کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1034

* أَ تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَ أَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ‏ (44). و قال شعيب عليه السلام: وَ ما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى‏ ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ‏ .

[4] هذا حث من اللّه لعباده على الجهاد في سبيله صفا متراصا متساويا، من غير خلل يحصل في الصفوف، و تكون صفوفهم على نظام و ترتيب، به تحصل المساواة بين المجاهدين و التعاضد و إرهاب العدو، و تنشيط بعضهم بعضا. و لهذا كان النبي صلّى اللّه عليه و سلّم إذا حضر القتال، صف أصحابه، و رتبهم في مواقفهم، بحيث لا يحصل اتكال بعضهم على بعض، بل تكون كلّ طائفة منهم مهتمة بمركزها، و قائمة بوظيفتها، و بهذه الطريقة تتم الأعمال، و يحصل الكمال.

[5] أي: وَ إِذْ قالَ مُوسى‏ لِقَوْمِهِ‏ موبخا لهم على صنيعهم، و مقرعا لهم على أذيته، و هم يعلمون أنه رسول اللّه: لِمَ تُؤْذُونَنِي‏ بالأقوال و الأفعال‏ وَ قَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ‏ . و الرسول من حقه الإكرام و الإعظام، و القيام بأوامره، و الابتدار لحكمه. و أما أذية الرسول الذي إحسانه إلى الخلق، فوق كلّ إحسان، بعد إحسان اللّه، ففي غاية الوقاحة و الجراءة، و الزيغ عن الصراط المستقيم، الذي قد علموه و تركوه، و لهذا قال: فَلَمَّا زاغُوا ، أي: انصرفوا عن الحقّ بقصدهم‏ أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ‏ عقوبة لهم على زيغهم، الذي اختاروه لأنفسهم، و رضوه لها، و لم يوفقهم اللّه للهدى، لأنهم لا يليق بهم الخير، و لا يصلحون إلّا للشر. وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ‏ ، أي: الّذين لم يزل الفسق وصفا لهم، ليس لهم قصد في الهدى. و هذه الآية الكريمة، تفيد أن إضلال اللّه لعبيده، ليس ظلما منه، و لا حجة لهم عليه، و إنّما ذلك بسبب منهم، فإنهم الّذين أغلقوا على أنفسهم باب الهدى بعد ما عرفوه، فيجازيهم بعد ذلك بالإضلال و الزيغ و تقليب القلوب، عقوبة لهم و عدلا منه بهم، كما قال تعالى: وَ نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَ أَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ نَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ‏ (110).

[6] يقول تعالى مخبرا عن عناد بني إسرائيل المتقدمين، الذي دعاهم عيسى ابن مريم، و قال لهم: يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ‏ ، أي: أرسلني اللّه لأدعوكم إلى الخير، و أنهاكم عن الشر، و أيدني بالبراهين الظاهرة، و مما يدل على صدقي، كوني‏ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ ، أي: جئت بما جاء به موسى من التوراة، و الشرائع السماوية.

و لو كنت مدعيا للنبوة، غير صادق في دعواي، لجئت بغير ما جاء به المرسلون، و مصدقا لما بين يديّ من التوراة أيضا، أنها أخبرت بي و بشرت، فجئت و بعثت مصدقا لها وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ، و هو: محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب الهاشمي. فعيسى عليه الصلاة و السلام كسائر الأنبياء، يصدق بالنبي السابق، و يبشر بالنبي اللاحق، بخلاف الكذابين، فإنهم يناقضون الأنبياء أشد مناقضة، و يخالفونهم في الأوصاف و الأخلاق، و الأمر و النهي. فَلَمَّا جاءَهُمْ‏ محمد صلّى اللّه عليه و سلّم الذي بشر به عيسى‏ بِالْبَيِّناتِ‏ ، أي: الأدلة الواضحة، الدالة على أنه هو، و أنه رسول اللّه حقا. قالُوا معاندين للحق مكذبين له: هذا سِحْرٌ مُبِينٌ‏ ، و هذا من أعجب العجائب. الرسول الذي قد وضحت رسالته، و صارت أبين من شمس النهار، يجعل ساحرا بيّنا سحره، فهل في الخذلان أعظم من هذا؟

و هل في الافتراء أبلغ من هذا الافتراء، الذي نفى عنه ما كان معلوما من رسالته و أثبت له ما كان أبعد الناس عنه؟

[7] وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى‏ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ‏ بهذا أو غيره، و الحال أنه لا عذر له، و قد انقطعت حجته، لأنه‏ يُدْعى‏ إِلَى الْإِسْلامِ‏ ، و تبين له براهينه و بيناته. وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ‏ الّذين لا يزالون على ظلمهم مستقيمين، لا تردهم عنه موعظة، و لا يزجرهم بيان و لا برهان. خصوصا هؤلاء الظلمة القائمين بمقابلة الحقّ ليردوه، و لينصروا الباطل، و لهذا قال عنهم:

[8] يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ‏ ، أي: بما يصدر منهم من المقالات الفاسدة، الّتي يردّون بها الحقّ، و هي لا حقيقة لها، بل تزيد البصير معرفة بما هم عليه من الباطل. وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ‏ ، أي: قد تكفل اللّه بنصر دينه، و إتمام الحقّ، الذي أرسل به رسله، و إظهار نوره في سائر الأقطار، و لو

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1035

كره الكافرون، و بذلوا بسبب- كراهته- كل ما قدروا عليه، مما يتوصلون به إلى إطفاء نور اللّه، فإنهم مغلوبون. و مثلهم كمثل من ينفخ عين الشمس بفيه ليطفئها، فلا على مرادهم حصلوا، و لا سلمت عقولهم من النقص و القدح فيها.

[9] ثمّ ذكر سبب الظهور و الانتصار للدين الإسلامي، الحسي و المعنوي فقال، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى‏ ، أي:

بالعلم النافع، و العمل الصالح. بالعلم: الذي يهدي إلى اللّه، و إلى دار كرامته، و يهدي لأحسن الأعمال و الأخلاق، و يهدي إلى مصالح الدنيا و الآخرة. وَ دِينِ الْحَقِ‏ ، أي:

الدين الذي يدان به، و يتعبد لرب العالمين الذي هو حق و صدق، لا نقص فيه، و لا خلل يعتريه، بل أوامره غذاء القلوب و الأرواح، و راحة الأبدان. و ترك نواهيه سلامة من الشر و الفساد، فما بعث به النبي صلّى اللّه عليه و سلّم من الهدى و دين الحقّ، أكبر دليل و برهان على صدقه، و هو برهان باق، ما بقي الدهر، كلما ازداد العاقل تفكرا، ازداد به فرحا و تبصرا.

لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ‏ ، أي: ليعليه على سائر الأديان، بالحجة و البرهان، و يظهر أهله القائمين به، بالسيف و السنان. فأما نفس الدين، فهذا الوصف، ملازم له في كل وقت، فلا يمكن أن يغالبه مغالب، أو يخاصمه مخاصم إلّا فلجه، و صار له الظهور و القهر، و أما المنتسبون إليه، فإنهم إذا قاموا به، و استناروا بنوره، و اهتدوا بهديه، في مصالح دينهم و دنياهم، فكذلك لا يقوم لهم أحد، و لا بد أن يظهروا على أهل الأديان. و إذا ضيعوه و اكتفوا منه بمجرد الانتساب إليه، لم ينفعهم ذلك، و صار إهمالهم له، سبب تسليط الأعداء عليهم. و يعرف هذا، من استقرأ الأحوال و النظر، في أول المسلمين و آخرهم.

[10] هذه وصية و دلالة و إرشاد من أرحم الراحمين لعباده المؤمنين، لأعظم تجارة، و أجلّ مطلوب، و أعلى مرغوب، يحصل بها النجاة من العذاب الأليم، و الفوز بالنعيم المقيم.

[11] و أتى بأداة العرض، الدالة على أن هذا أمر يرغب فيه كلّ معتبر، و يسمو إليه كلّ لبيب، فكأنه قيل: ما هذه التجارة الّتي هذا قدرها؟ فقال: تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ‏ . و من المعلوم أن الإيمان التام هو التصديق الجازم بما أمر اللّه بالتصديق به، المستلزم لأعمال الجوارح، الّتي من أجلّها الجهاد في سبيله، فلهذا قال: وَ تُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ‏ ، بأن تبذلون نفوسكم و مهجكم، لمصادمة أعداء الإسلام، و القصد: دين اللّه، و إعلاء كلمته. و تنفقون ما تيسر من أموالكم في ذلك المطلوب، فإن ذلك، و إن كان كريها للنفوس، شاقا عليها، فإنه‏ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏ ، فإن فيه الخير الدنيوي، من النصر على الأعداء، و العز المنافي للذل و الرزق الواسع، و سعة الصدر، و انشراحه. و الخير الأخروي، بالفوز بثواب اللّه، و النجاة من عقابه، و لهذا ذكر الجزاء في الآخرة، فقال:

[12] يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ‏ و هو شامل للصغائر و الكبائر فإن الإيمان باللّه، و الجهاد في سبيله، مكفر للذنوب، و لو كانت كبائر. وَ يُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أي: من تحت مساكنها و قصورها، و غرفها، و أشجارها، أنهار من ماء غير آسن، و أنهار من لبن لم يتغير طعمه، و أنهار من خمر لذة للشاربين، و أنهار من عسل مصفى و لهم فيها من كلّ الثمرات. وَ مَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ‏ ، أي: جمعت كلّ طيب، من علو، و ارتفاع، و حسن بناء

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1036

و زخرفة. حتى إن أهل الغرف من أهل عليين، يتراءاهم أهل الجنة، كما يتراءى الكوكب الدري في الأفق الشرقي، أو الغربي. و حتى إن بناء الجنة بعضه من لبن ذهب، و بعضه من لبن فضة، و خيامها من اللؤلؤ و المرجان، و بعض المنازل من الزمرد، و الجواهر الملونة بأحسن الألوان، حتى إنها من صفائها يرى ظاهرها من باطنها، و باطنها من ظاهرها، و فيها من الطيب و الحسن ما لا يأتي عليه وصف الواصفين، و لا خطر على قلب أحد من العالمين، لا يمكن أن يدركوه حتى يروه، و يتمتعوا بحسنه و تقرّ به أعينهم. ففي تلك الحالة، لولا أن اللّه خلق أهل الجنة، و أنشأهم نشأة كاملة، لا تقبل العدم، لأوشك أن يموتوا من الفرح، فسبحان من لا يحصي أحد من خلقه، ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه، و فوق ما يثني عليه أحد من خلقه. و تبارك الجليل الجميل، الذي أنشأ دار النعيم، و جعل فيها من الجلال و الجمال ما يبهر عقول الخلق، و يأخذ بأفئدتهم. و تعالى من له الحكمة التامة، الذي من جملتها، أنه لو رأى العباد الجنة، و نظروا إلى ما فيها من النعيم لما تخلف عنها أحد، و لما هنأهم العيش في هذه الدار المنغصة المشوب نعيمها بألمها، و فرحها بترحها.

و سميت جنة عدن، لأن أهلها مقيمون فيها، لا يخرجون منها أبدا، و لا يبغون عنها حولا، ذلك الثواب الجزيل، و الأجر الجميل، هو الفوز العظيم، الذي لا فوز مثله، فهذا الثواب الأخروي.

[13] و أما الثواب الدنيوي لهذه التجارة، فذكره بقوله: وَ أُخْرى‏ تُحِبُّونَها ، أي: يحصل لكم خصلة أخرى تحبونها، و هي: نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ‏ لكم على الأعداء، يحصل به العز و الفرح. وَ فَتْحٌ قَرِيبٌ‏ تتسع به دائرة الإسلام، و يحصل به الرزق الواسع، فهذا جزاء المؤمنين المجاهدين. و أما المؤمنون من غير أهل الجهاد، إذا قام غيرهم بالجهاد، فلم يؤيسهم اللّه تعالى من فضله و إحسانه، بل قال: وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ‏ ، أي: بالثواب العاجل و الآجل كلّ على حسب إيمانه، و إن كانوا لا يبلغون مبلغ المجاهدين في سبيل اللّه، كما قال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم: «من رضي باللّه ربا، و بالإسلام دينا، و بمحمد رسولا، وجبت له الجنة». فعجب لها أبو سعيد الخدري، راوي الحديث، فقال: أعدها عليّ يا رسول اللّه، فأعادها عليه. ثمّ قال: «و أخرى يرفع بها العبد مائة درجة في الجنة، ما بين كلّ درجتين كما بين السماء و الأرض»، فقال: و ما هي يا رسول اللّه؟ قال: «الجهاد في سبيل اللّه» رواه مسلم.

[14] ثمّ قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ‏ ، أي: بالأقوال و الأفعال، و ذلك بالقيام بدين اللّه، و الحرص على تنفيذه على الغير، و جهاد من عانده و نابذه، بالأبدان و الأموال، و جهاد من نصر الباطل بما يزعمه من العلم ورد الحقّ، بدحض حجته، و إقامة الحجة عليه، و التحذير منه. و من نصر دين اللّه، تعلّم كتاب اللّه و سنة رسوله، و الحث على ذلك، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. ثمّ هيج اللّه المؤمنين بالاقتداء بمن قبلهم من الصالحين بقوله: كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ‏ ، أي: قال لهم منبها: من يعاونني، و يقوم معي في نصر دين اللّه، و يدخل مدخلي، و يخرج مخرجي؟ فابتدر الحواريون فقالوا: نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ‏ فمضى عيسى عليه السّلام، على نصر دين اللّه، هو و من معه من الحواريين. فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ‏ بسبب دعوة عيسى‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1037

و الحواريين. وَ كَفَرَتْ طائِفَةٌ منهم، فلم ينقادوا لدعوتهم، فجاهد المؤمنون الكافرين. فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى‏ عَدُوِّهِمْ‏ ، أي: قويناهم، و نصرناهم عليهم. فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ‏ عليهم قاهرين لهم. فأنتم يا أمة محمد، كونوا أنصار اللّه و دعاة دينه، ينصركم اللّه كما نصر من قبلكم و يظهركم على عدوكم. تم تفسير سورة الصف- و الحمد للّه رب العالمين.

سورة الجمعة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ‏ أي: يسبح للّه، و ينقاد لأمره، و يتألهه، و يعبده، جميع ما في السماوات و الأرض، لأنه الكامل‏ الْمَلِكِ‏ ، الذي له مالك العالم العلوي و السفلي، فالجميع مماليكه و تحت تدبيره. الْقُدُّوسِ‏ المعظم، المنزه عن كلّ آفة و نقص، الْعَزِيزِ القاهر للأشياء كلها. الْحَكِيمِ‏ في خلقه و أمره. فهذه الأوصاف العظيمة، تدعو إلى عبادة اللّه وحده لا شريك له.

[2] هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا المراد بالأميين: الّذين لا كتاب عندهم، و لا أثر رسالة، من العرب و غيرهم ممن ليسوا من أهل الكتاب. فامتن اللّه تعالى عليهم، منة عظيمة، أعظم من منته على غيرهم، لأنهم عادمون للعلم و الخير، و كانوا من قبل في ضلال مبين، يتعبدون للأصنام و الأشجار و الأحجار، و يتخلقون بأخلاق السباع الضارية، يأكل قويهم ضعيفهم، و قد كانوا في غاية الجهل بعلوم الأنبياء. فبعث اللّه فيهم رسولا منهم، يعرفون نسبه، و أوصافه الجميلة و صدقه. و أنزل عليه كتابه‏ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ‏ القاطعة الموجبة للإيمان و اليقين. وَ يُزَكِّيهِمْ‏ بأن يفصل لهم الأخلاق الفاضلة، و يحثهم عليها، و يزجرهم عن الأخلاق الرذيلة. وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ ، أي: علم الكتاب و السنة، المشتمل على علوم الأولين و الآخرين. فكانوا بعد هذا التعليم و التزكية، من أعلم الخلق، بل كانوا أئمة أهل العلم و الدين، و أكمل الخلق أخلاقا، و أحسنهم هديا و سمتا. اهتدوا بأنفسهم، و هدوا غيرهم فصاروا أئمة المهتدين، و قادة المتقين، فللّه تعالى عليهم، ببعثة هذا الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم، أكمل نعمة، و أجلّ منحة.

[3] و قوله: وَ آخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ‏ ، أي: و امتن على آخرين من غيرهم، أي: من غير الأميين، ممن يأتي بعدهم، و من أهل الكتاب، لما يلحقوا بهم، أي: فيمن باشر دعوة الرسول. و يحتمل أنهم لما يلحقوا بهم في الفضل، و يحتمل أن يكونوا لما يلحقوا بهم في الزمان، و على كل، فكلا المعنيين صحيح. فإن الّذين بعث اللّه فيهم رسوله، و شاهدوه، و باشروا دعوته، حصل لهم من الخصائص و الفضائل، ما لا يمكن أحدا أن يلحقهم فيها، و هذا من عزته و حكمته، حيث لم يترك عباده هملا و لا سدى، بل ابتعث فيهم الرسل، و أمرهم و نهاهم، و ذلك من فضله العظيم، الذي يؤتيه من يشاء من عباده، و هو أفضل من نعمته عليهم بعافية البدن و سعة الرزق، و غير ذلك من النعم الدنيوية. فلا أعظم من نعمة الدين الّتي هي مادة الفوز، و السعادة الأبدية.

[5] لما ذكر تعالى منته على هذه الأمة، الّذين بعث فيها النبي الأمي، و ما خصهم اللّه من المزايا و المناقب، الّتي لا

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1038

يلحقهم فيها أحد. و هم الأمة الأمية الّذين فاقوا الأولين و الآخرين، حتى أهل الكتاب، الّذين يزعمون أنهم العلماء الربانيون، و الأحبار المتقدمون، ذكر أن الّذين حملهم اللّه التوراة من اليهود و النصارى، و أمرهم أن يتعلموها، و يعملوا بها فلم يحملوها و لم يقوموا بما حملوا به أنهم لا فضيلة لهم، و أن مثلهم كمثل الحمار الذي يحمل فوق ظهره أسفارا من كتب العلم، فهل يستفيد الحمار من تلك الكتب الّتي فوق ظهره؟ و هل تلحقه فضيلة بسبب ذلك؟ أم حظه منها حملها فقط؟ فهذا مثل علماء أهل الكتاب، الّذين لم يعملوا بما في التوراة، الذي من أجله و أعظمه الأمر باتباع محمد صلّى اللّه عليه و سلّم، و البشارة به، و الإيمان بما جاء به من القرآن، فهل استفاد من هذا وصفه، من التوراة إلّا الخيبة و الخسران، و إقامة الحجة عليه؟ فهذا المثل مطابق لأحوالهم. بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ‏ الدالة على صدق رسولنا و صحة ما جاء به. وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ‏ ، أي: لا يرشدهم إلى مصالحهم، ما دام الظلم لهم وصفا، و العناد لهم نعتا.

[6] و من ظلم اليهود و عنادهم، أنهم يعلمون أنهم على باطل، و يزعمون أنهم على حق، و أنهم أولياء اللّه من دون الناس. و لهذا أمر اللّه رسوله أن يقول لهم: إن كنتم صادقين في زعمكم، أنكم على الحقّ، و أولياء اللّه:

فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ‏ و هذا أمر خفيف، فإنهم لو علموا أنهم على حق لما توقفوا عن هذا التحدي الذي جعله اللّه دليلا على صدقهم إن تمنوه، و كذبهم إن لم يتمنوه.

[7] و لما لم يقع منهم، مع الإعلان لهم بذلك، علم أنهم عالمون ببطلان ما هم عليه و فساده، و لهذا قال: وَ لا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ‏ ، أي: من الذنوب و المعاصي، الّتي يستوحشون من الموت من أجلها. وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ‏ فلا يمكن أن يخفى عليه من ظلمهم شي‏ء.

[8] هذا و إن كانوا لا يتمنون الموت بما قدمت أيديهم، بل يفرون منه غاية الفرار، فإن ذلك لا ينجيهم، بل لا بد أن يلاقيهم الموت الذي قد حتمه اللّه على العباد. ثمّ بعد الموت و استكمال الآجال، يرد الخلق كلهم يوم القيامة، إلى عالم الغيب و الشهادة، فينبئهم بما كانوا يعملون، من خير و شر، قليل و كثير.

[9] يأمر تعالى عباده المؤمنين بالحضور لصلاة الجمعة، و المبادرة إليها من حين ينادى إليها و السعي إليها، و المراد بالسعي هنا: المبادرة و الاهتمام، و جعلها أهم الأشغال: لا البيع الذي قد نهى عنه عند المضي إلى الصلاة. و قوله:

وَ ذَرُوا الْبَيْعَ‏ ، أي: اتركوا البيع، إذا نودي للصلاة و امضوا إليها. فإن‏ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ‏ من اشتغالكم بالبيع، أو تفويتكم لصلاة الفريضة، الّتي هي من آكد الفروض. إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏ ، أي: ما عند اللّه خير و أبقى، و أن من آثر الدنيا على الدين، فقد خسر الخسارة الحقيقية، من حيث يظن أنه يربح، و هذا الأمر بترك البيع، مؤقت مدة الصلاة.

[10] فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ‏ لطلب المكاسب و التجارات، و لما كان الاشتغال بالتجارة، مظنة الغفلة عن ذكر اللّه، أمر اللّه بالإكثار من ذكره، لينجبر بهذا، فقال: وَ اذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً ، أي: في حال قيامكم و قعودكم، و على جنوبكم. لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏ ، فإن الإكثار من ذكر اللّه أكبر أسباب الفلاح.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1039

[11] وَ إِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها ، أي:

خرجوا من المسجد، حرصا على ذلك اللهو، و تلك التجارة، و تركوا الخير وَ تَرَكُوكَ قائِماً تخطب الناس، و ذلك في يوم الجمعة بينما النبي صلّى اللّه عليه و سلّم يخطب الناس، إذ قدم المدينة، غير تحمل تجارة، فلما سمع الناس بها، و هم في المسجد، انفضوا من المسجد، و تركوا النبي صلّى اللّه عليه و سلّم يخطب استعجالا لما لا ينبغي أن يستعجل له، و ترك أدب. قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ‏ من الأجر و الثواب، لمن لازم الخير، و صبر نفسه على عبادة اللّه.

خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَ مِنَ التِّجارَةِ الّتي، و إن حصل منها بعض المقاصد، فإن ذلك قليل منقض، مفوت لخير الآخرة، و ليس الصبر على طاعة اللّه مفوتا للرزق. وَ اللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ‏ فمن اتقى اللّه رزقه من حيث لا يحتسب. و في هذه الآيات فوائد عديدة: منها: أن الجمعة فريضة على المؤمنين، يجب عليهم السعي إليها، و المبادرة و الاهتمام بشأنها.

و منها: أن الخطبتين يوم الجمعة، فريضة يجب حضورهما، لأنه فسر الذكر هنا بالخطبتين، فأمر اللّه بالمضي إليه و السعي له. و منها: مشروعية النداء للجمعة و الأمر به. و منها: النهي عن البيع و الشراء بعد نداء الجمعة، و تحريم ذلك، و ما ذاك إلّا أن يفوت الواجب و يشغل عنه. فدل ذلك على أن كلّ أمر، و إن كان مباحا في الأصل، إذا كان ينشأ عنه تفويت واجب، فإنه لا يجوز في تلك الحال. و منها: الأمر بحضور الخطبتين يوم الجمعة، و ذم من لم يحضرهما، و من لازم ذلك الإنصات لهما. و منها: أنه ينبغي للعبد المقبل على عبادة اللّه، وقت دواعي النفس لحضور اللهو و التجارات و الشهوات أن يذكرها، بما عند اللّه من الخيرات، و ما لمؤثر رضاه على هواه. تم تفسير سورة الجمعة، بمنى اللّه و عونه- و الحمد للّه رب العالمين.

تفسير سورة المنافقون‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] لما قدم النبي صلّى اللّه عليه و سلّم المدينة، و كثر الإسلام فيها و عز، صار أناس من أهلها، من الأوس و الخزرج، يظهرون الإيمان، و يبطنون الكفر، ليبقى جاههم، و تحقن دماؤهم، و تسلم أموالهم. فذكر اللّه من أوصافهم ما به يعرفون، لكي يحذرهم العباد، و يكونوا منهم على بصيرة، فقال: إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا على وجه الكذب: نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ‏ ، و هذه الشهادة من المنافقين على وجه الكذب و النفاق، مع أنه لا حاجة لشهادتهم في تأييد رسوله.

وَ اللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَ اللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ‏ في قولهم و دعواهم، و أن ذلك ليس بحقيقة منهم.

[2] اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً ، أي: ترسا يتترسون بها، من نسبتهم إلى النفاق. فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1040

بأنفسهم، و صدوا غيرهم ممن يخفى عليه حالهم. إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ‏ حيث أظهروا الإيمان، و أبطنوا الكفر، و أقسموا على ذلك، و أوهموا صدقهم.

[3] ذلِكَ‏ الذي زين لهم النفاق (ب) سبب (أنهم) لا يثبتون على الإيمان. بل‏ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ‏ بحيث لا يدخلها الخير أبدا. فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ‏ ما ينفعهم، و لا يعون ما يعود بمصالحهم.

[4] وَ إِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ‏ من روائها، و نضارتها. وَ إِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ‏ ، أي: من حسن منطقهم، تستلذ لاستماعه. فأجسامهم و أقوالهم معجبة، و لكن ليس وراء ذلك من الأخلاق الفاضلة، و الهدى الصالح، شي‏ء، و لهذا قال: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ لا منفعة فيها، و لا ينال منها إلا الضرر المحض. يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ‏ و ذلك لجبنهم و فزعهم، و ضعف قلوبهم و ريبها، يخافون أن يطلع عليها. فهؤلاء هُمُ الْعَدُوُّ على الحقيقة، لأن العدو البارز المتميز، أهون من العدو، الذي لا يشعر به، و هو مخادع ماكر، يزعم أنه وليّ، و هو العدو المبين. فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ‏ ، أي: كيف يصرفون عن الدين الإسلامي بعد ما تبينت أدلته، و اتضحت معالمه، إلى الكفر الذي لا يفيدهم، إلّا الخسار و الشقاء.

[5] وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ‏ ، أي: لهؤلاء المنافقين‏ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ‏ عما صدر منكم، لتحسن أحوالكم، و تقبل أعمالكم، امتنعوا من ذلك أشد الامتناع. لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ‏ امتناعا من طلب الدعاء من الرسول.

وَ رَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ‏ عن الحقّ، بغضا له‏ وَ هُمْ مُسْتَكْبِرُونَ‏ عن اتباعه بغيا و عنادا. فهذه حالهم، عند ما يدعون إلى طلب الدعاء من الرسول، و هذا من لطف اللّه و كرامته لرسوله، حيث لم يأتوا إليه، فيستغفر لهم.

[6] فإنه‏ سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ‏ و ذلك لأنهم قوم فاسقون، خارجون عن طاعة اللّه، مؤثرون للكفر على الإيمان، فلذلك لا ينفع فيهم استغفار الرسول، لو استغفر لهم كما قال تعالى:

اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ‏ ، ... إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ‏ .

[7] و هذا من شدة عداوتهم للنبي صلّى اللّه عليه و سلم، و المسلمين، لما رأوا اجتماع أصحابه، و ائتلافهم، و مسارعتهم في مرضاة الرسول صلّى اللّه عليه و سلم، قالوا بزعمهم الفاسد: لا تُنْفِقُوا عَلى‏ مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا فإنهم- على زعمهم- لو لا أموال المنافقين و نفقاتهم عليهم، لما اجتمعوا في نصرة دين اللّه. و هذا من أعجب العجب، أن يدعي هؤلاء المنافقون، الّذين هم أحرص الناس على خذلان الدين، و أذية المسلمين، مثل هذه الدعوى، الّتي لا تروج إلّا على من لا علم له بالحقائق. و لهذا قال تعالى، ردا لقولهم: وَ لِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ ، فيؤتي الرزق من يشاء، و يمنعه من يشاء، و ييسر الأسباب لمن يشاء، و يعسرها على من يشاء. وَ لكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ‏ فلذلك قالوا تلك المقالة، الّتي مضمونها أن خزائن الرزق في أيديهم، و تحت مشيئتهم.

صفحه بعد