کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1080

أي: حمر وحش، نفرت فنفر بعضها بعضا، فزاد عدوها.

[51] فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51)، أي: من صائد و رام يريدها، أو من أسد و نحوه. و هذا من أعظم ما يكون من النفور عن الحقّ، و مع هذا النفور و الإعراض، يدعون الدعاوى الكبار.

[52] بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى‏ صُحُفاً مُنَشَّرَةً نازلة عليه من السماء، يزعم أنه لا ينقاد للحق إلا بذلك، و قد كذبوا، فإنهم لو جاءتهم كلّ آية لم يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم، لأنهم جاءتهم الآيات البينات التي تبين الحقّ و توضحه، فلو كان فيهم خير لآمنوا.

[53] و لهذا قال:

كَلَّا ، أي: لا نعطيهم ما طلبوا، و هم ما قصدوا بذلك إلا التعجيز. بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ فلو كانوا يخافونها، لما جرى منهم ما جرى.

[54] كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) الضمير إما أن يعود على هذه السورة، أو على ما اشتملت عليه من هذه الموعظة.

[55] فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ‏ (55) لأنه قد بين له السبيل، و وضع له الدليل.

[56] وَ ما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ‏ فإن مشيئة اللّه، نافذة عامة، لا يخرج عنها حادث قليل و لا كثير، ففيها رد على القدرية، الّذين لا يدخلون أفعال العباد تحت مشيئة اللّه، و الجبرية الّذين يزعمون أنه ليس للعبد مشيئة، و لا فعل حقيقة، و إنما هو مجبور على أفعاله. فأثبت اللّه تعالى للعبد مشيئته حقيقة و فعلا، و جعل ذلك تابعا لمشيئته. هُوَ أَهْلُ التَّقْوى‏ وَ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ، أي: هو أهل أن يتقى و يعبد، لأنه الإله الذي لا تنبغي العبادة إلا له، و أهل أن يغفر لمن اتقاه، و اتبع رضاه. تم تفسير سورة المدثر- و للّه الحمد و المنة.

تفسير سورة القيامة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] ليست «لا» هاهنا نافية و لا زائدة، و إنما أتى بها للاستفتاح و الاهتمام بما بعدها، و لكثرة الإتيان بها مع اليمين، لا يستغرب الاستفتاح بها، و إن لم تكن في الأصل موضوعة للاستفتاح. فالمقسم به في هذا الموضع، هو المقسم عليه، و هو: البعث بعد الموت، و قيام الناس من قبورهم، ثمّ وقوفهم ينتظرون ما يحكم به الرب عليهم.

[2] وَ لا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) و هي جميع النفوس الخيرة و الفاجرة، سمّيت «لوّامة» لكثيرة تلونها و ترددها، و عدم ثبوتها على حالة من أحوالها، و لأنها عند الموت تلوم صاحبها على ما فعلت، بل نفس المؤمن تلوم صاحبها في الدنيا، على ما حصل منه، من تفريط و تقصير، في حق من الحقوق، أو غفلة. فجمع بين الإقسام بالجزاء، و على الجزاء، و بين مستحق الجزاء. ثمّ أخبر مع هذا، أن بعض المعاندين يكذبون بيوم القيامة، فقال:

[3] أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ‏ (3) بعد الموت، كما قال: قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ‏ ؟ فاستبعد من‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1081

جهله و عدوانه، قدرة اللّه على خلق عظامه التي هي عماد البدن، فرد عليه بقوله:

[4] بَلى‏ قادِرِينَ عَلى‏ أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ‏ (4)، أي: أطراف أصابعه و عظامه، و ذلك مستلزم لخلق جميع أجزاء البدن، لأنها إذا وجدت الأنامل و البنان، فقد تمت خلقة الجسد، و ليس إنكاره لقدرة اللّه تعالى قصورا بالدليل الدال على ذلك، و إنما وقع ذلك منه، لأن إرادته و قصده، التكذيب بما أمامه من البعث. و الفجور: الكذب مع التعمد.

[7] ثمّ ذكر أحوال القيامة فقال: فَإِذا بَرِقَ‏ ، إلى:

مَعاذِيرَهُ‏ . أي: فَإِذا كانت القيامة بَرِقَ الْبَصَرُ من الهول العظيم، و شخص فلا يطرف كما قال تعالى: إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَ أَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (43).

[8] وَ خَسَفَ الْقَمَرُ (8)، أي: ذهب نوره و سلطانه.

[9] وَ جُمِعَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ (9) و هما لم يجتمعا منذ خلقهما اللّه تعالى، فيجمع اللّه بينهما يوم القيامة، و يخسف القمر، و تكور الشمس، و يقذفان في النار، ليرى العباد، أنهما عبدان مسخران، و ليرى من عبدهما، أنهم كانوا كاذبين.

[10] يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ ، أي:

حين يرى تلك القلاقل المزعجات: أَيْنَ الْمَفَرُّ ؟ أي: أين الخلاص و الفكاك، مما طرقنا و ألمّ بنا؟

[11] كَلَّا لا وَزَرَ (11)، أي: لا ملجأ لأحد دون اللّه.

[12] إِلى‏ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) لسائر العباد، فليس في إمكان أحد، أن يستتر أو يهرب عن ذلك الموضع، بل لا بد من إيقافه، ليجزى بعمله.

[13] و لهذا قال: يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَ أَخَّرَ (13)، أي: بجميع عمله الحسن و السيّ‏ء، في أول وقته و آخره، و ينبأ بخبر لا ينكره.

[14] بَلِ الْإِنْسانُ عَلى‏ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14)، أي: شاهد و محاسب.

[15] وَ لَوْ أَلْقى‏ مَعاذِيرَهُ‏ (15) فإنها معاذير لا تقبل، بل يقرر بعمله، فيقرّ به، كما قال تعالى: اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى‏ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14). فالعبد و إن أنكر، أو اعتذر عما عمله، فإنكاره و اعتذاره، لا يفيدانه شيئا، لأنه يشهد عليه سمعه و بصره، و جميع جوارحه بما كان يعمل، و لأن استعتابه، قد ذهب وقته، و زال نفعه: فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَ لا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ‏ (57).

[16] كان النبي صلّى اللّه عليه و سلّم إذا جاءه جبريل بالوحي، و شرع في تلاوته، بادره النبي صلّى اللّه عليه و سلّم، من الحرص قبل أن يفرغ، و تلاه مع تلاوة جبريل إياه، فنهاه اللّه عن ذلك، و قال: وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى‏ إِلَيْكَ وَحْيُهُ‏ . و قال هنا: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ‏ (16)، ثمّ ضمن له تعالى، أنه لا بد أن يحفظه و يقرأه، و يجمعه اللّه في صدره فقال:

[17] إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ‏ (17) فالحرص الذي في خاطرك، إنما الداعي له حذر الفوات و النسيان، فإذا ضمنه اللّه لك، فلا موجب لذلك.

[18] فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ‏ (18)، أي: إذا أكمل جبريل ما يوحى إليك، فحينئذ اتبع ما قرأه فاقراه.

[19] ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ‏ (19)، أي: بيان معانيه، فوعده بحفظ لفظه، و حفظ معانيه، و هذا أعلى ما يكون، فامتثل صلّى اللّه عليه و سلّم لأدب ربه، فكان إذا تلا عليه جبريل القرآن بعد هذا، أنصت له، فإذا فرغ قرأه.

و في هذه الآية، أدب لأخذ العلم، أن لا يبادر المتعلم للعلم، قبل أن يفرغ المعلم من المسألة التي شرع فيها، فإذا فرغ‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1082

منها، سأله عما أشكل عليه. و كذلك إذا كان في أول الكلام ما يوجب الرد أو الاستحسان، أن لا يبادر برده أو قبوله، قبل الفراغ من ذلك الكلام، ليتبين ما فيه من حق أو باطل، و ليفهمه فهما يتمكن فيه من الكلام فيه على وجه الصواب. و فيها: أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم، كما بين للأمة ألفاظ الوحي، فإنه قد بين لهم معانيه.

[20- 21] أي: هذا الذي أوجب لكم الغفلة و الإعراض عن وعظ اللّه و تذكيره أنكم‏ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ و تسعون فيما يحصلها، و في لذاتها و شهواتها، و تؤثرونها على الآخرة، فتذرون العمل لها؛ لأن الدنيا نعيمها و لذاتها عاجلة، و الإنسان مولع بحب العاجل، و الآخرة متأخر ما فيها من النعيم المقيم، فلذلك غفلتم عنها، و تركتموها، كأنكم لم تخلقوا لها، و كأن هذه الدار هي دار القرار، التي تبذل فيها نفائس الأعمار، و يسعى لها آناء الليل و النهار، و بهذا انقلبت عليكم الحقيقة، و حصل من الخسار ما حصل.

فلو آثرتم الآخرة على الدنيا، و نظرتم العواقب نظر البصير العاقل، لنجحتم، و ربحتم ربحا لا خسار معه، و فزتم فوزا لا شقاء يصحبه.

[22] ثمّ ذكر ما يدعو إلى إيثار الآخرة، ببيان حال أهلها و تفاوتهم فيها، فقال في جزاء المؤثرين للآخرة على الدنيا: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (22)، أي: حسنة بهية، لها رونق و نور، مما هم فيه من نعيم القلوب، و بهجة النفوس، و لذة الأرواح.

[23] إِلى‏ رَبِّها ناظِرَةٌ (23) أي: ينظرون إلى ربهم، على حسب مراتبهم. و منهم من ينظره كلّ يوم بكرة و عشيا، و منهم من ينظر كلّ جمعة مرة واحدة، فيتمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم، و جماله الباهر، الذي ليس كمثله شي‏ء، فإذا رأوه نسوا ما هم فيه من النعيم، و حصل لهم من اللذة و السرور، ما لا يمكن التعبير عنه، و نضرت وجوههم، فازدادوا جمالا إلى جمالهم، فنسأل اللّه الكريم أن يجعلنا منهم. و قال في المؤثرين العاجلة على الآجلة:

[24] وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ (24)، أي: معبسة كدرة، خاشعة ذليلة

[25] تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ (25)، أي:

عقوبة شديدة، و عذاب أليم، فلذلك تغيرت وجوههم و عبست.

[26] يعظ تعالى عباده، بذكر المحتضر حال السياق، و أنه إذا بلغت روحه التراقي، و هي العظام المكتنفة لثغرة النحر. فحينئذ يشتد الكرب، و يطلب كلّ وسيلة و سبب، يظن أن يحصل به الشفاء و الراحة.

[27] و لهذا قال:

وَ قِيلَ مَنْ راقٍ‏ (27)، أي: من يرقيه، من الرقية، لأنهم انقطعت آمالهم من الأسباب العادية، فتعلقوا بالأسباب الإلهية. و لكن القضاء و القدر، إذا حتم و جاء فلا مرد له.

[28] وَ ظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ‏ (28) للدنيا.

[29] وَ الْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ‏ (29)، أي: اجتمعت الشدائد، و التفت، و عظم الأمر و صعب الكرب، و أريد أن تخرج الروح من البدن، الذي ألفته، و لم تزل معه، فتساق إلى اللّه تعالى، ليجازيها بأعمالها و يقررها بفعالها. فهذا الزجر الذي ذكره اللّه، يسوق القلوب إلى ما فيه نجاتها، و يزجرها عما فيه هلاكها. و لكن المعاند الذي لا تنفع فيه الآيات، لا يزال مستمرا على غيه، و كفره و عناده.

[31- 32] فَلا صَدَّقَ‏ ، أي: لا آمن باللّه و ملائكته، و كتبه، و رسله، و اليوم الآخر، و القدر خيره و شره. وَ لا صَلَّى (32) وَ لكِنْ كَذَّبَ‏ بالحق في مقابلة التصديق‏ وَ تَوَلَّى‏ عن الأمر و النهي، هذا و هو

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1083

مطمئن قلبه، غير خائف من ربه.

[33] ثُمَّ ذَهَبَ إِلى‏ أَهْلِهِ يَتَمَطَّى‏ (33)، أي: ليس على باله شي‏ء.

[34- 35] ثمّ توعده بقوله: أَوْلى‏ لَكَ فَأَوْلى‏ (34) ثُمَّ أَوْلى‏ لَكَ فَأَوْلى‏ (35) و هذه كلمات وعيد كررها لتكرير و عيده.

[36] ثمّ ذكّر الإنسان بخلقه الأول، فقال: أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً‏ (36)، أي: مهملا، لا يؤمر و لا ينهى، و لا يثاب و لا يعاقب؟ هذا حسبان باطل، و ظن باللّه غير ما يليق بحكمته.

[37- 38] أَ لَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى‏ (37) ثُمَّ كانَ‏ بعد المني‏ عَلَقَةً أي: دما فَخَلَقَ‏ اللّه منها الحيوان‏ فَسَوَّى‏ أي:

أتقنه و أحكمه.

[39- 40] فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَ الْأُنْثى‏ (39) أَ لَيْسَ ذلِكَ‏ ، أي: الذي خلق الإنسان و طوره إلى هذه الأطوار المختلفة بِقادِرٍ عَلى‏ أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى‏ ، بلى إنه على كلّ شي‏ء قدير. تم تفسير سورة القيامة.

سورة الإنسان‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] ذكر اللّه في هذه السورة، أول حال الإنسان و منتهاها و متوسطها. فذكر أنه مر عليه‏ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ طويل، و هو الذي قبل وجوده، و هو معدوم‏ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً .

[2] ثمّ لما أراد خلقه خلق أباه آدم من طين، ثمّ جعل نسله متسلسلا مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ‏ ، أي: ماء مهين مستقذر نَبْتَلِيهِ‏ بذلك، لنعلم هل يرى حاله الأولى، و يتفطن لها أم ينساها و تغره نفسه؟ فأنشأه اللّه، و خلق له القوى الظاهرة و الباطنة، كالسمع و البصر، و سائر الأعضاء فأتمها له و جعلها سالمة، يتمكن بها من تحصيل مقاصده.

[3] ثمّ أرسل إليه الرسل، و أنزل عليه الكتب، و هداه الطريق الموصلة إليه، و بيّنها، و رغّبه فيها، و أخبره بما له عند الوصول إليه. ثمّ أخبره بالطريق الموصلة إلى الهلاك، و رهّبه عنها، و أخبره بما له، إذا سلكها، و ابتلاه بذلك، فانقسم الناس إلى شاكر لنعمة اللّه عليه، قائم بما حمله اللّه من حقوقه. و إلى كفور للنعم، أنعم اللّه عليه بالنعم الدينية و الدنيوية، فردّها، و كفر بربه، و سلك الطريق الموصلة إلى الهلاك.

[4] أي: إنا هيأنا، و أرصدنا لمن كفر باللّه، و كذب رسله، و تجرأ على معاصيه. سَلاسِلَ‏ في نار جهنم، كما قال تعالى: ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ‏ (32). وَ أَغْلالًا تغل بها أيديهم إلى أعناقهم، و يوثقون بها.

وَ سَعِيراً ، أي: نارا تستعر بها أجسامهم، و تحرق بها أبدانهم، كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ‏ . و هذا العذاب الدائم، مؤبد لهم، مخلدون فيه سرمدا.

[5] و أما الْأَبْرارَ و هم: الّذين برت قلوبهم، بما فيها من معرفة اللّه و محبته، و الأخلاق الجميلة، فبرت أعمالهم، و استعملوها بأعمال البر. فأخبر أنهم‏ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ‏ ، أي: شراب لذيذ من خمر قد مزج بكافور، أي: خلط به، ليبرده، و يكسر حدته، و هذا الكافور في‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1084

غاية اللذة، قد سلم من كلّ مكدر و منغص موجود في كافور الدنيا، فإن الآفة الموجودة في الدنيا، تعدم من الأسماء التي ذكرها اللّه في الجنة. كما قال تعالى: فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَ طَلْحٍ مَنْضُودٍ (29)، وَ أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ ، لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ‏ ، وَ فِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَ تَلَذُّ الْأَعْيُنُ‏ .

[6] عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ‏ ، أي: ذلك الكأس اللذيذ، الذي يشربونه، لا يخافون نفاده، بل له مادة لا تنقطع، و هي عين دائمة الفيضان و الجريان، يفجرها عباد اللّه تفجيرا، أنى شاءوا، و كيف أرادوا. فإن شاؤوا صرفوها إلى البساتين الزاهرات، أو إلى الرياض النضرات، أو بين جوانب القصور، و المساكن المزخرفات، أو إلى أي جهة يرونها من الجهات المونقات.

[7] ثمّ ذكر جملة من أعمالهم، فقال: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ، أي: بما ألزموا به أنفسهم من النذور و المعاهدات. و إذا كانوا يوفون بالنذر، الذي هو غير واجب في الأصل عليهم، إلا بإيجابهم على أنفسهم، كان فعلهم و قيامهم بالفروض الأصلية، من باب أولى و أحرى. وَ يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ، أي: قاسيا منتشرا. فخافوا أن ينالهم شره، فتركوا كل سبب موجب لذلك.

[8] وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى‏ حُبِّهِ‏ أي: و هم في حال يحبون فيها المال و الطعام، و لكنهم قدموا محبة اللّه على محبة نفوسهم، و يتحرون في إطعامهم، أولى الناس و أحوجهم‏ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً .

[9] و يقصدون بإنفاقهم و إطعامهم، وجه اللّه تعالى، و يقولون بلسان الحال: إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً (9)، أي: لا جزاء ماليا، و لا ثناء قوليا.

[10] إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً ، أي: شديد الجهمة و الشر قَمْطَرِيراً ، أي: ضنكا ضيقا.

[11] فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ‏ فلا يحزنهم الفزع الأكبر، و تتلقاهم الملائكة، هذا يومكم الذي كنتم توعدون.

وَ لَقَّاهُمْ‏ ، أي: أكرمهم و أعطاهم‏ نَضْرَةً في وجوههم‏ وَ سُرُوراً في قلوبهم، فجمع لهم بين نعيم الظاهر و الباطن.

[12] وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا على طاعته، فعملوا ما أمكنهم منها، و عن معاصيه، فتركوها، و على أقداره المؤلمة، فلم يتسخطوها. جَنَّةً جامعة لكل نعيم، سالمة من كلّ مكدر و منغص. وَ حَرِيراً كما قال تعالى:

وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ* . و لعل اللّه إنما خص الحرير، لأنه لباسهم الظاهر، الدال على حال صاحبه.

[13] مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ‏ الاتكاء: التمكن من الجلوس، في حال الطمأنينة، و الراحة، و الرفاهية، و الأرائك هي: السرر التي عليها اللباس المزين. لا يَرَوْنَ فِيها ، أي: في الجنة شَمْساً يضرهم حرها، وَ لا زَمْهَرِيراً ، أي:

بردا شديدا، بل جميع أوقاتهم في ظل ظليل، لا حر و لا برد، بحيث تلتذ به الأجساد، و لا تتألم من حر و لا برد.

[14] وَ دانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَ ذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا (14)، أي: قربت ثمراتها من مريدها، تقريبا ينالها و هو قائم، أو قاعد، أو مضطجع.

[15- 16] وَ يُطافُ عَلَيْهِمْ‏ ، أي: يدور الولدان و الخدم على أهل الجنة بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَ أَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا (16) قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ ، أي: مادتها فضة، و هي على صفاء القوارير، و هذا من أعجب الأشياء، أن تكون الفضة الكثيفة، من صفاء جوهرها، و طيب معدنها، على صفاء القوارير. قَدَّرُوها تَقْدِيراً ، أي: قدروا الأواني‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1085

المذكورة على قدر ريّهم، لا تزيد و لا تنقص، لأنها لو زادت نقصت لذتها، و لو نقصت لم تكفهم لريهم. و يحتمل أن المراد: قدرها أهل الجنة بمقدار، يوافق لذاتهم، فأتتهم على ما قدروا في خواطرهم.

[17] وَ يُسْقَوْنَ فِيها ، أي: الجنة كَأْساً و هو الإناء من خمر و رحيق، كانَ مِزاجُها ، أي: خلطها زَنْجَبِيلًا ليطيب طعمه و ريحه.

[18] عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18) سميت بذلك لسلاستها و لذتها و حسنها.

[19] وَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ‏ ، أي: على أهل الجنة، في طعامهم و شرابهم و خدمتهم. وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ‏ ، أي: خلقوا من الجنة للبقاء، لا يتغيرون و لا يكبرون، و هم في غاية الحسن. إِذا رَأَيْتَهُمْ‏ منتشرين في خدمتهم‏ حَسِبْتَهُمْ‏ من حسنهم‏ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً و هذا من تمام لذة أهل الجنة، أن يكون خدامهم الولدان المخلدون، الّذين تسر رؤيتهم، و يدخلون في مساكنهم، آمنين من تبعتهم، و يأتونهم بما يدعون، و تطلبه نفوسهم.

[20] وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَ‏ ، أي: رمقت ما أهل الجنة عليه من النعيم الكامل. رَأَيْتَ نَعِيماً وَ مُلْكاً كَبِيراً فتجد الواحد منهم، عنده من المساكن و الغرف المزينة المزخرفة، ما لا يدركه الوصف. و لديه من البساتين الزاهرة، و الثمار الدانية، و الفواكه اللذيذة، و الأنهار الجارية، و الرياض المعجبة، و الطيور المطربة المشجية، ما يأخذ بالقلوب، و يفرح النفوس. و عنده من الزوجات، اللاتي في غاية الحسن و الإحسان، الجامعات لجمال الظاهر و الباطن، الخيرات الحسان، ما يملأ القلب سرورا، و لذة و حبورا. و حوله من الولدان المخلدين، و الخدم المؤبدين، ما به تحصل الراحة و الطمأنينة، و تتم لذة العيش، و تكمل الغبطة. ثمّ علاوة ذلك و معظمه، الفوز برضا الرب الرحيم، و سماع خطابه، و لذة قربه، و الابتهاج برضاه، و الخلود الدائم، و تزايد ما هم فيه من النعيم، كل وقت و حين. فسبحان مالك الملك، الحقّ المبين، الذي لا تنفد خزائنه، و لا يقل خيره، فكما لا نهاية لأوصافه، فلا نهاية لبره و إحسانه.

[21] عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ ، أي: قد جللتهم ثياب السندس و الإستبرق الأخضران اللذان هما أجلّ أنواع الحرير، فالسندس: ما غلظ من الحرير، و الإستبرق: ما رقّ منه. وَ حُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ ، أي: حلوا في أيديهم أساور، ذكورهم و إناثهم، و هذا وعد وعدهم اللّه، و كان وعده مفعولا، لأنه لا أصدق منه قيلا و لا حديثا. و قوله:

وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً ، أي: لا كدر فيه بوجه من الوجوه، مطهرا لما في بطونهم من كلّ أذى و قذى.

[22] إِنَّ هذا الجزاء الجزيل‏ كانَ لَكُمْ جَزاءً على ما أسلفتموه، من الأعمال. وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً أي: القليل منه، يجعل اللّه لكم به، من النعيم، ما لا يمكن حصره.

[23] و قوله تعالى لما ذكر نعيم الجنة إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (23)، و فيه الوعد و الوعيد، و بيان كلّ ما يحتاجه العباد. و فيه الأمر بالقيام بأوامره و شرائعه أتمّ القيام، و السعي في تنفيذها، و الصبر على ذلك.

[24] و لهذا قال: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَ لا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24)، أي: اصبر لحكمه القدري، فلا تسخطه، و لحكمه الديني، فامض عليه، و لا يعوقنك عنه عائق. وَ لا تُطِعْ‏ من المعاندين، الّذين يريدون أن يصدوك‏ آثِماً ، أي: فاعلا

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1086

إثما و معصية أَوْ كَفُوراً ، فإن طاعة الكفار و الفجار و الفساق، لا بد أن تكون معصية للّه، فإنهم لا يأمرون إلا بما تهواه أنفسهم.

[25] و لما كان الصبر يستمد من القيام بطاعة اللّه، و الإكثار من ذكره، أمر اللّه بذلك، فقال:

وَ اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَ أَصِيلًا (25)، أي: أول النهار و آخره، فدخل في ذلك الصلوات المكتوبات و ما يتبعها من النوافل، و الذكر، و التسبيح، و التهليل، و التكبير في هذه الأوقات.

[26] وَ مِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ‏ ، أي: أكثر له من السجود، و ذلك متضمن لكثرة الصلاة. وَ سَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا ، و قد تقدم تقييد هذا المطلق بقوله: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ‏ .

[27] و قوله: إِنَّ هؤُلاءِ ، أي: المكذبين لك أيها الرسول، بعد ما بينت لهم الآيات، و رغبوا و رهبوا، و مع ذلك، لم يفد فيهم ذلك شيئا بل لا يزالون‏ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ و يطمئنون إليها. وَ يَذَرُونَ‏ ، أي: يتركون العمل، و يهملون‏ وَراءَهُمْ‏ أي: أمامهم‏ يَوْماً ثَقِيلًا و هو يوم القيامة، الذي مقداره خمسون ألف سنة مما تعدون. و قال تعالى: يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ . فكأنهم ما خلقوا إلا للدنيا، و الإقامة فيها.

[28] ثم استدل عليهم و على بعثهم بدليل عقلي، و هو دليل الابتداء، فقال: نَحْنُ خَلَقْناهُمْ‏ ، أي: أوجدناهم من العدم‏ وَ شَدَدْنا أَسْرَهُمْ‏ ، أي:

أحكمنا خلقتهم بالأعصاب، و العروق، و الأوتار، و القوى الظاهرة و الباطنة، حتى تم الجسم و استكمل، و تمكن من كل ما يريده. فالذي أوجدهم على هذه الحالة، قادر على أن يعيدهم بعد موتهم، لجزائهم، و الذي نقلهم في هذه الدار إلى هذه الأطوار، لا يليق به أن يتركهم سدى، لا يؤمرون، و لا ينهون، و لا يثابون، و لا يعاقبون، و لهذا قال: وَ إِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلًا ، أي: أنشأناهم للبعث نشأة أخرى، و أعدناهم بأعيانهم، و هم بأنفسهم أمثالهم.

[29] إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ ، أي: يتذكر بها المؤمن، فينتفع بما فيها، من التخويف و الترغيب. فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى‏ رَبِّهِ سَبِيلًا ، أي: طريقا موصلا إليه. فاللّه، يبين الحق و الهدى، ثم يخير الناس بين الاهتداء بها، و النفور عنها، إقامة للحجة لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى‏ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ

[30] وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ‏ فإن مشيئة اللّه نافذة. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً فله الحكمة في هداية المهتدي، و إضلال الضال.

صفحه بعد