کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1093

و عصيانه، بقول لين، و خطاب لطيف لعله‏ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى‏ .

[18] فَقُلْ‏ له: هَلْ لَكَ إِلى‏ أَنْ تَزَكَّى‏ ، أي: هل لك في خصلة حميدة، و محمدة جميلة، يتنافس فيها أولو الألباب، و هي أن تزكّي نفسك، و تطهرها من دنس الكفر و الطغيان، إلى الإيمان و العمل الصالح؟

[19] وَ أَهْدِيَكَ إِلى‏ رَبِّكَ‏ ، أي: أدلك عليه، و أبيّن لك مواقع رضاه، من مواقع سخطه. فَتَخْشى‏ اللّه، إذا علمت الصراط المستقيم، فامتنع فرعون مما دعاه إليه موسى.

[20] فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى‏ (20)، أي: جنس الآية الكبرى، فلا ينافي تعددها فَأَلْقى‏ عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (107) وَ نَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ* (108).

[21- 23] فَكَذَّبَ‏ بالحق‏ وَ عَصى‏ الأمر، ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى‏ (22)، أي: يجتهد في مبارزة الحقّ. فَحَشَرَ جنوده أي: جمعهم‏ فَنادى‏ فَقالَ‏ لهم: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى‏ فأذعنوا له، و أقروا بباطله، حين استخفهم.

[25] فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَ الْأُولى‏ (25) أي: جعل اللّه عقوبته، دليلا و زاجرا، و مبينة لعقوبة الدنيا و الآخرة.

[26] إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى‏ (26)، فإن من يخشى اللّه، هو الذي ينتفع بالآيات و العبر. فإذا رأى عقوبة فرعون، عرف أن من تكبر و عصى، و بارز الملك الأعلى، يعاقبه في الدنيا و الآخرة، و أما من ترحلت خشية اللّه من قلبه، فلو جاءته كل آية لا يؤمن بها.

[27] يقول تعالى- مبينا دليلا واضحا لمنكري البعث، و مستبعدي إعادة اللّه للأجساد-: أَ أَنْتُمْ‏ أيها البشر أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ ذات الجرم العظيم، و الخلق القوي، و الارتفاع الباهر بَناها اللّه.

[28] رَفَعَ سَمْكَها ، أي:

جرمها و صورتها فَسَوَّاها بإحكام و إتقان، يحير العقول، و يذهل الألباب.

[29] وَ أَغْطَشَ لَيْلَها ، أي: أظلمه، فعمت الظلمة، جميع أرجاء السماء، فأظلم وجه الأرض. وَ أَخْرَجَ ضُحاها ، أي: أظهر فيه النور العظيم، حين أتى بالشمس، فانتشر الناس في مصالح دينهم و دنياهم.

[30] وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ‏ أي: بعد خلق السماء دَحاها ، أي: أودع فيها منافعها.

[31- 32] و فسر ذلك بقوله: أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَ مَرْعاها (31) وَ الْجِبالَ أَرْساها (32)، أي: ثبتها بالأرض. فدحى الأرض بعد خلق السماوات، كما هو نص هذه الآيات الكريمة. و أما خلق نفس الأرض، فمتقدم على خلق السماء كما قال تعالى: * قُلْ أَ إِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَ تَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ‏ (9) إلى أن قال: فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ‏ .

فالذي خلق السماوات العظام و ما فيها من الأنوار و الأجرام، و الأرض الغبراء الكثيفة، و ما فيها من ضروريات الخلق و منافعهم، لا بد أن يبعث الخلق المكلفين، فيجازيهم بأعمالهم، فمن أحسن فله الحسنى، و من أساء فلا يلومن إلا نفسه.

[34] و لهذا ذكر بعد هذا قيام الساعة، ثم الجزاء، فقال: فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ ، إلى: هِيَ الْمَأْوى‏ . أي: إذا جاءت القيامة الكبرى، و الشدة العظمى، الّتي يهون عندها كلّ شدة، فحينئذ يذهل الوالد عن ولده، و الصاحب عن‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1094

صاحبه، و كلّ محب عن حبيبه.

[35] و يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى‏ في الدنيا، من خير و شر، فيتمنى زيادة مثقال ذرة في حسناته، و يغمّ و يحزن لزيادة مثقال ذرة في سيئاته. و يعلم إذ ذاك أن مادة ربحه و خسرانه ما سعاه في الدنيا، و ينقطع كلّ سبب وصلة كانت له في الدنيا، سوى الأعمال.

[36] وَ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى‏ (36)، أي: جعلت في البراز، ظاهرة لكل أحد قد هيئت لأهلها، و استعدت لأخذهم، منتظرة لأمر ربها.

[37] فَأَمَّا مَنْ طَغى‏ (37)، أي: جاوز الحد، بأن تجرأ على المعاصي الكبار، و لم يقتصر على ما حده اللّه.

[38] وَ آثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (38) على الآخرة، فصار سعيه لها، و وقته مستغرقا في حظوظها و شهواتها، و نسي الآخرة و العمل لها.

[39] فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى‏ (39) له، أي: المقر و المسكن لمن هذه حاله.

[40] وَ أَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ‏ أي: خاف القيام عليه، و مجازاته بالعدل فأثّر هذا الخوف في قلبه، وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى‏ الذي يصدها عن طاعة اللّه، و صار هواه تبعا لما جاء به الرسول، و جاهد الهوى و الشهوة، الصادّين عن الخير.

[41] فَإِنَّ الْجَنَّةَ المشتملة على كلّ خير و سرور و نعيم‏ هِيَ الْمَأْوى‏ لمن هذا وصفه.

[42] أي: يسألك المتعنتون المكذبون بالبعث‏ عَنِ السَّاعَةِ متى وقوعها أَيَّانَ مُرْساها ، فأجابهم اللّه بقوله:

[43] فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (43)، أي: ما الفائدة لك و لهم في ذكرها، و معرفة وقت مجيئها؟ فليس تحت ذلك نتيجة. و لهذا لما كان علم العباد للساعة، ليس لهم فيه مصلحة دينية و لا دنيوية، بل المصلحة في إخفائه عليهم، طوى علم ذلك عن جميع الخلق، و استأثر بعلمه فقال:

[44] إِلى‏ رَبِّكَ مُنْتَهاها (44)، أي: إليه ينتهي علمها، كما قال في الآية الأخرى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ .

[45] إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (45)، أي: إنّما نذارتك، نفعها لمن يخشى مجي‏ء الساعة، و يخاف الوقوف بين يدي اللّه، فهم الّذين لا يهمهم إلا الاستعداد لها، و العمل لأجلها. و أما من لم يؤمن بها، فلا يبالي به، و لا بتعنته، لأنه تعنت مبني على التكذيب و العناد، و إذا وصل إلى هذه الحال، كانت الإجابة عنه عبثا، ينزه أحكم الحاكمين عنه‏

[46] كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها (46). تم تفسير سورة النازعات- بعون اللّه و توفيقه.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1095

سورة عبس‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] سبب نزول هذه الآيات الكريمات، أنه جاء رجل من المؤمنين أعمى يسأل النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و يتعلم منه. و جاء رجل من الأغنياء، و كان صلّى اللّه عليه و سلّم حريصا على هداية الخلق، فمال صلّى اللّه عليه و سلّم و أصغى إلى الغني، و صدّ عن الأعمى الفقير، رجاء لهداية ذلك الغني، و طمعا في تزكيته، فعاتبه اللّه بهذا العتاب اللطيف، فقال: عَبَسَ‏ ، أي: في وجهه‏ وَ تَوَلَّى‏ في بدنه، لأجل مجي‏ء الأعمى له. ثم ذكر الفائدة في الإقبال عليه، فقال:

[3] وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ‏ ، أي: الأعمى‏ يَزَّكَّى‏ ؟، أي: يتطهر عن الأخلاق الرذيلة، و يتصف بالأخلاق الجميلة؟

[4] أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى‏ (4)؟ أي:

يتذكر ما ينفعه، فينتفع بتلك الذكرى. و هذه فائدة كبيرة، هي المقصودة من بعثة الرسل، و وعظ الوعاظ، و تذكير المذكرين، فإقبالك على من جاء بنفسه، مفتقرا لذلك مقبلا، هو الأليق الواجب. و أما تصديك، و تعرضك للغني المستغني، الذي لا يسأل، و لا يستغني لعدم رغبته في الخير، مع تركك من هو أهم منه فإنه لا ينبغي لك فإنه ليس عليك أن لا يزكى، فلو لم يتزكّ، فلست بمحاسب على ما عمله من الشر. فدل هذا، على القاعدة المشهورة، أنه: «لا يترك أمر معلوم لأمر موهوم، و لا مصلحة متحققة لمصلحة متوهمة». و أنه ينبغي الإقبال على طالب العلم، المفتقر إليه، الحريص عليه، أزيد من غيره.

[11] يقول تعالى: كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ (11)، أي: حقا إن هذه الوعظة، تذكرة من اللّه، يذكر بها عباده، و يبين لهم في كتابه ما يحتاجون إليه، و يبين الرشد من الغي، فإذا تبين ذلك‏ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ‏ (12)، أي: عمل به كقوله تعالى: وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ .

ثم ذكر محل هذه التذكرة، و عظمها، و رفع قدرها، فقال: [12- 13] فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ القدر و الرتبة مُطَهَّرَةٍ من الآفات، و عن أن ينالها أذى الشياطين، أو يسترقوها.

بل هي‏

[15] بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) و هم الملائكة، الّذين هم سفراء بين اللّه و بين عباده.

[16] كِرامٍ‏ ، أي:

كثيري الخير و البركة بَرَرَةٍ قلوبهم و أعمالهم. و ذلك كله حفظ من اللّه لكتابه، أن جعل السفراء فيه إلى الرسل الملائكة الكرام الأقوياء الأتقياء، و لم يجعل للشياطين عليه سبيلا، و هذا مما يوجب الإيمان به، و تلقّيه بالقبول. و لكن مع هذا أبى الإنسان إلا كفورا، و لهذا قال تعالى:

[17- 19] قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ‏ (17) لنعمة اللّه، و ما أشد معاندته للحق، بعد ما تبين، و هو ما هو؟ هو من أضعف الأشياء، خلقه من ماء مهين، ثم قدر خلقه، و سواه بشرا سويا، و أتقن قواه الظاهرة و الباطنة.

[20] ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ‏ (20)، أي: يسر له الأسباب الدينية و الدنيوية، و هداه السبيل، و بيّنه و امتحنه بالأمر و النهي.

[21] ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ‏ (21)، أي: أكرهه بالدفن، و لم يجعله كسائر الحيوانات، الّتي تكون جيفها على وجه الأرض.

[22] ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ‏ (22)، أي: بعثه بعد موته للجزاء. فاللّه‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1096

هو المنفرد بتدبير الإنسان و تصريفه بهذه التصاريف، لم يشاركه فيه مشارك. و هو- مع هذا- لا يقوم بما أمره اللّه، و لم يقض ما فرضه عليه، بل لا يزال مقصرا تحت الطلب.

[24- 25] ثم أرشده اللّه إلى النظر و التفكر في طعامه، و كيف وصل إليه بعد ما تكررت عليه طبقات عديدة، و يسره له، فقال: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى‏ طَعامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا (25)، أي: أنزلنا المطر على الأرض بكثرة.

[26- 27] ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ‏ للنبات‏ شَقًّا فَأَنْبَتْنا فِيها أصنافا مصنفة من أنواع الأطعمة اللذيذة، و الأقوات الشهية حَبًّا ، و هذا شامل لسائر الحبوب على اختلاف أصنافها.

[28] وَ عِنَباً وَ قَضْباً (28) و هو القتّ:

وَ زَيْتُوناً وَ نَخْلًا (29).

و خصّ هذه الأربعة لكثرة فوائدها و منافعها.

[30] وَ حَدائِقَ غُلْباً (30)، أي: بساتين فيها الأشجار الكثيرة الملتفة.

[31] وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا (31) الفاكهة: ما يتفكه فيه الإنسان، من تين و عنب و خوخ و رمان، و غير ذلك. و الأبّ: ما تأكله البهائم و الأنعام، و لهذا قال:

[32] مَتاعاً لَكُمْ وَ لِأَنْعامِكُمْ‏ (32) الّتي خلقها اللّه و سخرها لكم. فمن نظر في هذه النعم، أوجب له ذلك، شكر ربه، و بدل الجهد في الإنابة إليه، و الإقبال على طاعته، و التصديق لأخباره.

[33] أي: إذا جاءت صيحة القيامة الّتي تصخ لهولها الأسماع، و تنزعج لها الأفئدة يومئذ، مما يرى الناس من الأهوال و شدة الحاجة لسالف الأعمال.

يَفِرُّ الْمَرْءُ من أعز الناس عليه، و أشفقهم عليه‏ مِنْ أَخِيهِ (34) وَ أُمِّهِ وَ أَبِيهِ (35) وَ صاحِبَتِهِ‏ ، أي: زوجته‏ وَ بَنِيهِ‏ .

[37] و ذلك لأنه‏ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ‏ (37)، أي: قد شغلته نفسه، و اهتم لفكاكها، و لم يكن له التفات إلى غيرها. فحينئذ ينقسم الخلق إلى فريقين: سعداء، و أشقياء.

[38] فأما السعداء، فوجوههم‏ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ، أي: قد ظهر فيها السرور و البهجة، لما عرفوا من نجاتهم، و فوزهم بالنعيم.

[39- 41] ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَ وُجُوهٌ‏ ، الأشقياء يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ تَرْهَقُها أي: تغشاها قَتَرَةٌ فهي سوداء مظلمة مدلهمة، قد أيست من كلّ خير، و عرفت شقاءها و هلاكها.

[42] أُولئِكَ‏ الّذين بهذا الوصف‏ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ ، أي: الّذين كفروا بنعمة اللّه، و كذبوا بآياته، و تجرأوا على محارمه. نسأل اللّه العفو و العافية، إنه جواد كريم. تم تفسير سورة عبس- و الحمد للّه رب العالمين.

تفسير سورة التكوير

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] أي: إذا حصلت هذه الأمور الهائلة، تميز الخلق، و علم كلّ ما قدمه لآخرته، و ما أحضره فيها من خير

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1097

و شر، و ذلك أنه إذا كان يوم القيامة تكور الشمس، أي:

تجمع و تلف، و يخسف القمر، و يلقيان في النار.

[2] وَ إِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ‏ (2)، أي: تغيرت، و تناثرت من أفلاكها.

[3] وَ إِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ‏ (3)، أي: صارت كثيبا مهيلا، ثم صارت كالعهن المنفوش. ثم تغيرت و صارت هباء منبثا، و أزيلت عن أماكنها.

[4] وَ إِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ‏ (4)، أي:

عطل الناس يومئذ نفائس أموالهم، الّتي كانوا يهتمون لها و يراعونها في جميع الأوقات، فجاءهم ما يذهلهم عنها، فنبّه بالعشار- و هي: النوق الّتي تتبعها أولادها، و هي أنفس أموال العرب إذ ذاك عندهم- على ما هو في معناها من كل نفيس.

[5] وَ إِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ‏ (5)، أي: جمعت ليوم القيامة، ليقتص اللّه من بعضها لبعض، و يرى العباد كمال عدله، حتى إنه يقتص للشاة الجماء، من الشاة القرناء، ثم يقال لها: كوني ترابا.

[6] وَ إِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ‏ (6)، أي:

أوقدت فصارت- على عظمها- نارا تتوقد.

[7] وَ إِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ‏ (7)، أي: قرن كلّ صاحب عمل مع نظيره، فجمع الأبرار مع الأبرار، و الفجار مع الفجار، و زوج المؤمنون بالحور العين، و الكافرون بالشياطين، و هذا كقوله تعالى: وَ سِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى‏ جَهَنَّمَ زُمَراً ، وَ سِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً ، احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَ أَزْواجَهُمْ‏ .

[8] وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ‏ (8)، و هي: ما كانت الجاهلية الجهلاء تفعله من دفن البنات، و هن أحياء من غير سبب، إلا خشية الفقر، فتسأل: بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ‏ (9)، و من المعلوم أنها ليس لها ذنب، و لكن هذا فيه توبيخ و تقريع لقاتليها.

[10] وَ إِذَا الصُّحُفُ‏ المشتملة على ما عمله العاملون من خير و شر نُشِرَتْ‏ ، و فرقت على أهلها، فآخذ كتابه بيمينه، و آخذ كتابه بشماله، أو من وراء ظهره.

[11] وَ إِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ‏ (11)، أي: أزيلت، كما قال تعالى: وَ يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ‏ ، يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ‏ ، وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ السَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ‏ .

[12] وَ إِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ‏ (12)، أي: أوقد عليها فاستعرت، و التهبت التهابا لم يكن لها قبل ذلك.

[13] وَ إِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ‏ (13)، أي: قرّبت للمتقين.

[14] عَلِمَتْ نَفْسٌ‏ ، أي: كل نفس، لإتيانها في سياق الشرط. ما أَحْضَرَتْ‏ ، أي: ما حضر لديها من الأعمال، الّتي قدمتها كما قال تعالى:

وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً . و هذه الأوصاف الّتي وصف بها يوم القيامة، من الأوصاف الّتي تنزعج لها القلوب، و تشتد من أجلها الكروب، و ترتعد الفرائص، و تعم المخاوف، و تحث أولي الألباب للاستعداد لذلك اليوم، و تزجرهم عن كلّ ما يوجب اللوم، و لهذا قال بعض السلف: من أراد أن ينظر ليوم القيامة كأنه رأي عين، فليتدبر سورة إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ‏ (1).

[15] أقسم تعالى‏ بِالْخُنَّسِ‏ و هي من الكواكب الّتي تخنس، أي: تتأخر عن سير الكواكب المعتاد إلى جهة الشرق، و هي النجوم السبعة السيارة: «الشمس»، و «القمر»، و «الزهرة»، و «المشتري»، و «المريخ»، و «زحل»، و «عطارد»، فهذه السبعة لها سيران: سير إلى جهة المغرب مع سائر الكواكب و الفلك. و سير معاكس لهذا من جهة

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1098

المشرق تختص به هذه السبعة دون غيرها. فأقسم اللّه بها في حال خنوسها، أي: تأخرها، و في حال جريانها، و في حال كنوسها، أي: استتارها بالنهار. و يحتمل أن المراد بها جميع الكواكب السيارة و غيرها.

[17] وَ اللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ‏ (17)، أي: أقبل، و قيل: أدبر.

[18] وَ الصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ‏ (18)، أي: بدت علائم الصبح، و انشق النور شيئا فشيئا، حتى يستكمل و تطلع الشمس. و هذه آيات عظام، أقسم اللّه عليها، لقوة سند القرآن و جلالته، و حفظه من كلّ شيطان رجيم، فقال:

[19] إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ‏ (19) و هو أي: جبريل عليه السّلام، نزل به من اللّه تعالى، كما قال تعالى: وَ إِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلى‏ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ‏ (194). و وصفه اللّه بالكريم لكرم أخلاقه، و خصاله الحميدة، فإنه أفضل الملائكة، و أعظمهم رتبة عند ربه.

[20] ذِي قُوَّةٍ على ما أمره اللّه به. و من قوته أنه قلب ديار قوم لوط بهم، فأهلكهم. عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ‏ ، أي:

جبريل مقرب عند اللّه، له منزلة رفيعة و خصيصة من اللّه، اختصه بها. مَكِينٍ‏ ، أي: له مكانة و منزلة، فوق منازل الملائكة كلهم.

[21] مُطاعٍ ثَمَ‏ ، أي: جبريل مطاع في الملأ الأعلى، لأنه من الملائكة المقربين، نافذ فيهم أمره، مطاع رأيه. أَمِينٍ‏ ، أي: ذو أمانة، و قيام بما أمر به، لا يزيد و لا ينقص و لا يتعدى ما حدّ له، و هذا كله يدل على شرف القرآن عند اللّه تعالى، فإنه بعث به هذا الملك الكريم، الموصوف بتلك الصفات الكاملة. و العادة أن الملوك لا ترسل الكريم عليها، إلا في أهم المهمات، و أشرف الرسائل.

[22] و لما ذكر فضل الرسول الملكي الذي جاء بالقرآن، ذكر فضل الرسول البشري الذي نزل عليه القرآن، و دعا إليه الناس، فقال: وَ ما صاحِبُكُمْ‏ و هو محمد صلّى اللّه عليه و سلّم‏ بِمَجْنُونٍ‏ كما يقوله أعداؤه المكذبون برسالته، المتقولون عليه الأقوال، الّتي يريدون أن يطفئوا بها ما جاء به. بل هو أكمل الناس عقلا، و أجزلهم رأيا، و أصدقهم لهجة.

[23] وَ لَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ‏ (23)، أي: رأى محمد صلّى اللّه عليه و سلّم جبريل عليه السّلام بالأفق البيّن، الذي هو أعلى ما يلوح للبصر.

[24] وَ ما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ‏ (24)، أي: و ما هو على ما أوحاه اللّه إليه، بشحيح يكتم بعضه، بل هو صلّى اللّه عليه و سلّم أمين أهل السماء، و أهل الأرض، الذي بلغ رسالات ربه، البلاغ المبين، فلم يشح بشي‏ء منه، عن غنيّ و لا فقير، و لا رئيس و لا مرؤوس، و لا ذكر و لا أنثى، و لا حضريّ و لا بدويّ، و لذلك بعثه اللّه في أمة أمية، جاهلة جهلاء.

فلم يمت صلّى اللّه عليه و سلّم، حتى كانوا علماء ربانيين، و أحبارا متفرسين، إليهم الغاية في العلوم، و إليهم المنتهى في استخراج الدقائق و المفهوم، و هم الأساتذة و غيرهم قصاراه أن يكون من تلاميذهم.

[25] وَ ما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ‏ (25) لما ذكر جلالة كتابه و فضله، بذكر الرسولين الكريمين، اللذين وصل إلى الناس على أيديهما، و أثنى اللّه عليهما بما أثنى، دفع عنه كلّ آفة و نقص، مما يقدح في صدقه، فقال: وَ ما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ‏ (25)، أي: في غاية البعد عن اللّه و عن قربه.

[26] فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ‏ (26)، أي: كيف يخطر هذا ببالكم، و أين عزبت عنكم أذهانكم؟ حتى جعلتم الحقّ الذي هو في أعلى درجات الصدق، بمنزلة الكذب، الذي هو أنزل ما يكون، و أرذل و أسفل الباطل؟ هل هذا إلا من انقلاب الحقائق.

[27] إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ‏ (27) يتذكرون به ربهم، و ما له من صفات الكمال، و ما ينزه عنه من النقائص، و الرذائل و الأمثال، و يتذكرون به الأوامر و النواهي و حكمها، و يتذكرون به الأحكام القدرية و الشرعية و الجزائية. و بالجملة، يتذكرون به مصالح الدارين، و ينالون بالعمل به السعادتين.

[28] لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ‏ (28) بعد ما تبين الرشد من الغي، و الهدى من الضلال.

[29] وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ‏ (29)، أي: فمشيئته نافذة، لا يمكن أن تعارض أو تمانع. و في هذه الآية و أمثالها، ردّ على فرقتي القدرية النفاة، و الجبرية المجبرة كما تقدم من أمثالها، و اللّه أعلم، و الحمد للّه. تم تفسير سورة التكوير.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1099

سورة الإنفطار

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1- 5] أي: إذا انشقت السماء و انفطرت، و تناثرت نجومها، و زال جمالها، و فجرت البحار، فصارت بحرا واحدا، و بعثرت القبور بأن أخرج ما فيها من الأموات، و حشروا للموقف، بين يدي اللّه، للجزاء على الأعمال.

فحينئذ ينكشف الغطاء، و يزول ما كان خفيا، و تعلم كل نفس ما معها من الأرباح و الخسران. هنالك يعض الظالم على يديه، إذا رأى ما قدمت يداه، و أيقن بالشقاء الأبدي، و العذاب السرمدي. و هنالك يفوز المتقون، المقدمون لصالح الأعمال بالفوز العظيم، و النعيم المقيم، و السلامة من عذاب الجحيم.

[6] يقول تعالى، معاتبا للإنسان المقصر في حقه، المتجرئ على معاصيه: يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ‏ (6) أ تهاونا منك في حقوقه؟ أم احتقارا منك لعذابه؟ أم عدم إيمان منك بجزائه؟

[7] أ ليس هو الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ‏ في أحسن تقويم؟ فَعَدَلَكَ‏ و ركبك تركيبا قويما معتدلا، في أحسن الأشكال، و أجمل الهيئات. فهل يليق بك أن تكفر نعمة المنعم، أو تجحد إحسان المحسن؟ إن هذا إلا من جهلك و ظلمك، و عنادك و غشمك، فاحمد اللّه إذ لم يجعل صورتك صورة كلب أو حمار أو نحوهما من الحيوانات.

[8] و لهذا قال تعالى: فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ‏ (8).

[9] و قوله: كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ‏ (9)، أي:

مع هذا الوعظ و التذكير، لا تزالوا مستمرين على التكذيب بالجزاء.

[10- 12] و أنتم لا بد أن تحاسبوا على ما عملتم، و قد أقام اللّه عليكم ملائكة كراما يكتبون أقوالكم و أفعالكم و يعلمونها، فدخل في هذا أفعال القلوب، و أفعال الجوارح، فاللائق بكم، أن تكرموهم و تجلوهم.

[13] المراد بالأبرار، هم القائمون بحقوق اللّه، و حقوق عباده، الملازمون للبر، في أعمال القلوب، و أعمال الجوارح، فهؤلاء جزاؤهم النعيم في القلب، و الروح و البدن، في دار الدنيا، و في دار البرزخ، و في دار القرار.

[14] وَ إِنَّ الْفُجَّارَ الّذين قصروا في حقوق اللّه و حقوق عباده، الّذين فجرت قلوبهم ففجرت أعمالهم‏ لَفِي جَحِيمٍ‏ ، أي: عذاب أليم، في دار الدنيا، و دار البرزخ، و في دار القرار.

[15] يَصْلَوْنَها و يعذبون بها أشد العذاب‏ يَوْمَ الدِّينِ‏ ، أي: يوم الجزاء على الأعمال.

[16] وَ ما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ‏ (16)، أي: بل هم ملازمون لها، لا يخرجون منها.

[17- 18] وَ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ‏ (18) في هذا تهويل لذلك اليوم الشديد، الذي يحير الأذهان.

صفحه بعد