کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1112

[21] كَلَّا ، أي: ليس كل ما أحببتم من الأموال، و تنافستم فيه من اللذات، بباق لكم، بل أمامكم يوم عظيم، و هول جسيم، تدك فيه الأرض و الجبال و ما عليها حتى تجعل قاعا صفصفا، لا عوج فيه و لا أمت.

[22] و يجي‏ء اللّه لفصل القضاء بين عباده، في ظلل من الغمام. و تجي‏ء الملائكة الكرام، أهل السماوات كلهم، صفا صفا، أي:

صفا بعد صف، كل سماء يجي‏ء ملائكتها صفا، يحيطون بمن دونهم من الخلق، و هذه الصفوف صفوف خضوع و ذل للملك الجبار.

[23] وَ جِي‏ءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ‏ تقودها الملائكة بالسلاسل. فإذا وقعت هذه الأمور يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ‏ ما قدمه من خير و من شر. وَ أَنَّى لَهُ الذِّكْرى‏ ، فقد قامت أوانها، و ذهب زمانها.

[24] يَقُولُ‏ متحسرا على ما فرط في جنب اللّه:

يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي‏ الباقية الدائمة، عملا صالحا، كما قال تعالى: يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يا وَيْلَتى‏ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا (28). و في هذا دليل على أن الحياة التي ينبغي السعي في كمالها و تحصيلها و كمالها، و في تتميم لذّاتها، هي الحياة في دار القرار، فإنها دار الخلد و البقاء.

[25] فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ (25) لما أهمل ذلك اليوم، و نسي العمل له.

[26] وَ لا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ (26)، فإنهم يوثقون بسلاسل من نار، و يسحبون على وجوههم في الحميم، ثم في النار يسجرون، فهذا جزاء المجرمين.

و أما من آمن باللّه، و اطمأن به، و صدق رسله، فيقال له:

[27] يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) إلى ذكر اللّه، الساكنة إلى حبه، التي قرت عينها باللّه.

[28] ارْجِعِي إِلى‏ رَبِّكِ‏ الذي رباك بنعمته‏ راضِيَةً مَرْضِيَّةً ، أي: راضية عن اللّه، و عن ما أكرمها به من الثواب، و اللّه قد رضي عنها.

[29- 30] فَادْخُلِي فِي عِبادِي (29) وَ ادْخُلِي جَنَّتِي‏ (30) و هذا تخاطب به الروح يوم القيامة، و تخاطب به وقت السياق و الموت. تم تفسير سورة الفجر- و الحمد للّه رب العالمين.

تفسير سورة البلد

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1- 2] يقسم تعالى‏ بِهذَا الْبَلَدِ الأمين، و هو مكة المكرمة، أفضل البلدان على الإطلاق، خصوصا وقت حلول الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم فيها.

[3] وَ والِدٍ وَ ما وَلَدَ (3)، أي: آدم و ذريته.

[4] و المقسم عليه قوله: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ (4) يحتمل أن المراد بذلك ما يكابده الإنسان و يقاسيه، من الشدائد في الدنيا، و في البرزخ، و يوم يقوم الأشهاد. و أنه ينبغي له أن يسعى في عمل يريحه من هذه الشدائد، و يوجب له الفرح و السرور الدائم. و إن لم يفعل،

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1113

فإنه لا يزال يكابد العذاب الشديد، أبد الآباد. و يحتمل أن المعنى: لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم، و أقوم خلقة، يقدر على التصرف و الأعمال الشديدة. و مع ذلك، فإنه لم يشكر اللّه على هذه النعمة العظيمة، بل بطر بالعافية و تجبّر على خالقه، فحسب بجهله و ظلمه أن هذه الحال ستدوم له، و أن سلطان تصرفه لا ينعزل، و لهذا قال:

[5- 6] أَ يَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) و يطغى و يفتخر بما أنفق من الأموال على شهوات نفسه، حيث‏ يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً (6)، أي: كثيرا، بعضه فوق بعض. و سمى اللّه الإنفاق في الشهوات و المعاصي إهلاكا، لأنه لا ينتفع المنفق بما أنفق، و لا يعود إليه من إنفاقه إلا الندم و الخسارة، و التعب و القلة، لا كمن أنفق في مرضاة اللّه، في سبيل الخير، فإن هذا قد تاجر مع اللّه، و ربح أضعاف أضعاف ما أنفق.

قال اللّه متوعدا هذا الذي افتخر بما أنفق في الشهوات:

[7] أَ يَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7)، أي: أ يظن في فعله هذا، أن اللّه لا يراه و لا يحاسبه على الصغير و الكبير؟ بل قد رآه اللّه، و حفظ عليه أعماله، و وكل به الكرام الكاتبين، لكل ما عمله من خير و شر.

[8- 9] ثم قرره بنعمه، فقال: أَ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَ لِساناً وَ شَفَتَيْنِ‏ (9) للجمال و البصر، و النطق، و غير ذلك من المنافع الضرورية فيها، فهذه نعم الدنيا.

[10] ثم قال في نعم الدين: وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ‏ (10)، أي: طريقي الخير و الشر، بينا له الهدى من الضلال، و الرشد من الغي. فهذه المنن الجزيلة، تقتضي من العبد أن يقوم بحقوق اللّه، و يشكره على نعمه، و أن لا يستعين بها على معاصي اللّه، و لكن هذا الإنسان لم يفعل ذلك.

[11] فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11)، أي: لم يقتحمها و يعبر عليها، لأنه متبع لهواه. و هذه العقبة شديدة عليه، ثم فسر هذه العقبة بقوله:

[12- 13] وَ ما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13)، أي: فكها من الرق، بعتقها أو مساعدتها على أداء كتابتها، و من باب أولى فكاك الأسير المسلم عند الكفار.

[14] أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14)، أي: مجاعة شديدة، بأن يطعم وقت الحاجة، أشد الناس حاجة.

[15] يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ (15) جامعا بين كونه يتيما، و فقيرا ذا قرابة.

[16] أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ (16)، أي: قد لزق بالتراب من الحاجة و الضرورة.

[17] ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا و عملوا الصالحات، أي: آمنوا بقلوبهم بما يجب الإيمان به، و عملوا الصالحات بجوارحهم. فدخل في هذا كل قول و فعل واجب أو مستحب. وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ على طاعة اللّه، و عن معصيته، و على أقداره المؤلمة بأن يحث بعضهم بعضا، على الانقياد لذلك، و الإتيان به، كاملا منشرحا به الصدر، مطمئنة به النفس. وَ تَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ للخلق، من إعطاء محتاجهم، و تعليم جاهلهم، و القيام بما يحتاجون إليه من جميع الوجوه، و مساعدتهم على المصالح الدينية و الدنيوية، و أن يحب لهم ما يحب لنفسه، و يكره لهم ما يكره لنفسه.

[18] أولئك قاموا بهذه الأوصاف، و الذين وفقهم اللّه لاقتحام العقبة أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (18) لأنهم أدوا ما أمر اللّه به من حقوقه و حقوق عباده، و تركوا ما نهوا عنه، و هذا عنوان السعادة و علامتها.

[19- 20] وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا بأن نبذوا هذه الأمور وراء ظهورهم، فلم يصدقوا باللّه، و لا آمنوا به، و لا عملوا صالحا، و لا رحموا عباد اللّه. هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ (19) عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ (20)، أي: مغلقة، في عمد ممددة، قد مدت من ورائها، لئلا تنفتح أبوابها، حتى يكونوا في ضيق، و همّ و شدّة. تم تفسير سورة البلد- و الحمد للّه.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1114

سورة الشمس‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] أقسم تعالى بهذه الآيات العظيمة، على النفس المفلحة، و غيرها من النفوس الفاجرة، فقال: وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها (1)، أي: نورها، و نفعها الصادر منها.

[2] وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها (2)، أي: تبعها في المنازل و النور.

[3] وَ النَّهارِ إِذا جَلَّاها (3)، أي: جلّى ما على وجه الأرض و أوضحه.

[4] وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشاها (4) أي: يغشى وجه الأرض، فيكون ما عليها مظلما. فتعاقب الظلمة و الضياء، و الشمس و القمر، على هذا العالم، بانتظام و إتقان، و قيام لمصالح العباد، أكبر دليل على أن اللّه بكل شي‏ء عليم، و على كل شي‏ء قدير، و أنه المعبود وحده، الذي كل معبود سواه باطل.

[5] وَ السَّماءِ وَ ما بَناها (5) يحتمل أن «ما» موصولة، فيكون الإقسام بالسماء و بانيها، و هو اللّه تعالى. و يحتمل أنها مصدرية، فيكون الإقسام بالسماء و بنيانها، الذي هو غاية ما يقدر من الإحكام و الإتقان و الإحسان.

[6] و نحو هذا قوله: وَ الْأَرْضِ وَ ما طَحاها (6)، أي: مدها و وسعها، فتمكن الخلق حينئذ من الانتفاع بها، بجميع أوجه الانتفاع.

[7] وَ نَفْسٍ وَ ما سَوَّاها (7) يحتمل أن المراد، و نفس سائر المخلوقات الحيوانية، كما يؤيد هذا العموم. و يحتمل أن الإقسام بنفس الإنسان المكلف، بدليل ما يأتي بعده. و على كلّ، فالنفس آية كبيرة من آياته التي يحق الإقسام بها، فإنها في غاية اللطف و الخفة، سريعة التنقل و الحركة و التغير، و التأثر و الانفعالات النفسية، من الهم، و الإرادة، و القصد، و الحب، و البغض. و هي التي لولاها لكان البدن مجرد تمثال لا فائدة فيه. و تسويتها على ما هي عليه، آية من آيات اللّه العظيمة.

[9] و قوله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (9)، أي: طهر نفسه من الذنوب، و نقاها من العيوب، و رقّاها بطاعة اللّه، و علّاها بالعلم النافع، و العمل الصالح.

[10] وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (10)، أي: أخفى نفسه الكريمة، التي ليست حقيقة بقمعها و إخفائها، بالتدنس بالرذائل، و الدنو من العيوب و الذنوب، و ترك ما يكملها و ينميها، و استعمال ما يشينها و يدسيها.

[11] كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها (11)، أي: بسبب طغيانها، و ترفعها عن الحق، و عتوها على رسولهم.

[12] إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (12) أي: أشقى القبيلة، و هو «قدار بن سالف» لعقرها، حين اتفقوا على ذلك، و أمروه، فأتمر لهم.

[13] فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ‏ صالح عليه السّلام محذرا: ناقَةَ اللَّهِ وَ سُقْياها ، أي:

احذروا عقر ناقة اللّه، التي جعلها لكم آية عظيمة، و لا تقابلوا نعمة اللّه عليكم، بسقي لبنها أن تعقروها.

[14] فكذبوا نبيهم صالحا فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ‏ ، أي: دمر عليهم، و عمهم بعقابه، و أرسل عليهم الصيحة من فوقهم، و الرجفة من تحتهم، فأصبحوا جاثمين على ركبهم، لا تجد منهم داعيا و لا مجيبا.

فَسَوَّاها عليهم، أي: سوى بينهم في العقوبة.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1115

[15] وَ لا يَخافُ عُقْباها (15)، أي: تبعتها. و كيف يخاف من هو قاهر، لا يخرج عن قهره و تصرفه مخلوق، حكيم في كل ما قضاه و شرعه؟ تم تفسير سورة الشمس بحمد اللّه و عونه.

سورة الليل‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] هذا قسم من اللّه، بالزمان الذي تقع فيه أفعال العباد، على تفاوت أحوالهم، فقال: وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى‏ (1)، أي: يعم الخلق بظلامه، فيسكن إلى مأواه و مسكنه، و يستريح العباد من الكد و التعب.

[2] وَ النَّهارِ إِذا تَجَلَّى‏ (2) للخلق، فاستضاءوا بنوره و انتشروا في مصالحهم.

[3] وَ ما خَلَقَ الذَّكَرَ وَ الْأُنْثى‏ (3) إن كانت «ما» موصولة، كانت إقساما بنفسه الكريمة الموصوفة، بكونه خالق الذكور و الإناث، و إن كانت مصدرية، كان قسما بخلقه للذكر و الأنثى. و كمال حكمته في ذلك أن خلق من كل صنف من الحيوانات، التي يريد إبقاءها ذكرا و أنثى ليبقى النوع و لا يضمحل، و قاد كلا منهما إلى الآخر بسلسلة الشهوة. و جعل كل منهما مناسبا للآخر، فتبارك اللّه أحسن الخالقين.

[4] و قوله: إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى‏ (4) هذا هو المقسم عليه، أي: إن سعيكم أيها المكلفون لمتفاوت تفاوتا كثيرا، و ذلك بحسب تفاوت نفس الأعمال و مقدارها، و النشاط فيها، و بحسب الغاية المقصودة بتلك الأعمال، هل هو وجه اللّه الأعلى الباقي؟ فيبقى العمل له ببقائه، و ينتفع به صاحبه، أم هي غاية مضمحلة فانية، فيبطل السعي ببطلانها و يضمحل باضمحلالها؟ و هذا كل عمل يقصد به غير وجه اللّه، بهذا الوصف.

[5] و لهذا فضّل اللّه العاملين، و وصف أعمالهم، فقال: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى‏ ، أي: ما أمر به من العبادات المالية: كالزكوات، و النفقات، و الكفارات، و الصدقات، و الإنفاق في وجوه الخير. و العبادات البدنية: كالصلاة، و الصوم غيرهما. و المركّبة من ذلك: كالحج و العمرة و نحوهما. وَ اتَّقى‏ ما نهي عنه، من المحرمات و المعاصي، على اختلاف أجناسها.

[6] وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى‏ (6)، أي: صدّق ب «لا إله إلا اللّه» و ما دلت عليه، من العقائد الدينية، و ما ترتب عليها من الجزاء.

[7] فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى‏ (7)، أي: نيسر له أمره، و نجعله مسهلا عليه كل خير، ميسرا له ترك كل شر، لأنه أتى بأسباب التيسير، فيسر اللّه له ذلك.

[8] وَ أَمَّا مَنْ بَخِلَ‏ بما أمر به، فترك الإنفاق الواجب و المستحب، و لم تسمح نفسه بأداء ما وجب للّه. وَ اسْتَغْنى‏ عن اللّه، فترك عبوديته جانبا، و لم ير نفسه مفتقرة غاية الافتقار إلى ربها، الذي لا نجاة لها، و لا فوز، و لا فلاح، إلا بأن يكون هو محبوبها و معبودها، الذي تقصده و تتوجه إليه.

[9] وَ كَذَّبَ بِالْحُسْنى‏ (9)، أي:

بما أوجب اللّه على العباد التصديق به من العقائد الحسنة.

[10] فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى‏ (10)، أي: للحالة العسرة، و الخصال الذميمة، بأن يكون ميسرا للشر، أينما كان، و مقيضا له أفعال المعاصي، نسأل اللّه العافية.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1116

[11] وَ ما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ‏ الذي أطغاه، و استغنى به، و بخل به. إِذا تَرَدَّى‏ ، أي: هلك و مات، فإنه لا يصحب الإنسان إلا عمله الصالح. و أما ماله الذي لم يخرج منه الواجب، فإنه يكون و بالا عليه، إذ لم يقدم منه لآخرته شيئا.

[12] إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى‏ (12)، أي: إن الهدى المستقيم طريقه يوصل إلى اللّه، و يدني من رضاه. و أما الضلال، فطرقه مسدودة عن اللّه، لا توصل صاحبها إلا للعذاب الشديد.

[13] وَ إِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَ الْأُولى‏ (13) ملكا و تصرفا، ليس له فيهما مشارك، فليرغب الراغبون إليه في الطلب، و لينقطع رجاؤهم عن المخلوقين.

[14] فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى‏ (14)، أي: تستعر و تتوقد.

[15- 16] لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ‏ بالخبر وَ تَوَلَّى‏ عن الأمر.

[17- 18] وَ سَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى‏ (18) بأن يكون قصده به تزكية نفسه، و تطهيرها من الذنوب و الأدناس، قاصدا به وجه اللّه تعالى. فدل هذا على أنه إذا تضمن الإنفاق المستحب، ترك واجب كدين و نفقة و نحوهما، فإنه غير مشروع، بل تكون عطيته مردودة عند كثير من العلماء، لأنه يتزكى بفعل مستحب يفوت عليه الواجب.

[19] وَ ما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى‏ (19)، أي: ليس لأحد من الخلق على هذا الأتقى نعمة تجزى، إلا و قد كافأه عليها، و ربما بقي له الفضل و المنة على الناس، فتمحض عبدا للّه، لأنه رقيق إحسانه وحده. و أما من بقيت عليه نعمة الناس، فلم يجزها و يكافئها، فإنه لا بد أن يترك الناس، و يفعل لهم ما ينقص إخلاصه. و هذه الآية و إن كانت متناولة لأبي بكر الصديق رضي اللّه عنه، بل قد قيل: إنها نزلت بسببه، فإنه- رضي اللّه عنه- ما لأحد عنده من نعمة تجزى، حتى و لا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، إلا نعمة الرسول التي لا يمكن جزاؤها، و هي نعمة الدعوة إلى الإسلام، و تعليم الهدى و دين الحق، فإن للّه و رسوله المنة على كل أحد. منة لا يمكن لها جزاء و لا مقابلة، فإنها متناولة لكل من اتصف بهذا الوصف الفاضل. فلم يبق لأحد عليه من الخلق نعمة تجزى، فبقيت أعماله خالصة لوجه اللّه تعالى.

[20- 21] و لهذا قال: إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى‏ (20) وَ لَسَوْفَ يَرْضى‏ (21) هذا الأتقى بما يعطيه اللّه من أنواع الكرامات و المثوبات. تم تفسير سورة الليل و الحمد للّه رب العالمين.

تفسير سورة الضحى‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1- 2] أقسم تعالى، بالنهار إذا انتشر ضياؤه بالضحى، و بالليل إذا سجى، و ادلهمّت ظلمته، على اعتناء اللّه‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1117

برسوله صلّى اللّه عليه و سلّم، فقال:

[3] ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ‏ ، أي: ما تركك منذ اعتنى بك، و لا أهملك منذ رباك و رعاك، بل لم يزل يربيك أكمل تربية، و يعليك درجة بعد درجة. وَ ما قَلى‏ ك اللّه، أي: ما أبغضك، منذ أحبك، فإن نفي الضد، دليل على ثبوت ضده، و النفي المحض، لا يكون مدحا، إلا إذا تضمن ثبوت كمال. فهذه حال الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم الماضية و الحاضرة، أكمل حال و أتمها، محبة اللّه له، و استمرارها و ترقيته في درجات الكمال، و دوام اعتناء اللّه به.

[4] و أما حاله المستقبلة، فقال: وَ لَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى‏ (4)، أي: كل حالة متأخرة من أحوالك، فإن لها الفضل على الحالة السابقة. فلم يزل صلّى اللّه عليه و سلّم يصعد في درجات المعالي، و يمكن اللّه له دينه، و ينصره على أعدائه، و يسدده في أحواله، حتى مات، و قد وصل إلى حال ما وصل إليها الأولون و الآخرون من الفضائل و النعم، و قرة العين، و سرور القلب.

[5] ثم بعد هذا، لا تسأل عن حاله في الآخرة، من تفاصيل الإكرام، و أنواع الإنعام. و لهذا قال: وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى‏ (5) و هذا أمر لا يمكن التعبير عنه إلا بهذه العبارة الجامعة الشاملة.

[6] ثم امتن عليه بما يعلمه من أحواله الخاصة، فقال: أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى‏ (6)، أي: وجدك لا أم لك، و لا أب، بل قد مات أبوه، و هو لا يدبر نفسه، فآواه اللّه، و كفله جده عبد المطلب، ثم لما مات جده، كفّله اللّه عمه أبا طالب، حتى أيده بنصره و بالمؤمنين.

[7] وَ وَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى‏ (7)، أي: وجدك لا تدري ما الكتاب، و لا الإيمان، فعلّمك ما لم تكن تعلم، و وفّقك لأحسن الأعمال و الأخلاق.

[8] وَ وَجَدَكَ عائِلًا ، أي: فقيرا فَأَغْنى‏ ك اللّه، بما فتح عليك من البلدان، التي جبيت لك أموالها و خراجها.

[9] فالذي أزال عنك هذه النقائص، سيزيل عنك كل نقص، و الذي أوصلك إلى الغنى، و آواك و نصرك، و هداك، قابل نعمته بالشكران. و لهذا قال: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (9)، أي: لا تسي‏ء معاملة اليتيم، و لا يضق صدرك عليه، و لا تنهره، بل أكرمه، و أعطه ما تيسر، و اصنع به كما تحب أن يصنع بولدك من بعدك.

[10] وَ أَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (10)، أي: لا يصدر منك كلام للسائل، يقتضي رده عن مطلوبه، بنهر و شراسة خلق، بل أعطه ما تيسر عندك أو ردّه بمعروف و إحسان. و يدخل في هذا: السائل للمال، و السائل للعلم، و لهذا كان المعلم مأمورا بحسن الخلق مع المتعلم، و مباشرته بالإكرام، و التحنن عليه، فإنه في ذلك معونة له على مقصده، و إكراما لمن كان يسعى في نفع العباد و البلاد.

[11] وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ‏ (11) و هذا يشمل النعم الدينية و الدنيوية، أي: أثن على اللّه بها، و خصها بالذكر، إن كان هناك مصلحة. و إلا فحدث بنعم اللّه على الإطلاق، فإن التحدث بنعمة اللّه، داع لشكرها، و موجب لتحبيب القلوب إلى من أنعم بها، فإن القلوب مجبولة على محبة المحسن. تم تفسير سورة الضحى- بحمد اللّه و عونه.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1118

سورة الشرح‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] يقول تعالى- ممتنا على رسوله-: أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ‏ (1)، أي: نوسعه لشرائع الدين و الدعوة إلى اللّه، و الاتصاف بمكارم الأخلاق، و الإقبال على الآخرة، و تسهيل الخيرات. فلم يكن ضيقا حرجا، حتى لا يكاد ينقاد لخير، و لا تكاد تجده منبسطا.

[2- 3] وَ وَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ‏ (2)، أي: ذنبك‏ الَّذِي أَنْقَضَ‏ ، أي: أثقل‏ ظَهْرَكَ‏ كما قال تعالى:

لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ .

[4] وَ رَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ‏ (4)، أي: أعلينا قدرك، و جعلنا لك الثناء الحسن العالي، الذي لم يصل إليه أحد من الخلق. فلا يذكر اللّه إلا ذكر معه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، كما في الدخول في الإسلام، و في الأذان، و الإقامة، و الخطب، و غير ذلك من الأمور التي أعلى اللّه بها، ذكر رسوله محمد صلّى اللّه عليه و سلّم. و له في قلوب أمته، من المحبة، و الإجلال، و التعظيم، ما ليس لأحد غيره، بعد اللّه تعالى. فجزاه اللّه عن أمته أفضل ما جزى نبيا عن أمته.

[5- 6] و قوله: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (6) بشارة عظيمة، أنه كلما وجد عسر و صعوبة، فإن اليسر يقارنه و يصاحبه، حتى لو دخل العسر جحر ضب، لدخل عليه اليسر، فأخرجه كما قال تعالى: سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً . و كما قال النبي صلى اللّه عليه و سلّم: «و إن الفرج مع الكرب، و إن مع العسر يسرا». و تعريف «العسر» في الآيتين، يدل على أنه واحد، و تنكير «اليسر» يدل على تكراره، فلن يغلب عسر يسرين. و في تعريفه بالألف و اللام، الدال على الاستغراق و العموم دلالة على أن كل عسر، و إن بلغ من الصعوبة ما بلغ، فإنه في آخره التيسير، ملازم له. ثم أمر رسوله أصلا، و المؤمنين تبعا، بشكره و القيام بواجب نعمه، فقال:

[7] فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ‏ (7)، أي:

إذا تفرغت من أشغالك، و لم يبق في قلبك ما يعوقه، فاجتهد في العبادة و الدعاء.

صفحه بعد