کتابخانه تفاسیر
تيسير الكريم الرحمن، ص: 1123
و معلم. فتندك جبالها، و تسوّى تلالها، و تكون قاعا صفصفا، لا عوج فيه و لا أمت.
[2] وَ أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (2)، أي: ما في بطنها، من الأموات و الكنوز.
[3] وَ قالَ الْإِنْسانُ إذا رأى ما عراها من الأمر العظيم:
ما لَها ؟، أي: أيّ شيء عرض لها؟
[4] يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ الأرض أَخْبارَها ، أي: تشهد على العاملين بما عملوا على ظهرها، من خير و شر، فإن الأرض من جملة الشهود الذين يشهدون على العباد بأعمالهم.
[5] ذلك بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (5)، أي: أمرها أن تخبر بما عمل عليها، فلا تعصي لأمره.
[6] يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ من موقف القيامة أَشْتاتاً ، أي: فرقا متفاوتين. لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ أي: ليريهم اللّه ما عملوا من السيئات و الحسنات، و يريهم جزاءه موفورا.
[7- 8] فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) و هذا شامل عام للخير و الشر كله، لأنه إذا رأى مثقال الذرة، التي هي أحقر الأشياء، و جوزي عليها، فما فوق ذلك من باب أولى و أخرى، كما قال تعالى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً ، وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً . و هذا، فيه الترغيب في فعل الخير و لو قليلا، و الترهيب من فعل الشر و لو حقيرا. تم تفسير سورة الزلزلة- و الحمد للّه.
تفسير سورة العاديات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[1] أقسم تعالى بالخيل، لما فيها من آياته الباهرة، و نعمه الظاهرة، ما هو معلوم للخلق. و أقسم تعالى بها في الحال التي لا يشاركها فيه غيرها من أنواع الحيوانات، فقال: وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً (1)، أي: العاديات عدوا بليغا قويا، يصدر عنه الضبح، و هو صوت نفسها في صدرها، عند اشتداد عدوها.
[2] فَالْمُورِياتِ بحوافرهن ما يطأن عليه من الأحجار قَدْحاً ، أي: تنقدح النار من صلابة حوافرهن و قوتهن إذا عدون.
[3] فَالْمُغِيراتِ على الأعداء صُبْحاً ، و هذا أمر أغلبي، أن الغارة تكون صباحا.
[4] فَأَثَرْنَ بِهِ ، أي: بعدوهن، و غارتهن نَقْعاً ، أي: غبارا.
[5] فَوَسَطْنَ بِهِ ، أي: براكبهن جَمْعاً ، أي توسطن به جموع الأعداء، الذين أغار عليهم.
[6] و المقسم عليه قوله: إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6)، أي: منوع للخير، الذي للّه عليه. فطبيعة الإنسان و جبلته، أن نفسه، لا تسمح بما عليه من الحقوق، فتؤديها كاملة موفرة، بل طبيعتها الكسل و المنع لما عليها من
تيسير الكريم الرحمن، ص: 1124
الحقوق المالية و البدنية، إلّا من هداه اللّه و خرج عن هذا الوصف إلى وصف السماح بأداء الحقوق.
[7] وَ إِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ (7)، أي: إن الإنسان، على ما يعرف من نفسه من المنع و الكند، لشاهد بذلك، لا يجحده و لا ينكره، لأن ذلك، بيّن واضح. و يحتمل أن الضمير عائد إلى اللّه، أي: إن العبد لربه لكنود، و اللّه شهيد على ذلك، ففيه الوعيد، و التهديد الشديد، لمن هو عليه كنود، بأن اللّه عليه شهيد.
[8] وَ إِنَّهُ ، أي: الإنسان لِحُبِّ الْخَيْرِ ، أي:
المال لَشَدِيدٌ ، أي: كثير الحب للمال. و حبه لذلك، هو الذي أوجب له ترك الحقوق الواجبة عليه، قدم شهوة نفسه على رضا ربه، و كلّ هذا لأنه قصر نظره على هذه الدار، و غفل عن الآخرة. و لهذا قال- حاثا له على خوف يوم الوعيد-:
[9] أَ فَلا يَعْلَمُ ، أي: هلّا يعلم هذا المعتز إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ ، أي: أخرج اللّه الأموات من قبورهم، لحشرهم و نشرهم.
[10] وَ حُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ (10)، أي: ظهر و بان ما فيها، و ما استتر في الصدور من كمائن الخير و الشر، فصار السر علانية، و الباطن ظاهرا، و بان على وجوه الخلق نتيجة أعمالهم.
[11] إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11) بأعمالهم الظاهرة و الباطنة، الخفية و الجلية، و مجازيهم عليها. و خص خبرهم بذلك اليوم، مع أنه خبير بهم في كلّ وقت، لأن المراد بهذا، الجزاء على الأعمال، الناشئ عن علم اللّه، و اطلاعه. تم تفسير سورة العاديات، و للّه الحمد و المنة.
تفسير سورة القارعة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[1- 4] الْقارِعَةُ (1) من أسماء يوم القيامة، سميت بذلك، لأنها تقرع الناس و تزعجهم بأهوالها. و لهذا عظم أمرها، و فخمه بقوله: الْقارِعَةُ (1) مَا الْقارِعَةُ (2) وَ ما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ من شدة الفزع و الهول. كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ ، أي: كالجراد المنتشر، الذي يموج بعضه في بعض، و الفراش هي: الحيوانات التي تكون في الليل، يموج بعضها ببعض لا تدري أين توجه. فإذا أوقد لها نار، تهافتت إليها، لضعف إدراكها، فهذه حال الناس أهل العقول.
[5] و أما الجبال الصم الصلاب، فتكون كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ ، أي: كالصوف المنفوش، الذي بقي ضعيفا جدا، تطير به أدنى ريح. قال تعالى: وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ . ثمّ بعد ذلك، تكون هباء
تيسير الكريم الرحمن، ص: 1125
منثورا، فتضمحل و لا يبقى منها شيء يشاهد، فحينئذ تنصب الموازين، و ينقسم الناس قسمين: سعداء و أشقياء.
[6- 7] فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ (6)، أي: رجحت حسناته على سيئاته فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (7) في جنات النعيم.
[8] وَ أَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (8) بأن لم تكن له حسنات تقاوم سيئاته.
[9] فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (9)، أي: مأواه و مسكنه النار التي من أسمائها الهاوية، تكون له بمنزلة الأم الملازمة كما قال تعالى: إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً . و قيل: إن معنى ذلك، فأم دماغه هاوية في النار، أي: يلقى في النار على رأسه.
[10] وَ ما أَدْراكَ ما هِيَهْ (10) و هذا تعظيم لأمرها، ثمّ فسرها بقوله: نارٌ حامِيَةٌ (11)، أي: شديدة الحرارة، قد زادت حرارتها، على حرارة نار الدنيا بسبعين ضعفا. نستجير باللّه منها. تم تفسير سورة القارعة- بحمد اللّه و فضله.
سورة التكاثر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[1] يقول تعالى موبخا عباده عن اشتغالهم عما خلقوا له من عبادته وحده لا شريك له، و معرفته، و الإنابة إليه، و تقديم محبته على كلّ شيء. أَلْهاكُمُ عن ذلك المذكور التَّكاثُرُ ، و لم يذكر المتكاثر به، ليشمل ذلك كلّ ما يتكاثر به المتكاثرون، و يفتخر به المفتخرون، من الأموال، و الأولاد، و الأنصار، و الجنود، و الخدم، و الجاه، و غير ذلك مما يقصد منه مكاثرة كلّ واحد للآخر، و ليس المقصود منه وجه اللّه. فاستمرت غفلتكم، و لهوتكم، و تشاغلكم حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (2)، فانكشف حينئذ لكم الغطاء، و لكن بعد ما تعذر عليكم استئنافه.
[2] و دل قوله: حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (2) أن البرزخ دار، المقصود منها، النفوذ إلى الدار الآخرة، لأن اللّه سماهم زائرين، و لم يسمهم مقيمين.
[3- 5] فدل ذلك على البعث، و الجزاء على الأعمال، في دار باقية غير فانية، و لهذا توعدهم بقوله: كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5)، أي: لو تعلمون ما أمامكم، علما يصل إلى القلوب، لما ألهاكم التكاثر، و لبادرتهم إلى الأعمال الصالحة. و لكن عدم العلم الحقيقي، صيّركم إلى ما ترون.
[6] لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6)، أي: لترون القيامة، فلترون الجحيم، التي أعدها اللّه للكافرين.
[7] ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ (7)، أي: رؤية بصرية، كما قال تعالى: وَ رَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَ لَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (53).
[8] ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8) الذي تنعمتم به في دار الدنيا، هل قمتم بشكره، و أديتم حق اللّه فيه، و لم تستعينوا به على معاصيه، فينعمكم نعيما أعلى منه و أفضل. أم اغتررتم به، و لم تقوموا بشكره؟ بل ربما استعنتم به على المعاصي، فيعاقبكم على ذلك، قال تعالى: وَ يَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ
تيسير الكريم الرحمن، ص: 1126
طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَ اسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ الآية. تم تفسير سورة التكاثر- و للّه الحمد و الفضل.
سورة العصر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[1- 3] أقسم تعالى بالعصر، الذي هو الليل و النهار، محل أفعال العباد و أعمالهم أن كلّ إنسان خاسر، و الخاسر ضد الرابح. و الخسار مراتب متعددة متفاوته: قد يكون خسارا مطلقا، كحال من خسر الدنيا، و الآخرة، وفاته النعيم، و استحق الجحيم. و قد يكون خاسرا من بعض الوجوه، دون بعض، و لهذا عمم اللّه الخسار لكل إنسان، إلّا من اتصف بأربع صفات: الإيمان بما أمر اللّه بالإيمان به، و لا يكون الإيمان بدون العلم، فهو فرع عنه، لا يتم إلّا به. و العمل الصالح، و هذا شامل لأفعال الخير كلها، الظاهرة، و الباطنة، المتعلقة بحقوق اللّه، و حقوق عباده، الواجبة و المستحبة. و التواصي بالحق، الذي هو الإيمان و العمل الصالح، أي: يوصي بعضهم بعضا بذلك، و يحثه عليه، و يرغّبه فيه. و التواصي بالصبر على طاعة اللّه، و عن معصية اللّه، و على أقدار اللّه المؤلمة. فبالأمرين الأولين يكمل العبد نفسه، و بالأمرين الأخيرين، يكمل غيره.
و بتكميل الأمور الأربعة، يكون العبد، قد سلم من الخسار، و فاز بالربح العظيم. تم تفسير سورة العصر- بحمد اللّه و فضله.
تفسير سورة الهمزة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[1- 2] وَيْلٌ ، أي: وعيد، و وبال، و شدة عذاب لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ، أي: الذي يهمز الناس بفعله، و يلمزهم بقوله. فالهماز: الذي يعيب الناس، و يطعن عليهم بالإشارة و الفعل، و اللماز: الذي يعيبهم بقوله. و من صفة هذا الغماز، أنه لا همّ له سوى جمع المال و تعديده، و الغبطة به، و ليس له رغبة في إنفاقه، في طرق الخيرات، و صلة الأرحام، و نحو ذلك.
[3] يَحْسَبُ بجهله أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ في الدنيا، فلذلك كان كده و سعيه، في تنمية ماله، الذي يظن أنه ينمي عمره.
تيسير الكريم الرحمن، ص: 1127
[4- 5] كَلَّا لَيُنْبَذَنَ ، أي: ليطرحن فِي الْحُطَمَةِ وَ ما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) تعظيم لها، و تهويل لشأنها. ثمّ فسرها بقوله: [6- 7] نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) التي وقودها الناس و الحجارة و الَّتِي من شدتها تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ، أي: تنفذ من الأجساد إلى القلوب. و مع هذه الحرارة البليغة هم محبوسون فيها، قد أيسوا من الخروج منها. و لهذا قال:
[8- 9] إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8)، أي: مغلقة، فِي عَمَدٍ من خلف الأبواب مُمَدَّدَةٍ لئلا يخرجوا منها. كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها . نعوذ باللّه من ذلك، و نسأله العفو و العافية. تم تفسير سورة الهمزة- و للّه الحمد و الشكر.
سورة الفيل
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[1- 5] أي: أما رأيت من قدرة اللّه، و عظيم شأنه، و رحمته بعباده، و أدلة توحيده، و صدق رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم، ما فعله اللّه بأصحاب الفيل، الذين كادوا بيته الحرام، و أرادوا إخرابه. فتجهزوا لأجل ذلك، و استصحبوا معهم الفيلة لهدمه، و جاءوا بجمع لا قبل للعرب به، من الحبشة و اليمن. فلما انتهوا إلى قرب مكة، و لم يكن بالعرب مدافعة، و خرج أهل مكة خوفا منهم، أرسل اللّه عليهم طيرا أبابيل، أي: متفرقة، تحمل أحجارا محماة، من سجيل. فرمتهم بها، و تتبعت قاصيهم و دانيهم. فخمدوا و همدوا، و صاروا كعصف مأكول. و كفى اللّه شرهم، ورد كيدهم في نحورهم. و قصتهم معروفة مشهورة، و كانت تلك السنة التي ولد فيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم. فصارت من جملة إرهاصات دعوته، و أدلة رسالته، فللّه الحمد و الشكر. تم تفسير سورة الفيل- بحمد اللّه و فضله.
تفسير سورة قريش
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[1- 2] قال كثير من المفسرين: إن الجار و المجرور متعلق بالسورة التي قبلها، أي: فعلنا ما فعلنا بأصحاب الفيل لأجل قريش و أمنهم، و استقامة مصالحهم، و انتظام رحلتهم في الشتاء لليمن، و في الصيف للشام، لأجل التجارة و المكاسب. فأهلك اللّه من أرادهم بسوء، و عظم أمر الحرم و أهله في قلوب العرب، حتى احترموهم، و لم
تيسير الكريم الرحمن، ص: 1128
يعترضوا لهم، في أي سفر أرادوا.
[3] و لهذا أمرهم اللّه بالشكر، فقال؛ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (3)، أي: ليوحدوه، و يخلصوا له العبادة.
[4] الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَ آمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4) فرغد الرزق و الأمن من الخوف، من أكبر النعم الدنيوية، الموجبة لشكر اللّه تعالى. فلك اللهم الحمد و الشكر، على نعمك الظاهرة و الباطنة. و خصّ اللّه الربوبية بالبيت، لفضله و شرفه، و إلا فهو رب كل شيء. تم تفسير سورة قريش- بعون اللّه و تيسيره.
سورة الماعون
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[1] أَ رَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1)، أي: بالبعث و الجزاء، فلا يؤمن بما جاءت به الرسل.
[2] فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2)، أي: يدفعه بعنف و شدة، و لا يرحمه لقساوة قلبه؛ و لأنه لا يرجو ثوابا، و لا يخاف عقابا.
[3] وَ لا يَحُضُ غيره عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ ، و من باب أولى أنه بنفسه لا يطعم المسكين.
[4- 5] فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4)، أي: الملتزمين لإقامة الصلاة، و لكنهم عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ ، أي:
مضيعون لها، تاركون لوقتها، و مخلون بأركانها. و هذا لعدم اهتمامهم بأمر اللّه حيث ضيعوا الصلاة، التي هي أهم الطاعات. و السهو عن الصلاة، هو الذي يستحق صاحبه الذم و اللوم. و أما السهو في الصلاة، فهذا يقع من كل أحد، حتى من النبي صلّى اللّه عليه و سلم. و لهذا وصف اللّه هؤلاء بالرياء و القسوة، و عدم الرحمة، فقال:
[6] الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ (6)، أي: يعملون الأعمال، لأجل رئاء الناس.
[7] وَ يَمْنَعُونَ الْماعُونَ (7)، أي: يمنعون إعطاء الشيء، الذي لا يضر إعطاؤه على وجه العارية، أو الهبة، كالإناء، و الدلو، و الفأس، و نحو ذلك، مما جرت العادة ببذله، و السماح به. فهؤلاء- لشدة حرصهم- يمنعون الماعون، فكيف بما هو أكثر منه. و في هذه السورة، الحث على إطعام اليتيم، و المساكين، و التحضيض على ذلك، و مراعاة الصلاة، و المحافظة عليها، و على الإخلاص فيها، و في سائر الأعمال. و الحث على فعل المعروف، و بذل الأموال الخفيفة، كعارية الإناء، و الدلو، و الكتاب، و نحو ذلك، لأن اللّه، ذم من لم يفعل ذلك، و اللّه سبحانه أعلم. تم تفسير سورة الماعون- بعون اللّه و معونته.
تيسير الكريم الرحمن، ص: 1129
سورة الكوثر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[1] يقول اللّه تعالى لنبيه محمد صلّى اللّه عليه و سلم: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (1)، أي: الخير الكثير، و الفضل الغزير، الذي من جملته، ما يعطيه اللّه لنبيه صلّى اللّه عليه و سلم، من النهر الذي يقال له «الكوثر». و من الحوض، طوله شهر، و عرضه شهر، ماؤه أشد بياضا من اللبن، و أحلى من العسل، آنيته عدد نجوم السماء في كثرتها، و استنارتها، من شرب منه شربة، لم يظمأ بعدها أبدا. و لما ذكر منته عليه، أمره بشكرها فقال:
[2] فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ (2) خصّ هاتين العبادتين بالذكر، لأنهما أفضل العبادات، و أجلّ القربات. و لأن الصلاة تتضمن الخضوع في القلب و الجوارح للّه، و تنقله في أنواع العبودية. و في النحر، تقرب إلى اللّه، بأفضل ما عند العبد، من الأضاحي، و إخراج للمال الذي جبلت النفوس على محبته، و الشح به.
[3] إِنَّ شانِئَكَ ، أي: مبغضك و ذامك، و منتقصك هُوَ الْأَبْتَرُ ، أي: المقطوع من كل خير، مقطوع العمل، مقطوع الذكر. و أما محمد صلّى اللّه عليه و سلم، فهو الكامل حقا، الذي له الكمال الممكن للمخلوق، من رفع الذكر، و كثرة الأنصار و الأتباع، صلّى اللّه عليه و سلّم. تم تفسير سورة الكوثر- فللّه الحمد و الشكر.
تفسير سورة الكافرون
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[1- 2] أي: قل للكافرين معلنا و مصرحا لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (2)، أي: تبرّأ مما كانوا يعبدون من دون اللّه، ظاهرا و باطنا.
[3] وَ لا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (3) لعدم إخلاصكم في عبادتكم للّه، فعبادتكم له، المقترنة بالشرك، لا تسمى عبادة. و كرر ذلك، ليدل الأول على عدم وجود الفعل، و الثاني، على أن ذلك قد صار وصفا لازما. و لهذا ميز بين الفريقين، و فصل بين الطائفتين، فقال: