لأوقات المفروضات، هي أفضل الأوقات. فالتسبيح و التحميد فيها، و العبادة فيها، أفضل من غيرها، بل العبادة، و إن لم تشتمل على قوله: «سبحان اللّه» فإن الإخلاص فيها، تنزيه للّه بالفعل، أن يكون له شريك في العبادة، أو أن يستحق أحد من الخلق، ما يستحقه من الإخلاص و الإنابة.

[19] يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ‏ كما يخرج النبات من الأرض الميتة، و السنبلة من الحبة، و الشجرة من النواة، و الفرخ من البيضة، و المؤمن من الكافر، و نحو ذلك. وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ‏ بعكس المذكور وَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها . فينزل عليها المطر، و هي ميتة هامدة، فإذا أنزل عليها الماء، اهتزت، و ربت، و أنبتت من كلّ زوج بهيج‏ وَ كَذلِكَ تُخْرَجُونَ‏ من قبوركم. فهذا دليل قاطع، و برهان ساطع، أن الذي أحيا الأرض بعد موتها، يحيي الأموات. فلا فرق في نظر العقل بين الأمرين، و لا موجب لاستبعاد أحدهما مع مشاهدة الآخر.

[20] هذا شروع في تعداد آياته الدالة على انفراده بالإلهية، و كمال عظمته، و نفوذ مشيئته، و قوة اقتداره، و جميل صنعه، و سعة رحمته و إحسانه فقال: وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ‏ و ذلك بخلق أصل النسل، آدم عليه السّلام‏ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ‏ و بثكم في أقطار الأرض و أرجائها. ففي ذلك آيات على أن الذي أنشأكم من هذا الأصل، و بثكم في أقطار الأرض، هو الرب المعبود، الملك المحمود، و الرحيم الودود، الذي سيعيدكم بالبعث بعد الموت.

صفحه بعد