کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1030

خفي على المؤمنين، فلا يخفى على اللّه تعالى، و سيجازي العباد بما يعلمه منهم، من الخير و الشر. وَ مَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ‏ ، أي: موالاة الكافرين بعد ما حذركم اللّه منها فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ‏ ، لأنه سلك مسلكا مخالفا للشرع و للعقل، و المروءة الإنسانية.

[2] ثمّ بين تعالى شدة عداوتهم، تهييجا للمؤمنين على عداوتهم، فقال: إِنْ يَثْقَفُوكُمْ‏ ، أي: يجدوكم، و تسنح لهم الفرصة في أذاكم. يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً ظاهرين‏ وَ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ‏ بالقتل و الضرب، و نحو ذلك.

وَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ ، أي: بالقول الذي يسوء، من شتم و غيره. وَ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ‏ فإن هذا غاية ما يريدون منكم.

[3] فإن احتججتم و قلتم نوالي الكفار، لأجل القرابة و الأموال‏ لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَ لا أَوْلادُكُمْ‏ من اللّه شيئا يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ . فلذلك حذركم من موالاة الكافرين الّذين تضركم موالاتهم.

[4] قَدْ كانَتْ لَكُمْ‏ يا معشر المؤمنين‏ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ، أي: قدوة صالحة و ائتمام ينفعكم. فِي إِبْراهِيمَ وَ الَّذِينَ مَعَهُ‏ من المؤمنين، لأنكم قد أمرتم أن تتبعوا ملة إبراهيم حنيفا. إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَ مِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ‏ ، أي: إذ تبرأ إبراهيم عليه السّلام، و من معه من المؤمنين، من قومهم المشركين، و مما يعبدون من دون اللّه. ثمّ صرحوا بعداوتهم غاية التصريح، فقالوا: كَفَرْنا بِكُمْ وَ بَدا ، أي: ظهر و بان‏ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَ الْبَغْضاءُ أي: البغض بالقلوب، و زوال مودتها، و العداوة بالأبدان، و ليس لتلك العداوة و البغضاء وقت و لا حدّ، بل ذلك‏ أَبَداً ما دمتم مستمرين على كفركم‏ حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ‏ ، أي: فإذا آمنتم باللّه وحده، زالت العداوة و البغضاء، و انقلبت مودة و ولاية. فلكم أيها المؤمنون أسوة حسنة في إبراهيم و من معه في القيام بالإيمان و التوحيد، و لوازم ذلك و مقتضياته، و في كلّ شي‏ء تعبدوا به اللّه وحده. إِلَّا في خصلة واحدة و هي‏ قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ‏ آزر المشرك، الكافر المعاند، حين دعاه إلى الإيمان و التوحيد، فامتنع فقال إبراهيم له: لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَ الحال أني‏ ما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْ‏ءٍ ، لكني أدعو ربي عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا. فليس لكم أن تقتدوا بإبراهيم، في هذه الحالة، الّتي دعا بها للمشرك. فليس لكم أن تدعوا للمشركين، و تقولوا: إنا في ذلك متبعون لملة إبراهيم، فإن اللّه ذكر عذر إبراهيم في ذلك بقوله: وَ ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ‏ ، الآية. و لكم أسوة حسنة في إبراهيم و من معه، حين دعوا اللّه و توكلوا عليه و أنابوا إليه، و اعترفوا بالعجز و التقصير، فقالوا: رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا ، أي: اعتمدنا عليك في جلب ما ينفعنا، و دفع ما يضرنا، و وثقنا بك يا ربنا في ذلك. وَ إِلَيْكَ أَنَبْنا ، أي: رجعنا إلى طاعتك و مرضاتك، و جميع ما يقرب إليك، فنحن في ذلك ساعون، و بفعل الخيرات مجتهدون، و نعلم أنا إليك نصير، فنستعد للقدوم عليك، و نعمل ما يزلفنا إليك.

[5] رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا ، أي: لا تسلطهم علينا بذنوبنا، فيفتنونا، و يمنعونا مما يقدرون عليه من أمور الإيمان، و يفتنون أيضا بأنفسهم، فإنهم إذا رأوا لهم الغلبة، ظنوا أنهم على الحقّ، و أنا على الباطل، فازدادوا

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1031

كفرا و طغيانا. وَ اغْفِرْ لَنا ما اقترفنا من الذنوب و السيئات، و ما قصرنا به من المأمورات. رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ القاهر لكل شي‏ء. الْحَكِيمُ‏ الذي يضع الأشياء مواضعها، فبعزتك و حكمتك انصرنا على أعدائنا، و اغفر لنا ذنوبنا، و أصلح عيوبنا.

[6] ثمّ كرر الحث على الاقتداء بهم، قال: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ . و ليس كلّ أحد، تسهل عليه هذه الأسوة، و إنّما تسهل‏ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ فإن الإيمان، و احتساب الأجر و الثواب، يسهل على العبد كل عسير، و يقلل لديه كلّ كثير، و يوجب له الاقتداء بعباد اللّه الصالحين، و الأنبياء و المرسلين، فإنه يرى نفسه مفتقرا مضطرّا إلى ذلك غاية الاضطرار. وَ مَنْ يَتَوَلَ‏ عن طاعة اللّه و التأسي برسل اللّه، فلن يضر إلّا نفسه، و لا يضر اللّه شيئا. فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُ‏ الذي له الغنى التام المطلق، من جميع الوجوه، فلا يحتاج إلى أحد من خلقه بوجه من الوجوه. الْحَمِيدُ في ذاته و صفاته و أفعاله، فإنه محمود على ذلك كله.

[7] ثمّ أخبر تعالى أن هذه العداوة، الّتي أمر بها المؤمنين للمشركين، و وصفهم بالقيام بها أنهم ما داموا على شركهم و كفرهم، و أنهم إن انتقلوا إلى الإيمان، فإن الحكم يدور مع علته، و المودة الإيمانية ترجع. فلا تيأسوا أيها المؤمنون من رجوعهم إلى الإيمان. ف عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً سببها رجوعهم إلى الإيمان. وَ اللَّهُ قَدِيرٌ على كلّ شي‏ء، و من ذلك، هداية القلوب، و تقليبها من حال إلى حال. وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏ لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، و لا عيب أن يستره، * قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ‏ (53). و في هذه الآية إشارة و بشارة بإسلام بعض المشركين، الّذين كانوا إذ ذاك أعداء للمؤمنين، و قد وقع ذلك، و للّه الحمد و المنة.

[8] و لما نزلت هذه الآيات الكريمات، المهيجة على عداوة الكافرين، وقعت من المؤمنين كلّ موقع، و قاموا بها أتم القيام، و تأثموا من صلة بعض أقاربهم المشركين و ظنوا أن ذلك داخل فيما نهى اللّه عنه. فأخبرهم اللّه أن ذلك لا يدخل في المحرم، فقال: لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ‏ (8)، أي: لا ينهاكم اللّه عن البر و الصلة، و المكافأة بالمعروف، و القسط للمشركين، من أقاربكم و غيرهم، حيث كانوا بحال لم ينصبوا لقتالكم في الدين، و الإخراج من دياركم. فليس عليكم جناح أن تصلوهم، فإن صلتهم في هذه الحالة، لا محذور فيها و لا تبعة، كما قال تعالى في الأبوين الكافرين، إذا كان ولدهما مسلما:

وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى‏ أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً .

[9] و قوله: إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ‏ ، أي: لأجل دينكم، عداوة لدين اللّه، و لمن قام به. وَ أَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَ ظاهَرُوا ، أي:

عاونوا غيرهم‏ عَلى‏ إِخْراجِكُمْ‏ . نهاكم اللّه‏ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ‏ بالنصر و المودة، بالقول و الفعل. و أما بركم و إحسانكم، الذي ليس بتولّ للمشركين، فلم ينهكم اللّه عنه، بل ذلك داخل في عموم الأمر بالإحسان إلى الأقارب و غيرهم من الآدميين، و غيرهم. وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ‏ ، و ذلك الظلم يكون بحسب التولّي. فإن كان تولّيا

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1032

تاما، كان ذلك كفرا مخرجا عن دائرة الإسلام، و تحت ذلك من المراتب، ما هو غليظ، و ما هو دونه.

[10] لما كان صلح الحديبية، صالح النبي صلّى اللّه عليه و سلّم المشركين، على أن من جاء منهم إلى المسلمين مسلما، أنه يرد إلى المشركين، و كان هذا لفظا عاما مطلقا، يدخل في عمومه النساء و الرجال. فأما الرجال فإن اللّه لم ينه رسوله عن ردهم إلى الكفار، وفاء بالشرط و تتميما للصلح، الذي هو من أكبر المصالح. و أما النساء، فلما كان ردهم فيه مفاسد كثيرة، أمر المؤمنين، إذا جاءهم المؤمنات مهاجرات، و شكوا في صدق إيمانهن، أن يمتحنوهن و يختبروهن، بما يظهر به صدقهن، من أيمان مغلظة و غيرها، فإنه يحتمل أن يكون إيمانها غير صادق بل رغبة في زوج، أو بلد أو غير ذلك، من المقاصد الدنيوية. فإن كن بهذا الوصف، تعين ردهن وفاء بالشرط، من غير حصول مفسدة، و إن امتحنوهن، فوجدن صادقات، أو علموا ذلك منهن، من غير امتحان، فلا يرجعوهن إلى الكفار. لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَ لا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ‏ فهذه مفسدة كبيرة راعاها الشارع، و راعى أيضا الوفاء بالشرط، بأن يعطوا الكفار أزواجهن، ما أنفقوا عليهن من المهر و توابعه، عوضا عنهن. و لا جناح حينئذ على المسلمين، أن ينكحوهن و لو كان لهن أزواج في دار الشرك، و لكن بشرط أن يؤتوهن أجورهن، من المهر و النفقة. و كما أن المسلمة لا تحل للكافر، فكذلك الكافرة لا تحل للمسلم، ما دامت على كفرها، غير أهل الكتاب، و لهذا قال تعالى: وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ ، و إذا نهى عن الإمساك بعصمتها، فالنهي عن ابتداء تزويجها أولى. وَ سْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ‏ أيها المؤمنون، حين ترجع زوجاتكم مرتدات إلى الكفار، فإذا كان الكفار يأخذون من المسلمين نفقة من أسلمت من نسائهم، استحق المسلمون أن يأخذوا مقابله ما ذهب من زوجاتهم إلى الكفار. و في هذا دليل على أن خروج البضع من الزوج متقوم، فإذا أفسد مفسد، نكاح امرأة رجل، برضاع أو غيره، كان عليه ضمان المهر. و قوله: ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ‏ ، أي: ذلكم الحكم، الذي ذكره اللّه، هو حكم اللّه، بيّنه لكم و وضحه. وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ‏ ، فيعلم تعالى، ما يصلح لكم من الأحكام فيشرعه، بحسب حكمته و رحمته.

[11] و قوله: وَ إِنْ فاتَكُمْ شَيْ‏ءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ بأن ذهبن مرتدات‏ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا كما تقدم أن الكفار كانوا يأخذون بدل ما يفوت من أزواجهم إلى المسلمين. فمن ذهبت زوجته من المسلمين إلى الكفار، و فاتت عليه، فعلى المسلمين أن يعطوه من الغنيمة، بدل ما أنفق. وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ‏ فإيمانكم باللّه، يقتضي منكم أن تكونوا ملازمين للتقوى، على الدوام.

[12] هذه الشروط المذكورة في هذه الآية تسمى «مبايعة النساء» اللاتي كن يبايعن على إقامة الواجبات المشتركة، الّتي تجب على الذكور و النساء، في جميع الأوقات. و أما الرجال، فيتفاوت ما يلزمهم بحسب أحوالهم و مراتبهم، و ما يتعين عليهم، فكان النبي صلّى اللّه عليه و سلّم يمتثل ما أمره اللّه. فكان إذا جاءته النساء يبايعنه، و التزمن بهذه الشروط بايعهن، و جبر قلوبهن، و استغفر لهن اللّه، فيما يحصل منهن من التقصير، و أدخلهن في جملة المؤمنين.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1033

عَلى‏ أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً بل يفردن اللّه وحده بالعبادة.

وَ لا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَ‏ كما يجري لنساء الجاهلية الجهلاء «من وأد البنات». وَ لا يَزْنِينَ‏ كما كان ذلك موجودا كثيرا، في البغايا و ذوات الأخدان. وَ لا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَ‏ ، و البهتان: الافتراء على الغير، أي: لا يفترين بكل حالة، سواء تعلقت بهن مع أزواجهن، أو تعلق ذلك بغيرهم. وَ لا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ‏ ، أي: لا يعصينك في كل أمر تأمرهن به، لأن أمرك لا يكون إلا بمعروف، و من ذلك طاعتهن لك، في النهي عن النياحة، و شق الجيوب، و خمش الوجوه، و الدعاء بدعوى الجاهلية. فَبايِعْهُنَ‏ إذا التزمن بجميع ما ذكر. وَ اسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ‏ عن تقصيرهن، و تطييبا لخواطرهن. إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ ، أي: كثير المغفرة للعاصين، و الإحسان إلى المذنبين التائبين. رَحِيمٌ‏ وسعت رحمته كل شي‏ء، و عم إحسانه البرايا.

[13] أي: يا أيها المؤمنون، إن كنتم مؤمنين بربكم، و متبعين لرضاه و مجانبين لسخطه. لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ‏ و إنما غضب عليهم لكفرهم، هذا شامل لجميع أصناف الكفار. قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ ، أي: قد حرموا من خير الآخرة، فليس لهم منها نصيب، فاحذروا أن تولوهم، فتوافقوهم على شرهم و شركهم، فتحرموا خير الآخرة كما حرموا. و قوله: كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ حين أفضوا إلى الدار الآخرة، و شاهدوا حقيقة الأمر، و علموا علم اليقين، أنهم لا نصيب لهم منها. و يحتمل أن المعنى: قد يئسوا من الآخرة، أي: قد أنكروها، و كفروا بها. فلا يستغرب حينئذ منهم الإقدام على مساخط اللّه، و موجبات عذابه، و إياسهم من الآخرة، كما يئس الكفار المنكرون للبعث في الدنيا، من رجوع أصحاب القبور إلى اللّه تعالى. تم تفسير سورة الممتحنة- و اللّه أعلم.

تفسير سورة الصف‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] و هذا بيان لعظمته تعالى و قهره، و ذل جميع الأشياء له، تبارك و تعالى، و أن جميع من في السماوات و الأرض، يسبحون بحمد اللّه، و يعبدونه، و يسألونه حوائجهم. وَ هُوَ الْعَزِيزُ الذي قهر الأشياء بعزته و سلطانه، الْحَكِيمُ‏ في خلقه و أمره.

[2] يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ‏ (2)، أي: لم تقولون الخير، و تحثون عليه، و ربما تمدحتم به، و أنتم لا تفعلونه، و تنهون عن الشر، و ربما نزهتم أنفسكم عنه، و أنتم متلوثون متصفون به.

[3] فهل تليق بالمؤمنين هذه الحالة الذميمة؟ أم من أكبر المقت عند اللّه أن يقول العبد ما لا يفعل؟ و لهذا ينبغي للآمر بالخير، أن يكون أول الناس مبادرة إليه، و الناهي عن الشر، أن يكون أبعد الناس عنه، قال تعالى:

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1034

* أَ تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَ أَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ‏ (44). و قال شعيب عليه السلام: وَ ما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى‏ ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ‏ .

[4] هذا حث من اللّه لعباده على الجهاد في سبيله صفا متراصا متساويا، من غير خلل يحصل في الصفوف، و تكون صفوفهم على نظام و ترتيب، به تحصل المساواة بين المجاهدين و التعاضد و إرهاب العدو، و تنشيط بعضهم بعضا. و لهذا كان النبي صلّى اللّه عليه و سلّم إذا حضر القتال، صف أصحابه، و رتبهم في مواقفهم، بحيث لا يحصل اتكال بعضهم على بعض، بل تكون كلّ طائفة منهم مهتمة بمركزها، و قائمة بوظيفتها، و بهذه الطريقة تتم الأعمال، و يحصل الكمال.

[5] أي: وَ إِذْ قالَ مُوسى‏ لِقَوْمِهِ‏ موبخا لهم على صنيعهم، و مقرعا لهم على أذيته، و هم يعلمون أنه رسول اللّه: لِمَ تُؤْذُونَنِي‏ بالأقوال و الأفعال‏ وَ قَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ‏ . و الرسول من حقه الإكرام و الإعظام، و القيام بأوامره، و الابتدار لحكمه. و أما أذية الرسول الذي إحسانه إلى الخلق، فوق كلّ إحسان، بعد إحسان اللّه، ففي غاية الوقاحة و الجراءة، و الزيغ عن الصراط المستقيم، الذي قد علموه و تركوه، و لهذا قال: فَلَمَّا زاغُوا ، أي: انصرفوا عن الحقّ بقصدهم‏ أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ‏ عقوبة لهم على زيغهم، الذي اختاروه لأنفسهم، و رضوه لها، و لم يوفقهم اللّه للهدى، لأنهم لا يليق بهم الخير، و لا يصلحون إلّا للشر. وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ‏ ، أي: الّذين لم يزل الفسق وصفا لهم، ليس لهم قصد في الهدى. و هذه الآية الكريمة، تفيد أن إضلال اللّه لعبيده، ليس ظلما منه، و لا حجة لهم عليه، و إنّما ذلك بسبب منهم، فإنهم الّذين أغلقوا على أنفسهم باب الهدى بعد ما عرفوه، فيجازيهم بعد ذلك بالإضلال و الزيغ و تقليب القلوب، عقوبة لهم و عدلا منه بهم، كما قال تعالى: وَ نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَ أَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ نَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ‏ (110).

[6] يقول تعالى مخبرا عن عناد بني إسرائيل المتقدمين، الذي دعاهم عيسى ابن مريم، و قال لهم: يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ‏ ، أي: أرسلني اللّه لأدعوكم إلى الخير، و أنهاكم عن الشر، و أيدني بالبراهين الظاهرة، و مما يدل على صدقي، كوني‏ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ ، أي: جئت بما جاء به موسى من التوراة، و الشرائع السماوية.

و لو كنت مدعيا للنبوة، غير صادق في دعواي، لجئت بغير ما جاء به المرسلون، و مصدقا لما بين يديّ من التوراة أيضا، أنها أخبرت بي و بشرت، فجئت و بعثت مصدقا لها وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ، و هو: محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب الهاشمي. فعيسى عليه الصلاة و السلام كسائر الأنبياء، يصدق بالنبي السابق، و يبشر بالنبي اللاحق، بخلاف الكذابين، فإنهم يناقضون الأنبياء أشد مناقضة، و يخالفونهم في الأوصاف و الأخلاق، و الأمر و النهي. فَلَمَّا جاءَهُمْ‏ محمد صلّى اللّه عليه و سلّم الذي بشر به عيسى‏ بِالْبَيِّناتِ‏ ، أي: الأدلة الواضحة، الدالة على أنه هو، و أنه رسول اللّه حقا. قالُوا معاندين للحق مكذبين له: هذا سِحْرٌ مُبِينٌ‏ ، و هذا من أعجب العجائب. الرسول الذي قد وضحت رسالته، و صارت أبين من شمس النهار، يجعل ساحرا بيّنا سحره، فهل في الخذلان أعظم من هذا؟

و هل في الافتراء أبلغ من هذا الافتراء، الذي نفى عنه ما كان معلوما من رسالته و أثبت له ما كان أبعد الناس عنه؟

[7] وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى‏ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ‏ بهذا أو غيره، و الحال أنه لا عذر له، و قد انقطعت حجته، لأنه‏ يُدْعى‏ إِلَى الْإِسْلامِ‏ ، و تبين له براهينه و بيناته. وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ‏ الّذين لا يزالون على ظلمهم مستقيمين، لا تردهم عنه موعظة، و لا يزجرهم بيان و لا برهان. خصوصا هؤلاء الظلمة القائمين بمقابلة الحقّ ليردوه، و لينصروا الباطل، و لهذا قال عنهم:

[8] يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ‏ ، أي: بما يصدر منهم من المقالات الفاسدة، الّتي يردّون بها الحقّ، و هي لا حقيقة لها، بل تزيد البصير معرفة بما هم عليه من الباطل. وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ‏ ، أي: قد تكفل اللّه بنصر دينه، و إتمام الحقّ، الذي أرسل به رسله، و إظهار نوره في سائر الأقطار، و لو

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1035

كره الكافرون، و بذلوا بسبب- كراهته- كل ما قدروا عليه، مما يتوصلون به إلى إطفاء نور اللّه، فإنهم مغلوبون. و مثلهم كمثل من ينفخ عين الشمس بفيه ليطفئها، فلا على مرادهم حصلوا، و لا سلمت عقولهم من النقص و القدح فيها.

[9] ثمّ ذكر سبب الظهور و الانتصار للدين الإسلامي، الحسي و المعنوي فقال، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى‏ ، أي:

بالعلم النافع، و العمل الصالح. بالعلم: الذي يهدي إلى اللّه، و إلى دار كرامته، و يهدي لأحسن الأعمال و الأخلاق، و يهدي إلى مصالح الدنيا و الآخرة. وَ دِينِ الْحَقِ‏ ، أي:

الدين الذي يدان به، و يتعبد لرب العالمين الذي هو حق و صدق، لا نقص فيه، و لا خلل يعتريه، بل أوامره غذاء القلوب و الأرواح، و راحة الأبدان. و ترك نواهيه سلامة من الشر و الفساد، فما بعث به النبي صلّى اللّه عليه و سلّم من الهدى و دين الحقّ، أكبر دليل و برهان على صدقه، و هو برهان باق، ما بقي الدهر، كلما ازداد العاقل تفكرا، ازداد به فرحا و تبصرا.

لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ‏ ، أي: ليعليه على سائر الأديان، بالحجة و البرهان، و يظهر أهله القائمين به، بالسيف و السنان. فأما نفس الدين، فهذا الوصف، ملازم له في كل وقت، فلا يمكن أن يغالبه مغالب، أو يخاصمه مخاصم إلّا فلجه، و صار له الظهور و القهر، و أما المنتسبون إليه، فإنهم إذا قاموا به، و استناروا بنوره، و اهتدوا بهديه، في مصالح دينهم و دنياهم، فكذلك لا يقوم لهم أحد، و لا بد أن يظهروا على أهل الأديان. و إذا ضيعوه و اكتفوا منه بمجرد الانتساب إليه، لم ينفعهم ذلك، و صار إهمالهم له، سبب تسليط الأعداء عليهم. و يعرف هذا، من استقرأ الأحوال و النظر، في أول المسلمين و آخرهم.

[10] هذه وصية و دلالة و إرشاد من أرحم الراحمين لعباده المؤمنين، لأعظم تجارة، و أجلّ مطلوب، و أعلى مرغوب، يحصل بها النجاة من العذاب الأليم، و الفوز بالنعيم المقيم.

[11] و أتى بأداة العرض، الدالة على أن هذا أمر يرغب فيه كلّ معتبر، و يسمو إليه كلّ لبيب، فكأنه قيل: ما هذه التجارة الّتي هذا قدرها؟ فقال: تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ‏ . و من المعلوم أن الإيمان التام هو التصديق الجازم بما أمر اللّه بالتصديق به، المستلزم لأعمال الجوارح، الّتي من أجلّها الجهاد في سبيله، فلهذا قال: وَ تُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ‏ ، بأن تبذلون نفوسكم و مهجكم، لمصادمة أعداء الإسلام، و القصد: دين اللّه، و إعلاء كلمته. و تنفقون ما تيسر من أموالكم في ذلك المطلوب، فإن ذلك، و إن كان كريها للنفوس، شاقا عليها، فإنه‏ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏ ، فإن فيه الخير الدنيوي، من النصر على الأعداء، و العز المنافي للذل و الرزق الواسع، و سعة الصدر، و انشراحه. و الخير الأخروي، بالفوز بثواب اللّه، و النجاة من عقابه، و لهذا ذكر الجزاء في الآخرة، فقال:

[12] يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ‏ و هو شامل للصغائر و الكبائر فإن الإيمان باللّه، و الجهاد في سبيله، مكفر للذنوب، و لو كانت كبائر. وَ يُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أي: من تحت مساكنها و قصورها، و غرفها، و أشجارها، أنهار من ماء غير آسن، و أنهار من لبن لم يتغير طعمه، و أنهار من خمر لذة للشاربين، و أنهار من عسل مصفى و لهم فيها من كلّ الثمرات. وَ مَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ‏ ، أي: جمعت كلّ طيب، من علو، و ارتفاع، و حسن بناء

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1036

و زخرفة. حتى إن أهل الغرف من أهل عليين، يتراءاهم أهل الجنة، كما يتراءى الكوكب الدري في الأفق الشرقي، أو الغربي. و حتى إن بناء الجنة بعضه من لبن ذهب، و بعضه من لبن فضة، و خيامها من اللؤلؤ و المرجان، و بعض المنازل من الزمرد، و الجواهر الملونة بأحسن الألوان، حتى إنها من صفائها يرى ظاهرها من باطنها، و باطنها من ظاهرها، و فيها من الطيب و الحسن ما لا يأتي عليه وصف الواصفين، و لا خطر على قلب أحد من العالمين، لا يمكن أن يدركوه حتى يروه، و يتمتعوا بحسنه و تقرّ به أعينهم. ففي تلك الحالة، لولا أن اللّه خلق أهل الجنة، و أنشأهم نشأة كاملة، لا تقبل العدم، لأوشك أن يموتوا من الفرح، فسبحان من لا يحصي أحد من خلقه، ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه، و فوق ما يثني عليه أحد من خلقه. و تبارك الجليل الجميل، الذي أنشأ دار النعيم، و جعل فيها من الجلال و الجمال ما يبهر عقول الخلق، و يأخذ بأفئدتهم. و تعالى من له الحكمة التامة، الذي من جملتها، أنه لو رأى العباد الجنة، و نظروا إلى ما فيها من النعيم لما تخلف عنها أحد، و لما هنأهم العيش في هذه الدار المنغصة المشوب نعيمها بألمها، و فرحها بترحها.

و سميت جنة عدن، لأن أهلها مقيمون فيها، لا يخرجون منها أبدا، و لا يبغون عنها حولا، ذلك الثواب الجزيل، و الأجر الجميل، هو الفوز العظيم، الذي لا فوز مثله، فهذا الثواب الأخروي.

[13] و أما الثواب الدنيوي لهذه التجارة، فذكره بقوله: وَ أُخْرى‏ تُحِبُّونَها ، أي: يحصل لكم خصلة أخرى تحبونها، و هي: نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ‏ لكم على الأعداء، يحصل به العز و الفرح. وَ فَتْحٌ قَرِيبٌ‏ تتسع به دائرة الإسلام، و يحصل به الرزق الواسع، فهذا جزاء المؤمنين المجاهدين. و أما المؤمنون من غير أهل الجهاد، إذا قام غيرهم بالجهاد، فلم يؤيسهم اللّه تعالى من فضله و إحسانه، بل قال: وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ‏ ، أي: بالثواب العاجل و الآجل كلّ على حسب إيمانه، و إن كانوا لا يبلغون مبلغ المجاهدين في سبيل اللّه، كما قال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم: «من رضي باللّه ربا، و بالإسلام دينا، و بمحمد رسولا، وجبت له الجنة». فعجب لها أبو سعيد الخدري، راوي الحديث، فقال: أعدها عليّ يا رسول اللّه، فأعادها عليه. ثمّ قال: «و أخرى يرفع بها العبد مائة درجة في الجنة، ما بين كلّ درجتين كما بين السماء و الأرض»، فقال: و ما هي يا رسول اللّه؟ قال: «الجهاد في سبيل اللّه» رواه مسلم.

صفحه بعد