کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 311

[153] و لما بيّن كثيرا من الأوامر الكبار، و الشرائع المهمة، أشار إليها، و إلى ما هو أعم منها فقال: وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً أي: هذه الأحكام و ما أشبهها، مما بيّنه اللّه في كتابه، و وضحه لعباده، صراط اللّه الموصل إليه، و إلى دار كرامته، المعتدل السهل المختصر. فَاتَّبِعُوهُ‏ لتنالوا الفوز و الفلاح، و تدركوا الآمال و الأفراح. وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ‏ أي: الطرق المخالفة لهذا الطريق. فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ‏ أي: تضلكم عنه و تفرقكم، يمينا و شمالا.

فإذا ضللتم عن الصراط المستقيم، فليس ثمّ إلا طرق توصل إلى الجحيم. ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ‏ ، فإنكم إذا قمتم بما بينه اللّه لكم، علما و عملا، صرتم من المتقين، و عباد اللّه المفلحين. و وحد الصراط، و أضافه إليه، لأنه سبيل واحد موصل إليه. و اللّه هو المعين للسالكين، على سلوكه.

[154] ثُمَ‏ في هذا الموضع، ليس المراد منها الترتيب الزماني، فإن زمن موسى عليه السّلام، متقدم على تلاوة الرسول محمد صلّى اللّه عليه و سلم هذا الكتاب، و إنّما المراد، الترتيب الإخباري. فأخبر أنه آتى‏ مُوسَى الْكِتابَ‏ و هو:

التوراة تَماماً لنعمته، و كمالا لإحسانه. عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ‏ من أمة موسى، فإن اللّه أنعم على المحسنين منهم، بنعم لا تحصى. من جملتها و تمامها، إنزال التوراة عليهم. فتمت عليهم نعمة اللّه، و وجب عليهم القيام بشكرها.

وَ تَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ يحتاجون إلى تفصيله، من الحلال، و الحرام، و الأمر، و النهي، و العقائد و نحوها.

وَ هُدىً‏ أي: يهديهم إلى الخير، و يعرفهم بالشر، في الأصول، و الفروع. وَ رَحْمَةً يحصل لهم بها، السعادة و الرحمة، و الخير الكثير. لَعَلَّهُمْ‏ بسبب إنزالنا الكتاب و البينات عليهم. بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ‏ فإنه اشتمل من الأدلة القاطعة، على البعث، و الجزاء بالأعمال، و ما يوجب لهم الإيمان، بلقاء ربهم، و الاستعداد له.

[155] وَ هذا القرآن العظيم، و الذكر الحكيم. كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ‏ أي: فيه الخير الكثير، و العلم الغزير. و هو الذي تستمد منه سائر العلوم، و تستخرج منه البركات. فما من خير، إلا و قد دعا إليه، و رغب فيه، و ذكر الحكم و المصالح، التي تحث عليه. و ما من شر، إلا و قد نهى عنه، و حذّر منه، و ذكر الأسباب المنفرة عن فعله، و عواقبها الوخيمة. فَاتَّبِعُوهُ‏ فيما يأمر به، و ينهى، و ابنوا أصول دينكم، و فروعه عليه. وَ اتَّقُوا اللّه تعالى أن تخالفوا له أمرا لَعَلَّكُمْ‏ إن اتبعتموه‏ تُرْحَمُونَ‏ . فأكبر سبب لنيل رحمة اللّه، اتباع هذا الكتاب، علما و عملا.

[156] أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى‏ طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَ إِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ‏ (156) أي: أنزلنا إليكم هذا الكتاب المبارك، قطعا لحجتكم، و خشية أن تقولوا إنّما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا، أي: اليهود و النصارى. وَ إِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ‏ أي: تقولون لم تنزل علينا كتابا، و الكتب التي أنزلتها على الطائفتين، ليس لنا بها علم و لا معرفة. فأنزلنا إليكم كتابا، لم ينزل من السماء كتاب، أجمع، و لا أوضح، و لا أبين، منه.

[157] أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى‏ مِنْهُمْ‏ أي: إما أن تعتذروا بعدم وصول أصل الهداية

تيسير الكريم الرحمن، ص: 312

إليكم. و إما أن تعتذروا، بعدم كمالها و تمامها، فحصل لكم بكتابكم، أصل الهداية و كمالها. و لهذا قال: فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ‏ و هذا اسم جنس، يدخل فيه كل ما يبين الحقّ. وَ هُدىً‏ من الضلالة وَ رَحْمَةٌ أي:

سعادة لكم في دينكم و دنياكم. فهذا يوجب لكم الانقياد لأحكامه، و الإيمان بأخباره، و أن من لم يرفع به رأسا، و كذّب به، فإنه أظلم الظالمين، و لهذا قال: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَ صَدَفَ عَنْها أي: أعرض و نأى بجانبه.

سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ‏ الذي يسوء صاحبه، و يشق عليه. بِما كانُوا يَصْدِفُونَ‏ لأنفسهم و لغيرهم، جزاء لهم، على عملهم السيّ‏ء وَ ما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ . و في هذه الآيات، دليل على أن علم القرآن، أجلّ العلوم و أبركها، و أوسعها و أنه به، تحصل الهداية إلى الصراط المستقيم، هداية تامة، لا يحتاج معها إلى تخرص المتكلفين، و لا إلى أفكار المتفلسفين، و لا لغير ذلك، من علوم الأولين و الآخرين. و أن المعروف، أنه لم ينزل جنس الكتاب، إلا على الطائفتين، من اليهود و النصارى. فهم أهل الكتاب عند الإطلاق، لا يدخل فيهم سائر الطوائف.

لا المجوس، و لا غيرهم. و فيه: ما كان عليه الجاهلية، قبل نزول القرآن، من الجهل العظيم، و عدم العلم بما عند أهل الكتاب، الّذين عندهم، مادة العلم، و غفلتهم عن دراسة كتبهم.

[158] يقول تعالى: هل ينظر هؤلاء الّذين استمر ظلمهم و عنادهم. إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ‏ مقدمات العذاب، و مقدمات الآخرة، بأن تأتيهم‏ الْمَلائِكَةُ لقبض أرواحهم. فإنهم إذا وصلوا إلى تلك الحال، لم ينفعهم الإيمان، و لا صالح الأعمال. أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ‏ لفصل القضاء بين العباد، و مجازاة المحسنين و المسيئين. أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ‏ الدالة على قرب الساعة. يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ‏ الخارقة للعادة، التي يعلم بها أن الساعة قد دنت، و أن القيامة قد اقتربت. لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً أي: إذا وجد بعض آيات اللّه، لم ينفع الكافر إيمانه أن آمن، و لا المؤمن المقصر أن يزداد خيره بعد ذلك. بل ينفعه ما كان معه من الإيمان قبل ذلك.

و ما كان له من الخير الموجود، قبل أن يأتي بعض الآيات. و الحكمة في هذا ظاهرة، فإنه إنّما كان الإيمان ينفع، إذا كان إيمانا بالغيب، و كان اختيارا من العبد. فأما إذا وجدت الآيات، صار الأمر شهادة، و لم يبق للإيمان فائدة، لأنه يشبه الإيمان الضروري، كإيمان الغريق، و الحريق، و نحوهما، ممن إذا رأى الموت، أقلع عمّا هو فيه، كما قال تعالى: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ‏ . و قد تكاثرت الأحاديث الصحيحة، عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم، أن المراد ببعض آيات اللّه، طلوع الشمس من مغربها، و أن الناس إذا رأوها، آمنوا، فلم ينفعهم إيمانهم، و يغلق حينئذ، باب التوبة. و لما كان هذا وعيدا للمكذبين بالرسل صلّى اللّه عليه و سلم، منتظرا، و هم ينتظرون بالنبي صلّى اللّه عليه و سلم، و أتباعه قوارع الدهر و مصائب الأمور قال: قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ‏ فستعلمون أينا أحق بالأمن. و في هذه الآية، دليل لمذهب أهل السنّة و الجماعة، في إثبات الأفعال الاختيارية للّه تعالى، كالاستواء، و النزول، و الإتيان للّه تبارك و تعالى من غير تشبيه له، بصفات المخلوقين. و في‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 313

الكتاب و السنّة، من هذا، شي‏ء كثير. و فيه أن من جملة أشراط الساعة، طلوع الشمس من مغربها. و أن اللّه تعالى حكيم، قد جرت عادته و سنّته، أن الإيمان إنّما ينفع إذا كان اختياريا لا اضطراريا، كما تقدم. و أن الإنسان يكتسب الخير بإيمانه. فالطاعة و البر و التقوى إنّما تنفع و تنمو، إذا كان مع العبد إيمان. فإذا خلا القلب من الإيمان لم ينفعه شي‏ء من ذلك.

[159] يتوعد تعالى، الّذين فرقوا دينهم، أي: شتتوه و تفرقوا فيه، و كلّ أخذ لنفسه نصيبا من الأسماء، التي لا تفيد الإنسان في دينه شيئا، كاليهودية، و النصرانية، و المجوسية. أو لا يكمل بها إيمانه، بأن يأخذ من الشريعة شيئا، و يجعله دينه، و يدع مثله. أو ما هو أولى منه، كما هو حال أهل الفرقة، من أهل البدع و الضلال و المفرقين للأمة.

و دلت الآية الكريمة أن الدين يأمر بالاجتماع و الائتلاف، و ينهى عن التفرق و الاختلاف في أهل الدين، و في سائر مسائله الأصولية و الفروعية. و أمره أن يتبرأ ممن فرقوا دينهم فقال: لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْ‏ءٍ أي: لست منهم، و ليسوا منك، لأنهم خالفوك و عاندوك. إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ‏ يردون إليه، فيجازيهم بأعمالهم‏ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ‏ .

[160] ثمّ ذكر صفة الجزاء فقال: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ القولية و الفعلية، الظاهرة، و الباطنة، المتعلقة بحق اللّه، أو حق خلقه. فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها هذا أقل ما يكون من التضعيف. وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى‏ إِلَّا مِثْلَها و هذا من تمام عدله تعالى و إحسانه، و أنه لا يظلم مثقال ذرة، و لهذا قال: وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ‏ .

[161] يأمر تعالى نبيه صلّى اللّه عليه و سلم، أن يقول و يعلن، بما هو عليه من الهداية إلى الصراط المستقيم: الدين المعتدل المتضمن للعقائد النافعة، و الأعمال الصالحة، و الأمر بكل حسن، و النهي عن كل قبيح، الذي عليه الأنبياء و المرسلون، خصوصا إمام الحنفاء، و والد من بعث من بعد موته، من الأنبياء، خليل الرحمن إبراهيم عليه الصلاة و السّلام، و هو الدين الحنيف، المائل عن كل دين غير مستقيم، من أديان أهل الانحراف، كاليهود، و النصارى، و المشركين.

[162] و هذا عموم، ثمّ خصّص من ذلك أشرف العبادات فقال: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي‏ أي: ذبحي، و ذلك لشرف هاتين العبادتين و فضلهما، و دلالتهما على محبة اللّه تعالى، و إخلاص الدين له، و التقرب إليه بالقلب و اللسان، و الجوارح، و بالذبح الذي هو بذل ما تحبه النفس، من المال، لما هو أحب إليها، و هو اللّه تعالى. و من أخلص في صلاته و نسكه، استلزم ذلك إخلاصه للّه في سائر أعماله و أقواله. وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي‏ أي: ما آتيه في حياتي، و ما يجريه اللّه عليّ، و ما يقدر عليّ في مماتي. الجميع‏ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ .

[163] لا شَرِيكَ لَهُ‏ في العبادة، كما أنه ليس له شريك في الملك و التدبير. ليس هذا الإخلاص للّه، ابتداعا مني، و بدعا أتيته من تلقاء نفسي. بل‏ وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ‏ أمرا حتما، لا أخرج من التبعة، إلا بامتثاله‏ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ‏ من هذه الأمة.

[164] قُلْ أَ غَيْرَ اللَّهِ‏ من المخلوقين‏ أَبْغِي رَبًّا أي: يحسن ذلك و يليق بي، أن أتخذ غيره، مربيا و مدبرا و اللّه رب كل شي‏ء، فالخلق كلهم داخلون تحت ربوبيته، منقادون لأمره؟ فتعين عليّ و على غيري، أن يتخذ اللّه ربا، و يرضى به، و لا يتعلق بأحد من المربوبين الفقراء العاجزين. ثمّ رغب و رهب بذلك الجزاء فقال: وَ لا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ‏ من خير و شر إِلَّا عَلَيْها كما قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ أَساءَ فَعَلَيْها* . وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى‏* بل كلّ عليه وزر نفسه. و إن كان أحد قد تسبب في ضلال غيره و وزره، فإنه عليه وزر التسبب من غير أن ينقص من وزر المباشر شي‏ء. ثُمَّ إِلى‏ رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ‏ يوم القيامة فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ‏ من خير و شر، و يجازيكم على ذلك، أوفى الجزاء.

[165] وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ‏ أي: يخلف بعضكم بعضا، و استخلفكم اللّه في الأرض، و سخّر

تيسير الكريم الرحمن، ص: 314

لكم جميع ما فيها، و ابتلاكم، لينظر كيف تعملون. وَ رَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ‏ في القوة و العافية، و الرزق، و الخلق و الخلق. لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ‏ فتفاوتت أعمالكم. إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ‏ لمن عصاه و كذّب بآياته.

وَ إِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ‏ لمن آمن به، و عمل صالحا، و تاب من الموبقات. آخر تفسير سورة الأنعام، و به تم الجزء الثاني من (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنّان)، فللّه الحمد و الثناء. و يليه الجزء الثالث، و أوله تفسير سورة الأعراف.

و صلّى اللّه على محمد و على آله و صحبه و سلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين. و كان الفراغ من كتابته، في يوم الجمعة، الموافق خمسة و عشرين من جمادى الآخرة سنة 1345 ه. بقلم الفقير إلى ربه المنان علي الحسن العلي البريكان. و قد نسخته من نسخة المؤلف، غفر اللّه له، و أثابه على ذلك، الثواب الجزيل. و جزاه اللّه عنّا، و عن جميع المسلمين، أفضل الجزاء، في دار الجزاء. و أدخله اللّه- برحمته- فسيح الجنان، و وقانا و إياه، عذاب النيران، بفضله و كرمه، إنه قريب مجيب. و صلّى اللّه على نبينا محمد، و على آله و صحبه أجمعين- آمين ثمّ آمين. يا رب العالمين.

تفسير سورة الأعراف‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[2] يقول تعالى لرسوله محمد صلّى اللّه عليه و سلّم، مبينا له عظمة القرآن: كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ‏ أي: كتاب جليل، حوى كل ما يحتاج إليه العباد، و جميع المطالب الإلهية، و المقاصد الشرعية، محكما مفصلا. فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ‏ أي:

ضيق و شك و اشتباه. بل لتعلم أنه تنزيل من حكيم حميد، و أنه أصدق الكلام، لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، فلينشرح له صدرك، و لتطمئن به نفسك، و لتصدع بأوامره و نواهيه، و لا تخش لائما و معارضا. لِتُنْذِرَ بِهِ‏ الخلق، و تعظهم، و تذكرهم، فتقوم الحجة على المعاندين. وَ ليكن‏ ذِكْرى‏ لِلْمُؤْمِنِينَ‏ كما قال تعالى:

وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى‏ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ‏ (55) يتذكرون به الصراط المستقيم، و أعماله الظاهرة و الباطنة، و ما يحول بين العبد، و بين سلوكه.

[3] ثمّ خاطب اللّه العباد، و لفتهم إلى الكتاب فقال: اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ‏ أي: الكتاب الذي أريد إنزاله لأجلكم، و هو: مِنْ رَبِّكُمْ‏ الذي يريد أن يتم تربيته لكم، فأنزل عليكم هذا الكتاب الذي إن اتبعتموه، كملت تربيتكم، و تمت عليكم النعمة، و هديتم لأحسن الأعمال و الأخلاق، و معاليها. وَ لا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ أي: تتولونهم، و تتبعون أهواءهم، و تتركون لأجلها الحقّ. قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ‏ فلو تذكرتم و عرفتم المصلحة، لما

تيسير الكريم الرحمن، ص: 315

آثرتم الضار على النافع، و العدو على الوليّ.

[4] ثمّ حذرهم عقوباته للأمم الّذين كذبوا ما جاءتهم به رسلهم، فلا يشابهونهم فقال: وَ كَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا أي: عذابنا الشديد بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ‏ أي: في حين غفلتهم، و على غرتهم غافلون، لم يخطر الهلاك على قلوبهم. فحين جاءهم العذاب، لم يدفعوه عن أنفسهم، و لا أغنت عنهم آلهتهم، التي كانوا يرجونهم، و لا أنكروا ما كانوا يفعلونه من الظلم و المعاصي.

[5] فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ‏ (5) كما قال تعالى: وَ كَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَ أَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (12) لا تَرْكُضُوا وَ ارْجِعُوا إِلى‏ ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَ مَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (13) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (14) فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ‏ (15).

[6] و قوله: فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ‏ أي:

لنسألن الأمم، الّذين أرسل اللّه إليهم المرسلين، عما أجابوا رسلهم، وَ يَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ‏ (65) الآيات. وَ لَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ‏ عن تبليغهم، لرسالات ربهم، و عما أجابتهم به أممهم.

[7] فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ‏ أي: على الخلق كلهم ما عملوا بِعِلْمٍ‏ منه تعالى لأعمالهم، وَ ما كُنَّا غائِبِينَ‏ في وقت من الأوقات، كما قال تعالى: أَحْصاهُ اللَّهُ وَ نَسُوهُ‏ . و قال تعالى: وَ لَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَ ما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ‏ (17).

[8] ثمّ ذكر الجزاء على الأعمال فقال: وَ الْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُ‏ إلى قوله: بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ‏ أي:

و الوزن يوم القيامة يكون بالعدل، و القسط، الذي لا جور فيه و لا ظلم بوجه. فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ‏ بأن رجحت كفة حسناته على سيئاته، فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏ أي: الناجون من المكروه، المدركون للمحبوب الّذين حصل لهم الربح العظيم، و السعادة الدائمة.

[9] وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ‏ بأن رجحت سيئاته، و صار الحكم لها، فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ‏ إذ فاتهم النعيم المقيم، و حصل لهم العذاب الأليم، بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ‏ فلم ينقادوا لها، كما يجب عليهم ذلك.

[10] يقول تعالى ممتنا على عباده بذكر المسكن و المعيشة: وَ لَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ‏ أي: هيأناها لكم، بحيث تتمكنون من البناء عليها و حرثها، و وجوه الانتفاع بها. وَ جَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ‏ مما يخرج من الأشجار و النبات، و معادن الأرض، و أنواع الصنائع و التجارات، فإنه هو الذي هيأها، و سخر أسبابها. قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ‏ اللّه، الذي أنعم عليكم بأصناف النعم، و صرف عنكم النقم.

[11] يقول تعالى، مخاطبا بني آدم: وَ لَقَدْ خَلَقْناكُمْ‏ بخلق أصلكم و مادتكم التي منها خرجتم، من أبيكم آدم عليه السّلام‏ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ‏ في أحسن صورة، و أحسن تقويم، و علمه تعالى ما به تكمل صورته الباطنة، أسماء كل شي‏ء. ثمّ أمر الملائكة الكرام، أن يسجدوا لآدم، إكراما و احتراما، و إظهارا لفضله، فامتثلوا أمر ربهم،

تيسير الكريم الرحمن، ص: 316

فَسَجَدُوا كلهم أجمعون، إِلَّا إِبْلِيسَ‏ أبى أن يسجد له، تكبرا عليه، و إعجابا بنفسه، فوبخه اللّه على ذلك و قال:

ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ لما خلقت بيديّ، أي: شرفته، و فضلته بهذه الفضيلة، التي لم تكن لغيره، فعصيت أمري، و تهاونت بي؟

[12] قالَ‏ إبليس معارضا لربه: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ‏ ، ثم برهن على هذه الدعوى الباطلة بقوله له: خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ‏ ، و موجب هذا، أن المخلوق من نار، أفضل من المخلوق من طين لعلو النار على الطين، و صعودها.

و هذا القياس من أفسد الأقيسة، فإنه باطل من عدة أوجه:

منها: أنه في مقابلة أمر اللّه له بالسجود، و القياس إذا عارض النص، فإنه قياس باطل، لأن المقصود بالقياس، أن يكون الحكم الذي لم يأت فيه نص، يقارب الأمور المنصوص عليها، و يكون تابعا لها. فأما قياس يعارضها، و يلزم من اعتباره إلغاء النصوص، فهذا القياس من أشنع الأقيسة.

و منها: أن قوله: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ‏ بمجردها كافية لنقص إبليس الخبيث. فإنه برهن على نقصه بإعجابه بنفسه، و تكبره، و القول على اللّه بلا علم. و أي نقص أعظم من هذا؟ و منها:

أنه كذب في تفضيل مادة النار على مادة الطين و التراب، فإن مادة الطين، فيها الخشوع، و السكون، و الرزانة، و منها تظهر بركات الأرض، من الأشجار، و أنواع النبات، على اختلاف أجناسه و أنواعه. و أما النار، ففيها الخفة، و الطيش، و الإحراق.

[13] و لهذا لما جرى من إبليس ما جرى، انحط من مرتبته العالية إلى أسفل السافلين، فقال اللّه له: فَاهْبِطْ مِنْها أي من الجنة فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها لأنها دار الطيبين الطاهرين، فلا تليق بأخبث خلق اللّه و أشرّهم.

فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ‏ أي: المهانين الأذلين، جزاء على كبره و عجبه، بالإهانة و الذل.

[14] فلما أعلن عدو اللّه بعداوة اللّه، و عداوة آدم و ذريته، سأل اللّه النظرة و الإمهال إلى يوم البعث، ليتمكن من إغواء ما يقدر عليه من بني آدم.

[15- 16] و لما كانت حكمة اللّه مقتضية لابتلاء العباد و اختبارهم، ليتبين الصادق من الكاذب، و من يطيعه، و من يطيع عدوه، أجابه لما سأل فقال: إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ‏ . أي: قال إبليس- لما أبلس، و أيس من رحمة اللّه- فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ‏ أي: للخلق‏ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ‏ أي: لألزمن الصراط و لأسعى غاية جهدي، على صد الناس عنه، و عدم سلوكهم إياه.

[17] ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ‏ أي: من جميع الجهات و الجوانب، و من كل طريق يتمكن فيه، من إدراك بعض مقصوده فيهم. و لما علم الخبيث أنهم ضعفاء قد تغلب الغفلة على كثير منهم، و كان جازما ببذل مجهوده على إغوائهم، ظن و صدق ظنه فقال: وَ لا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ‏ فإن القيام بالشكر، من سلوك الصراط المستقيم، و هو يريد صدهم عنه، و عدم قيامهم به، قال تعالى: إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ . و إنما نبهنا اللّه على ما قال و عزم على فعله، لنأخذ حذرنا و نستعد لعدونا، و نحترز منه بعلمنا، بالطريق‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 317

التي يأتي منها، و مداخله التي ينفذ منها، فله تعالى علينا بذلك، أكمل نعمة.

[18] أي: قال اللّه لإبليس لما قال ما قال: اخْرُجْ مِنْها خروج صغار و احتقار، لا خروج إكرام بل‏ مَذْؤُماً أي:

مذموما مَدْحُوراً مبعدا عن اللّه، و عن رحمته، و عن كل خير. لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ‏ أي: منك و ممن تبعك منهم‏ أَجْمَعِينَ‏ و هذا قسم من اللّه تعالى، أن النار دار العصاة، لا بد أن يملأها من إبليس و أتباعه من الجن و الإنس.

[19] ثم حذّر آدم شره و فتنته فقال: وَ يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا إلى قوله: مِنَ الظَّالِمِينَ‏ . أي أمر اللّه تعالى، آدم و زوجته حواء، التي أنعم اللّه بها عليه، ليسكن إليها، أن يأكلا من الجنة حيث شاءا و يتمتعا فيها بما أرادا، إلا أنه عين لهما شجرة، و نهاهما عن أكلها، و اللّه أعلم، ما هي، و ليس في تعيينها فائدة لنا. و حرّم عليهما أكلها، بدليل قوله: فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ‏ فلم يزالا ممتثلين لأمر اللّه، حتى تغلغل إليهما، عدوهما إبليس بمكره، فوسوس لهما وسوسة، خدعهما بها، و موه عليهما و قال:

[20- 21] ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ‏ أي: من جنس الملائكة أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ‏ كما قال في الآية الأخرى: إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ‏ . [و مع قوله هذا، أقسم لهما باللّه: إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ‏ ] «1» أي: من جملة الناصحين، حيث قلت لكما، ما قلت. فاغترا بذلك، و غلبت الشهوة في تلك الحال على العقل.

[22] فَدَلَّاهُما أي: أنزلهما عن رتبتهما العالية، التي هي البعد عن الذنوب و المعاصي إلى التلوث بأوضارها، فأقدما على أكلها. فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما أي: ظهرت عورة كل منهما بعد ما كانت مستورة، فصار للعري الباطن من التقوى في هذه الحال، أثر في اللباس الظاهر، حتى انخلع، فظهرت عوراتهما، و لما ظهرت عوراتهما، خجلا، و جعلا يخصفان على عوراتهما، من أوراق شجر الجنة، ليستترا بذلك. وَ ناداهُما رَبُّهُما و هما بتلك الحال موبخا و معاتبا: أَ لَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَ أَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ‏ فلم اقترفتما المنهي، و أطعتما عدوكما؟

[23] فحينئذ، منّ اللّه عليهما بالتوبة و قبولها، فاعترفا بالذنب، و سألا اللّه مغفرته فقالا: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ‏ ، أي: قد فعلنا الذنب، الذي نهيتنا عنه، و أضررنا بأنفسنا، باقتراف الذنب، و قد فعلنا سبب الخسار إن لم تغفر لنا، بمحو أثر الذنب و عقوبته، و ترحمنا بقبول التوبة و المعافاة من أمثال هذه الخطايا. فغفر اللّه لهما ذلك‏ وَ عَصى‏ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى‏ ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَ هَدى‏ (122). هذا، و إبليس مستمر على طغيانه، غير مقلع عن عصيانه، فمن أشبه آدم بالاعتراف، و سؤال المغفرة و الندم، و الإقلاع- إذا صدرت منه الذنوب- اجتباه ربه و هداه. و من أشبه إبليس- إذا صدر منه الذنب، لا يزال يزداد من المعاصي- فإنه لا يزداد من اللّه‏

صفحه بعد