کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 174

النبي صلى اللّه عليه و سلم، ابنتي سعد، الثلثين كما في الصحيح. بقي أن يقال: فما الفائدة في قوله: فَوْقَ اثْنَتَيْنِ‏ ؟ قيل: الفائدة في ذلك- و اللّه أعلم- أنه ليعلم أن الفرض الذي هو الثلثان، لا يزيد بزيادتهن على الثنتين، بل من الثنتين فصاعدا.

و دلت الآية الكريمة، أنه إذا وجد بنت صلب واحدة، و بنت ابن أو بنات ابن، فإن لبنت الصلب، النصف، و يبقى من الثلثين اللذين فرضهما اللّه للبنات، أو بنات الابن، السدس، فيعطى بنت الابن، أو بنات الابن، و لهذا يسمى هذا السدس، تكملة الثلثين. و مثل ذلك، بنت الابن، مع بنات الابن، اللاتي أنزل منها. و تدل الآية، أنه متى استغرق البنات أو بنات الابن الثلثين، أنه يسقط من دونهن، من بنات الابن، لأن اللّه لم يفرض لهن، إلا الثلثين، و قد تم. فلو لم يسقطن، لزم من ذلك أن يفرض لهن، أزيد من الثلثين، و هو خلاف النص. و كل هذه الأحكام، مجمع عليها بين العلماء، و للّه الحمد. و دل قوله: مِمَّا تَرَكَ‏ أن الوارثين، يرثون كل ما خلف الميت، من عقار، و أثاث، و ذهب، و فضة، و غير ذلك، حتى الدية، التي لم تجب إلا بعد موته، و حتى الديون التي في الذمة.

أحكام الأبوين في الميراث‏

ثم ذكر ميراث الأبوين فقال: وَ لِأَبَوَيْهِ‏ أي: أبوه و أمه‏ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ أي:

ولد صلب، أو ولد ابن، ذكرا كان أو أنثى، واحدا أو متعددا. فأما الأم، فلا تزيد على السدس مع أحد من الأولاد.

أحكام الأب في الميراث‏

و أما الأب، فمع الذكور منهم، لا يستحق أزيد من السدس. فإن كان الولد أنثى أو إناثا، و لم يبق بعد الفرض شي‏ء، كأبوين و ابنتين، لم يبق له تعصيب. و إن بقي بعد فرض البنت أو البنات شي‏ء، أخذ الأب السدس فرضا، و الباقي تعصيبا. لأننا ألحقنا الفروض بأهلها، فما بقي، فلأولى رجل ذكر، و هو أولى من الأخ و العم، و غيرهما.

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ‏ أي: و الباقي للأب، لأنه أضاف المال إلى الأب و الأم، إضافة واحدة، ثم قدّر نصيب الأم، فدل ذلك، على أن الباقي للأب. و علم من ذلك، أن الأب- مع عدم الأولاد- لا فرض له، بل يرث- تعصيبا- المال كله، أو ما أبقت الفروض. و لكن لو وجد مع الأبوين، أحد الزوجين- و يعبر عنهما بالعمريتين- فإن الزوج أو الزوجة، يأخذ فرضه، ثم تأخذ الأم ثلث الباقي و الأب الباقي. و قد دلّ على ذلك قوله:

وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ‏ ثلث ما ورثه الأبوان. و هو في هاتين الصورتين، إما سدس في زوج و أم و أب، و إما ربع في زوجة، و أم و أب. فلم تدل الآية على إرث الأم، ثلث المال كاملا، مع عدم الأولاد. حتى يقال: إن هاتين الصورتين، قد استثنيتا من هذا. و يوضح ذلك، أن الذي يأخذه الزوج أو الزوجة، بمنزلة ما يأخذه الغرماء. فيكون من رأس المال، و الباقي، بين الأبوين. و لأنا لو أعطينا الأم ثلث المال، لزم زيادتها على الأب، في مسألة الزوج، أو أخذ الأب في مسألة الزوجة، زيادة عنها نصف السدس، و هذا لا نظير له. فإن المعهود مساواتها للأب، أو أخذه ضعف ما تأخذه الأم. فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ‏ أشقاء، أو لأب، أو لأم، ذكورا أو إناثا، وارثين، أو محجوبين بالأب، أو الجد. لكن قد يقال: ليس ظاهر قوله: فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ شاملا لغير الوارثين، بدليل عدم تناولها للمحجوب بالوصف. فعلى هذا، لا يحجبها عن الثلث من الإخوة، إلا الإخوة الوارثون. و يؤيده أن الحكمة في حجبهم لها عن الثلث، لأجل أن يتوفر لهم شي‏ء من المال، و هو معدوم. و اللّه أعلم. و لكن يشرط كونهم اثنين فأكثر. و يشكل على ذلك، إتيان لفظ «الإخوة» بلفظ الجمع. و أجيب عن ذلك، بأن المقصود، مجرد التعدد لا الجمع، و يصدق ذلك باثنين. و قد يطلق الجمع، و يراد به الاثنان كما في قوله تعالى عن داود و سليمان: وَ كُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ‏ و قال في الإخوة للأم: وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ

تيسير الكريم الرحمن، ص: 175

مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ‏ . فأطلق لفظ الجمع، و المراد به، اثنان فأكثر، بالإجماع. فعلى هذا، لو خلف أما و أبا و إخوة، كان للأم السدس، و الباقي للأب، فحجبوها عن الثلث، مع حجب الأب إياهم، إلا على الاحتمال الآخر، فإن للأم الثلث، و الباقي للأب. ثم قال تعالى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ‏ أي: هذه الفروض و الأنصباء، و المواريث، إنما ترد و تستحق، بعد نزع الديون التي على الميت للّه، أو للآدميين، و بعد الوصايا، التي قد أوصى الميت بها قبل‏ «1» موته، فالباقي عن ذلك، هو التركة، التي يستحقها الورثة. و قدم الوصية- مع أنها مؤخرة عن الدين- للاهتمام بشأنها، لكون إخراجها، شاقا على الورثة، و إلا، فالديون مقدمة عليها، و تكون من رأس المال. و أما الوصية فإنها تصح من الثلث فأقل، للأجنبي الذي هو غير وارث. و أما غير ذلك، فلا ينفذ، إلا بإجازة الورثة، قال تعالى: آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً .

فلو رد تقدير الإرث إلى عقولكم و اختياركم، لحصل من الضرر، ما اللّه به عليم، لنقص العقول، و عدم معرفتها بما هو اللائق و الأحسن، في كل زمان و مكان. فلا يدرون أي الأولاد، أو الوالدين، أنفع لهم و أقرب، لحصول مقاصدهم الدينية و الدنيوية. فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً أي: فرضها اللّه الذي قد أحاط بكل شي‏ء علما، و أحكم ما شرعه، و قدّر ما قدّره، على أحسن تقدير، لا تستطيع العقول أن تقترح مثل أحكامه الصالحة الموافقة، لكل زمان، و مكان، و حال.

[حكم الزوج و الزوجات في الميراث‏] «2»

[12] ثم قال تعالى: وَ لَكُمْ‏ أيها الأزواج‏ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَ لَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ‏ . و يدخل في مسمى الولد، المشروط وجوده أو عدمه، ولد الصلب أو ولد الابن الذكر و الأنثى، الواحد و المتعدد، الذي من الزوج، أو من غيره، و يخرج عنه، ولد البنات إجماعا.

[بيان معنى «الكلالة» و نصيبها في الميراث‏] «3»

ثم قال تعالى: وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ‏ أي: من أم، كما هي في بعض القراءات. و أجمع العلماء على أن المراد بالإخوة- هنا- الإخوة للأم. فإذا كان يورث كلالة أي: ليس للميت والد و لا ولد، أي: لا أب، و لا جد، و لا ابن، و لا ابن ابن، و لا بنت، و لا بنت ابن و إن نزلوا. و هذه هي: الكلالة، كما فسرها بذلك أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه، و قد حصل على ذلك الاتفاق، و للّه الحمد. فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا أي:

من الأخ و الأخت‏ السُّدُسُ‏ . فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ‏ أي: من واحد فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ‏ أي: لا يزيدون على الثلث، و لو زادوا على اثنين. و دل قوله: فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ‏ أن ذكرهم و أنثاهم سواء، لأن لفظ «الشريك» يقتضي التسوية. و دل لفظ: الْكَلالَةِ على أن الفروع و إن نزلوا، و الأصول الذكور و إن علوا، يسقطون أولاد الأم، لأن اللّه لم يورثهم إلا في الكلالة، فلو لم يكن يورث كلالة، لم يرثوا منه شيئا، اتفاقا. و دل‏

(1) في المطبوعة: (بعد).

(2) سقط هذا العنوان من المطبوعة.

(3) سقط من المطبوعة التي بين أيدينا، و هو موافق للسياق.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 176

قوله: فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ‏ أن الإخوة الأشقاء، يسقطون في المسألة المسماة بالحمارية. و هي: زوج، و أم، و إخوة لأم، و إخوة أشقاء. فللزوج النصف. و للأم السدس. و للإخوة للأم الثلث. و يسقط الأشقاء، لأن اللّه أضاف الثلث للإخوة من الأم. فلو شاركهم الأشقاء، لكان جمعا لما فرّق اللّه حكمه. و أيضا، فإن الإخوة للأم، أصحاب فروض، و الأشقاء عصبات. و قد قال النبي صلى اللّه عليه و سلم: «ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي، فلأولى رجل ذكر».

و أهل الفروض هم: الذين قدّر اللّه أنصباءهم. ففي هذه المسألة، لا يبقى بعدهم شي‏ء، فيسقط الأشقاء، و هذا هو الصواب في ذلك. و أما ميراث الإخوة و الأخوات الأشقاء، أو لأب، فمذكور في قوله: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ الآية. فالأخت الواحدة، شقيقة، أو لأب، لها النصف. و الثنتان، لهما الثلثان. و الشقيقة الواحدة مع الأخت للأب، أو الأخوات، تأخذ النصف و الباقي من الثلثين، للأخت، أو الأخوات لأب، و هو السدس، تكملة الثلثين. و إذا استغرقت الشقيقات الثلثين، تسقط الأخوات للأب، كما تقدم في البنات، و بنات الابن. و إن كان الإخوة، رجالا و نساء، فللذكر مثل حظ الأنثيين.

حكم القاتل و اختلاف دين الميت و أقربائه‏

فإن قيل: فهل يستفاد حكم ميراث القاتل، و الرقيق، و المخالف في الدين، و المبعض و الخنثى، و الجد مع الإخوة لغير أم، و العول، و الرد و ذوي الأرحام، و بقية العصبة، و الأخوات لغير أم، مع البنات، أو بنات الابن، من القرآن أم لا؟ قيل: نعم، فيه تنبيهات و إشارات دقيقة، يعسر فهمها على غير المتأمل، تدل على جميع المذكورات.

فأما (القاتل و المخالف في الدين) فيعرف أنهما غير وارثين من بيان الحكمة الإلهية، في توزيع المال على الورثة، بحسب قربهم، و نفعهم الديني و الدنيوي. و قد أشار تعالى إلى هذه الحكمة بقوله: لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً .

و قد علم أن القاتل، قد سعى لمورثه بأعظم الضرر، فلا ينتهض ما فيه، من موجب الإرث، أن يقاوم ضرر القتل، الذي هو ضد النفع الذي رتب عليه الإرث. فعلم من ذلك، أن القتل أكبر مانع يمنع من الميراث، و يقطع الرحم الذي قال اللّه فيه: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ* . مع أنه قد استقرت القاعدة الشرعية، أن «من استعجل شيئا قبل أوانه، عوقب بحرمانه». و بهذا نحوه، يعرف أن المخالف لدين الموروث لا إرث له. و ذلك أنه قد تعارض الموجب، الذي هو: اتصال النسب، الموجب للإرث، و المانع الذي هو المخالفة في الدين، الموجبة للمباينة من كل وجه. فقوي المانع، و منع موجب الإرث، الذي هو النسب. فلم يعمل الموجب لقيام المانع. يوضح ذلك أن اللّه تعالى قد جعل حقوق المسلمين، أولى من حقوق الأقارب الكفار الدنيوية. فإذا مات المسلم، انتقل ماله إلى من هو أولى و أحق به. فيكون قوله تعالى: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ* إذا اتفقت أديانهم. و أما مع تباينهم، فالأخوة الدينية، مقدمة على الأخوة النسبية المجردة. قال ابن القيم في «جلاء الأفهام»: «و تأمل هذا المعنى من آية المواريث، و تعليقه سبحانه التوارث فيها بلفظ الزوجة، دون المرأة كما في قوله تعالى: وَ لَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ‏ . ففيه إيذان بأن التوارث، إنما وقع بالزوجية، المقتضية للتشاكل و التناسب. و المؤمن و الكافر، لا تشاكل بينهما، و لا تناسب، فلا يقع بينهما التوارث. و أسرار مفردات القرآن و مركباته، فوق عقول العاقلين» انتهى.

حكم الرقيق في الميراث‏

و أما (الرقيق)، فإنه لا يرث و لا يورّث. أما كونه لا يورث فواضح، لأنه ليس له مال يورث عنه، بل كل ما معه، فهو لسيده. و أما كونه لا يرث، فلأنه لا يملك، فإنه لو ملك، لكان لسيده، و هو أجنبي من الميت، فيكون مثل قوله تعالى: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ‏ . وَ لَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ‏ . فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 177

و نحوها، لمن يتأتى منه التملك. و أما الرقيق، فلا يتأتى منه ذلك، فعلم أنه لا ميراث له. و أما من بعضه حر، و بعضه رقيق، فإنه تتبعض أحكامه. فما فيه من الحرية، يستحق بها ما رتبه اللّه في المواريث، لكون ما فيه من الحرية، قابلا للتملك، و ما فيه من الرق، فليس بقابل لذلك. فإذا يكون المبعض، يرث و يورث، و يحجب بقدر ما فيه من الحرية. و إذا كان العبد يكون محمودا و مذموما، مثابا و معاقبا، بقدر ما فيه من موجبات ذلك، فهذا كذلك.

حكم الخنثى و المشكل في الميراث‏

و أما (الخنثى) فلا يخلو، إما أن يكون واضحا ذكوريته أو أنوثيته، أو مشكلا. فإن كان واضحا، فالأمر فيه واضح. إن كان ذكرا، فله حكم الذكور، و يشمله النص الوارد فيهم. و إن كانت أنثى، فلها حكم الإناث، و يشملها النص الوارد فيهن. و إن كان مشكلا، فإن كان الذكر و الأنثى لا يختلف إرثهما- كالإخوة للأم- فالأمر فيه واضح. و إن كان يختلف إرثه، بتقدير ذكوريته، و بتقدير أنوثيته، و لم يبق لنا طريق إلى العلم بذلك، لم نعطه أكثر التقديرين، لاحتمال ظلم من معه من الورثة، و لم نعطه الأقل، لاحتمال ظلمنا إياه. فوجب التوسط بين الأمرين، و سلوك أعدل الطريقين، قال تعالى: اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى‏ . فليس لنا طريق إلى العدل في مثل هذا، أكثر من هذا الطريق المذكور. لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏ .

ميراث الجد

و أما (ميراث الجد) مع الإخوة الأشقاء، أو لأب، و هل يرثون معه أم لا؟ فقد دلّ كتاب اللّه، على قول أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه، أن الجد يحجب الإخوة، أشقاء، أو لأب، أو لأم، كما يحجبهم الأب. و بيان ذلك: أن الجد: أب في غير موضع من القرآن كقوله تعالى: إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَ إِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ‏ الآية. و قال يوسف عليه السلام: وَ اتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ‏ . فسمى اللّه الجد، وجد الأب، أبا. فدل ذلك، على أن الجد، بمنزلة الأب، يرث ما يرثه الأب، و يحجب من يحجبه (أي: عند عدمه). و إذا كان العلماء، قد أجمعوا على أن الجد، حكمه حكم الأب عند عدمه في ميراثه مع الأولاد و غيرهم، من بين الإخوة و الأعمام و بينهم، و سائر أحكام المواريث- فينبغي أيضا، أن يكون حكمه حكمه، في حجب الإخوة لغير أم. و إذا كان ابن الابن بمنزلة ابن الصلب، فلم لا يكون الجد بمنزلة الأب؟

و إذا كان جد الأب، مع ابن الأخ، قد اتفق العلماء على أنه يحجبه. فلم لا يحجب جد الميت أخاه؟ فليس مع من يورث الإخوة مع الجد، نص و لا إشارة، و لا تنبيه، و لا قياس صحيح.

العول و أحكامه‏

و أما مسائل (العول) فإنه يستفاد حكمها من القرآن. و ذلك أن اللّه تعالى، قد فرض، و قدّر لأهل المواريث أنصباء. و هم بين حالتين: إما أن يحجب بعضهم بعضا، أو لا. فإن حجب بعضهم بعضا، فالمحجوب ساقط، لا يزاحم، و لا يستحق شيئا و إن لم يحجب بعضهم بعضا، فلا يخلو. إما أن لا تستغرق الفروض التركة، أو تستغرقها من غير زيادة و لا نقص أو تزيد الفروض على التركة. ففي الحالتين الأوليين، كل يأخذ فرضه كاملا. و في الحالة الأخيرة و هي- ما إذا زادت الفروض على التركة- فلا يخلوا من حالين: إما أن ننقص بعض الورثة عن فرضه الذي فرضه اللّه له، و نكمل للباقين منهم فروضهم، و هذا ترجيح بغير مرجح، و ليس نقصان أحدهم بأولى من الآخر. فتعينت الحال الثانية، و هو: أننا نعطي كل واحد منهم نصيبه، بقدر الإمكان، و نحاصص بينهم، كديون الغرماء الزائدة على مال الغريم و لا طريق موصل إلى ذلك إلا بالعول. فعلم من هذا، أن العول في الفرائض، قد بينه اللّه في كتابه.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 178

بيان أحكام الرد على أصحاب الفرائض‏

و بعكس هذه الطريقة بعينها، يعلم (الرد). فإن أهل الفروض- إذا لم تستغرق فروضهم التركة، و بقي شي‏ء ليس له مستحق، من عاصب قريب و لا بعيد، فإن رده على أحدهم، ترجيح بغير مرجح، و إعطاؤه غيرهم، ممن ليس بقريب للميت، جنف و ميل، و معارضة لقوله: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ* . فتعين أن يرد على أهل الفروض، بقدر فروضهم.

حكم الرد على الزوجين في الميراث: و ما كان الزوجان، ليسا من القرابة، لم يستحقا الزيادة على فرضهم المقدر عند القائلين، بعدم الرد عليهما. و أما على القول الصحيح أن حكم الزوجين، حكم باقي الورثة في الرد، فالدليل المذكور، شامل للجميع، كما شملهم دليل العول.

حكم ذوي الأرحام في الميراث: و بهذا يعلم أيضا ميراث ذوي الأرحام. فإن الميت إذا لم يخلف صاحب فرض، و لا عاصبا، و بقي الأمر دائرا بين كون ماله يكون لبيت المال، لمنافع الأجانب، و بين كون ماله يرجع إلى أقربائه المدلين بالورثة، المجمع عليهم، تعين الثاني. و يدل على ذلك قوله تعالى: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ* . فصرفه لغيرهم، ترك لمن هو أولى من غيره، فتعين توريث ذوي الأرحام. و إذا تعين توريثهم، فقد علم أنه ليس لهم نصيب مقدّر بأعيانهم في كتاب اللّه. و أن بينهم و بين الميت و سائط، صاروا- بسببها- من الأقارب.

فينزلون منزلة من أدلوا به من تلك الوسائط. و اللّه أعلم.

بيان من هم عصبة الميت و حكمهم في الميراث: و أما (ميراث بقية العصبة) كالبنوة و الإخوة و بنيهم و الأعمام و بنيهم إلخ فإن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال: «ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر». و قال تعالى: وَ لِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ‏ . فإذا الحقنا الفروض بأهلها، و لم يبق شي‏ء، لم يستحق العاصب شيئا. و إن بقي شي‏ء، أخذه أولي العصبة، بحسب جهاتهم، و درجاتهم.

جهات العصبة: فإن جهات العصوبة خمس: البنوة، ثم الأبوة، ثم الأخوة و بنوهم، ثم العمومة و بنوهم، ثم الولاء، و يقدّم منهم الأقرب جهة. فإن كانوا في جهة واحدة، فالأقرب منزلة. فإن كانوا بمنزلة واحدة، فالأقوى، و هو الشقيق. فإن تساووا من كل وجه، اشتركوا. و اللّه أعلم. و أما كون الأخوات لغير أم، مع البنات، أو بنات الابن عصبات، يأخذن ما فضل عن فروضهن، فلأنه ليس في القرآن، ما يدل على أن الأخوات يسقطن بالبنات.

فإذا كان الأمر كذلك، و بقي شي‏ء بعد أخذ البنات فرضهن، فإنه يعطى للأخوات، و لا يعدل عنهن إلى عصبة أبعد منهن، كابن الأخ و العم، و من هو أبعد منهم. و اللّه أعلم.

[13] أي: تلك التفاصيل التي ذكرها في المواريث، حدود اللّه، التي يجب الوقوف معها، و عدم مجاوزتها، و لا القصور عنها. و في ذلك دليل، على أن الوصية للوارث منسوخة، بتقديره تعالى أنصباء الوارثين. ثم قوله تعالى:

تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها فالوصية للوارث، بزيادة على حقه، يدخل في هذا التعدي، مع قوله صلى اللّه عليه و سلم: «لا وصية لوارث». ثم ذكر طاعة اللّه و رسوله، و معصيتهما، عموما، ليدخل في العموم، لزوم حدوده في الفرائض، أو ترك ذلك فقال: وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ‏ بامتثال أمرهما، الذي أعظمه، طاعتهما في التوحيد، ثم الأوامر على اختلاف درجاتها، و اجتناب نهيهما، الذي أعظمه الشرك باللّه، ثم المعاصي على اختلاف طبقاتها يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها . فمن أدى الأوامر، و اجتنب النواهي، فلا بد له من دخول الجنة، و النجاة من النار. وَ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ‏ الذي حصل به النجاة، من سخطه و عذابه، و الفوز بثوابه و رضوانه، بالنعيم المقيم، الذي لا يصفه الواصفون.

[14] وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ‏ . إلخ و يدخل في اسم المعصية، الكفر فما دونه من المعاصي. فلا يكون فيها

تيسير الكريم الرحمن، ص: 179

شبهة للخوارج، القائلين بكفر أهل المعاصي. فإن اللّه تعالى رتب دخول الجنة، على طاعته، و طاعة رسوله. و رتب دخول النار، على معصيته و معصية رسوله. فمن أطاعه طاعة تامة، دخل الجنة بلا عذاب. و من عصى اللّه و رسوله، معصية تامة، يدخل فيها الشرك، فما دونه، دخل النار و خلّد فيها. و من اجتمع فيه معصية و طاعة، كان فيه من موجب الثواب و العقاب بحسب ما فيه من الطاعة و المعصية. و قد دلت النصوص المتواترة، على أن الموحدين، الذين معهم طاعة التوحيد، غير مخلدين في النار. فما معهم من التوحيد، مانع لهم من الخلود فيها.

[15] أي: النساء وَ اللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ أي:

الزنا. فوصفها بالفاحشة، لشناعتها و قبحها. فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ‏ أي: من رجالكم المؤمنين العدول.

فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ‏ احبسوهن عن الخروج الموجب للريبة. و أيضا، فإن الحبس، من جملة العقوبات.

حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ‏ أي: هذا منتهى الحبس. أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا أي: طريقا غير الحبس في البيوت. فهذه الآية ليست منسوخة، فإنما هي مغياة إلى ذلك الوقت.

فكان الأمر في أول الإسلام كذلك، حتى جعل اللّه لهن سبيلا، و هو رجم المحصن و المحصنة و جلد غير المحصن و المحصنة.

[16] وَ كذلك‏ الَّذانِ يَأْتِيانِها أي: الفاحشة مِنْكُمْ‏ من الرجال و النساء فَآذُوهُما بالقول و التوبيخ و التعيير، و الضرب الرادع عن هذه الفاحشة. فعلى هذا كان الرجال إذا فعلوا الفاحشة يؤذون، و النساء يحبسن و يؤذين. فالحبس غايته للموت، و الأذية نهايتها إلى التوبة و الإصلاح. و لهذا قال: فَإِنْ تابا أي: رجعا عن الذنب الذي فعلاه، و ندما عليه، و عزما أن لا يعودا وَ أَصْلَحا العمل الدال على صدق التوبة فَأَعْرِضُوا عَنْهُما أي: عن أذاهما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً أي: كثير التوبة على المذنبين الخطائين، عظيم الرحمة و الإحسان، الذي- من إحسانه- وفقهم للتوبة، و قبلها منهم، و سامحهم على ما صدر منهم. و يؤخذ من هاتين الآيتين، أن بينة الزنا، أن تكون أربعة رجال مؤمنين. و من باب أولى و أحرى، اشتراط عدالتهم. لأن اللّه تعالى، شدد في أمر هذه الفاحشة، سترا لعباده. حتى إنه، لا يقبل فيها النساء منفردات، و لا مع الرجال، و لا مع دون أربعة. و لا بد من التصريح بالشهادة، كما دلت على ذلك، الأحاديث الصحيحة و تومى‏ء إليه هذه الآية لما قال:

فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ‏ . لم يكتف بذلك حتى قال: فَإِنْ شَهِدُوا أي: لا بد من شهادة صريحة عن أمر يشاهد عيانا، من غير تعريض، و لا كناية. و يؤخذ منهما، أن الأذية بالقول و الفعل، و الحبس، قد شرعه اللّه، تعزيرا لجنس المعصية، الذي يحصل به الزجر.

[17] توبة اللّه على عباده نوعان: توفيق منه للتوبة، و قبول لها، بعد وجودها من العبد. فأخبر هنا- أن التوبة المستحقة على اللّه، حق أحقه على نفسه، كرما منه وجودا، لمن عمل السوء أي: المعاصي‏ بِجَهالَةٍ أي: جهالة منه لعاقبتها، و إيجابها لسخط اللّه و عقابه، و جهل منه، لنظر اللّه و مراقبته له، و جهل منه، بما تؤول إليه من نقص الإيمان‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 180

أو إعدامه. فكل عاص للّه، فهو جاهل بهذا الاعتبار، و إن كان عالما بالتحريم. بل العلم بالتحريم، شرط لكونها معصية، معاقبا عليها. ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ‏ يحتمل أن يكون المعنى: ثم يتوبون قبل معاينة الموت. فإن اللّه يقبل توبة العبد، إذا تاب قبل معاينة الموت و العذاب، قطعا. و أما بعد حضور الموت، فلا يقبل من العاصين توبتهم، و لا من الكفار رجوع، كما قال تعالى عن فرعون: حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ‏ الآية. و قال تعالى: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ‏ .

[18] و قال هنا: وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ‏ أي: المعاصي فيما دون الكفر. حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَ لَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَ هُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً . و ذلك، أن التوبة في هذه الحال توبة اضطرار، لا تنفع صاحبها. إنما تنفع توبة الاختيار. و يحتمل أن يكون معنى قوله: مِنْ قَرِيبٍ‏ أي: قريب من فعلهم الذنب، الموجب للتوبة. فيكون المعنى: من بادر إلى الإقلاع من حين صدور الذنب، و أناب إلى اللّه، و ندم عليه فإن اللّه يتوب عليه. بخلاف من استمر على ذنبه، و أصر على عيوبه، حتى صارت فيه صفات راسخة، فإنه يعسر عليه إيجاد التوبة التامة. و الغالب أنه لا يوفق للتوبة، و لا ييسر لأسبابها. كالذي يعمل السوء على علم قائم و يقين، متهاون بنظر اللّه إليه، فإنه يسد على نفسه باب الرحمة. نعم قد يوفق اللّه عبده المصر على الذنوب، على عمد و يقين، للتوبة النافعة، التي يمحو بها ما سلف من سيئاته، و ما تقدم من جناياته و لكن الرحمة و التوفيق للأول، أقرب. و لهذا ختم الآية الأولى بقوله:

وَ كانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً . فمن علمه أنه يعلم صادق التوبة و كاذبها، فيجازي كلا منهما، بحسب ما استحق بحكمته. و من حكمته، أن يوفق من اقتضت حكمته و رحمته، توفيقه للتوبة. و يخذل من اقتضت حكمته و عدله، عدم توفيقه. و اللّه أعلم.

صفحه بعد