کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 990

صاحبها عليها، أو الّتي يلم العبد بها، المرة بعد المرة، على وجه الندرة و القلة، فهذه، ليس مجرد الإقدام عليها مخرجا للعبد من أن يكون من المحسنين، فإن هذه، مع الإتيان بالواجبات، و ترك المحرمات، تدخل تحت مغفرة اللّه، الّتي وسعت كلّ شي‏ء، و لهذا قال: إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ ، فلو لا مغفرته لهلكت البلاد و العباد، و لو لا عفوه و حلمه، لسقطت السماء على الأرض، و لما ترك على ظهرها من دابة.

و لهذا قال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم: «الصلوات الخمس، و الجمعة إلى الجمعة، و رمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن، ما اجتنبت الكبائر». و قوله: هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ‏ ، أي: هو تعالى أعلم بأحوالكم كلها، و ما جبلكم عليه، من الضعف و الخور، عن كثير مما أمركم اللّه به، و من كثرة الدواعي إلى فعل المحرمات، و كثرة الجواذب إليها، و عدم الموانع القوية.

و الضعف موجود مشاهد منكم، حين أخرجكم اللّه من الأرض، و إذ كنتم في بطون أمهاتكم، و لم يزل موجودا فيكم. و إن كان اللّه تعالى قد أوجد فيكم قوة على ما أمركم به، و لكن الضعف لم يزل، فلعلمه تعالى بأحوالكم هذه، ناسبت الحكمة الإلهية، و الجود الرباني، أن يتغمدكم برحمته و مغفرته و عفوه، و يغمركم بإحسانه، و يزيل عنكم الجرائم و المآثم. خصوصا إذا كان العبد مقصوده مرضاة ربه في جميع الأوقات، و سعيه فيما يقرب إليه في أكثر الآنات، و فراره من الذنوب، الّتي يمقت بها عند مولاه، ثمّ تقع منه الفلتة بعد الفلتة، فإن اللّه تعالى أكرم الأكرمين و أجود الأجودين، أرحم بعباده من الوالدة بولدها. فلا بد لمثل هذا أن يكون من مغفرة ربه قريبا، و أن يكون اللّه له في جميع أحواله مجيبا، و لهذا قال تعالى: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ‏ ، أي: تخبرون الناس بطهارتها، على وجه التمدح عندهم. هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى‏ فإن التقوى، محلها القلب، و اللّه هو المطلع عليه، المجازي على ما فيه من برّ و تقوى، و أما الناس، فلا يغنون عنكم من اللّه شيئا.

[33- 37] يقول تعالى: أَ فَرَأَيْتَ‏ قبح حالة من أمر بعبادة ربه و توحيده، فتولى عن ذلك، و أعرض عنه؟ فإن سمحت نفسه ببعض الشي‏ء القليل، فإنه لا يستمر عليه، بل يبخل و يكدى و يمنع. فإن الإحسان ليس سجية له و طبعا، بل طبعه التولّي عن الطاعة، و عدم الثبوت على فعل المعروف، و مع هذا، فهو يزكّي نفسه، و ينزلها غير منزلتها، الّتي أنزلها اللّه بها. أَ عِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى‏ (35) الغيب، فيخبر به، أم هو متقول على اللّه، متجرى‏ء عليه، جامع بين المحذورين، الإساءة و التزكية، كما هو الواقع، لأنه قد علم أنه ليس عنده علم من الغيب، و أنه لو قدر أنه ادعى ذلك، فالإخبارات القاطعة عن علم الغيب، الّتي على يد النبي المعصوم تدل على نقيض قوله، و ذلك دليل على بطلانه. أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ هذا المدعي‏ بِما فِي صُحُفِ مُوسى‏ (36) وَ إِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى‏ (37). أي: قام بجميع ما ابتلاه اللّه به، و أمره به، من الشرائع، و أصول الدين و فروعه.

[38] و في تلك الصحف، أحكام كثيرة، من أهمها ما ذكره اللّه بقوله: أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى‏ (38) وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى‏ (39)، أي: كل عامل، له عمله الحسن و السيّ‏ء، فليس له من عمل غيره و سعيه شي‏ء، و لا يتحمل أحد

تيسير الكريم الرحمن، ص: 991

عن أحد ذنبا. وَ أَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى‏ (40) في الآخرة فيميز حسنه من سيئه. ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى‏ (41)، أي:

المستكمل لجميع العمل: الحسن الخالص بالحسنى، و السيّ‏ء الخالص بالسّوأى، و المشوب بحسبه. جزاء تقرّ بعد له و إحسانه الخليقة كلها، و تحمد اللّه عليه، حتى إن أهل النار ليدخلون النار، و إن قلوبهم مملوءة من حمد ربهم، و الإقرار له بكمال الحكمة و مقت أنفسهم، و أنهم الذين أوصلوا أنفسهم، و أوردوها شر الموارد.

[39] و قد استدل بقوله: وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى‏ (39)، فوصول سعي غيره إليه، مناف لذلك، و في هذا الاستدلال نظر، فإن الآية إنما تدل على أنه ليس للإنسان إلا ما سعى بنفسه، و هذا حق لا خلاف فيه، و ليس فيها ما يدل على أنه لا ينتفع بسعي غيره، إذا أهداه ذلك الغير إليه، كما أنه ليس للإنسان من المال، إلا ما هو في ملكه و تحت يده، و لا يلزم من ذلك، أن لا يملك ما وهبه الغير له، من ماله الذي يملكه.

[42] و قوله: وَ أَنَّ إِلى‏ رَبِّكَ الْمُنْتَهى‏ (42)، أي: إليه تنتهي الأمور، و إليه تصير الأشياء و الخلائق، بالبعث و النشور، و إلى اللّه المنتهى في كلّ حال، فإليه ينتهي العلم، و الحكمة، و الرحمة، و سائر الكمالات.

[43] وَ أَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَ أَبْكى‏ (43)، أي: هو الذي أوجد أسباب الضحك و البكاء، و هو الخير و الشر، و الفرح و السرور، و الهم و الحزن، و هو سبحانه له الحكمة البالغة في ذلك.

[44] وَ أَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَ أَحْيا (44)، أي:

هو المنفرد بالإيجاد و الإعدام، و الذي أوجد الخلق، و أمرهم و نهاهم، سيعيدهم بعد موتهم، و يجازيهم بتلك الأعمال الّتي عملوها في دار الدنيا.

[45] وَ أَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ‏ فسرهما بقوله: الذَّكَرَ وَ الْأُنْثى‏ ، و هذا اسم جنس شامل لجميع الحيوانات، ناطقها و بهيمها، فهو المنفرد بخلقها.

[46] مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى‏ (46) و هذا من أعظم الأدلة على كمال قدرته و انفراده بالعزة العظيمة، حيث أوجد تلك الحيوانات، صغيرها و كبيرها من نطفة ضعيفة من ماء مهين، ثمّ نماها و كملها، حتى بلغت ما بلغت، ثمّ صار الآدمي منها، إما إلى أرفع المقامات في أعلى عليين، و إما إلى أدنى الحالات في أسفل سافلين.

[47] و لهذا استدل بالبداءة على الإعادة، فقال: وَ أَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى‏ (47) فيعيد العباد من الأجداث، و يجمعهم ليوم الميقات، و يجازيهم على الحسنات و السيئات.

[48] وَ أَنَّهُ هُوَ أَغْنى‏ وَ أَقْنى‏ (48)، أي: أغنى العباد بتيسير أمر معاشهم من التجارات، و أنواع المكاسب، من الحرف و غيرها، و أقنى، أي: أفاد عباده من الأموال، بجميع أنواعها، ما يصيرون به مقتنين لها، و مالكين لكثير من الأعيان، و هذا من نعمه تعالى أن أخبرهم أن جميع النعم منه، و هذا يوجب على العباد أن يشكروه، و يعبدوه وحده لا شريك له.

[49] وَ أَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى‏ (49) و هو النجم المعروف بالشعرى العبور، المسماة بالمرزم، و خصها اللّه بالذكر، و إن كان هو رب كلّ شي‏ء، لأن هذا النجم مما عبد في الجاهلية، فأخبر تعالى أن جنس ما يعبد المشركون، مربوب مدبر مخلوق، فكيف يتخذ مع اللّه آلهة.

[50] وَ أَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى‏ (50) و هم قوم هود عليه السّلام، حين كذبوا هودا، فأهلكهم اللّه بريح صرصر عاتية.

[51] وَ ثَمُودَ قوم صالح عليه السّلام، أرسله اللّه إلى ثمود فكذبوه، فبعث اللّه إليهم الناقة آية، فعقروها و كذبوه، فأهلكهم اللّه. فَما أَبْقى‏ منهم أحدا، بل أبادهم عن آخرهم.

[52] وَ قَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَ أَطْغى‏ (52) من هؤلاء الأمم، فأهلكهم اللّه و أغرقهم.

[53] وَ الْمُؤْتَفِكَةَ و هم قوم لوط عليه السّلام‏ أَهْوى‏ ، أي: أصابهم اللّه بعذاب، ما عذب به أحدا من العالمين، قلب أسفل ديارهم أعلاها، و أمطر عليهم حجارة من سجيل، و لهذا قال:

[54] فَغَشَّاها ما غَشَّى‏ (54)، أي: غشيها من العذاب الأليم الوخيم، ما غشى، أي: شي‏ء عظيم، لا يمكن وصفه.

[55] فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى‏ (55)، أي: فبأي نعم اللّه و فضله تشك أيها الإنسان؟ فإن نعم اللّه ظاهرة لا تقبل الشك بوجه من الوجوه، فما بالعباد من نعمة، إلا منه تعالى، و لا يدفع النقم إلا هو.

[56] هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى‏ (56) أي: هذا الرسول‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 992

القرشي الهاشمي محمد بن عبد اللّه، ليس ببدع من الرسل، بل قد تقدمه من الرسل السابقين، و دعوا إلى ما دعا إليه، فلأي شي‏ء تنكر رسالته؟ و بأي حجة تبطل دعوته؟ أ ليست أخلاقه أعلى أخلاق الرسل الكرام؟ أ ليس يدعو إلى كلّ خير، و ينهى عن كلّ شر؟ أ لم يأت بالقرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد؟ أ لم يهلك اللّه من كذب من قبله من الرسل الكرام؟ فما الذي يمنع العذاب عن المكذبين لمحمد سيد المرسلين، و إمام المتقين، و قائد الغرّ المحجّلين؟

[57] أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57)، أي: قربت القيامة، و دنا وقتها، و بانت علاماتها.

[58] لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ (58)، أي: إذا أتت القيامة، و جاءهم العذاب الموعود به.

[59] ثمّ توعد المنكرين لرسالة محمد صلّى اللّه عليه و سلّم، المكذبين لما جاء به من القرآن الكريم، فقال: أَ فَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ‏ (59)؟ أي: أ فمن هذا الحديث الذي هو خير الكلام و أفضله و أشرفه تتعجبون، و تجعلونه من الأمور المخالفة للعادة، الخارقة للأمور و الحقائق المعروفة؟ هذا من جهلهم و ضلالهم و عنادهم، و إلا فهو الحديث الذي إذا حدث صدق، و إذا قال قولا، فهو القول الفصل، ليس بالهزل، و هو القرآن العظيم، الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية اللّه، الذي يزيد ذوي الإصلاح رأيا و عقلا، و تسديدا و ثباتا، و إيقانا و إيمانا، بل الذي ينبغي العجب من عقل من تعجّب منه، و سفهه و ضلاله.

[60] وَ تَضْحَكُونَ وَ لا تَبْكُونَ‏ (60)، أي: تستعجلون الضحك و الاستهزاء به، مع أنه الذي ينبغي أن تتأثر منه النفوس، و تلين له القلوب، و تبكي له العيون، سماعا لأمره و نهيه، و إصغاء لوعده و وعيده، و التفاتا لأخباره الصادقة الحسنة.

[61] وَ أَنْتُمْ سامِدُونَ‏ (61)، أي: غافلون، لاهون عنه، و عن تدبره، و هذا من قلة عقولكم، و زيف أديانكم.

[62] فلو عبدتم اللّه و طلبتم رضاه في جميع الأحوال لما كنتم بهذه المثابة، الّتي يأنف منها أولو الألباب، و لهذا قال تعالى: فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَ اعْبُدُوا (62)، الأمر بالسجود للّه خصوصا، يدل على فضله، و أنه سر العبادة و لبها، فإن روحها الخشوع للّه، و الخضوع له، و السجود أعظم حالة يخضع بها العبد، فإنه يخضع قلبه و بدنه، و يجعل أشرف أعضائه على الأرض المهينة، موضع وطء الأقدام. ثمّ أمر بالعبادة عموما، الشاملة لجميع ما يحبه اللّه و يرضاه من الأعمال، و الأقوال الظاهرة و الباطنة. تم تفسير سورة النجم- و الحمد للّه.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 993

سورة القمر

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَ انْشَقَّ الْقَمَرُ (1) يخبر تعالى أن الساعة و هي: القيامة، اقتربت و آن أوانها، و حان وقت مجيئها، و مع هذا، فهؤلاء المكذبون لم يزالوا مكذبين بها، غير مستعدين لنزولها، و يريهم اللّه من الآيات العظيمة الدالة على وقوعها ما يؤمن على مثله، البشر. فمن أعظم الآيات الدالة على صحة ما جاء به محمد بن عبد اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أنه لما طلب منه المكذبون أن يريهم من خوارق العادات ما يدل على صحة ما جاء به و صدقه، أشار صلّى اللّه عليه و سلّم إلى القمر، فانشق بإذن اللّه، فلقتين، فلقة على جبل أبي قبيس، و فلقة على جبل قعيقعان.

و المشركون و غيرهم يشاهدون هذه الآية العظيمة الكائنة في العالم العلوي، الّتي لا يقدر الخلق على التمويه بها و التخييل.

[2] فشاهدوا أمرا ما رأوا مثله، بل و لم يسمعوا أنه جرى لأحد من المرسلين قبله نظيره، فانبهروا لذلك، و لم يدخل الإيمان في قلوبهم، و لم يرد اللّه بهم خيرا، ففزعوا إلى بهتهم و طغيانهم، و قالوا: سحرنا محمد. و لكن علامة ذلك أنكم تسألون من ورد عليكم من السفر، فإنه إن قدر على سحركم، لم يقدر أن يسحر من ليس مشاهدا مثلكم، فسألوا كلّ من قدم، فأخبروهم بوقوع ذلك، فقالوا: سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ، سحرنا محمد، و سحر غيرنا. و هذا من البهت الذي لا يروج إلا على أسفه الخلق و أضلهم عن الهدى و العقل، و هذا ليس إنكارا منهم لهذه الآية وحدها، بل كلّ آية تأتيهم، فإنهم مستعدون لمقابلتها بالتكذيب و الرد لها، و لهذا قال: وَ إِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا فليس قصدهم اتباع الحقّ و الهدى، و إنما مقصودهم اتباع الهوى، و لهذا قال:

[3] وَ كَذَّبُوا وَ اتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ‏ ، كقوله تعالى:

فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ‏ . فإنه لو كان قصدهم اتباع الهدى، لآمنوا قطعا، و اتبعوا محمدا صلّى اللّه عليه و سلّم، لأن اللّه أراهم على يديه من البينات و البراهين، و الحجج القواطع، ما دل على جميع المطالب الإلهية، و المقاصد الشرعية. وَ كُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ ، أي: إلى الآن، لم يبلغ الأمر غايته و منتهاه، و سيصير الأمر إلى آخره، فالمصدق يتقلب في جنات النعيم، و مغفرة اللّه و رضوانه، و المكذب يتقلب في سخط اللّه و عذابه، خالدا مخلدا أبدا.

[4] و قال تعالى- مبينا أنهم ليس لهم قصد صحيح، و اتباع للهدى-: وَ لَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4)، أي: زاجر يزجرهم عن غيهم و ضلالهم،

[5] و ذلك‏ حِكْمَةٌ منه تعالى‏ بالِغَةٌ ، أي:

لتقوم حجته على العالمين، و لا يبقى لأحد على اللّه حجة بعد الرسل. فَما تُغْنِ النُّذُرُ لقوله تعالى: وَ لَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ‏ (97).

[6] يقول تعالى لرسوله صلّى اللّه عليه و سلّم: قد بان أن المكذبين لا حيلة في هداهم، فلم يبق إلا الإعراض عنهم، فقال‏ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ‏ و انتظر بهم يوما عظيما و هولا جسيما. و ذلك‏ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ‏ و هو إسرافيل عليه السّلام‏ إِلى‏ شَيْ‏ءٍ نُكُرٍ ، أي: إلى أمر فظيع، تنكره الخليقة، فلم تر منظرا أفظع و لا أوجع منه، فينفخ إسرافيل نفخة، يخرج بها

تيسير الكريم الرحمن، ص: 994

الأموات من قبورهم لموقف القيامة.

[7] خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ‏ ، أي: من الهول و الفزع، الذي وصل إلى قلوبهم، فخضعت و ذلت، و خشعت لذلك أبصارهم. يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ‏ ، و هي القبور، كَأَنَّهُمْ‏ من كثرتهم، و روجان بعضهم ببعض‏ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ ، أي: مبثوث في الأرض، متكاثر جدا.

[8] مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ‏ ، أي:

مسرعين لإجابة نداء الداعي، و هذا يدل على أن الداعي يدعوهم و يأمرهم بالحضور لموقف القيامة فيلبون دعوته و يسرعون إلى إجابته. يَقُولُ الْكافِرُونَ‏ الّذين قد حضر عذابهم: هذا يَوْمٌ عَسِرٌ .

[9] لما ذكر تبارك و تعالى حال المكذبين لرسوله، و أن الآيات لا تنفع فيهم، و لا تجدي عليهم شيئا، أنذرهم و خوّفهم بعقوبات الأمم الماضية المكذبة للرسل، و كيف أهلكهم اللّه، و أحلّ بهم عقابه. فذكر قوم نوح، أول رسول بعثه اللّه إلى قوم يعبدون الأصنام، فدعاهم إلى توحيد اللّه، و عبادته وحده لا شريك له، فامتنعوا من ترك الشرك و قالوا: لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَ لا تَذَرُنَّ وَدًّا وَ لا سُواعاً وَ لا يَغُوثَ وَ يَعُوقَ وَ نَسْراً . و لم يزل نوح يدعوهم إلى اللّه ليلا و نهارا، سرا و جهارا، فلم يزدهم ذلك إلا عنادا و طغيانا و قدحا في نبيهم، و لهذا قال هنا: فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَ قالُوا مَجْنُونٌ‏ لزعمهم أن ما هم عليه و آباؤهم من الشرك و الضلال هو الذي يدل عليه العقل، و أن ما جاء به نوح عليه السّلام جهل و ضلال، لا يصدر إلا من المجانين. و كذبوا في ذلك، و قلبوا الحقائق الثابتة شرعا و عقلا، فإن ما جاء به هو الحقّ الثابت، الذي يرشد العقول النيرة المستقيمة، إلى الهدى و النور، و الرشد، و ما هم عليه جهل و ضلال. و قوله: وَ ازْدُجِرَ ، أي: زجره قومه و عنفوه لما دعاهم إلى اللّه تعالى. فلم يكفهم- قبحهم اللّه- عدم الإيمان به، و لا تكذيبهم إياه حتى أوصلوا إليه من أذيتهم ما قدروا عليه، و هكذا جميع أعداء الرسل، هذه حالهم مع أنبيائهم.

[10] فعند ذلك دعا نوح ربه، أَنِّي مَغْلُوبٌ‏ لا قدرة لي على الانتصار منهم، لأنه لم يؤمن من قومه إلا القليل النادر، و لا قدرة لهم على مقاومة قومهم. فَانْتَصِرْ اللهم لي منهم، و قال في الآية الأخرى: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً الآيات.

[11] فأجاب اللّه سؤاله، فانتصر له من قومه، قال تعالى: فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (11)، أي: كثير جدا متتابع، ينزل.

[12] وَ فَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فجعلت السماء ينزل منها من الماء شي‏ء خارق للعادة، و تفجرت الأرض كلها، حتى التنور الذي لم تجر العادة بوجود الماء فيه، فضلا عن كونه منبعا للماء، لأنه موضع النار. فَالْتَقَى الْماءُ ، أي: ماء السماء و الأرض‏ عَلى‏ أَمْرٍ من اللّه له بذلك، قَدْ قُدِرَ ، أي: قد كتبه اللّه في الأزل و قضاه، عقوبة لهؤلاء الظالمين الطاغين.

[13] وَ حَمَلْناهُ عَلى‏ ذاتِ أَلْواحٍ وَ دُسُرٍ (13)، أي: و نجينا عبدنا نوحا على السفينة ذات الألواح و الدسر، أي:

المسامير الّتي قد سمرت بها ألواحها و شد بها أسرها.

[14] تَجْرِي بِأَعْيُنِنا ، أي: تجري بنوح و من آمن معه، و من حمله من أصناف المخلوقات برعاية من اللّه، و حفظ منه لها عن الغرق، و نظر و كلاءة منه تعالى، و هو نعم الحافظ و الوكيل. جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ ، أي: فعلنا بنوح ما فعلنا من النجاة من الغرق العام، جزاء له حيث كذبه قومه و كفروا، فصبر على دعوتهم، و استمر على أمر اللّه، فلم يرده عنه راد، و لا صدّه عن ذلك صاد، كما قال تعالى في الآية الأخرى: قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَ بَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَ عَلى‏ أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ‏ الآية. و يحتمل أن المراد: إنا أهلكنا قوم نوح، و فعلنا بهم ما فعلنا من العذاب و الخزي، جزاء لهم على كفرهم و عنادهم، و هذا متوجه على قراءة من قرأها بفتح الكاف.

[15] وَ لَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) أي: و لقد تركنا قصة نوح مع قومه، آية يتذكر بها المتذكرون، على أن من عصى الرسل و عاندهم أهلكه اللّه بعقاب عام شديد، أو أن الضمير يعود إلى السفينة و جنسها، و أن أصل صنعتها تعليم من اللّه لرسوله نوح عليه السّلام، ثمّ أبقى اللّه صنعتها و جنسها بين الناس ليدلك ذلك، على رحمته بخلقه، و عنايته، و كمال قدرته، و بديع صنعته. فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ؟ أي: فهل من متذكر للآيات، ملق ذهنه و فكرته لما يأتيه منها، فإنها في غاية البيان و اليسر؟

تيسير الكريم الرحمن، ص: 995

[16] فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَ نُذُرِ (16)، أي: فكيف رأيت أيها المخاطب عذاب اللّه الأليم و إنذاره الذي لا يبقي لأحد عليه حجة.

[17] وَ لَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)، أي: و لقد يسرنا و سهلنا هذا القرآن الكريم، ألفاظه للحفظ و الأداء، و معانيه للفهم و العلم، لأنه أحسن الكلام لفظا، و أصدقه معنى، و أبينه تفسيرا، فكل من أقبل عليه يسر اللّه عليه مطلوبه غاية التيسير، و سهله عليه، و الذكر شامل لكل ما يتذكر به العاملون من الحلال و الحرام، و أحكام الأمر و النهي، و أحكام الجزاء و المواعظ و العبر، و العقائد النافعة و الأخبار الصادقة. و لهذا كان علم القرآن حفظا و تفسيرا، أسهل العلوم، و أجلّها على الإطلاق، و هو العلم النافع الذي إذا طلبه العبد، أعين عليه، و قال بعض السلف عند هذا الآية: هل من طالب علم فيعان عليه؟

و لهذا يدعو اللّه عباده إلى الإقبال عليه و التذكر بقوله: فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ .

[18] «و عاد» هي القبيلة المعروفة باليمن، أرسل اللّه إليهم هودا عليه السّلام يدعوهم إلى توحيد اللّه و عبادته، فكذبوه،

[19] فأرسل اللّه عليهم‏ رِيحاً صَرْصَراً ، أي:

شديدة جدا. فِي يَوْمِ نَحْسٍ‏ ، أي: شديد العذاب و الشقاء عليهم، مُسْتَمِرٍّ عليهم سبع ليال، و ثمانية أيام حسوما.

[20] تَنْزِعُ النَّاسَ‏ من شدتها، فترفعهم إلى جو السماء، ثمّ تدفعهم بالأرض فتهلكهم، فيصبحون‏ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ ، أي: كأن جثثهم بعد هلاكهم، مثل جذوع النخل الخاوي الذي اقتلعته الريح فسقط على الأرض، فما أهون الخلق على اللّه إذا عصوا أمره.

[21] فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَ نُذُرِ (21)، كان و اللّه العذاب الأليم، و النذارة الّتي ما أبقت لأحد عليه حجة.

[22] وَ لَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22) كرر تعالى ذلك، رحمة بعباده، و عناية بهم، حيث دعاهم إلى ما يصلح دنياهم و أخراهم.

[23] كَذَّبَتْ ثَمُودُ و هم القبيلة المعروفة المشهورة في أرض الحجر، نبيهم صالحا صلّى اللّه عليه و سلّم، حين دعاهم إلى عبادة اللّه وحده لا شريك له، و أنذرهم العقاب، إن هم خالفوه.

[24] فكذبوه و استكبروا عليه، و قالوا- كبرا و تيها-:

أَ بَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ‏ ، أي: كيف نتبع بشرا، لا ملكا، منا، لا من غيرنا، ممن هو أكبر عند الناس منا. و مع ذلك فهو شخص واحد إِنَّا إِذاً ، أي: إن اتبعناه و هو في هذه الحالة، لَفِي ضَلالٍ وَ سُعُرٍ ، أي: لضالون أشقياء.

و هذا الكلام من ضلالهم و شقائهم، فإنهم أنفوا أن يتبعوا رسولا من البشر، و لم يأنفوا أن يكونوا عابدين للشجر، و الحجر، و الصور.

[25] أَ أُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا ، أي: كيف يخصه اللّه من بيننا و ينزل عليه الذكر؟ فأي مزية خصه من بيننا؟ و هذا اعتراض من المكذبين على اللّه، لم يزالوا يدلون به، و يصولون و يردون به دعوة الرسل، و قد أجاب اللّه عن هذه الشبهة بقول الرسل لأممهم: قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى‏ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ‏ . فالرسل منّ اللّه عليهم بصفات و أخلاق و كمالات، بها صلحوا لرسالات ربهم، و الاختصاص بوحيه. و من رحمته و حكمته أن كانوا من البشر، فلو كانوا من الملائكة، لم يمكن البشر، أن يتلقوا عنهم، و لو جعلهم من الملائكة لعاجل المكذبين لهم بالعقاب العاجل. و المقصود من هذا الكلام الصادر من ثمود لنبيهم صالح،

تيسير الكريم الرحمن، ص: 996

تكذيبه، و لهذا حكموا عليه بهذا الحكم الجائر، فقالوا: بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ ، أي: كثير الكذب و الشر. فقبحهم اللّه ما أسفه أحلامهم و أظلمهم، و أشدهم مقابلة للصادقين الناصحين بالخطاب الشنيع، لا جرم عاقبهم اللّه حين اشتد طغيانهم.

[27] فأرسل اللّه الناقة الّتي هي من أكبر النعم عليهم، آية من آيات اللّه، و نعمة يحلبون من درّها، ما يكفيهم أجمعين. فِتْنَةً لَهُمْ‏ ، أي: اختبارا منه لهم و امتحانا.

فَارْتَقِبْهُمْ وَ اصْطَبِرْ ، أي: اصبر على دعوتك إياهم، و ارتقب ما يحل بهم، أو ارتقب هل يؤمنون أو يكفرون؟

[28] وَ نَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ‏ ، أي: و أخبرهم أن الماء، أي: موردهم الذي يستعذبونه، قسمة بينهم و بين الناقة، لها شرب يوم، و لهم شرب يوم آخر معلوم. كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ ، أي: يحضره من كان قسمته، و يحظر على من ليس بقسمة له.

[29] فَنادَوْا صاحِبَهُمْ‏ الذي باشر عقرها، الذي هو أشقى القبيلة فَتَعاطى‏ ، أي: انقاد لما أمروه به من عقرها فَعَقَرَ .

[30] فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَ نُذُرِ كان أشد عذاب، أرسل اللّه عليهم صيحة و رجفة، أهلكتهم عن آخرهم، و نجى اللّه صالحا و من آمن معه.

[31] إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ‏ في اليوم الرابع من عقرها صَيْحَةً واحِدَةً صاح بها جبريل عليه السّلام‏ فَكانُوا ، أي: فصاروا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ ، و الهشيم: الشجر اليابس المتهشم المتكسر، أو كالحشيش اليابس الذي يجمعه صاحب الحظيرة لماشيته في الشتاء، أي: كهشيم الحظيرة أو الشجر المتخذ لها. و المعنى الإجمالي: «إنا سلطنا عليهم صيحة واحدة، فصاروا بها كشجر يابس يجمعه من يريد اتخاذ حظيرة لبهائمه».

[32] وَ لَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (32).

[33- 40] أي: كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ لوطا عليه السّلام، حين دعاهم إلى عبادة اللّه وحده لا شريك له، و نهاهم عن الشرك و الفاحشة الّتي ما سبقهم بها أحد من العالمين. فكذبوه و استمروا على شركهم و قبائحهم، حتى إن الملائكة الّذين جاءوه بصورة أضياف حين سمع بهم قومه، جاءوا مسرعين، يريدون إيقاع الفاحشة فيهم، لعنهم اللّه و قبحهم، و راودوه عنهم. فأمر اللّه جبريل عليه السّلام، فطمس عيونهم، و أنذرهم نبيهم بطشة اللّه و عقوبته‏ بِالنُّذُرِ . وَ لَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) قلب اللّه عليهم ديارهم، و جعل أسفلها أعلاها، و تتبعهم بحجارة من سجيل منضود، مسومة عند ربك للمسرفين. و نجى اللّه لوطا و أهله من الكرب العظيم، جزاء لهم على شكرهم لربهم، و عبادته وحده لا شريك له، قال تعالى: عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)، مفهوم ذلك أنه يسير سهل على المؤمنين.

[41] أي: وَ لَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ‏ أي: فرعون و قومه‏ النُّذُرُ فأرسل اللّه إليهم موسى الكليم، و أيده بالآيات البينات، و المعجزات الباهرات، و أشهدهم من العبر ما لم يشهد غيرهم، فكذبوا بآيات اللّه كلها، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر، فأغرقه و جنوده في اليم.

[43] و المراد من ذكر هذه القصص تحذير الناس و المكذبين لمحمد صلّى اللّه عليه و سلّم، و لهذا قال:

صفحه بعد