کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 403

جهل الجاهلين، و لا يقابل الجاني عليه بجرمه، فأبوه قال له: لَأَرْجُمَنَّكَ‏ و هو يقول له: سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي‏ . فعليكم أن تقتدوا به، و تتبعوا ملّة إبراهيم في كل شي‏ء إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ‏ كما نبهكم اللّه عليها، و على غيرها، و لهذا قال: وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً إلى‏ وَ لا نَصِيرٍ .

[115] يعني أن اللّه تعالى إذا منّ على قوم بالهداية، و أمرهم بسلوك الصراط المستقيم، فإنه تعالى يتمم عليهم إحسانه، و يبين لهم جميع ما يحتاجون إليه، و تدعو إليه ضرورتهم، فلا يتركهم ضالين، جاهلين بأمور دينهم، ففي هذا دليل على كمال رحمته، و أن شريعته وافية، بجميع ما يحتاجه العباد في أصول الدين و فروعه. و يحتمل أن المراد بذلك‏ وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ‏ فإذا بين لهم ما يتقون، فلم ينقادوا له، عاقبهم بالإضلال، جزاء لهم، على ردهم الحقّ المبين، و الأول أولى. إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ‏ فلكمال علمه و عمومه علمكم ما لم تكونوا تعلمون، و بين لكم ما به تنتفعون.

[116] إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يُحْيِي وَ يُمِيتُ‏ أي: هو المالك لذلك، المدبر لعباده بالإحياء و الإماتة، و أنواع التدابير الإلهية، فإذا كان لا يخل بتدبيره القدري فكيف يخل بتدبيره الديني، المتعلق بإلهيته، و يترك عباده سدى مهملين، أو يدعهم ضالين جاهلين، و هو أعظم تولية لعباده؟ فلهذا قال: وَ ما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا نَصِيرٍ أي: ولي يتولاكم، بجلب المنافع لكم، أو نصير يدفع عنكم المضار.

[117] يخبر تعالى أنه من لطفه و إحسانه‏ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِ‏ محمد صلّى اللّه عليه و سلم‏ وَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ فغفر لهم الزلات، و وفر لهم الحسنات، و رقاهم إلى أعلى الدرجات، و ذلك بسبب قيامهم بالأعمال الصعبة الشاقات، و لهذا قال: الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ أي: خرجوا معه لقتال الأعداء في غزوة «تبوك» و كانت في حر شديد، و ضيق من الزاد و الركوب، و كثرة عدد مما يدعو إلى التخلف. فاستعانوا باللّه تعالى، و قاموا بذلك‏ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ‏ أي: تنقلب قلوبهم، و يميلوا إلى الدعة و السكون، و لكن اللّه ثبتهم، و أيدهم و قواهم.

و زيغ القلب، هو انحرافه عن الصراط المستقيم، فإن كان الانحراف في أصل الدين، كان كفرا، و إن كان في شرائعه، كان بحسب تلك الشريعة، التي زاغ عنها، إما قصر عن فعلها، أو فعلها على غير الوجه الشرعي. و قوله:

ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ‏ أي: قبل توبتهم‏ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ‏ ، و من رأفته و رحمته، أن منّ عليهم بالتوبة، و قبلها منهم، و ثبتهم عليها.

[118] وَ كذلك لقد تاب‏ عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا عن الخروج مع المسلمين في تلك الغزوة، و هم:

«كعب بن مالك» و صاحباه، و قصتهم مشهورة، معروفة، في الصحاح و السنن. حَتَّى إِذا حزنوا حزنا عظيما، و ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ‏ أي: على سعتها و رحبها وَ ضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ‏ التي هي أحب إليهم من كل شي‏ء، فضاق عليهم الفضاء الواسع، و المحبوب الذي لم تجر العادة بالضيق منهم، و ذلك لا يكون إلا من أمر مزعج، بلغ من الشدة و المشقة، ما لا يمكن التعبير عنه، و ذلك لأنهم قدموا رضا اللّه و رضا رسوله على كل شي‏ء.

وَ ظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ‏ أي: تيقنوا، و عرفوا بحالهم، أنه لا ينجي من الشدائد، و يلجأ إليه، إلا اللّه وحده لا شريك به، فانقطع تعلقهم بالمخلوقين، و تعلقوا باللّه ربهم، و فروا منه إليه، فمكثوا بهذه الشدة نحو خمسين ليلة. ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ‏ أي: أذن في توبتهم، و وفقهم لها لِيَتُوبُوا لتقع منهم، فيتوب اللّه عليهم. إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ‏ أي: كثير التوبة و العفو، و الغفران عن الزلات و النقصان. الرَّحِيمُ‏ وصفه الرحمة العظيمة التي لا تزال تنزل على العباد، في كل وقت و حين، في جميع اللحظات، ما تقوم به أمورهم الدينية و الدنيوية. و في هذه الآيات دليل على أن توبة اللّه على العبد، أجل الغايات، و أعلى النهايات، فإن اللّه جعلها نهاية خواص عباده، و امتنّ عليهم بها، حين عملوا الأعمال التي يحبها و يرضاها. و منها: لطف اللّه بهم، و تثبيتهم في إيمانهم، عند الشدائد،

تيسير الكريم الرحمن، ص: 404

و النوازل المزعجة. و منها: أن العبادة الشاقة على النفس، لها فضل و مزية، ليست لغيرها، و كلما عظمت المشقة، عظم الأجر. و منها: أن توبة اللّه على عبده، بحسب ندمه و أسفه الشديد، و أن من لا يبالي بالذنب، و لا يحرج إذا فعله، فإن توبته مدخولة، و إن زعم أنها مقبولة. و منها: أن علامة الخير و زوال الشدة، إذا تعلق القلب باللّه تعالى، تعلقا تاما، و انقطع عن المخلوقين. و منها: أن من لطف اللّه بالثلاثة، أن و سمهم بوسم، ليس بعار عليهم فقال: أَخْلَفُوا إشارة إلى أن المؤمنين خلفوهم، أو خلفوا عن من بتّ في قبول عذرهم، أو في رده، و أنهم لم يكن تخلفهم، رغبة عن الخير، و لهذا لم يقل: «تخلفوا». و منها: أنّ اللّه تعالى منّ عليهم بالصدق، و لهذا أمر بالاقتداء بهم فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الآية.

[119] أي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا باللّه، و بما أمر اللّه بالإيمان به، قوموا بما يقتضيه الإيمان، و هو القيام بتقوى اللّه، باجتناب ما نهى اللّه عنه، و البعد عنه. وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ‏ في أقوالهم، و أفعالهم و أحوالهم، الّذين أقوالهم صدق، و أعمالهم، و أحوالهم لا تكون إلا صدقا خالية من الكسل و الفتور، سالمة من المقاصد السيئة، مشتملة على الإخلاص و النية الصالحة، فإن الصدق يهدي إلى البر، و إن البر يهدي إلى الجنّة. قال تعالى: هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ‏ الآية.

[120] يقول تعالى- حاثا لأهل المدينة المنورة من المهاجرين، و الأنصار، و من حولها من الأعراب، الّذين أسلموا، فحسن إسلامهم-: ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَ مَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ‏ أي: ما ينبغي لهم ذلك، و لا يليق بأحوالهم. وَ لا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ‏ في بقائها و راحتها، و سكونها عَنْ نَفْسِهِ‏ الكريمة الزكية، بل النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فعلى كل مسلم أن يفدي النبي صلّى اللّه عليه و سلّم بنفسه، و يقدمه عليها. فعلامة تعظيم الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم و محبته و الإيمان التام به، أن لا يتخلفوا عنه، ثمّ ذكر الثواب الحامل على الخروج فقال: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ‏ أي:

المجاهدين في سبيل اللّه‏ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَ لا نَصَبٌ‏ أي: تعب و مشقة وَ لا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏ أي: مجاعة.

وَ لا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ من الخوض لديارهم و الاستيلاء على أوطانهم، وَ لا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا كالظفر بجيش، أو سرية، أو الغنيمة لمال‏ إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ‏ لأن هذه آثار ناشئة عن أعمالهم.

إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ‏ الّذين أحسنوا في مبادرتهم إلى أمر اللّه، و قيامهم بما عليهم من حقه، و حق خلقه، فهذه الأعمال، آثار من آثار عملهم.

[121] ثمّ قال: وَ لا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً وَ لا يَقْطَعُونَ وادِياً في ذهابهم إلى عدوهم‏ إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ‏ . و من ذلك، هذه الأعمال، إذا أخلصوا فيها للّه، و نصحوا فيها. ففي هذه الآيات، أشد ترغيب، و تشويق للنفوس إلى الخروج إلى الجهاد في سبيل اللّه، و الاحتساب لما يصيبهم فيه من المشقات، و أن ذلك لهم رفعة درجات و أن الآثار المترتبة على عمل العبد له، فيها أجر كبير.

[122] يقول تعالى:- منبها لعباده المؤمنين على ما ينبغي لهم- وَ ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً أي:

تيسير الكريم الرحمن، ص: 405

جميعا لقتال عدوهم، فإنه يحصل عليهم المشقة بذلك، و يفوت به كثير من المصالح الأخرى، فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ‏ أي: من البلدان، و القبائل، و الأفخاذ طائِفَةٌ تحصل بها الكفاية و المقصود لكان أولى. ثمّ نبه على أن في إقامة المقيمين منهم، و عدم خروجهم مصالح لو خرجوا لفاتتهم، فقال: لِيَتَفَقَّهُوا أي: القاعدون‏ فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ‏ أي: ليتعلموا العلم الشرعي، و يعلموا معانيه، و يفقهوا أسراره، و ليعلموا غيرهم، و لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم. ففي هذا فضيلة العلم، خصوصا الفقه في الدين، و أنه أهم الأمور، و أن من تعلم علما، فعليه نشره و بثه في العباد، و نصيحتهم فيه فإن انتشار العلم عن العالم، من بركته و أجره الذي ينمى. و أما اقتصار العالم على نفسه، و عدم دعوته إلى سبيل اللّه، بالحكمة، و الموعظة الحسنة، و ترك تعليم الجهال ما لا يعلمون، فأي منفعة حصلت للمسلمين منه؟ و أي نتيجة نتجت من علمه؟ و غايته أن يموت، فيموت علمه و ثمرته، و هذا غاية الحرمان، لمن آتاه اللّه علما و منحه فهما. و في هذه الآية أيضا دليل، و إرشاد، و تنبيه لطيف، لفائدة مهمة، و هي: أن المسلمين ينبغي لهم، أن يعدوا لكل مصلحة من مصالحهم العامة، من يقوم بها، و يوفر وقته عليها، و يجتهد فيها، و لا يلتفت إلى غيرها، لتقوم مصالحهم، و تتم منافعهم، و لتكون وجهة جميعهم، و نهاية ما يقصدون قصدا واحدا، و هو قيام مصلحة دينهم و دنياهم، و لو تفرقت الطرق، و تعددت المشارب، فالأعمال متباينة، و القصد واحد، و هذه من الحكمة العامة النافعة في جميع الأمور.

[123] و هذا أيضا إرشاد آخر، بعد ما أرشدهم إلى التدبير فيمن يباشر القتال، أرشدهم إلى أنهم يبدؤون بالأقرب فالأقرب، من الكفار، و الغلظة عليهم، و الشدة في القتال، و الشجاعة و الثبات. وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ‏ أي: و ليكن لديكم علم، أن المعونة من اللّه، تنزل بحسب التقوى، فلازموا على تقوى اللّه، يعنكم و ينصركم على عدوكم. و هذا العموم في قوله: قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ مخصوص بما إذا كانت المصلحة في قتال غير الّذين يلوننا، و أنواع المصالح كثيرة جدا.

[124] يقول تعالى: مبينا حال المنافقين، و حال المؤمنين عند نزول القرآن، و تفاوت ما بين الفريقين فقال:

وَ إِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فيها الأمر، و النهي، و الخبر عن نفسه الكريمة، و عن الأمور الغائبة، و الحث على الجهاد.

فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً أي: حصل الاستفهام لمن حصل له الإيمان بها، من الطائفتين.

[125- 126] قال تعالى- مبينا الحال الواقعة-: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً بالعلم بها، و فهمها، و اعتقادها، و العمل بها، و الرغبة في فعل الخير، و الانكفاف عن فعل الشر. وَ هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ‏ أي: يبشر بعضهم بعضا، بما منّ اللّه عليهم من آياته، و التوفيق لفهمها و العمل بها. و هذا دال على انشراح صدورهم لآيات اللّه، و طمأنينة قلوبهم، و سرعة انقيادهم، لما تحثهم عليه. وَ أَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ‏ أي: شك و نفاق‏ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ‏ أي: مرضا إلى مرضهم، و شكا إلى شكهم، من حيث أنهم كفروا بها، و عاندوها، و أعرضوا

تيسير الكريم الرحمن، ص: 406

عنها، فازداد لذلك مرضهم، و ترامى بهم إلى الهلاك‏ وَ الطبع على قلوبهم، حتى‏ ماتُوا وَ هُمْ كافِرُونَ‏ .

و هذا عقوبة لهم، لأنهم كفروا بآيات اللّه، و عصوا رسوله، فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه. قال تعالى- موبخا لهم على إقامتهم على ما هم عليه من الكفر و النفاق-: أَ وَ لا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ‏ بما يصيبهم من البلايا و الأمراض، و بما يبتلون من الأوامر الإلهية التي يراد بها اختبارهم. ثُمَّ لا يَتُوبُونَ‏ عما هم عليه من الشر وَ لا هُمْ يَذَّكَّرُونَ‏ ما ينفعهم، فيفعلونه، و ما يضرهم فيتركونه. فاللّه تعالى يبتليهم- كما هي سنته في سائر الأمم- بالسراء و الضراء و بالأوامر و النواهي، ليرجعوا إليه، ثمّ لا يتوبون، و لا هم يذكرون. و في هذه الآيات، دليل على أن الإيمان يزيد و ينقص، و أنه ينبغي للمؤمن أن يتفقد إيمانه و يتعاهده، فيجدده و ينميه، ليكون دائما في صعود.

[127] و قوله: وَ إِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ إلى‏ لا يَفْقَهُونَ‏ ، يعني: أن المنافقين الّذين يحذرون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم. إِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ ليؤمنوا بها، و يعملوا بمضمونها، نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى‏ بَعْضٍ‏ جازمين على ترك العمل بها، ينتظرون الفرصة، في الاختفاء عن أعين المؤمنين، و يقولون: هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا متسللين، و انقلبوا معرضين، فجازاهم اللّه بعقوبة من جنس عملهم، فكما انصرفوا عن العمل‏ صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ‏ أي: صدها عن الحقّ و خذلها. بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ‏ فقها ينفعهم، فإنهم لو فقهوا، لكانوا- إذا نزلت سورة- آمنوا بها، و انقادوا لأمرها. و المقصود من هذا بيان شدة نفورهم عن الجهاد و غيره من شرائع الإيمان، كما قال تعالى عنهم: فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَ ذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ‏ .

[128- 129] يمتن تعالى على عباده المؤمنين بما بعث فيهم النبي الأمي الذي من أنفسهم، يعرفون حاله، و يتمكنون من الأخذ عنه، و لا يأنفون عن الانقياد له، و هو صلّى اللّه عليه و سلّم في غاية النصح لهم، و السعي في مصالحهم.

عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ‏ أي: يشق عليه الأمر، الذي يشق عليكم و يعنتكم. حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ‏ فيحب لكم الخير، و يسعى جهده في إيصاله إليكم، و يحرص على هدايتكم إلى الإيمان، و يكره لكم الشر، و يسعى جهده في تنفيركم عنه. بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ‏ أي: شديد الرأفة و الرحمة بهم، أرحم بهم من والديهم. و لهذا كان حقه مقدما على سائر حقوق الخلق، و واجب على الأمة الإيمان به، و تعظيمه، و توقيره، و تعزيره، فَإِنْ‏ آمنوا، فذلك حظهم و توفيقهم، و إن‏ تَوَلَّوْا عن الإيمان و العمل، فامض على سبيلك، و لا تزل في دعوتك، و قل: حَسْبِيَ اللَّهُ‏ أي: اللّه يكفيني جميع ما أهمني، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ أي: لا معبود بحق سواه. عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ‏ أي:

اعتمدت، و وثقت به، في جلب ما ينفع، و دفع ما يضر، وَ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ‏ الذي هو أعظم المخلوقات.

و إذا كان رب العرش العظيم، الذي وسع المخلوقات، كان ربّا لما دونه من باب أولى، و أحرى.

تمّ تفسير سورة التوبة بعون اللّه و منّه، فللّه الحمد، أولا و آخرا، و ظاهرا و باطنا.

تفسير سورة يونس‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1- 2] يقول تعالى: الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ‏ (1) و هو هذا القرآن، المشتمل على الحكمة و الأحكام،

تيسير الكريم الرحمن، ص: 407

الدالة آياته على الحقائق الإيمانية، و الأوامر و النواهي الشرعية، الذي على جميع الأمة تلقيه بالرضا و القبول و الانقياد. و مع هذا، فأعرض أكثرهم فهم لا يعلمون، فتعجبوا أَنْ أَوْحَيْنا إِلى‏ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ‏ عذاب اللّه، و خوفهم نقم اللّه، و ذكرهم بآيات اللّه.

وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا إيمانا صادقا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ‏ أي: لهم جزاء موفور، و ثواب مدخور عند ربهم، بما قدموه، و أسلفوه من الأعمال الصالحة الصادقة.

فتعجب الكافرون من هذا الرجل العظيم تعجبا حملهم على الكفر به، قالَ الْكافِرُونَ‏ عنه: إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ‏ أي: بيّن السحر، لا يخفى- بزعمهم- على أحد، و هذا من سفههم و عنادهم، فإنهم تعجبوا من أمر، ليس مما يتعجب منه، و يستغرب، و إنما يتعجب من جهالتهم و عدم معرفتهم بمصالحهم. كيف لم يؤمنوا بهذا الرسول الكريم، الذي بعثه اللّه من أنفسهم، يعرفونه حق المعرفة، فردوا دعوته، و حرصوا على إبطال دينه، و اللّه متمم نوره، و لو كره الكافرون.

[3] يقول تعالى- مبينا لربوبيته، و إلهيته، و عظمته-: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ‏ مع أنه قادر على خلقها في لحظة واحدة. و لكن لما له في ذلك من الحكمة الإلهية، و لأنه رفيق في أفعاله. و من جملة حكمته فيها، أنه خلقها بالحق و للحق، ليعرف بأسمائه و صفاته و يفرد بالعبادة. ثُمَ‏ بعد خلق السموات و الأرض‏ اسْتَوى‏ عَلَى الْعَرْشِ‏ استواء يليق بعظمته. يُدَبِّرُ الْأَمْرَ في العالم العلوي، و السفلي، من الإماتة و الإحياء، و إنزال الأرزاق، و مداولة الأيام بين الناس، و كشف الضر عن المضرورين، و إجابة سؤال السائلين. فأنواع التدابير، نازلة منه، و صاعدة إليه، و جميع الخلق، مذعنون لعزته، خاضعون لعظمته و سلطانه. ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ‏ فلا يقدم أحد منهم على الشفاعة، و لو كان أفضل الخلق، حتى يأذن اللّه، و لا يأذن، إلا لمن ارتضى، و لا يرتضي إلا أهل الإخلاص و التوحيد له. ذلِكُمُ‏ الذي هذا شأنه‏ اللَّهُ رَبُّكُمْ‏ أي: هو اللّه الذي له وصف الإلهية الجامعة لصفات الكمال، و وصف الربوبية الجامعة لصفات الأفعال. فَاعْبُدُوهُ‏ أي: أفردوه بجميع ما تقدرون عليه من أنواع العبودية. أَ فَلا تَذَكَّرُونَ‏ الأدلة الدالة، على أنه وحده، المعبود المحمود، ذو الجلال و الإكرام.

[4] فلما ذكر حكمه القدري، و هو التدبير العام، و حكمه الديني، و هو شرعه، الذي مضمونه و مقصوده، عبادته وحده لا شريك له، ذكر الحكم الجزائي، و هو: مجازاته على الأعمال بعد الموت، فقال: إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً أي: سيجمعكم بعد موتكم، لميقات يوم معلوم. وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا أي: وعده صادق، لا بد من إتمامه‏ إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ‏ ، فالقادر على ابتداء الخلق، قادر على إعادته. و الذي يرى ابتداءه بالخلق، ثمّ ينكر إعادته للخلق، فهو فاقد العقل، منكر لأحد المثلين، مع إثبات ما هو أولى منه، فهذا دليل عقلي واضح على المعاد. ثمّ ذكر الدليل النقلي فقال: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا بقلوبهم بما أمرهم اللّه بالإيمان به. وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ‏ بجوارحهم، من واجبات، و مستحبات، بِالْقِسْطِ أي: بإيمانهم و أعمالهم، جزاء قد بينه لعباده، و أخبر أنه لا تعلم نفس ما أخفي‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 408

لهم من قرة أعين، وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بآيات اللّه، و كذبوا رسل اللّه. لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ‏ أي: ماء حار، يشوي الوجوه، و يقطع الأمعاء. وَ عَذابٌ أَلِيمٌ‏ من سائر أصناف العذاب‏ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ‏ ، أي: بسبب كفرهم و ظلمهم، و ما ظلمهم اللّه، و لكن أنفسهم يظلمون.

[5- 6] لما قرر ربوبيته، و إلهيته، ذكر الأدلة العقلية الأفقية، الدالة على ذلك و على كماله، في أسمائه و صفاته، من الشمس و القمر، و السموات و الأرض و جميع ما خلق فيهما من سائر أصناف المخلوقات، و أخبر أنها آيات‏ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ‏ و لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ‏ . فإن العلم يهدي إلى معرفة الدلالة فيها، و كيفية استنباط الدلائل على أقرب وجه، و التقوى تحدث في القلب، الرغبة في الخير، و الرهبة من الشر، الناشئين عن الأدلة و البراهين، و عن العلم و اليقين.

و حاصل ذلك أن مجرد خلق هذه المخلوقات بهذه الصفة، دال على كمال قدرة اللّه تعالى، و علمه، و حياته، و قيوميته، و ما فيها من الأحكام، و الإتقان، و الإبداع و الحسن، دال على كمال حكمة اللّه، و حسن خلقه و سعة علمه. و ما فيها من أنواع المنافع و المصالح- كجعل الشمس ضياء، و القمر نورا، يحصل بهما من النفع الضروري و غيره مما يحصل- يدل ذلك على رحمة اللّه تعالى و اعتنائه بعباده و سعة بره و إحسانه، و ما فيها من التخصيصات، دال على مشيئة اللّه، و إرادته النافذة. و ذلك دال على أنه وحده المعبود، و المحبوب المحمود، ذو الجلال و الإكرام، و الأوصاف العظام، الذي لا تنبغي الرغبة و الرهبة، إلا إليه، و لا يصرف خالص الدعاء إلا له، لا لغيره، من المخلوقات المربوبات، المفتقرات إلى اللّه، في جميع شؤونها. و في هذه الآيات الحث و الترغيب على التفكير في مخلوقات اللّه، و النظر فيها، بعين الاعتبار. فإن بذلك تنفسح البصيرة، و يزداد الإيمان و العقل، و تقوى القريحة. و في إهمال ذلك، تهاون بما أمر اللّه به، و إغلاق لزيادة الإيمان، و جمود للذهن و القريحة.

[7] يقول تعالى: إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا أي: لا يطمعون بلقاء اللّه، الذي هو أكبر ما طمع فيه الطامعون، و أعلى ما أمله المؤملون، بل أعرضوا عن ذلك، و ربما كذبوا به‏ وَ رَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا بدلا عن الآخرة.

وَ اطْمَأَنُّوا بِها أي: ركنوا إليها، و جعلوها غاية أمرهم، و نهاية قصدهم. فسعوا لها، و أكبوا على لذاتها و شهواتها، بأي طريق حصلت، حصلوها، و من أي وجه لاحت، ابتدروها، قد صرفوا إرادتهم و نياتهم و أفكارهم و أعمالهم إليها. فكأنهم خلقوا للبقاء فيها، و كأنها ليست بدار ممر، يتزود فيها المسافرون، إلى الدار الباقية التي إليها، يرحل الأولون و الآخرون، و إلى نعيمها و لذاتها شمر الموفقون. وَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ‏ فلا ينتفعون بالآيات القرآنية، و لا بالآيات الأفقية و النفسية، و الإعراض عن الدليل، مستلزم للإعراض و الغفلة، عن المدلول المقصود.

[8] أُولئِكَ‏ الّذين هذا وصفهم‏ مَأْواهُمُ النَّارُ أي: مقرهم و مسكنهم، التي لا يرحلون عنها. بِما كانُوا يَكْسِبُونَ‏ من الكفر و الشرك، و أنواع المعاصي. فلما ذكر عقابهم، ذكر ثواب المطيعين فقال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا إلى‏ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ .

تيسير الكريم الرحمن، ص: 409

[9] يقول تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ‏ أي: جمعوا بين الإيمان، و القيام بموجبه و مقتضاه من الأعمال الصالحة، المشتملة على أعمال القلوب، و أعمال الجوارح، على وجه الإخلاص و المتابعة. يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ‏ أي: بسبب ما معهم من الإيمان، يثيبهم اللّه أعظم الثواب، و هو: الهداية، فيعلمهم ما ينفعهم، و يمن عليهم بالأعمال الناشئة عن الهداية، و يهديهم للنظر في آياته، و يهديهم في هذه الدار، إلى الصراط المستقيم، و في دار الجزاء إلى الصراط الموصل إلى جنات النعيم، و لهذا قال:

تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ الجارية على الدوام‏ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ‏ . أضافها اللّه إلى النعيم، لاشتمالها على النعيم التام.

نعيم القلب بالفرح و السرور، و البهجة و الحبور، و رؤية الرحمن، و سماع كلامه، و الاغتباط برضاه و قربه، و لقاء الأحبة و الإخوان، و التمتع بالاجتماع بهم، و سماع الأصوات المطربات، و النغمات المشجيات، و المناظر المفرحات. و نعيم البدن بأنواع المآكل، و المشارب، و المناكح، و نحو ذلك، مما لا تعلمه النفوس، و لا خطر ببال أحد، أو قدر أن يصفه الواصفون.

[10] دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَ‏ أي عبادتهم فيها للّه، أولها تسبيح للّه و تنزيه له عن النقائص، و آخرها، تحميد للّه، فالتكاليف سقطت عنه في دار الجزاء، و إنّما بقي لهم، أكمل اللذات، الذي هو ألذ عليهم من المآكل اللذيذة، ألا و هو: ذكر اللّه الذي تطمئن به القلوب، و تفرح به الأرواح، و هو لهم بمنزلة النّفس، من دون كلفة و مشقة.

وَ أما تَحِيَّتُهُمْ فِيها فيما بينهم عند التلاقي و التزاور، فهو السّلام، أي: كلام سالم من اللغو و الإثم، موصوف بأنه‏ سَلامٌ‏ ، و قد قيل في تفسير قوله: دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ‏ إلى آخر الآية، أن أهل الجنة- إذا احتاجوا إلى الطعام و الشراب و نحوهما- قالوا سبحانك اللهم، فأحضر لهم في الحال. وَ آخِرُ دَعْواهُمْ‏ إذا فرغوا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ .

[11] و هذا من لطفه و إحسانه بعباده، أنه لو عجل لهم الشر، إذا أتوا بأسبابه، و بادرهم بالعقوبة على ذلك، كما يعجل لهم الخير إذا أتوا بأسبابه‏ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ‏ أي لمحقتهم العقوبة. و لكنه تعالى، يمهلهم، و لا يهملهم، و يعفو عن كثير من حقوقه، فلو يؤاخذ اللّه الناس بظلمهم، ما ترك على ظهرها من دابة. و يدخل في هذا، أن العبد إذا غضب على أولاده، أو أهله، أو ماله، ربما دعا عليهم دعوة، لو قبلت منه لهلكوا، و لأضره ذلك غاية الضرر، و لكنه تعالى حليم حكيم. و قوله: فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا أي: لا يؤمنون بالآخرة، فلذلك لا يستعدون لها، و لا يعملون ما ينجيهم من عذاب اللّه، فِي طُغْيانِهِمْ‏ أي: باطلهم، الذي جاوزروا به الحقّ و الحد.

يَعْمَهُونَ‏ يترددون حائرين، لا يهتدون السبيل، و لا يوفقون لأقوم دليل، و ذلك عقوبة لهم على ظلمهم، و كفرهم بآيات اللّه.

صفحه بعد