کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 369

سبيل اللّه، تضاعف إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة.

وَ أَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ‏ أي: لا تنقصون من أجرها و ثوابها شيئا.

[61- 63] يقول تعالى: وَ إِنْ جَنَحُوا أي: الكفار المحاربون، أي: مالوا لِلسَّلْمِ‏ أي: الصلح و ترك القتال.

فَاجْنَحْ لَها وَ تَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ‏ أي: أجبهم إلى ما طلبوا، متوكلا على ربك، فإن في ذلك فوائد كثيرة. منها: أن طلب العافية مطلوب كل وقت، فإذا كانوا هم المبتدئين في ذلك، كان أولى لإجابتهم. و منها: أن في ذلك استجماما لقواكم، و استعدادا منكم لقتالهم في وقت آخر، إن احتيج إلى ذلك.

و منها: أنكم إذا أصلحتم و أمن بعضكم بعضا، و تمكن كل من معرفة ما عليه الآخر، فإن الإسلام يعلو، و لا يعلى عليه. فكل من له عقل و بصيرة، إذا كان معه إنصاف، فلا بد أن يؤثره على غيره من الأديان، لحسنه في أوامره و نواهيه، و حسنه في معاملته للخلق، و العدل فيهم، و أنه لا جور فيه و لا ظلم بوجه، فحينئذ يكثر الراغبون فيه، و المتبعون له. فصار هذا السلم عونا للمسلمين على الكافرين، و لا يخاف من السلم إلا خصلة واحدة، و هي أن يكون الكفار قصدهم بذلك خدع المسلمين، و انتهاز الفرصة فيهم. فأخبرهم اللّه، أنه حسبهم و كافيهم خداعهم، و أن ذلك يعود عليهم ضرره فقال: وَ إِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ‏ أي: كافيك ما يؤذيك، و هو القائم بمصالحك و مهماتك، فقد سبق لك من كفايته لك و نصره، ما يطمئن به قلبك. و إنه‏ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَ بِالْمُؤْمِنِينَ‏ أي: أعانك بمعونة سماوية و هو: النصر منه الذي لا يقاومه شي‏ء، و معونة بالمؤمنين بأن قيضهم لنصرك. وَ أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ‏ فاجتمعوا و ائتلفوا، و ازدادت قوتهم، بسبب اجتماعهم، و لم يكن هذا بسعي أحد، و لا بقوة، غير قوة اللّه. و إنك‏ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً من ذهب، و فضة و غيرهما، لتأليفهم بعد تلك النفرة، و الفرقة الشديدة ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ‏ لأنه لا يقدر على تقليب القلوب إلا اللّه تعالى. وَ لكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ‏ و من عزته أن ألف بين قلوبهم، و جمعها بعد الفرقة كما قال تعالى: وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَ كُنْتُمْ عَلى‏ شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها .

[64] ثمّ قال تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ‏ أي: كافيك‏ وَ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏ أي: و كافي أتباعك من المؤمنين، و هذا وعد من اللّه، لعباده المؤمنين المتبعين لرسوله، بالكفاية، و النصرة على الأعداء. فإذا أتوا بالسبب الذي هو الإيمان و الاتباع، فلا بد أن يكفيهم ما أهمهم من أمور الدين و الدنيا، و إنّما تتخلف الكفاية بتخلف شرطها.

[65- 66] يقول تعالى لنبيه صلّى اللّه عليه و سلم: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ‏ أي: حثّهم و استنهضهم إليه بكل ما يقوي عزائمهم، و ينشط هممهم، من الترغيب في الجهاد، و مقارعة الأعداء، و الترهيب من ضد ذلك، و ذكر فضائل الشجاعة و الصبر، و ما يترتب على ذلك من خير في الدنيا و الآخرة، و ذكر مضار الجبن، و أنه من الأخلاق الرذيلة، المنقصة للدين و المروءة، و أن الشجاعة بالمؤمنين، أولى من غيرهم‏ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما

تيسير الكريم الرحمن، ص: 370

تَأْلَمُونَ وَ تَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ‏ . إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ‏ أيها المؤمنون‏ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا يكون الواحد بنسبة عشرة من الكفار. و ذلك‏ بِأَنَّهُمْ‏ أي: الكفار قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ‏ أي: لا علم عندهم بما أعد اللّه للمجاهدين في سبيله، فهم يقاتلون لأجل العلو في الأرض، و الفساد فيها، و أنتم تفقهون المقصود من القتال، أنه لإعلاء كلمة اللّه، و إظهار دينه، و الذب عن كتاب اللّه، و حصول الفوز الأكبر عند اللّه، و هذه كلها دواع للشجاعة و الصبر و الإقدام على القتال. ثمّ إن هذا الحكم خففه اللّه على العباد فقال: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَ عَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فلذلك اقتضت رحمته و حكمته التخفيف، فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَ اللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ‏ بعونه و تأييده. و هذه الآيات صورتها صورة الإخبار عن المؤمنين، بأنهم إذا بلغوا هذا المقدار المعين، يغلبون ذلك المقدار المعين في مقابلته من الكفار، و أن اللّه يمتن عليهم، بما جعل فيهم من الشجاعة الإيمانية. و لكن معناها و حقيقتها، الأمر، و أن اللّه أمر المؤمنين- في أول الأمر- أن الواحد لا يجوز له أن يفر من العشرة، و العشرة من المائة، و المائة من الألف. ثمّ إن اللّه خفف ذلك، فصار لا يجوز فرار المسلمين من مثليهم من الكفار، فإن زادوا على مثليهم، جاز لهم الفرار، و لكن يرد على هذا أمران: أحدهما: أنها بصورة الخبر، و الأصل في الخبر أن يكون على بابه، و أن المقصود بذلك الامتنان و الإخبار بالواقع. و الثاني: تقييد ذلك العدد أن يكونوا صابرين بأن يكونوا متدربين على الصبر. و مفهوم هذا، أنهم إذا لم يكونوا صابرين، فإنه يجوز لهم الفرار، و لو أقل من مثلهم، إذا غلب على ظنهم الضرر، كما تقتضيه الحكمة الإلهية. و يجاب عن الأول بأن قوله: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ‏ إلى آخرها، دليل على أن هذا الأمر لازم، و أمر محتم، ثمّ إن اللّه خففه إلى ذلك العدد، فهذا ظاهر في أنه أمر، و إن كان في صيغة الخبر. و قد يقال: إن في إتيانه بلفظ الخبر، نكتة بديعة، لا توجد فيه إذا كان بلفظ الأمر، و هي: تقوية قلوب المؤمنين، و البشارة بأنهم سيغلبون الكافرين. و يجاب عن الثاني: أن المقصود بتقييد ذلك بالصابرين، أنه حث على الصبر، و أنه ينبغي منكم أن تفعلوا الأسباب الموجبة لذلك، فإذا فعلوها، صارت الأسباب الإيمانية، و الأسباب المادية، مبشرة بحصول ما أخبر اللّه به، من النصر لهذا العدد القليل.

[67] هذه معاتبة من اللّه لرسوله و للمؤمنين يوم «بدر» إذ أسروا المشركين، و أبقوهم لأجل الفداء، و كان رأي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في هذه الحال، قتلهم و استئصالهم. فقال تعالى: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى‏ حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ‏ أي: ما ينبغي، و لا يليق به إذا قاتل الكفار الّذين يريدون أن يطفئوا نور اللّه و يسعون لإخماد دينه، و أن لا يبقى على وجه الأرض من يعبد اللّه، أن يتسرع إلى أسرهم و إبقائهم، لأجل الفداء، الذي يحصل منهم، و هو عرض قليل، بالنسبة إلى المصلحة المقتضية لإبادتهم، و إبطال شرهم، فما دام لهم شر و صولة، فالأوفق أن لا يؤسروا. فإذا أثخن في الأرض، و بطل شر المشركين، و اضمحل أمرهم، فحينئذ لا بأس بأخذ الأسرى منهم، و إبقائهم. يقول تعالى: تُرِيدُونَ‏ بأخذكم الفداء و إبقائهم‏ عَرَضَ الدُّنْيا أي: لا لمصلحة تعود إلى دينكم.

وَ اللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ بإعزاز دينه، و نصر أوليائه، و جعل كلمتهم عالية فوق غيرهم، فيأمركم بما يوصل إلى ذلك.

وَ اللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ‏ أي: كامل العزة، و لو شاء أن ينتصر من الكفار، من دون قتال، لفعل و لكنه حكيم، يبتلي بعضكم ببعض.

[68- 69] لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ‏ به القضاء و القدر، أنه قد أحل لكم الغنائم، و أن اللّه رفع عنكم- أيتها الأمة- العذاب‏ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ‏ و في الحديث: «لو نزل عذاب يوم بدر، ما نجا منه إلا عمر».

فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً و هذا من لطفه تعالى بهذه الأمة، أن أحل لها الغنائم، و لم تحل لأمة قبلها. وَ اتَّقُوا اللَّهَ‏ في جميع أموركم و لازموها، شكرا لنعم اللّه عليكم، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ يغفر لمن تاب إليه، جميع الذنوب، و يغفر لمن‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 371

لم يشرك به شيئا، جميع المعاصي. رَحِيمٌ‏ بكم، حيث أباح لكم الغنائم، و جعلها حلالا طيبا.

[70- 71] و هذه نزلت في أسارى يوم بدر، و كان من جملتهم، العباس، عم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم. فلما طلب منه الفداء، ادّعى أنه مسلم قبل ذلك، فلم يسقطوا عنه الفداء، فأنزل اللّه تعالى، جبرا لخاطره، و من كان على مثل حاله:

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى‏ إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ‏ أي: من المال، بأن ييسر لكم من فضله، خيرا كثيرا، مما أخذ منكم. وَ يَغْفِرْ لَكُمْ‏ ذنوبكم، و يدخلكم الجنة وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏ . و قد أنجز اللّه وعده للعباس و غيره، فحصل له- بعد ذلك- من المال شي‏ء كثير، حتى إنه مرة لما قدم على النبي صلّى اللّه عليه و سلّم مال كثير، أتاه العباس فأمره أن يأخذ منه بثوبه، ما يطيق حمله فأخذ منه، ما كاد أن يعجز عن حمله. وَ إِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ‏ في السعي لحربك، و منابذتك، فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ‏ فليحذروا خيانتك، فإنه تعالى قادر عليهم، و هم تحت قبضته. وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ‏ ، أي: عليم بكل شي‏ء، حكيم، يضع الأشياء مواضعها. و من علمه و حكمته أن شرع لكم هذه الأحكام الجليلة الجميلة، و قد تكفل بكفايتكم، شأن الأسرى و شرهم إن أرادوا خيانة.

[72] هذا عقد موالاة و محبة، عقدها اللّه بين المهاجرين، الّذين آمنوا و هاجروا في سبيل اللّه، و تركوا أوطانهم للّه، لأجل الجهاد في سبيل اللّه، و بين الأنصار الّذين آووا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه و أعانوهم في ديارهم و أموالهم و أنفسهم، فهؤلاء بعضهم أولياء بعض، لكمال إيمانهم و تمام اتصال بعضهم ببعض. وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا فإنهم قطعوا ولايتكم بانفصالهم عنكم، في وقت شدة الحاجة إلى الرجال، فلما لما يهاجروا، لم يكن لهم من ولاية المؤمنين شي‏ء. لكنهم‏ إِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ‏ أي: لأجل قتال من قاتلهم‏ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ و القتال معهم، و أما من قاتلوهم لغير ذلك، من المقاصد فليس عليكم نصرهم. و قوله تعالى:

إِلَّا عَلى‏ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ‏ أي: عهد بترك القتال، فإنهم إذا أراد المؤمنون المتميزون، الّذين لم يهاجروا قتالهم، فلا تعينوهم عليهم، لأجل ما بينكم و بينهم من الميثاق. وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ يعلم ما أنتم عليه، من الأحوال، فيشرع لكم من الأحكام ما يليق بكم.

[73] لما عقد الولاية بين المؤمنين، أخبر أن الكفار، حيث جمعهم الكفر فبعضهم أولياء بعض، فلا يواليهم، إلا كافر مثلهم. و قوله: إِلَّا تَفْعَلُوهُ‏ أي: موالاة المؤمنين، و معاداة الكافرين، بأن واليتموهم أو عاديتموهم كلهم، أو و اليتم الكافرين، و عاديتم المؤمنين. تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَ فَسادٌ كَبِيرٌ فإنه يحصل بذلك من الشر ما لا ينحصر من اختلاط الحقّ بالباطل، و المؤمن بالكافر، و عدم كثير من العبادات الكبار، كالجهاد، و الهجرة، و غير ذلك من مقاصد الشرع، و الدين التي تفوت إذا لم يتخذ المؤمنون وحدهم أولياء بعضهم لبعض.

[74- 75] الآيات السابقات في ذكر عقد الموالاة بين المؤمنين من المهاجرين و الأنصار. و هذه الآيات في بيان مدحهم و ثوابهم، فقال: وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ الَّذِينَ آوَوْا وَ نَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ‏ من‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 372

المهاجرين و الأنصار، أي: المؤمنون‏ حَقًّا لأنهم صدقوا إيمانهم بما قاموا به من الهجرة و النصرة و الموالاة بعضهم لبعض، و جهادهم لأعدائهم من الكفار و المنافقين. لَهُمْ مَغْفِرَةٌ من اللّه، تمحى بها سيئاتهم، و تضمحل بها زلاتهم.

وَ لهم‏ رِزْقٌ كَرِيمٌ‏ أي: خير كثير من الرب الكريم في جنات النعيم. و ربما حصل لهم من الثواب المعجل ما تقرّ به أعينهم، و تطمئن به قلوبهم، و كذلك من جاء بعد هؤلاء المهاجرين و الأنصار، ممن اتبعهم بإحسان فآمن و هاجر و جاهد في سبيل اللّه. فَأُولئِكَ مِنْكُمْ‏ لهم ما لكم و عليهم ما عليكم. فهذه الموالاة الإيمانية- و قد كانت في أول الإسلام- لها وقع كبير، و شأن عظيم، حتى إن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم آخى بين المهاجرين و الأنصار أخوة خاصة، غير الأخوة الإيمانية العامة، و حتى كانوا يتوارثون بها، فأنزل اللّه‏ وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ‏ ، فلا يرثه إلا أقاربه من العصبات، و أصحاب الفروض. فإن لم يكونوا، فأقرب قراباته، من ذوي الأرحام، كما دل عليه عموم الآية الكريمة، و قوله: فِي كِتابِ اللَّهِ‏ أي: في حكمه و شرعه. إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ‏ و منه ما يعلمه، من أحوالكم، التي يجري من شرائعه الدينية عليكم، ما يناسبها.

تم تفسير سورة الأنفال و للّه الحمد و المنة.

تفسير سورة التوبة

(بسم اللّه الرّحمن الرّحيم)

[1- 2] أي: هذه براءة من اللّه، و من رسوله إلى جميع المشركين المعاندين، أن لهم أربعة أشهر، يسيحون في الأرض على اختيارهم، آمنين من المؤمنين، و بعد الأربعة الأشهر، فلا عهد له و لا ميثاق. و هذا لمن كان له عهد مطلق، غير مقدر، أو مقدر بأربعة أشهر، فأقل. أما من كان له عهد مقدر، بزيادة على أربعة أشهر، فإنه يتعين أن يتمم له عهده، إذا لم يخف منه خيانة، و لم يبدأ بنقض العهد. ثمّ أنذر المعاهدين في مدة عهدهم، أنهم و إن كانوا آمنين، فإنهم لن يعجزوا اللّه، و لن يفوتوه، و أنه من استمر منهم على شركه فإنه لا بد أن يخزيه، فكان هذا، مما يجلبهم إلى الدخول في الإسلام، إلا من عائد و أصر، و لم يبال بوعيد اللّه.

[3] هذا ما وعد اللّه به المؤمنين، من نصر دينه، و إعلاء كلمته، و خذلان أعدائهم، من المشركين، الّذين أخرجوا الرسول و من معه من مكة، من بيت اللّه الحرام، و أجلوهم مما لهم التسلط عليه من أرض الحجاز. نصر اللّه رسوله و المؤمنين حتى افتتح مكة، و أذل المشركين، و صار للمؤمنين الحكم و الغلبة على تلك الديار. فأمر النبي صلّى اللّه عليه و سلم‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 373

مؤذنه أن يؤذن يوم الحج الأكبر، و هو: يوم النحر، وقت اجتماع الناس، مسلمهم و كافرهم، من جميع جزيرة العرب، أن يؤذن بأن اللّه بري‏ء و رسوله من المشركين، فليس لهم عنده عهد و ميثاق، فأينما وجدوا قتلوا، و قيل لهم: لا تقربوا المسجد الحرام بعد عامكم هذا، و كان سنة تسع من الهجرة. و حج بالناس أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه و أذن ببراءة يوم النحر، ابن عم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه. ثمّ رغّب تعالى المشركين بالتوبة، و رهبهم من الاستمرار على الشرك فقال: فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ‏ . أي: فائتيه، بل أنتم في قبضته، قادر أن يسلط عليكم عباده المؤمنين. وَ بَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ‏ أي: مؤلم مفظع في الدنيا، بالقتل، و الأسر، و الجلاء، و في الآخرة، بالنار، و بئس القرار.

[4] أي هذه البراءة التامة المطلقة من جميع المشركين.

إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏ و استمروا على عهدهم، و لم يجر منهم ما يوجب النقص، فلا نقصوكم شيئا، و لا عاونوا عليكم أحدا، فهؤلاء أتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم، قلّت، أو كثرت، لأن الإسلام لا يأمر بالخيانة و إنّما يأمر بالوفاء. إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ‏ الّذين أدوا ما أمروا به، و اتقوا الشرك و الخيانة، و غير ذلك من المعاصي.

[5] يقول تعالى: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ‏ أي: التي حرم فيها قتال المشركين المعاهدين، و هي أشهر التسيير الأربعة، و تمام المدة، لمن له مدة أكثر منها، فقد برئت منهم الذمة. فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ‏ في أي مكان و زمان، وَ خُذُوهُمْ‏ أسرى‏ وَ احْصُرُوهُمْ‏ أي: ضيقوا عليهم، فلا تدعوهم يتوسعون في بلاد اللّه و أرضه، التي جعلها معبدا لعباده. فهؤلاء ليسوا أهلا لسكناها، و لا يستحقون منها شبرا، لأن الأرض أرض اللّه، و هم أعداؤه المنابذون له و لرسله، و المحاربون الّذين يريدون أن تخلو الأرض من دينه، و يأبى اللّه إلا أن يتم نوره، و لو كره الكافرون. وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ أي: كل ثنية و موضع يمرون عليه و رابطوا في جهادهم، و ابذلوا غاية مجهودكم في ذلك، و لا تزالوا على هذا الأمر، حتى يتوبوا من شركهم. و لهذا قال: فَإِنْ تابُوا من شركهم‏ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ أي: أدوها بحقوقها وَ آتَوُا الزَّكاةَ لمستحقيها فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ‏ أي: اتركوهم، و ليكونوا مثلكم، لهم ما لكم، و عليهم ما عليكم. إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏ يغفر الشرك فما دونه، للتائبين، و يرحمهم، بتوفيقهم للتوبة، ثمّ قبولها منهم. و في هذه الآية دليل على أن من امتنع من أداء الصلاة أو الزكاة، فإنه يقاتل حتى يؤديها، كما استدل بذلك أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه.

[6] لما كان ما تقدم من قوله: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَ خُذُوهُمْ وَ احْصُرُوهُمْ وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ أمرا عاما في جميع الأحوال، و في كل الأشخاص منهم، ذكر تعالى أن المصلحة إذا اقتضت تقريب بعضهم، جاز، بل وجب ذلك فقال: وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ‏ أي: طلب منك أن تجيره، و تمنعه من الضرر، لأجل أن يسمع كلام اللّه، و ينظر حالة الإسلام. فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ‏ ثمّ إن أسلم، فذاك، و إلا

تيسير الكريم الرحمن، ص: 374

فأبلغه مأمنه، أي: المحل الذي يأمن فيه. و السبب في ذلك أن الكفار قوم لا يعلمون، فربما كان استمرارهم على كفرهم لجهل منهم، إذا زال اختاروا عليه الإسلام، فلذلك أمر اللّه رسوله، و أمته أسوة في الأحكام، أن يجيروا من طلب أن يسمع كلام اللّه. و في هذا حجة صريحة لمذهب أهل السنة و الجماعة، القائلين بأن القرآن كلام اللّه غير مخلوق، لأنه تعالى هو المتكلم به، و أضافه إلى نفسه إضافة الصفة إلى موصوفها، و بطلان مذهب المعتزلة، و من أخذ بقولهم: أن القرآن مخلوق. و كم من الأدلة الدالة على بطلان هذا القول، ليس هذا، محل ذكرها.

[7] هذا بيان للحكمة الموجبة، لأن يتبرأ اللّه و رسوله من المشركين، فقال: كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَ عِنْدَ رَسُولِهِ‏ هل قاموا بواجب الإيمان، أم تركوا رسول اللّه و المؤمنين من أذيتهم؟ و حاربوا الحقّ و نصروا الباطل؟ أما سعوا في الأرض فسادا؟ فيحق عليهم أن يتبرأ اللّه منهم، و أن لا يكون لهم عهد عنده، و لا عند رسوله؟

إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ‏ من المشركين‏ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ‏ فإن لهم في العهد و خصوصا في هذا المكان الفاضل، حرمة أوجب أن يراعوا فيها. فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ‏ و لهذا قال: كَيْفَ وَ إِنْ يَظْهَرُوا إلى قوله: لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ‏ .

[8- 11] أي: كَيْفَ‏ يكون للمشركين عند اللّه عهد و ميثاق‏ وَ الحال أنهم‏ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ‏ بالقدرة و السلطة، لا يرحموكم، و لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَ لا ذِمَّةً أي: لا ذمة و لا قرابة، و لا يخافون اللّه فيكم، بل يسومونكم سوء العذاب، فهذه حالكم معهم لو ظهروا. و لا يغرنكم منهم ما يعاملونكم به وقت الخوف منكم، فإنهم‏ يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَ تَأْبى‏ قُلُوبُهُمْ‏ الميل و المحبة لكم، بل هم الأعداء حقا، المبغضون لكم صدقا، وَ أَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ‏ لا ديانة لهم، و لا مروءة. اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا أي: اختاروا الحظ العاجل الخسيس في الدنيا، على الإيمان باللّه، و رسوله، و الانقياد لآيات اللّه. فَصَدُّوا بأنفسهم، و صدوا غيرهم‏ عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ‏ . لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَ لا ذِمَّةً أي: لأجل عداوتهم للإيمان و أهله.

فالوصف الذي جعلهم يعادونكم لأجله و يبغضونكم هو الإيمان، فذبوا عن دينكم، و انصروه و اتخذوا من عاداه عدوا، و من نصره لكم وليا، و اجعلوا الحكم يدور معه، وجودا و عدما، لا تجعلوا الولاية و العداوة، طبعية تميلون بها، حيثما مال الهوى، و تتبعون فيها النفس الأمارة بالسوء، و لهذا: فَإِنْ تابُوا عن شركهم، و رجعوا إلى الإيمان‏ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ‏ و تناسوا تلك العداوة إذ كانوا مشركين، لتكونوا عباد اللّه المخلصين، و بهذا يكون العبد عبدا حقيقة. لما بين من أحكامه العظيمة ما بين، و وضح منها ما وضح، أحكاما و حكما، و حكما، و حكمة قال: وَ نُفَصِّلُ الْآياتِ‏ أي: نوضحها و نميزها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ‏ فإليهم سياق الكلام، و بهم تعرف الآيات و الأحكام، و بهم عرف دين الإسلام، و شرائع الدين. اللهم اجعلنا من القوم الّذين يعلمون، و يعملون بما يعلمون، برحمتك وجودك، و كرمك و إحسانك، يا رب العالمين.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 375

[12- 15] يقول تعالى: بعد ما ذكر أن المعاهدين من المشركين إن استقاموا على عهدهم فاستقيموا لهم على الوفاء:

وَ إِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ‏ أي: نقضوها و حلوها، أو أعانوا على قتالكم، أو نقصوكم، وَ طَعَنُوا فِي دِينِكُمْ‏ أي: عابوه، و سخروا منه. و يدخل في هذا جميع أنواع الطعن الموجهة إلى الدين، أو إلى القرآن. فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ أي: القادة فيه، الرؤساء الطاعنين في دين الرحمن، الناصرين لدين الشيطان، و خصهم بالذكر لعظم جنايتهم، و لأن غيرهم تبع. و ليدل على أن من طعن في الدين و تصدى للرد عليه، فإنه من أئمة الكفر. إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ‏ أي: لا عهود، و لا مواثيق، يلازمون على الوفاء بها، بل لا يزالون خائنين، ناكثين للعهد، لا يوثق منهم. لَعَلَّهُمْ‏ في قتالهم إياهم‏ يَنْتَهُونَ‏ عن الطعن في دينكم، و ربما دخلوا فيه. ثمّ حث على قتالهم، و هيج المؤمنين بذكر الأوصاف، التي صدرت من هؤلاء الأعداء، و التي هم موصوفون بها، المقتضية لقتالهم فقال: أَ لا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ‏ الذي يجب احترامه، و توقيره، و تعظيمه؟ و هموا أن يجلوه و يخرجوه من وطنه، و سعوا في ذلك ما أمكنهم، وَ هُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ حيث نقضوا العهد، و أعانوا عليكم، و ذلك حيث أعانت قريش- و هم معاهدون- بني بكر حلفاءهم، على خزاعة، حلفاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، و قاتلوا معهم كما هو مذكور مبسوط في السيرة. أَ تَخْشَوْنَهُمْ‏ في ترك قتالهم‏ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ‏ . فاللّه أمركم بقتالهم، و أكد ذلك عليكم غاية التأكيد. فإن كنتم مؤمنين، فامتثلوا لأمر اللّه، و لا تخشوهم، فتتركوا أمر اللّه. ثمّ أمر بقتالهم و ذكر ما يترتب على قتالهم من الفوائد، و كل هذا، حث و إنهاض للمؤمنين على قتالهم فقال: قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ‏ بالقتل‏ وَ يُخْزِهِمْ‏ إذا نصركم اللّه عليهم، و هم الأعداء الّذين يطلب خزيهم و يحرص عليه، وَ يَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ‏ هذا وعد من اللّه و بشارة، قد أنجزها. وَ يَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَ يُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ‏ فإن في قلوبهم من الحنق و الغيظ عليهم، ما يكون قتالهم و قتلهم شفاء لما في قلوب المؤمنين من الغم و الهمّ، إذ يرون هؤلاء الأعداء محاربين للّه و لرسوله، ساعين في إطفاء نور اللّه، و زوالا للغيظ الذي في قلوبكم، و هذا يدل على محبة اللّه للمؤمنين، و اعتنائه بأحوالهم، حتى إنه جعل- من جملة المقاصد الشرعية- شفاء ما في صدورهم و ذهاب غيظهم. ثمّ قال: وَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلى‏ مَنْ يَشاءُ من هؤلاء المحاربين، بأن يوفقهم للدخول في الإسلام، و يزينه في قلوبهم، و يكرّه إليهم الكفر و الفسوق و العصيان. وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ‏ يضع الأشياء مواضعها، و يعلم من يصلح للإيمان فيهديه، و من لا يصلح، فيبقيه في غيه و طغيانه.

صفحه بعد