کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 983

بسبب أعمالكم الحسنة، و أقوالكم المستحسنة.

[20] مُتَّكِئِينَ عَلى‏ سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ الاتكاء هو: الجلوس على وجه التمكن و الراحة و الاستقرار، و السرر هي: الأرائك المزينة بأنواع الزينة من اللباس الفاخر و الفرش الزاهية. و وصف اللّه السرر بأنها مصفوفة ليدل ذلك على كثرتها، و حسن تنظيمها، و اجتماع أهلها و سرورهم، بحسن معاشرتهم، و ملاطفة بعضهم بعضا. فلما اجتمع لهم من نعيم القلب و الروح و البدن ما لا يخطر بالبال، و لا يدور في الخيال من المآكل و المشارب اللذيذة، و المجالس الحسنة الأنيقة، لم يبق إلا التمتع بالنساء اللاتي لم يتم سرور إلا بهن. فذكر تعالى أن لهم من الأزواج، أكمل النساء أوصافا و خلقا و أخلاقا، و لهذا قال: وَ زَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ‏ و هن النساء اللواتي قد جمعن جمال الصور الظاهرة و بهاءها، و من الأخلاق الفاضلة، ما يوجب أن يحيرن بحسنهن الناظرين، و يسلبن عقول العالمين، و تكاد الأفئدة أن تطير شوقا إليهن، و رغبة في وصالهن، و العين: حسان الأعين مليحاتها، الّتي صفا بياضها و سوادها.

[21] و هذا من تمام نعيم الجنة، أن ألحق اللّه بهم ذريتهم، الّذين اتبعوهم بإيمان، أي: لحقوهم بالإيمان الصادر من آبائهم، فصارت الذرية تبعا لهم بالإيمان، و من باب أولى إذا تبعتهم ذريتهم بإيمانهم الصادر منهم أنفسهم.

فهؤلاء المذكورون، يلحقهم اللّه بمنازل آبائهم في الجنة، و إن لم يبلغوها، جزاء لآبائهم، و زيادة في ثوابهم. و مع ذلك، لا ينقص اللّه الآباء من أعمالهم شيئا. و لما كان ربما توهم متوهم أن أهل النار كذلك، يلحق اللّه بهم ذريتهم، أخبر أنه ليس حكم الدارين حكما واحدا، فإن النار دار العدل، و من عدله تعالى أن لا يعذب أحدا إلا بذنب، و لهذا قال: كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ‏ ، أي: مرتهن بعمله، فلا تزر وازرة وزر أخرى، و لا يحمل على أحد ذنب أحد.

فهذا اعتراض من فوائده إزالة هذا الوهم المذكور.

[22] و قوله: وَ أَمْدَدْناهُمْ‏ ، أي: أمددنا أهل الجنة من فضلنا الواسع، و رزقنا العميم‏ بِفاكِهَةٍ من العنب و الرمان و التفاح، و أصناف الفواكه اللذيذة الزائدة على ما به يتقوتون. وَ لَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ‏ من كلّ ما طلبوه و اشتهته أنفسهم، من لحوم الطير و غيرها.

[23] يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً ، أي: تدور كاسات الرحيق و الخمر عليهم، و يتعاطونها فيما بينهم، و تطوف عليهم الولدان المخلدون بأكواب و أباريق. لا لَغْوٌ فِيها وَ لا تَأْثِيمٌ‏ ، أي: ليس في الجنة كلام لغو، و هو الذي لا فائدة فيه، و لا تأثيم و هو: الذي ليس فيه إثم و معصية، و إذا انتفى الأمران، ثبت الأمر الثالث، و هو أن كلامهم فيها، سلام طيب طاهر، مسر للنفوس، مفرح للقلوب، يتعاشرون أحسن عشرة، و يتنادمون أطيب المنادمة، و لا يسمعون من ربهم، إلا ما يقر أعينهم، و يدل على رضاه عنهم و محبته لهم.

[24] وَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ‏ ، أي: خدم شباب‏ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ‏ من حسنهم و بهائهم، يدورون عليهم بالخدمة، و قضاء أشغالهم، و هذا يدل على كثرة نعيمهم وسعته، و كمال راحتهم.

[25] وَ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ‏ (25) عن أمور الدنيا و أحوالها.

[26] قالُوا في ذكر بيان الذي‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 984

أوصلهم إلى ما هم فيه من الحبرة و السرور. إِنَّا كُنَّا قَبْلُ‏ ، أي: في دار الدنيا فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ‏ ، أي: خائفين و جلين، فتركنا من خوفه الذنوب، و أصلحنا لذلك العيوب.

[27] فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا بالهداية و التوفيق، وَ وَقانا عَذابَ السَّمُومِ‏ ، أي: العذاب الحار الشديد حره.

[28] إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ‏ أن يقينا عذاب السموم، و يوصلنا إلى النعيم، و هذا شامل لدعاء العبادة، و دعاء المسألة، أي: لم نزل نتقرب إليه بأنواع العبادات، و ندعوه في سائر الأوقات. إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ‏ ، فمن برّه و رحمته إيانا أن أنالنا رضاه و الجنة، و وقانا سخطه و النار.

[29] يأمر اللّه تعالى رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم أن يذكر الناس، مسلمهم و كافرهم، لتقوم حجة اللّه على الظالمين، و يهتدي بتذكيره الموفقون، و أن لا يبالي بقول المشركين المكذبين، و أذيتهم و أقوالهم التي يصدون بها الناس عن اتباعه، مع علمهم أنه أبعد الناس عنها، و لهذا نفى عنه كل نقص رموه به، فقال: فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ‏ ، أي: منّه و لطفه‏ بِكاهِنٍ‏ ، أي: له رئيّ من الجن، يأتيه بخبر بعض الغيوب، الّتي يضم إليها مائة كذبة. وَ لا مَجْنُونٍ‏ فاقد للعقل، بل أنت أكمل الناس عقلا، و أبعدهم عن الشياطين، و أعظمهم صدقا، و أجلهم و أكملهم.

[30] و تارة يَقُولُونَ‏ فيه: إنه‏ شاعِرٌ يقول الشعر، و الذي جاء به شعر، و اللّه يقول: وَ ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَ ما يَنْبَغِي لَهُ‏ .

نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ‏ ، أي: ننتظر به الموت، فيبطل أمره، و نستريح منه.

[31] قُلْ‏ لهم جوابا لهذا الكلام السخيف: تَرَبَّصُوا أي: انتظروا بي الموت، فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ‏ نتربص بكم، أن يصيبكم اللّه بعذاب من عنده، أو بأيدينا.

[32] أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ‏ (32)، أي: أ هذا التكذيب لك، و الأقوال الّتي قالوها؟ هل صدرت عن عقولهم و أحلامهم؟ فبئس العقول و الأحلام، الّتي هذه نتائجها، و هذه ثمراتها. فإن عقولا جعلت أكمل الخلق عقلا مجنونا، و جعلت أصدق الصدق، و أحق الحقّ، كذبا و باطلا، لهي العقول الّتي ينزه المجانين عنها. أم الذي حملهم على ذلك ظلمهم و طغيانهم؟ و هو الواقع، فالطغيان ليس له حد يقف عليه، فلا يستغرب من الطاغي المتجاوز الحد، كل قول و فعل صدر منه.

[33] أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ‏ ، أي: تقول محمد القرآن، و قاله من تلقاء نفسه؟ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ‏ فلو آمنوا، لم يقولوا ما قالوا.

[34] فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ‏ (34) أنه تقوله، فإنكم العرب الفصحاء، و الفحول البلغاء، و قد تحداكم أن تأتوا بمثله، فتصدق معارضتكم أو تقروا بصدقه، و أنكم لو اجتمعتم، أنتم و الإنس و الجن، لم تقدروا على معارضته و الإتيان بمثله، فحينئذ أنتم بين أمرين: إما مؤمنون به، مقتدون بهديه، و إما معاندون متبعون، لما علمتم من الباطل.

[35] أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْ‏ءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ‏ (35) و هذا استدلال عليهم، بأمر لا يمكنهم فيه إلا التسليم للحق، أو الخروج عن موجب العقل و الدين، و بيان ذلك: أنهم منكرون لتوحيد اللّه، مكذبون لرسوله، و ذلك مستلزم لإنكار أن اللّه خلقهم. و قد تقرر في العقل مع الشرع، أن ذلك لا يخلو من أحد ثلاثة أمور: إما أنهم خلقوا من غير شي‏ء، أي: لا خالق خلقهم، بل وجدوا من غير إيجاد و لا موجد، و هذا عين المحال. أم هم الخالقون لأنفسهم،

تيسير الكريم الرحمن، ص: 985

و هذا أيضا محال، فإنه لا يتصور، أن يوجد أحد نفسه. فإذا بطل هذان الأمران، و بان استحالتهما، تعين القسم الثالث و هو: أن اللّه هو الذي خلقهم. و إذا تعين ذلك، علم أن اللّه تعالى هو المعبود وحده، الذي لا تنبغي العبادة و لا تصلح، إلا له تعالى.

[36] و قوله: أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ‏ و هذا استفهام يدل على تقرير النفي، أي: ما خلقوا السماوات و الأرض، فيكونوا شركاء للّه، و هذا أمر واضح جدا. بَلْ‏ المكذبون‏ لا يُوقِنُونَ‏ ، أي: ليس عندهم يقين، يوجب لهم الانتفاع بالأدلة الشرعية و العقلية.

[37] أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ‏ (37)، أي: أعند هؤلاء المكذبين خزائن رحمة ربك، فيعطوا من يشاءون، و يمنعوا من يشاؤون؟ أي: فلذلك حجروا على اللّه، أن يعطي النبوة عبده و رسوله محمدا صلّى اللّه عليه و سلّم، و كأنهم الوكلاء المفوضون على خزائن رحمة اللّه، و هم أحقر، و أذل من ذلك، فليس في أيديهم لأنفسهم، نفع و لا ضر، و لا موت و لا حياة، و لا نشور. أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا . أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ‏ ، أي: المتسلطون على خلق اللّه و ملكه، بالقهر و الغلبة؟

ليس الأمر كذلك، بل هم العاجزون الفقراء.

[38] أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ‏ ، أي: ألهم اطلاع على الغيب، و استماع له بين الملأ، فيخبرون عن أمور لا يعلمها غيرهم؟ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ‏ المدعي لذلك‏ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ‏ ، و أنّى له ذلك؟ و اللّه تعالى عالم الغيب و الشهادة، فلا يظهر على غيبه أحدا، إلا من ارتضى من رسول يخبره بما أراد من علمه. و إذا كان محمد صلّى اللّه عليه و سلّم، و هو أفضل الرسل، و أعلمهم و إمامهم، و هو المخبر بما أخبر به، من توحيد اللّه، و وعيده، و غير ذلك من أخباره الصادقة لا يعلم إلا ما علمه اللّه، و المكذبون هم أهل الجهل و الضلال، و الغي و العناد. فأيّ المخبرين أحق بقبول خبره؟ خصوصا و الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم قد أقام من الأدلة و البراهين، على ما أخبر به، ما يوجب أن يكون ذلك عين اليقين، و أكمل الصدق، و هم لم يقيموا على ما ادعوه شبهة، فضلا عن إقامة حجة.

[39] و قوله: أَمْ لَهُ الْبَناتُ‏ كما زعمتم‏ وَ لَكُمُ الْبَنُونَ‏ فتجمعون بين المحذورين؟ جعلكم له الولد، و اختياركم له أنقص الصنفين؟ فهل بعد هذا التنقص لرب العالمين، غاية أو دونه نهاية؟

[40] أَمْ تَسْئَلُهُمْ‏ يا أيها الرسول‏ أَجْراً على تبليغ الرسالة. فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ‏ . ليس الأمر كذلك، بل أنت الحريص على تعليمهم، تبرعا من غير شي‏ء، بل تبذل لهم الأموال الجزيلة، على قبول رسالتك، و الاستجابة لأمرك و دعوتك، و تعطي المؤلفة قلوبهم، ليتمكن العلم و الإيمان من قلوبهم.

[41] أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ‏ (41) ما كانوا يعلمونه من الغيوب، فيكونون قد اطلعوا على ما لم يطلع عليه رسول اللّه، فعارضوه، و عاندوه بما عندهم من الغيب؟ و قد علم أنهم هم الأمة الأمية، الجهال الضالون. و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم هو الذي عنده من العلم أعظم من غيره، و أنبأه اللّه من علم الغيب على ما لم يطلع عليه أحد من الخلق، و هذا كله إلزام لهم، بالطرق العقلية و النقلية، على فساد قولهم، و تصوير بطلانه بأحسن الطرق و أوضحها، و أسلمها من الاعتراض.

[42] و قوله: أَمْ يُرِيدُونَ‏ بقدحهم فيك، و فيما جئت به‏ كَيْداً يبطلون به دينك، و يفسدون به أمرك؟ فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ‏ ، أي: كيدهم في نحورهم، و مضرته عائدة إليهم، و قد فعل اللّه ذلك- و للّه الحمد- فلم يبق الكفار من مقدورهم من المكر شيئا، إلا فعلوه، فنصر اللّه نبيه عليهم، و أظهر دينه، و خذلهم، و انتصر عليهم.

[43] أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ‏ ، أي: ألهم إله يدعى و يرجى نفعه، و يخاف من ضره، غير اللّه تعالى؟ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ‏ فليس له شريك في الملك، و لا شريك في الوحدانية و العبادة. و هذا هو المقصود من الكلام الذي سيق لأجله، و هو بطلان عبادة ما سوى اللّه، و بيان فسادها، بتلك الأدلة القاطعة. و أن ما عليه المشركون هو الباطل، و أن الذي ينبغي أن يعبد و يصلى له و يسجد، و يخلص له دعاء العبادة، و دعاء المسألة، هو اللّه المألوه المعبود، كامل الأسماء و الصفات، كثير النعوت الحسنة، و الأفعال الجميلة، ذو الجلال و الإكرام، و العز الذي لا يرام، الواحد الأحد، الفرد الصمد، الكبير الحميد المجيد.

[44] يقول تعالى في ذكر بيان أن المشركين المكذبين بالحق الواضح، قد عتوا عن الحقّ، و عسوا على الباطل،

تيسير الكريم الرحمن، ص: 986

و أنه لو قام على الحقّ كلّ دليل لما اتبعوه، و لخالفوه و عاندوا.

وَ إِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً ، أي: لو سقط عليهم من السماء من الآيات الباهرة، كسف، أي: قطع كبار من العذاب‏ يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ‏ ، أي: هذا سحاب متراكم على العادة. أي: فلا يبالون بما رأوا من الآيات، و لا يعتبرون بها.

[45] و هؤلاء لا دواء لهم، إلا العذاب و النكال، و لهذا قال: فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ‏ (45) و هو يوم القيامة الذي يصيبهم فيه من العذاب، ما لا يقادر قدره، و لا يوصف أمره.

[46] يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ، أي: لا قليلا و لا كثيرا. و إن كان في الدنيا، قد يوجد منهم كيد يعيشون به زمنا قليلا، فيوم القيامة يضمحل كيدهم، و تبطل مساعيهم، و لا ينتصرون من عذاب اللّه‏ وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ‏ .

[47] لما ذكر اللّه عذاب الظالمين في الآخرة، أخبر أن لهم عذابا قبل عذاب يوم القيامة، و ذلك شامل لعذاب الدنيا، بالقتل و السبي و الإخراج من الديار، و لعذاب البرزخ و القبر. وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ‏ ، أي: فلذلك أقاموا على ما يوجب العذاب، و شدة العقاب.

[48] و لما بين تعالى الحجج و البراهين على بطلان أقوال المكذبين، أمر رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم أن لا يعبأ بهم شيئا، و أن يصبر لحكم ربه القدري، و الشرعي بلزومه، و الاستقامة عليه، و وعده اللّه الكفاية بقوله: فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا ، أي: بمرأى منا، و حفظ، و اعتناء بأمرك. و أمره أن يستعين على الصبر بالذكر و العبادة، فقال: وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ‏ من الليل.

[49] ففيه الأمر بقيام الليل، أو حين تقوم إلى الصلوات الخمس، بدليل قوله: وَ مِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَ إِدْبارَ النُّجُومِ‏ (49)، أي: آخر الليل، و يدخل فيه صلاة الفجر، و اللّه أعلم. تم تفسير سورة الطور- و الحمد للّه.

تفسير سورة النجم‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] يقسم تعالى بالنجم عند هويّه، أي: سقوطه في الأفق في آخر الليل عند إدبار الليل، و إقبال النهار، لأن في ذلك من الآيات العظيمة، ما أوجب أن أقسم به، و الصحيح أن النجم، اسم جنس شامل للنجوم كلها. و أقسم بالنجوم على صحة ما جاء به الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم من الوحي الإلهي، لأن في ذلك مناسبة عجيبة، فإن اللّه تعالى جعل النجوم زينة للسماء، فكذلك الوحي و آثاره، زينة للأرض، فلو لا العلم الموروث من الأنبياء، لكان الناس في ظلمة أشد من ظلمة الليل البهيم. و المقسم عليه، تنزيه الرسول عن الضلال في علمه، و الغيّ في قصده. و يلزم من ذلك أن يكون مهتديا في علمه، هاديا، حسن القصد، ناصحا للخلق. و بعكس ما عليه أهل الضلال من فساد العلم،

تيسير الكريم الرحمن، ص: 987

و سوء القصد.

[2] و قال: صاحِبُكُمْ‏ لينبههم على ما يعرفونه منه، من الصدق و الهداية، و أنه لا يخفى عليهم أمره.

[3] وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى‏ (3)، أي: ليس نطقه صادرا عن هوى نفسه.

[4] إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى‏ (4)، أي: لا يتبع إلا ما أوحي إليه، من الهدى و التقوى، في نفسه، و في غيره. و دل هذا على أن السنة وحي من اللّه لرسوله صلّى اللّه عليه و سلّم، كما قال تعالى: وَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ ، و أنه معصوم فيما يخبر به عن اللّه تعالى و عن شرعه، لأن كلامه لا يصدر عن هوى، و إنما يصدر عن وحي يوحى.

[5] ثمّ ذكر المعلم للرسول، و هو جبريل عليه السّلام، أفضل الملائكة الكرام و أقواهم و أكملهم، فقال: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى‏ (5)، أي: نزل بالوحي على الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم جبريل عليه السّلام، شديد القوى الظاهرة و الباطنة. قوي على تنفيذ ما أمره اللّه بتنفيذه، قوي على إيصال الوحي إلى الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم، و منعه من اختلاس الشياطين له، أو إدخالهم فيه ما ليس منه. و هذا من حفظ اللّه لوحيه، أن أرسله مع هذا الرسول القوي الأمين.

[6] ذُو مِرَّةٍ ، أي: قوة، و خلق حسن، و جمال ظاهر و باطن. فَاسْتَوى‏ جبريل عليه السّلام.

[7] وَ هُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى‏ (7)، أي: أفق السماء الذي هو أعلى من الأرض، فهو من الأرواح العلوية، الّتي لا تنالها الشياطين و لا يتمكنون من الوصول إليها.

[8] ثُمَّ دَنا جبريل من النبي صلّى اللّه عليه و سلّم، لإيصال الوحي إليه. فَتَدَلَّى‏ عليه من الأفق الأعلى.

[9] فَكانَ‏ في قربه منه‏ قابَ قَوْسَيْنِ‏ ، أي: قدر قوسين، و القوس معروف، أَوْ أَدْنى‏ ، أي: أقرب من القوسين، و هذا يدل على كمال مباشرته للرسول صلّى اللّه عليه و سلم، بالرسالة، و أنه لا واسطة بينه و بين جبريل عليه السّلام.

[10] فَأَوْحى‏ اللّه بواسطة جبريل عليه السّلام‏ إِلى‏ عَبْدِهِ ما أَوْحى‏ ، أي: الذي أوحاه إليه من الشرع العظيم، و النبأ المستقيم.

[11] ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى‏ (11)، أي: اتفق فؤاد الرسل صلّى اللّه عليه و سلّم و رؤيته على الوحي الذي أوحاه اللّه إليه، و تواطأ عليه سمعه و بصره و قلبه، و هذا دليل على كمال الوحي الذي أوحاه اللّه إليه، و أنه تلقاه منه تلقيا لا شك فيه و لا شبهة و لا ريب، فلم يكذب فؤاده، ما رأى بصره، و لم يشك في ذلك. و يحتمل أن المراد بذلك ما رأى صلّى اللّه عليه و سلّم ليلة أسري به، من آيات اللّه العظيمة، و أنه تيقنه حقا، بقلبه و رؤيته، و هذا هو الصحيح في تأويل الآية الكريمة. و قيل:

إن المراد بذلك رؤية الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم، لربه ليلة الإسراء، و تكليمه إياه، و هذا اختيار كثير من العلماء رحمهم اللّه، فأثبتوا بهذا، رؤية الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم لربه في الدنيا. و لكن الصحيح القول الأول، و أن المراد به جبريل عليه السّلام، كما يدل عليه السياق، و أن محمدا صلّى اللّه عليه و سلّم رأى جبريل في صورته الأصلية، الّتي هو عليها مرتين: مرة في الأفق الأعلى، تحت السماء الدنيا كما تقدم، و المرة الثانية فوق السماء السابعة ليلة أسري برسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم.

[13] و لهذا قال: وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى‏ (13)، أي: رأى محمد جبريل مرة أخرى، نازلا إليه.

[14] عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى‏ (14) و هي شجرة عظيمة جدا، فوق السماء السابعة، سميت سدرة المنتهى، لأنه ينتهي إليها ما يعرج من الأرض، و ينزل إليها ما ينزل من اللّه، من الوحي و غيره. أو لانتهاء علم المخلوقات إليها، أي: لكونها فوق‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 988

السماوات و الأرض فهي المنتهى في علومها، أو لغير ذلك، و اللّه أعلم. فرأى محمد صلّى اللّه عليه و سلّم جبريل في ذلك المكان، الذي هو محل الأرواح العلوية الزاكية الجميلة الّتي لا يقربها شيطان و لا غيره، من الأرواح الخبيثة.

[15] عِنْدَها ، أي: عند تلك الشجرة جَنَّةُ الْمَأْوى‏ ، أي: الجنة الجامعة لكل نعيم، بحيث كانت محلّا تنتهي إليه الأماني، و ترغب فيه الإرادات، و تأوي إليها الرغبات، و هذا دليل على أن الجنة في أعلى الأماكن، و فوق السماء السابعة.

[16] إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى‏ (16)، أي: يغشاها من أمر اللّه، شي‏ء عظيم لا يعلم وصفه إلا اللّه عز و جل.

[17] ما زاغَ الْبَصَرُ ، أي: ما زاغ يمنة و لا يسرة، عن مقصوده‏ وَ ما طَغى‏ ، أي: و ما تجاوز البصر، و هذا كمال الأدب منه صلوات اللّه و سلامه عليه، أن قام مقاما، أقامه اللّه فيه، و لم يقصر عنه، و لا تجاوزه، و لا حاد عنه. و هذا أكمل ما يكون من الأدب العظيم، الذي فاق فيه الأولين و الآخرين، فإن الإخلال يكون بأحد هذه الأمور: إما أن لا يقوم العبد بما أمر به، أو يقوم به على وجه التفريط، أو على وجه الإفراط، أو على وجه الحيدة يمينا و شمالا، و هذه الأمور كلها منتفية عنه صلّى اللّه عليه و سلّم.

[18] لَقَدْ رَأى‏ مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى‏ (18) من الجنة و النار، و غير ذلك من الآيات الّتي رآها صلّى اللّه عليه و سلّم ليلة أسري به.

[19- 20] لما ذكر تعالى ما جاء به محمد صلّى اللّه عليه و سلّم من الهدى، و دين الحقّ، و الأمر بعبادة اللّه، و توحيده، ذكر بطلان ما عليه المشركون من عبادة من ليس له من أوصاف الكمال شي‏ء، و لا تنفع و لا تضر، و إنما هي أسماء فارغة من المعنى، سماها المشركون، هم و آباؤهم الجهال الضلال، ابتدعوا لها من الأسماء الباطلة الّتي لا تستحقها، فخدعوا بها أنفسهم و غيرهم من الضلال. فالآلهة الّتي بهذه الحال، لا تستحق مثقال ذرة من العبادة، و هذه الأنداد الّتي سموها بهذه الأسماء، زعموا أنها مشتقة من أوصاف هي متصفة بها، فسموا «اللات» من «الإله» المستحق للعبادة، و «العزى» من «العزيز»، و «مناة» من «المنان» إلحادا في أسماء اللّه و تجريا على الشرك به، و هذه أسماء متجردة من المعاني. فكل من له أدنى مسكة من عقل، يعلم بطلان هذه الأوصاف فيها.

[21] أَ لَكُمُ الذَّكَرُ وَ لَهُ الْأُنْثى‏ (21) أي: أ تجعلون للّه البنات بزعمكم، و لكم البنون؟

[22] تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى‏ (22)، أي: ظالمة جائرة، و أيّ ظلم أعظم من قسمة تقتضي تفضيل العبد المخلوق على الخالق؟ تعالى اللّه عن قولهم علوّا كبيرا.

[23] و قوله: إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ‏ ، أي: من حجة و برهان، على صحة مذهبكم، و كلّ أمر، ما أنزل اللّه فيه من سلطان، فهو باطل فاسد، لا يتخذ دينا، و هم- في أنفسهم- ليسوا بمتبعين لبرهان، يتيقنون به ما ذهبوا إليه. و إنما دلهم على قولهم، الظن الفاسد، و الجهل الكاسد، و ما تهواه أنفسهم من الشرك و البدع الموافقة لأهويتهم، و الحال أنه لا موجب لهم يقتضي ذلك، إلا اتباعهم للظن، من فقد العلم و الهدى، و لهذا قال تعالى: وَ لَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى‏ ، أي: الذي يرشدهم في باب التوحيد و النبوة، و جميع المطالب الّتي يحتاج إليها العباد. فكلها قد بينها اللّه أكمل بيان، و أوضحه، و أدله على المقصود، و أقام عليه من الأدلة و البراهين، ما يوجب لهم و لغيرهم اتباعه، فلم يبق لأحد حجة، و لا عذر من بعد البيان و البرهان.

و إذا كان ما هم عليه، غايته اتباع الظن، و نهايته الشقاء الأبدي و العذاب السرمدي، فالبقاء على هذه الحال، من أسفه السفه، و أظلم الظلم، و مع ذلك يتمنون الأماني، و يغترون بأنفسهم.

[24- 25] و لهذا أنكر تعالى على من زعم، أنه يحصل له ما تمنى، و هو كاذب في ذلك، فقال: أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى (24) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَ الْأُولى‏ (25) فيعطي من يشاء، و يمنع من يشاء، فليس الأمر تابعا لأمانيهم، و لا موافقا لأهوائهم.

[26] يقول تعالى منكرا على من عبد غيره من الملائكة و غيرهم، و زعم أنها تنفعه و تشفع له عند اللّه يوم القيامة:

وَ كَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ‏ من الملائكة المقربين، و كرام الملائكة. لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً ، أي: لا تفيد من ادعاها و تعلق بها و رجاها. إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَرْضى‏ ، أي: لا بد من اجتماع الشرطين: إذنه تعالى في‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 989

الشفاعة، و رضاه عن المشفوع له. و من المعلوم المتقرر، أنه لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا لوجه اللّه، موافقا من صاحبه الشريعة. فالمشركون إذا لا نصيب لهم من شفاعة الشافعين، لأنهم سدوا على أنفسهم، رحمة أرحم الراحمين.

[27] يعني أن المشركين باللّه المكذبين لرسله، الّذين لا يؤمنون بالآخرة، بسبب عدم إيمانهم باللّه تعالى، تجرأوا على ما تجرأوا عليه، من الأقوال، و الأفعال المحادة للّه و لرسوله، من قولهم: «الملائكة بنات اللّه»، فلم ينزهوا ربهم عن الولادة، و لم يكرموا الملائكة، و يجلوهم عن تسميتهم إياهم إناثا.

[28] و الحال أنه ليس لهم بذلك علم، لا عن اللّه، و لا عن رسوله، و لا دلت على ذلك الفطر و العقول، بل العلم كله، دال على نقيض قولهم، و أن اللّه منزه عن الأولاد، و الصاحبة، لأنه الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد و لم يولد، و لم يكن له كفوا أحد، و أن الملائكة كرام مقربون إلى اللّه، قائمون بخدمته: لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ‏ . و المشركون إنما يتبعون في ذلك القول القبيح، و هو: الظن الذي لا يغني من الحقّ شيئا، فإن الحقّ لا بد فيه من اليقين المستفاد من الأدلة و البراهين الساطعة.

[29] و لما كان هذا دأب هؤلاء المذكورين أنهم لا غرض لهم في اتباع الحقّ، و إنما غرضهم و مقصودهم، ما تهواه نفوسهم، أمر اللّه رسوله بالإعراض عمن تولى عن ذكره، الذي هو الذكر الحكيم، و القرآن العظيم، فأعرض عن العلوم النافعة، و لم يرد إلا الحياة الدنيا، فهذا منتهى إرادته. و من المعلوم أن العبد لا يعمل إلا للشي‏ء الذي يريده، فسعي هؤلاء مقصور على الدنيا و لذاتها و شهواتها، كيف حصلت حصّلوها، و بأي طريق سنحت ابتدروها.

[30] ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ‏ ، أي: هذا منتهى علمهم و غايته. و أما المؤمنون بالآخرة، المصدقون بها، أولو الألباب و العقول، فهمهم و إرادتهم للدار الآخرة، و علومهم أفضل العلوم و أجلها، و هو المأخوذ من كتاب اللّه، و سنة رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم. و اللّه تعالى أعلم بمن يستحق الهداية فيهديه، ممن لا يستحق ذلك، فيكله إلى نفسه، و يخذله، فيضل عن سبيل اللّه، و لهذا قال تعالى: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى‏ فيضع فضله حيث يعلم المحل اللائق به.

[31] يخبر تعالى أنه مالك الملك، المنفرد بملك الدنيا و الآخرة، و أن جميع ما فيهما ملك للّه، يتصرف فيهم تصرف الملك العظيم، في عبيده و مماليكه، ينفذ فيهم قدره، و يجري عليهم شرعه، و يأمرهم و ينهاهم، و يجزيهم على ما أمرهم به، و نهاهم عنه، فيثيب المطيع، و يعاقب العاصي. لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا من سيئات الكفر فما دونه من المعاصي، و بما عملوه من أعمال الشر بالعقوبة الفظيعة. وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا في عبادة اللّه تعالى، و أحسنوا إلى خلق اللّه، بأنواع المنافع‏ بِالْحُسْنَى‏ ، أي: بالحالة الحسنة في الدنيا و الآخرة. و أكبر ذلك و أجلّه رضا ربهم، و الفوز بالجنة، و ما فيها من النعيم.

صفحه بعد