کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1065

سورة المعارج‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1- 3] يقول تعالى- مبينا جهل المعاندين، و استعجالهم لعذاب اللّه، استهزاء و تعنتا و تعجيزا: سَأَلَ سائِلٌ‏ ، أي: دعا داع، و استفتح مستفتح‏ بِعَذابٍ واقِعٍ (1) لِلْكافِرينَ‏ لاستحقاقهم له بكفرهم و عنادهم‏ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ‏ ، أي: ليس لهذا العذاب، الذي استعجل به من استعجل، من متمردي المشركين، أحد يدفعه قبل نزوله، أو يرفعه بعد نزوله. و هذا حين دعا النضر بن الحارث القرشي أو غيره من المكذبين، فقال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك، فأمطر علينا حجارة من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم. فالعذاب لا بد أن يقع عليهم من اللّه، فإما أن يعجل لهم في الدنيا، و إما أن يدخر لهم في الآخرة. فلو عرفوا اللّه، و عرفوا عظمته، و سعة سلطانه، و كمال أسمائه و صفاته، لما استعجلوا و لا ستسلموا و تأدبوا، و لهذا ذكر تعالى من عظمته، ما يضاد أقوالهم القبيحة، فقال: ذِي الْمَعارِجِ‏ .

[4] تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ إِلَيْهِ‏ ، أي: ذو العلو و الجلال، و العظمة، و التدبير لسائر الخلق، الذي تعرج إليه الملائكة، بما جعلها على تدبيره، و تعرج إليه الروح. و هذا اسم جنس، يشمل الأرواح كلها، برّها و فاجرها، و هذا عند الوفاة. فأما الأبرار، فتعرج أرواحهم إلى اللّه، فيؤذن لها من سماء إلى سماء، حتى تنتهي إلى السماء التي فيها اللّه عز و جل ربها، فتحيّي و تسلم عليه، و تحظى بقربه، و تبتهج بالدنو منه، و يحصل لها منه الثناء و الإكرام، و البر و الإعظام. و أما أرواح الفجار، فتعرج، فإذا وصلت إلى السماء، استأذنت فلا يؤذن لها، و أعيدت إلى الأرض.

ثمّ ذكر المسافة الّتي تعرج فيها الملائكة و الروح إلى اللّه، و أنها تعرج في يوم بما يسر لها من الأسباب، و أعانها عليه من اللطافة و الخفة، و سرعة السير. مع أن تلك المسافة على السير المعتاد، مقدار خمسين ألف سنة، من ابتداء العروج إلى بلوغها، ما حدّ لها، و ما تنتهي إليه من الملأ الأعلى. فهذا الملك العظيم، و العالم الكبير، علويه و سفليه، جميعه قد تولى خلقه و تدبيره، العلي الأعلى. فعلم أحوالهم الظاهرة و الباطنة، و مستقرهم و مستودعهم، و أوصلهم من رحمته و بره و إحسانه، ما عمهم و شملهم، و أجرى عليهم حكمه القدري و حكمه الشرعي، و حكمه الجزائي.

فبؤسا لأقوام جهلوا عظمته، و لم يقدروه حق قدره، فاستعجلوا بالعذاب على وجه التعجيز و الامتحان. و سبحان الحليم الذي أمهلهم و ما أهملهم، و آذوه فصبر عليهم، و عافاهم و رزقهم. هذا أحد الاحتمالات في تفسير هذه الآية الكريمة، فيكون هذا العروج و الصعود في الدنيا، لأن السياق الأول يدل عليه. و يحتمل أن هذا في يوم القيامة، و أن اللّه تعالى يظهر لعباده في يوم القيامة، من عظمته و جلاله و كبريائه، ما هو أكبر دليل على معرفته، مما يشاهدونه من عروج الأملاك و الأرواح، صاعدة و نازلة، بالتدابير الإلهية، و الشؤون الربانية. فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ من طوله و شدته، لكن اللّه تعالى، يخففه على المؤمن.

[5] و قوله: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا (5)، أي: اصبر على‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1066

دعوتك لقومك، صبرا جميلا، لا تضجر فيه و لا ملل، بل استمر على أمر اللّه، و ادع عباده إلى توحيده، و لا يمنعك عنهم ما ترى من عدم انقيادهم، و عدم رغبتهم، فإن في الصبر على ذلك خيرا كثيرا.

[6- 7] إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (6) وَ نَراهُ قَرِيباً (7) الضمير يعود إلى البعث، الذي فيه عذاب السائلين بالعذاب، أي:

إن حالهم، حال المنكر له، و الذي غلبت عليه الشقوة و السكرة، حتى تباعد جميع ما أمامه، من البعث و النشور.

و اللّه يراه قريبا، لأنه رفيق حليم لا يعجل، و يعلم أنه لا بد أن يكون، و ما هو آت، فهو قريب.

[8] ثمّ ذكر أهوال ذلك اليوم و ما فيه، فقال: يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ إلى: فَأَوْعى‏ . أي: يَوْمَ‏ القيامة، الذي تقع فيه هذه الأمور العظيمة تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ‏ و هو الرصاص المذاب، من تشققها، و بلوغ الهول منها كلّ مبلغ.

[9] وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ‏ (9) و هو الصوف المنفوش، ثمّ تكون بعد ذلك هباء منثورا، فتضمحل. فإذا كان هذا الانزعاج و القلق لهذه الأجرام الكبيرة الشديدة، فما ظنك بالعبد الضعيف، الذي قد أثقل ظهره بالذنوب و الأوزار؟

أ ليس حقيقا أن ينخلع قلبه و لبه، و يذهل عن كلّ أحد؟ و لهذا قال:

[10] وَ لا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (10) يُبَصَّرُونَهُمْ‏ ، أي: يشاهد الحميم، و هو: القريب حميمه، فلا يبقى في قلبه متسع لسؤاله عن حاله، و لا فيما يتعلق بعشرتهم و محبتهم، و لا يهمه إلّا نفسه. يَوَدُّ الْمُجْرِمُ‏ الذي حق عليه العذاب‏ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ‏ .

[12] وَ صاحِبَتِهِ‏ ، أي: زوجته‏ وَ أَخِيهِ‏ .

[13] وَ فَصِيلَتِهِ‏ أي: قرابته‏ الَّتِي تُؤْوِيهِ‏ ، أي: الّتي جرت عادتها في الدنيا أن تتناصر، و يعين بعضها بعضا. ففي القيامة لا ينفع أحد أحدا، و لا يشفع أحد إلّا بإذن اللّه.

[14] بل لو يفتدي المجرم المستحق للعذاب بكل من يعرفه‏ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ‏ (14) ذلك، لم ينفعه.

[15] كَلَّا ، أي: لا حيلة و لا مناصر لهم، قد حقت عليهم كلمة ربك، و ذهب نفع الأقارب و الأصدقاء. إِنَّها لَظى‏ .

[16] نَزَّاعَةً لِلشَّوى‏ (16)، أي: النار الّتي تتلظى، تنزع من شدتها للأعضاء الظاهرة و الباطنة.

[17] تَدْعُوا إلى نفسها مَنْ أَدْبَرَ وَ تَوَلَّى‏ .

[18] وَ جَمَعَ فَأَوْعى‏ (18)، أي: أدبر عن اتباع الحقّ، و أعرض عنه، فلا غرض له فيه، و جمع الأموال بعضها فوق بعض، و أوعاها فلم ينفق منها ما ينفعه، و يدفع عنه النار، فالنار تدعو هؤلاء إلى نفسها، و تستعد للالتهاب بهم.

[19] و هذا الوصف للإنسان من حيث هو، وصف طبيعته، أنه هلوع.

[20] و فسر الهلوع بقوله: إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) فيجزع إن أصابه فقر أو مرض، أو ذهاب محبوب له، من مال أو أهل أو أولد، و لا يستعمل في ذلك الصبر و الرضا بما قضى اللّه.

[21] وَ إِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21)، فلا ينفق مما آتاه اللّه، و لا يشكر اللّه على نعمه و بره، فيجزع في الضراء، و يمنع في السراء.

[22] إِلَّا الْمُصَلِّينَ‏ (22) الموصوفين بتلك الأوصاف، فإنهم إذا مسهم الخير، شكروا اللّه و أنفقوا مما خولهم، و إذا مسهم الشر صبروا و احتسبوا.

[23] و قوله في وصفهم: الَّذِينَ هُمْ عَلى‏ صَلاتِهِمْ دائِمُونَ‏ (23)، أي: مداومون عليها في أوقاتها بشروطها و مكملاتها. و ليسوا كمن لا يفعلها، أو

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1067

يفعلها وقتا دون وقت، أو يفعلها على وجه ناقص.

[24] وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ‏ (24) من زكاة و صدقة لِلسَّائِلِ‏ الذي يتعرض للسؤال، وَ الْمَحْرُومِ‏ و هو: المسكين الذي لا يسأل الناس فيعطوه، و لا يفطن له فيتصدق عليه.

[26] وَ الَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ‏ (26)، أي: يؤمنون بما أخبر به اللّه، و أخبرت به الرسل، من الجزاء و البعث، و يتيقنون ذلك، فيستعدون للآخرة، و يسعون لها سعيها.

و التصديق بيوم الدين، يلزم منه التصديق بالرسل، و بما جاءوا به من الكتب.

[27] وَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ‏ (27)، أي: خائفون و جلون، فيتركون لذلك كلّ ما يقربهم من عذاب اللّه.

[28] إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ‏ (28)، أي: هو العذاب الذي يخشى و يحذر.

[29] وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ‏ (29) فلا يطأون بها وطئا محرما، من زنا، أو لواط، أو وطء في دبر، أو حيض، و نحو ذلك. و يحفظونها أيضا من النظر إليها و مسها، ممن لا يجوز له ذلك، و يتركون أيضا وسائل المحرمات الداعية لفعل الفاحشة.

[30] إِلَّا عَلى‏ أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ‏ ، أي: سرياتهم‏ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ‏ في وطئهن، في المحل الذي هو محل الحرث.

[31] فَمَنِ ابْتَغى‏ وَراءَ ذلِكَ‏ ، أي: غير الزوجة، و ملك اليمين، فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ‏ ، أي: المتجاوزون ما أحل اللّه إلى ما حرم اللّه. و دلت هذه الآية على تحريم نكاح المتعة، لكونها غير زوجة مقصودة، و لا ملك يمين.

[32] وَ الَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ راعُونَ‏ (32)، أي: مراعون لها، حافظون مجتهدون على أدائها، و الوفاء بها. و هذا شامل لجميع الأمانات الّتي بين العبد و بين ربه، كالتكاليف السرية الّتي لا يطلع عليها إلّا اللّه، و الأمانات الّتي بين العبد و بين الخلق، في الأموال و الأسرار. و كذلك العهد، شامل للعهد الذي عاهد عليه اللّه، و العهد الذي عاهد الخلق عليه، فإن العهد يسأل عنه العبد، هل قام به و وفاه، أم رفضه و خانه، فلم يقم به؟

[33] وَ الَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ‏ (33)، أي: لا يشهدون إلّا بما يعلمونه، من غير زيادة و لا نقص، و لا كتمان، و لا يحابي فيها قريبا و لا صديقا و نحوه، و يكون القصد بإقامتها، وجه اللّه. قال تعالى: وَ أَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ‏ ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَ لَوْ عَلى‏ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ‏ .

[34] وَ الَّذِينَ هُمْ عَلى‏ صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ‏ (34) بالمداومة عليها على أكمل الوجوه.

[35] أُولئِكَ‏ ، أي: الموصوفون بتلك الصفات‏ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ‏ ، أي: قد أوصل اللّه لهم من الكرامة و النعيم المقيم، ما تشتهيه الأنفس، و تلذ الأعين، و هم فيها خالدون.

و حاصل هذا، أن اللّه وصف أهل السعادة و الخير بهذه الأوصاف الكاملة، و الأخلاق المرضية الفاضلة، من العبادات البدنية، كالصلاة، و المداومة عليها، و الأعمال القلبية كخشية اللّه الداعية لكل خير، و العبادات المالية، و العقائد النافعة، و الأخلاق الفاضلة، و معاملة اللّه، و معاملة خلقه، أحسن معاملة: من إنصافهم، و حفظ حقوقهم و أماناتهم، و العفة التامة بحفظ الفروج، عما يكرهه اللّه تعالى.

[36] يقول تعالى، مبينا اغترار الكافرين: فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ‏ (36)، أي: مسرعين.

[37] عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمالِ عِزِينَ‏ (37) أي: قطعا متفرقة و جماعات متنوعة، كل منهم بما لديه فرح.

[38] أَ يَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1068

يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ‏ (38) أيّ سبب أطمعهم، و هم لم يقدموا سوى الكفر و الجحود لرب العالمين، و لهذا قال:

[39] كَلَّا ، أي: ليس الأمر بأمانيهم، و لا إدراك ما يشتهون بقوتهم. إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ‏ ، أي: من ماء دافق، يخرج من بين الصلب و الترائب، فهم ضعفاء، لا يملكون لأنفسهم نفعا و لا ضرا، و لا موتا و لا حياة، و لا نشورا.

[40] هذا إقسام منه تعالى بالمشارق و المغارب، للشمس و القمر و الكواكب، لما فيها من الآيات الباهرات على البعث، و قدرته على تبديل أمثالهم، و هم بأعيانهم، كما قال تعالى:

وَ نُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ‏ . وَ ما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ‏ ، أي: ما أحد يسبقنا و يفوتنا و يعجزنا إذا أردنا أن نعيده، فإذا تقرر البعث و الجزاء، و استمروا على تكذيبهم، و عدم انقيادهم لآيات اللّه.

[42] فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَ يَلْعَبُوا ، أي: يخوضوا بالأقوال الباطلة، و العقائد الفاسدة، و يلعبوا بدينهم، و يأكلوا و يشربوا، و يتمتعوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ‏ ، فإن اللّه قد أعد لهم فيه من النكال و الوبال، ما هو عاقبة خوضهم و لعبهم. ثمّ ذكر حال الخلق حين يلاقون اليوم الذي يوعدون، فقال:

[43] يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ‏ ، أي:

القبور سِراعاً مجيبين لدعوة الداعي، مهطعين إليها. كَأَنَّهُمْ إِلى‏ نُصُبٍ يُوفِضُونَ‏ ، أي: كأنهم إلى علم يؤمون و يقصدون، فلا يتمكنون من الاستعصاء على الداعي، و لا الالتواء عن نداء المنادي، بل يأتون أذلاء مقهورين، بين يدي رب العالمين.

[44] خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ و ذلك أن الذلة و القلق، قد ملك قلوبهم، و استولى على أفئدتهم، فخشعت منهم الأبصار، و سكنت الحركات، و انقطعت الأصوات. ذلِكَ‏ الحال و المآل، هو الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ‏ و لا بد من الوفاء بوعد اللّه. تم تفسير سورة المعارج- الحمد.

سورة نوح‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] لم يذكر اللّه في هذه السورة، إلا قصة نوح وحدها لطول لبثه في قومه، و تكرار دعوته إلى التوحيد، و نهيه عن الشرك. فأخبر تعالى أنه أرسل نوحا إلى قومه، رحمة بهم و إنذارا من عذاب أليم، خوفا من استمرارهم على كفرهم، فيهلكهم هلاكا أبديا، و يعذبهم عذابا سرمديا.

[2] فامتثل نوح عليه السّلام لذلك، و ابتدر لأمر اللّه، فقال: يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ‏ ، أي: واضح النذارة بيّنها، و ذلك لتوضيحه ما أنذر به، و ما أنذر عنه، و بأي شي‏ء تحصل النجاة، بيّن ذلك بيانا شافيا.

[3- 4] فأخبرهم و أمرهم بأصل ذلك، فقال: أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ اتَّقُوهُ‏ و ذلك بإفراده تعالى بالعبادة و التوحيد،

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1069

و البعد عن الشرك و طرقه، و وسائله، فإنهم إذا اتقوا اللّه، غفر ذنوبهم، و إذا غفر ذنوبهم حصل لهم النجاة من العذاب، و الفوز بالثواب. وَ يُؤَخِّرْكُمْ إِلى‏ أَجَلٍ مُسَمًّى‏ ، أي: يمتعكم في هذه الدار، و يدفع عنكم الهلاك إلى أجل مسمى، أي: مقدر البقاء في الدنيا، بقضاء اللّه و قدره، إلى وقت محدود، و ليس المتاع أبدا، فإن الموت لا بد منه، و لهذا قال: إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏ كما كفرتم باللّه، و عاندتم الحقّ، فلم يجيبوا لدعوته، و لا انقادوا لأمره، فقال شاكيا لربه:

[5- 6] رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَ نَهاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً (6)، أي: نفورا عن الحقّ و إعراضا، فلم يبق لذلك فائدة، لأن فائدة الدعوة أن يحصل جميع المقصود أو بعضه.

[7] وَ إِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ‏ ، أي:

لأجل أن يستجيبوا، فإذا استجابوا، غفرت لهم، و هذا محض مصلحتهم، و لكن أبوا، إلا تماديا على باطلهم، و نفورا عن الحقّ. جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ‏ حذر سماع ما يقول لهم نبيهم نوح عليه السّلام. وَ اسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ‏ ، أي:

تغطوا بها غطاء يغشاهم، بعدا عن الحقّ، و بغضا له. وَ أَصَرُّوا على كفرهم و شرهم‏ وَ اسْتَكْبَرُوا على الحقّ‏ اسْتِكْباراً ، فشرّهم ازداد، و خيرهم بعد.

[8] ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً (8)، أي: بمسمع منهم كلهم.

[9] ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَ أَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً (9)، كل هذا حرص و نصح، و إتيانهم بكل طريق يظن به حصول المقصود.

[10] فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ‏ ، أي: اتركوا ما أنتم عليه من الذنوب، و استغفروا اللّه منها. إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً كثير المغفرة لمن تاب و استغفر، فرغبهم بمغفرة الذنوب، و ما يترتب عليها من الثواب، و اندفاع العقاب.

[11] و رغّبهم أيضا بخير الدنيا العاجل، فقال: يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً (11)، أي: مطرا متتابعا، يروي الشعاب و الوهاد، و يحيي البلاد و العباد.

[12] وَ يُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ‏ ، أي: يكثر أموالكم، الّتي تدركون بها ما تطلبون من الدنيا، و أولادكم. وَ يَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَ يَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً و هذا من أبلغ ما يكون من لذات الدنيا و مطالبها.

[13] ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (13)، أي: لا تخافون للّه عظمة، و ليس له عندكم قدر.

[14] وَ قَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً (14)، أي: خلقا من بعد خلق، في بطن الأم، ثمّ في الرضاع، ثمّ في سن الطفولة، ثمّ التمييز، ثمّ الشباب. ثمّ إلى آخر ما يصل إليه الخلق، فالذي انفرد بالخلق و التدبير البديع، متعين أن يفرد بالعبادة و التوحيد. و في ذكر ابتداء خلقهم تنبيه لهم على المعاد، و أن الذي أنشأهم من العدم قادر على أن يعيدهم بعد موتهم.

[15] و استدل أيضا بخلق السماوات، الّتي هي أكبر من خلق الناس، فقال: أَ لَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً (15)، أي: كل سماء فوق الأخرى.

[16] وَ جَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً لأهل الأرض‏ وَ جَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً .

ففيه تنبيه على عظم خلق هذه الأشياء، و كثرة المنافع في الشمس و القمر الدالة على رحمة اللّه و سعة إحسانه، فالعظيم الرحيم، يستحق أن يعظم و يحب و يخاف و يرجى.

[17] وَ اللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً (17) حين خلق أباكم آدم و أنتم في صلبه.

[18] ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها عند الموت‏ وَ يُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً للبعث و النشور، فهو الذي يملك الحياة و الموت‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1070

و النشور.

[19] وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً (19)، أي:

مبسوصة مهيأة للانتفاع بها.

[20] لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجاً (20) فلو لا أنه بسطها، لما أمكن ذلك، بل و لا أمكنهم حرثها و غرسها، و زرعها، و البناء و السكون على ظهرها.

[21] قالَ نُوحٌ‏ شاكيا لربه: إن هذا الكلام و الوعظ و التذكير، ما نجع فيهم و لا أفاد. رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي‏ فيما أمرتهم به‏ وَ اتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَ وَلَدُهُ إِلَّا خَساراً ، أي:

عصوا الرسول الناصح الدال على الخير، و اتبعوا الملأ و الأشراف الّذين لم تزدهم أموالهم و لا أولادهم إلّا خسارا، أي: هلاكا و تفويتا للأرباح، فكيف بمن انقاد لهم و أطاعهم؟

[22] وَ مَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً (22)، أي: مكرا كبيرا بليغا في معاندة الحقّ.

[23] وَ قالُوا لهم داعين إلى الشرك مزينين‏ لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ‏ فدعوهم إلى التعصب على ما هم عليه من الشرك، و أن لا يدعوا ما عليه آباؤهم الأقدمون. ثمّ عينوا آلهتهم، فقالوا: وَ لا تَذَرُنَّ وَدًّا وَ لا سُواعاً وَ لا يَغُوثَ وَ يَعُوقَ وَ نَسْراً . و هذه أسماء رجال صالحين، لما ماتوا، زين الشيطان لقومهم أن يصوروا صورهم، لينشطوا- بزعمهم- على الطاعة، إذ رأوها. ثمّ طال الأمد، و جاء غير أولئك فقال لهم الشيطان: إن أسلافكم كانوا يعبدونهم، و يتوسلون بهم، و بهم يسقون المطر، فعبدوهم. و لهذا وصى رؤساؤهم للتابعين لهم، أن لا يدعوا عبادة هذه الأصنام.

[24] وَ قَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً ، أي: أضل الكبار و الرؤساء بدعوتهم، كثيرا من الخلق. وَ لا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا ، أي: لو كان ضلالهم عند دعوتي إياهم للحق، لكان مصلحة، و لكن لا يزيدون بدعوة الرؤساء إلا ضلالا، أي: فلم يبق محل لنجاحهم و صلاحهم، و لهذا ذكر اللّه عذابهم و عقوبتهم الدنيوية و الأخروية، فقال:

[25] مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا في اليم الذي أحاط بهم‏ فَأُدْخِلُوا ناراً ، فذهبت أجسادهم في الغرق، و أرواحهم للنار و الحرق. و هذا كله بسبب خطيئاتهم، الّتي أتاهم نبيهم ينذرهم عنها، و يخبرهم بشؤمها و سوء مغبتها، فرفضوا ما قال، حتى حل بهم النكال. فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصاراً ينصرونهم حين نزل بهم الأمر، و لا أحد يقدر على أن يعارض القضاء و القدر.

[26] وَ قالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (26) يدور على وجه الأرض.

[27] و ذكر السبب، فقال: إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَ لا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً (27)، أي:

بقاؤهم مفسدة محضة، لهم و لغيرهم. و إنّما قال نوح ذلك، لأنه مع كثرة مخالطته إياهم، و مزاولته لأخلاقهم، علم بذلك، نتيجة أعمالهم، فلهذا استجاب اللّه له دعوته، فأغرقهم أجمعين، و نجى نوحا و من معه من المؤمنين.

[28] رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ لِوالِدَيَّ وَ لِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً خص المذكورين لتأكد حقهم و تقديم برهم، ثمّ عمم الدعاء، فقال: وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ وَ لا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً ، أي: خسارا، و دمارا و هلاكا. تم تفسير سورة نوح- و الحمد.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1071

سورة الجن‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] أي: قُلْ‏ يا أيها الرسول للناس‏ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِ‏ صرفهم اللّه إلى رسوله، لسماع آياته، لتقوم عليهم الحجة، و تتم عليهم النعمة، و يكونوا منذرين لقومهم. و أمر رسوله، أن يقص نبأهم على الناس، و ذلك:

أنهم لما حضروه، قالوا: أنصتوا، فلما أنصتوا، فهموا معانيه، و وصلت حقائقه إلى قلوبهم. فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً ، أي: من العجائب الغالية، و المطالب العالية.

[2] يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ ، و الرشد: اسم جامع لكل ما يرشد الناس إلى مصالح دينهم و دنياهم. فَآمَنَّا بِهِ وَ لَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً فجمعوا بين الإيمان، الذي يدخل فيه جميع أعمال الخير، و بين التقوى، المتضمنة لترك الشر. و يجعلوا السبب الداعي لهم إلى الإيمان و توابعه، ما علموه من إرشادات القرآن، و ما اشتمل عليه من المصالح و الفوائد، و اجتناب المضار، فإن ذلك آية عظيمة، و حجة قاطعة، لمن استنار به، و اهتدى بهديه. و هذا هو الإيمان النافع، المثمر لكل خير، المبني على هداية القرآن، بخلاف إيمان العوائد، و المربى، و الإلف و نحو ذلك، فإنه إيمان تقليد تحت خطر الشبهات و العوارض الكثيرة.

[3] وَ أَنَّهُ تَعالى‏ جَدُّ رَبِّنا ، أي: تعالت عظمته و تقدست أسماؤه. مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَ لا وَلَداً فعلموا من جد اللّه و عظمته، ما دلهم على بطلان من يزعم أن له صاحبة أو ولدا، لأن له العظمة و الجلال في كلّ صفة كمال. و اتخاذ الصاحبة و الولد ينافي ذلك، لأنه يضاد كمال الغنى.

[4] وَ أَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً (4)، أي: قولا جائرا عن الصواب، متعديا للحد، و ما حمله على ذلك، إلا سفهه، و ضعف عقله، و إلّا فلو كان رزينا مطمئنا، لعرف كيف يقول:

[5] وَ أَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً (5)، أي: كنا مغترين قبل ذلك، غرتنا السادة و الرؤساء من الجن و الإنس، فأحسنا بهم الظن، و حسبناهم لا يتجرأون على الكذب على اللّه، فلذلك كنا قبل ذلك على طريقهم. فاليوم إذ بان لنا الحقّ، سلكنا طريقه، و انقدنا له، و لم نبال بقول أحد من الخلق، يعارض الهدى.

[6] وَ أَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً (6) أي: كان الإنس يعوذون بالجن، عند المخاوف و الأفزاع و يعبدونهم، فزاد الإنس الجن رهقا، أي: طغيانا و تكبرا، لما رأوا الإنس يعبدونهم، و يستعيذون بهم. و يحتمل أن الضمير و هو «الواو» يرجع إلى الجن، أي: زاد الجن الإنس ذعرا و تخويفا لما رأوهم يستعيذون بهم، ليلجئوهم إلى الاستعاذة بهم، و التمسك بما هم عليه، فكان الإنسي إذا نزل بواد مخوف، قال: «أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه».

[7] وَ أَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً (7)، أي: فلما أنكروا البعث، أقدموا على الشرك و الطغيان.

صفحه بعد