کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 827

الحقّ، لزم أن كلّ ما دل عليه من المسائل الإلهية و الغيبية و غيرها، مطابق لما في الواقع، فلا يجوز أن يراد به، ما يخالف ظاهره، و ما دل عليه. مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ‏ من الكتب و الرسل، لأنها أخبرت به، فلما وجد و ظهر، ظهر به صدقها. فهي بشرت به و أخبرت، و هو مصدقها، و لهذا لا يمكن أحدا، أن يؤمن بالكتب السابقة، و هو كافر بالقرآن أبدا. لأن كفره به ينقض إيمانه بها، لأن من جملة أخبارها الخبر عن القرآن، و لأن أخبارها مطابقة لأخبار القرآن. إِنَّ اللَّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ فيعطي كلّ أمة، و كلّ شخص، ما هو اللائق بحاله. و من ذلك، أن الشرائع السابقة، لا تليق إلا بوقتها و زمانها. و لهذا، ما زال اللّه يرسل الرسل رسولا بعد رسول، حتى ختمهم بمحمد صلّى اللّه عليه و سلم. فجاء بهذا الشرع، الذي يصلح لمصالح الخلق إلى يوم القيامة و يتكفل بما هو الخير في كلّ وقت. و لهذا لما كانت هذه الأمة، أكمل عقولا، و أحسنهم أفكارا، و أرقهم قلوبا و أزكاهم أنفسا.

اصطفاهم تعالى، و اصطفى لهم دين الإسلام، و أورثهم الكتاب المهيمن على سائر الكتب، و لهذا قال:

[32] ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا و هم هذه الأمة. فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ‏ بالمعاصي، الّتي هي دون الكفر. وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ مقتصر على ما يجب عليه، تارك للمحرم. وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ‏ أي: سارع فيها و اجتهد، فسبق غيره، و هو المؤدي للفرائض، المكثر من النوافل، التارك للمحرم و المكروه. فكلهم اصطفاه اللّه تعالى، لوراثة هذا الكتاب، و إن تفاوتت مراتبهم، و تميزت أحوالهم. فلكل منهم، قسط من وراثته، حتى الظالم لنفسه، فإن ما معه من أصل الإيمان، و علوم الإيمان، و أعمال الإيمان، من وراثة الكتاب. لأن المراد بوراثة الكتاب، وراثة علمه و عمله، و دراسة ألفاظه، و استخراج معانيه. و قوله: بِإِذْنِ اللَّهِ‏ راجع إلى السابق إلى الخيرات، لئلا يغتر بعمله، بل ما سبق إلى الخيرات إلا بتوفيق اللّه تعالى و معونته، فينبغي له أن يشتغل بشكر اللّه تعالى، على ما أنعم به عليه. ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ أي: وراثة الكتاب الجليل، لمن اصطفى تعالى من عباده، هو الفضل الكبير، الذي جميع النّعم بالنسبة إليه، كالعدم. فأجل النعم على الإطلاق، و أكبر الفضل، وراثة الكتاب.

[33] ثمّ ذكر جزاء الّذين أورثهم الكتاب فقال: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها أي: جنات مشتملات، على الأشجار، و الظل الظليل، و الحدائق الحسنة، و الأنهار المتدفقة، و القصور العالية، و المنازل المزخرفة، في أبد لا يزول، و عيش لا ينفد. و العدن «الإقامة» فجنات عدن أي: جنات إقامة، أضافها للإقامة، لأن الإقامة و الخلود وصفها و وصف أهلها. يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ‏ و هو الحلي الذي يجعل في اليدين، على ما يحبون، و يرون أنه أحسن من غيره، الرجال و النساء في الحلية في الجنة سواء. وَ يحلون فيها لُؤْلُؤاً ينظم في ثيابهم و أجسادهم. وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ من سندس، و من إستبرق أخضر.

[34] وَ لما تم نعيمهم، و كملت لذتهم‏ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ‏ و هذا يشمل كلّ حزن، فلا

تيسير الكريم الرحمن، ص: 828

حزن يعرض لهم بسبب نقص في جمالهم، و لا في طعامهم و شرابهم، و لا في لذاتهم و لا في أجسادهم، و لا في دوام لبثهم. فهم في نعيم، ما يرون عليه مزيدا، و هو في تزايد أبد الآباد. إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ حيث غفر لنا الزلات‏ شَكُورٌ حيث قبل منا الحسنات، و ضاعفها، و أعطانا من فضله، ما لم تبلغه أعمالنا و لا أمانينا؛ فبمغفرته نجوا من كل مكروه و مرهوب، و بشكره و فضله، حصل لهم كل مرغوب محبوب.

[35] الَّذِي أَحَلَّنا أي: أنزلنا نزول حلول و استقرار، لا نزول معبر و اعتبار. دارَ الْمُقامَةِ أي:

الدار الّتي تدوم فيها الإقامة، و الدار الّتي يرغب في المقام فيها، لكثرة خيراتها، و توالي مسراتها، و زوال كدوراتها.

و ذلك الإحلال‏ مِنْ فَضْلِهِ‏ علينا، و كرمه، لا بأعمالنا؛ فلو لا فضله، لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه. لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَ لا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ‏ أي: لا تعب في الأبدان و لا في القلب و القوى، و لا في كثرة التمتع. و هذا يدل، على أن اللّه تعالى يجعل أبدانهم، في نشأة كاملة، و يهيّى‏ء لهم من أسباب الراحة على الدوام، ما يكونون بهذه الصفة، بحيث لا يمسهم نصب و لا لغوب، و لا هم و لا حزن. و يدل على أنهم لا ينامون في الجنة؛ لأن النوم فائدته، زوال التعب، و حصول الراحة به، و أهل الجنة بخلاف ذلك. و لأنه موت أصغر، و أهل الجنة لا يموتون، جعلنا اللّه منهم، بمنه و كرمه.

[36- 37] لما ذكر تعالى حال أهل الجنة و نعيمهم، ذكر حال أهل النار و عذابهم فقال: وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أي:

جحدوا ما جاءتهم به رسلهم من الآيات، و أنكروا لقاء ربهم. لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ‏ يعذبون فيها أشد العذاب، و أبلغ العقاب. لا يُقْضى‏ عَلَيْهِمْ‏ بالموت‏ فَيَمُوتُوا فيستريحوا. وَ لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها فشدة العذاب و عظمه، مستمر عليهم في جميع الآناء و اللحظات. كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ أي: كذلك نجزي به كلّ متماد في الكفر، مصر عليه‏ وَ هُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها أي: يصرخون و يتصايحون و يستغيثون و يقولون: رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ‏ . فاعترفوا بذنبهم، و عرفوا أن اللّه عدل فيهم، و لكن سألوا الرجعة في غير وقتها. فقال لهم:

أَ وَ لَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما أي: دهرا و عمرا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ أي: يتمكن فيه من أراد التذكر من العمل، متعناكم في الدنيا، و أدررنا عليكم الأرزاق، و قيضنا لكم أسباب الراحة، و مددنا لكم في العمر، و تابعنا عليكم الآيات‏ وَ جاءَكُمُ النَّذِيرُ و واصلنا إليكم النذر، و ابتليناكم بالسراء و الضراء، لتنيبوا إلينا، و ترجعوا إلينا. فلم ينجع فيكم إنذار، و لم تفد فيكم موعظة، و أخرنا عنكم العقوبة، حتى إذا انقضت آجالكم، و تمت أعماركم، و رحلتم عن دار الإمكان، بأشرّ الحالات، و وصلتم إلى هذه الدار، دار الجزاء على الأعمال، سألتم الرجعة. هيهات هيهات، فات وقت الإمكان، و غضب عليكم الرحيم الرحمن، و اشتد عليكم عذاب النار، و نسيكم أهل الجنة، فامكثوا في جهنم، خالدين مخلدين، و في العذاب مهانين، و لهذا قال: فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ينصرهم، فيخرجهم منها، أو يخفف عنهم من عذابها.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 829

[38] لما ذكر تعالى جزاء أهل الدارين، و ذكر أعمال الفريقين، أخبر عن سعة علمه تعالى، و اطلاعه على غيب السموات و الأرض، الّتي غابت عن أبصار الخلق، و عن علمهم، و أنه عالم بالسرائر، و ما تنطوي عليه الصدور، من الخير و الشر، و الزكاء و غيره، فيعطي كلا ما يستحقه، و ينزل كلّ أحد منزلته.

[39] يخبر تعالى عن كمال حكمته، و رحمته بعباده، أنه قدر بقضائه السابق، أن يجعل بعضهم، يخلف بعضا في الأرض، و يرسل لكلّ أمة من الأمم النذر، فينظر كيف يعملون؛ فمن كفر باللّه، و بما جاءت به رسله، فإن كفره عليه، و عليه إثمه و عقوبته، و لا يحمل عنه أحد، و لا يزداد الكافر بكفره، إلا مقت ربه له، و بغضه إياه. و أي عقوبة، أعظم من مقت الرب الكريم؟ وَ لا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً أي: يخسرون أنفسهم، و أهليهم، و أعمالهم، و منازلهم في الجنة. فالكافر لا يزال في زيادة من الشقاء و الخسران، و الخزي عند اللّه و عند خلقه و الحرمان.

[40] يقول تعالى، معجّزا لآلهة المشركين، و مبينا نقصها، و بطلان شركهم من جميع الوجوه. قُلْ‏ يا أيها الرسول لهم: أَ رَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ‏ أي: أخبروني عنهم، هل هم مستحقون للدعاء و العبادة.

أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ‏ هل خلقوا بحرا، أم خلقوا جبالا، أو خلقوا حيوانا، أو خلقوا جمادا؟ سيقرون أن الخالق لجميع الأشياء، هو اللّه تعالى. أَمْ لَهُمْ‏ أي: لشركائكم‏ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ‏ أي: مشاركة في خلقها و تدبيرها؟ سيقولون: ليس لهم شركة في ذلك. فإذا لم يخلقوا شيئا، و لم يشركوا الخلق في خلقه، فلم عبدتموهم، و دعوتموهم مع إقراركم بعجزهم؟ فانتفى الدليل العقلي، على صحة عبادتهم، و دلّ على بطلانها. ثمّ ذكر الدليل السمعي، و أنه أيضا منتف، فلهذا قال: أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً يتكلم بما كانوا به يشركون، يأمرهم بالشرك، و عبادة الأوثان. فَهُمْ‏ في شركهم‏ عَلى‏ بَيِّنَةٍ مِنْهُ‏ أي: من ذلك الكتاب الذي نزل عليهم في صحة الشرك؟ ليس الأمر كذلك؟ فإنهم ما نزل عليهم كتاب قبل القرآن، و لا جاءهم نذير قبل رسول اللّه، محمد صلّى اللّه عليه و سلم. و لو قدر نزول كتاب إليهم، و إرسال رسول إليهم، و زعموا أنه أمرهم بشركهم، فإنا نجزم بكذبهم، لأن اللّه قال: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ‏ (25). فالرسل و الكتب، كلها متفقة على الأمر بإخلاص الدين للّه تعالى‏ وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ . فإن قيل: إذا كان الدليل العقلي، و الدليل النقلي، قد دلّا على بطلان الشرك، فما الذي حمل المشركين على الشرك، و فيهم ذوو العقول و الذكاء و الفطنة؟ أجاب تعالى بقوله: بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً أي: ذلك الذي مشوا عليه، ليس لهم فيه حجة، و إنّما ذلك، توصية بعضهم لبعض به، و تزيين بعضهم لبعض و اقتداء المتأخر بالمتقدم الضال، و أمانيّ منّاها الشياطين، و زينت لهم سوء أعمالهم. فنشأت في قلوبهم، و صارت صفة من صفاتها، فعسر زوالها، و تعسر انفصالها، فحصل ما حصل، من الإقامة على الكفر، و الشرك الباطل المضمحل.

[41] يخبر تعالى، عن كمال قدرته، و تمام رحمته، و سعة حلمه و مغفرته، و أنه تعالى، يمسك السموات و الأرض عن الزوال، فإنهما لو زالتا ما أمسكهما أحد من الخلق، و لعجزت قدرهم و قواهم عنهما. و لكنه تعالى، قضى أن يكونا كما وجدا، ليحصل للخلق الاستقرار، و النفع، و الاعتبار. و ليعلموا من عظيم سلطانه، و قوة قدرته، ما به تمتلى‏ء قلوبهم له إجلالا و تعظيما، و محبة، و تكريما. و ليعلموا كمال حلمه و مغفرته، بإمهال المذنبين، و عدم معاجلته للعاصين. مع أنه لو أمر السماء، لحصبتهم، و لو أذن للأرض، لابتلعتهم. و لكن وسعتهم مغفرته، و حلمه، و كرمه‏ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً في تأخير عقاب الكفار، غَفُوراً لمن تاب.

[42- 43] أي: و أقسم هؤلاء، الّذين كذبوك يا رسول اللّه، قسما اجتهدوا فيه بالأيمان الغليظة. لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى‏ مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ‏ أي: أهدى من اليهود و النصارى، أهل الكتب، فلم يفوا بتلك الأقسام‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 830

و العهود. فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ لم يهتدوا، و لم يصيروا أهدى من إحدى الأمم، بل لم يدوموا على ضلالهم الذي كان. بل‏ ما زادَهُمْ‏ ذلك‏ إِلَّا نُفُوراً و زيادة ضلال، و بغي، و عناد.

و ليس إقسامهم المذكور، لقصد حسن، و طلب للحق، و إلا لوفقوا له. و لكنه صادر عن استكبار في الأرض على الخلق، و على الحقّ، و بهرجة في كلامهم هذا، يريدون به المكر و الخداع، و أنهم أهل الحقّ، الحريصون على طلبه، فيغتر بهم المغترون، و يمشي خلفهم المقتدون. وَ لا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ‏ الذي مقصوده، مقصود سيّى‏ء، و مآله و ما يرمي إليه، سيّى‏ء باطل‏ إِلَّا بِأَهْلِهِ‏ ، فمكرهم إنّما يعود عليهم. و قد أبان اللّه لعباده في هذه المقالات، و تلك الأقسام، أنهم كذبة في ذلك و مزورون. فاستبان خزيهم، و ظهرت فضيحتهم، و تبين قصدهم السيّ‏ء. فعاد مكرهم في نحورهم، و رد اللّه كيدهم في صدورهم. فلم يبق لهم، إلا انتظار ما يحل بهم من العذاب، الذي هو سنّة اللّه في الأولين، الّتي لا تبدل و لا تغير، أن كلّ من سار في الظلم، و العناد، و الاستكبار على العباد، أن تحل به نقمته، و تسلب عنه نعمته، فليترقّب هؤلاء، ما فعل بأولئك.

[44] يحض تعالى الناس، على السير في الأرض، بالقلوب و الأبدان، للاعتبار لا لمجرد النظر و الغفلة، و أن ينظروا إلى عاقبة الّذين من قبلهم، ممن كذبوا الرسل، و كانوا أكثر منهم أموالا و أولادا، و أشد قوة، و عمروا الأرض أكثر مما عمرها هؤلاء. فلما جاءهم العذاب، لم تنفعهم قوتهم، و لم تغن عنهم أموالهم و لا أولادهم من اللّه شيئا، و نفذت فيهم قدرة اللّه و مشيئته. وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْ‏ءٍ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ‏ لكمال علمه و قدرته‏ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً بالأشياء كلها قَدِيراً عليها.

[45] ثمّ ذكر تعالى، كمال حلمه، و شدة إمهاله و إنظاره، أرباب الجرائم و الذنوب فقال: وَ لَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا من الذنوب‏ ما تَرَكَ عَلى‏ ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ أي: لاستوعبت العقوبة، حتى الحيوانات غير المكلفة. وَ لكِنْ‏ يمهلهم تعالى و لا يهملهم‏ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى‏ أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً فيجازيهم بحسب ما علمه منهم، من خير و شر. تم تفسير سورة فاطر.

تفسير سورة يس‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1- 2] هذا قسم من اللّه تعالى بالقرآن الحكيم، الذي وصفه الحكمة، و هي وضع كلّ شي‏ء موضعه: وضع الأمر و النهي، في المحل اللائق بهما. فأحكامه الشرعية و الجزائية كلها مشتملة على غاية الحكمة. و من حكمة هذا

تيسير الكريم الرحمن، ص: 831

القرآن، أنه يجمع بين ذكر الحكم و حكمته، فينبه العقول على المناسبات و الأوصاف المقتضية لترتيب الحكم عليها.

[3] إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ‏ (3) هذا هو المقسم عليه، و هو رسالة محمد صلّى اللّه عليه و سلّم، و إنك يا محمد، من جملة المرسلين، فلست ببدع من الرسل. و أيضا فجئت بما جاء به الرسل من الأصول الدينية. و أيضا فمن تأمل أحوال المرسلين، و أوصافهم، و عرف الفرق بينهم و بين غيرهم، عرف أنك من خيار المرسلين، بما فيك من الصفات الكاملة، و الأخلاق الفاضلة. و لا يخفى ما بين المقسم به، و هو القرآن الحكيم، و بين المقسم عليه، و هو رسالة الرسول محمد صلّى اللّه عليه و سلّم، من الاتصال، و أنه لو لم يكن لرسالته دليل و لا شاهد، إلا هذا القرآن الحكيم، لكفى به دليلا و شاهدا، على رسالة محمد. بل القرآن العظيم، أقوى الأدلة المتصلة المستمرة، على رسالة الرسول. فأدلة القرآن كلها، أدلة لرسالة محمد صلّى اللّه عليه و سلم.

[4] ثمّ أخبر بأعظم أوصاف الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم، الدالة على رسالته، و هو أنه‏ عَلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ‏ (4) معتدل موصل إلى اللّه و إلى دار كرامته. و ذلك الصراط المستقيم، مشتمل على أعمال، و هي الأعمال الصالحة، و المصلحة للقلب و البدن، و الدنيا و الآخرة، و الأخلاق الفاضلة المزكية للنفس المطهرة للقلب، المنمية للأجر. فهذا الصراط المستقيم، الذي هو وصف الرسول صلّى اللّه عليه و سلم، و وصف دينه الذي جاء به. فتأمل جلالة هذا القرآن الكريم، كيف جمع بين القسم بأشرف الأقسام، على أجل مقسم عليه. و خبر اللّه وحده كاف، و لكنه تعالى أقام من الأدلة الواضحة، و البراهين الساطعة في هذا الموضع، على صحة ما أقسم عليه، من رسالة رسوله، و ما نبهنا عليه، و أشرنا إشارة لطيفة لسلوك طريقه.

[5] و هذا الصراط المستقيم‏ تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ‏ (5) فهو الّذين أنزل به كتابه، و أنزله طريقا لعباده، موصلا لهم إليه، فحماه بعزته، عن التغيير و التبديل، و رحم به عباده، رحمة اتصلت بهم، حتى أوصلتهم إلى دار رحمته.

و لهذا ختم الآية بهذين الاسمين الكريمين، العزيز، الرحيم.

[6- 7] فلما أقسم تعالى على رسالته، و أقام الأدلة عليها، ذكر شدة الحاجة إليها و اقتضاء الضرورة لها فقال:

لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ‏ (6) و هم العرب الأميون، الّذين لم يزالوا خالين من الكتب، عادمين الرسل، قد عمتهم الجهالة، و غمرتهم الضلالة. فأرسل اللّه إليهم رسولا من أنفسهم، يزكيهم، و يعلمهم الكتاب و الحكمة، و إن كانوا من قبل لفي ضلال مبين. فينذر العرب الأميين، و من لحق بهم من كلّ أمي. و يذكر أهل الكتب. بما عندهم من الكتب، فنعمة اللّه به على العرب خصوصا، و على غيرهم عموما. و لكن هؤلاء الّذين بعثت لإنذارهم، بعد ما أنذرتهم، انقسموا قسمين: قسم رد لما جئت به، و لم يقبل النذارة، و هم الّذين قال اللّه فيهم‏ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى‏ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ‏ (7) أي: نفذ فيهم القضاء و المشيئة، أنهم لا يزالون في كفرهم و شركهم. و إنّما حق عليهم القول، بعد أن عرض عليهم الحقّ فرفضوه، فحينئذ عوقبوا بالطبع على قلوبهم.

[8] و ذكر الموانع من وصول الإيمان لقلوبهم فقال: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا هي جمع «غل» و «الغل» ما

تيسير الكريم الرحمن، ص: 832

يغل به العنق، فهو للعنق بمنزلة القيد للرجل. و هذه الأغلال، التي في الأعناق، عظيمة فَهِيَ‏ قد وصلت‏ إِلَى الْأَذْقانِ‏ قد رفعت رؤوسهم إلى فوق‏ فَهُمْ مُقْمَحُونَ‏ أي: رافعو رؤوسهم من شدة الغل الذي في أعناقهم، فلا يستطيعون أن يخفضوها.

[9] وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا أي:

حاجزا يحجزهم عن الإيمان. فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ‏ قد غمرهم الجهل و الشقاء، من جميع جوانبهم، فلم تفد فيهم النذارة.

[10] وَ سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ‏ (10) و كيف يأمن من طبع على قلبه، و رأى الحق باطلا، و الباطل حقا؟ و القسم الثاني: الذين قبلوا النذارة، و قد ذكرهم بقوله:

[11] إِنَّما تُنْذِرُ أي: إنما تنفع نذارتك، و يتعظ بنصحك‏ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ أي: من قصده اتباع الحق، و ما ذكر به‏ وَ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ‏ أي: من اتصف بهذين الأمرين، القصد الحسن في طلب الحق، و خشية اللّه تعالى، فهم الذين ينتفعون برسالتك، و يزكون بتعليمك. و من وفق لهذين الأمرين‏ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ لذنوبه‏ وَ أَجْرٍ كَرِيمٍ‏ لأعماله الصالحة، و نيته الحسنة.

[12] إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى‏ أي: نبعثهم بعد موتهم لنجازيهم على الأعمال. وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا من الخير و الشر، و هو: أعمالهم الّتي عملوها و باشروها، في حال حياتهم. وَ آثارَهُمْ‏ و هي: آثار الخير، و آثار الشر، الّتي كانوا هم السبب في إيجادها، في حال حياتهم، و بعد وفاتهم و تلك الأعمال الّتي نشأت من أقوالهم و أفعالهم، و أحوالهم. فكل خير عمل به أحد من الناس، بسبب علم العبد، و تعليمه، أو نصحه، أو أمره بالمعروف، أو نهيه عن المنكر. أو علم أودعه عند المتعلمين، أو في كتب ينتفع بها في حياته و بعد موته، أو عمل خيرا، من صلاة، أو زكاة، أو صدقة أو إحسان، فاقتدى به غيره، أو عمل مسجدا، أو محلا من المحال، الّتي يرتفق بها الناس، و ما أشبه ذلك، فإنها من آثاره الّتي تكتب له، و كذلك عمل الشر. و لهذا «من سنّ سنّة حسنة فله أجرها و أجر من عمل بها إلى يوم القيامة، و من سنّ سنّة سيئة فعليه وزرها و وزر من عمل بها إلى يوم القيامة». و هذا الموضع، يبين لك علو مرتبة الدعوة إلى اللّه، و الهداية إلى سبيله، بكل وسيلة و طريق موصل إلى ذلك، و نزول درجة الداعي إلى الشر الإمام فيه، و أنه أسفل الخليقة، و أشدهم جرما، و أعظمهم إثما. وَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ من الأعمال و النيّات و غيرها أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ‏ أي: كتاب هو أم الكتب و إليه مرجع الكتب، الّتي تكون بأيدي الملائكة، و هو اللوح المحفوظ.

[13] أي: و اضرب لهؤلاء المكذبين برسالتك، الرادين لدعوتك، مثلا يعتبرون به، و يكون لهم موعظة إن و فقوا للخير. و ذلك المثل: أصحاب القرية، و ما جرى منهم من التكذيب لرسل اللّه، و ما جرى عليهم من عقوبته و نكاله. و تعيين تلك القرية، لو كان فيه فائدة، لعينها اللّه، فالتعرض لذلك، و ما أشبهه من باب التكلف، و التكلم بلا علم. و لهذا إذا تكلم أحد في مثل هذا الأمر، تجد عنده من الخبط و الخلط. و الاختلاف الذي لا يستقر له قرار، ما تعرف به، أن طريق العلم الصحيح، الوقوف مع الحقائق، و ترك التعرض لما لا فائدة فيه. و بذلك تزكو النفس،

تيسير الكريم الرحمن، ص: 833

و يزيد العلم، من حيث يظن الجاهل، أن زيادته، بذلك الأقوال الّتي لا دليل عليها، و لا حجة عليها، و لا يحصل منها من الفائدة، إلا تشويش الذهن، و اعتياد الأمور المشكوك فيها. و الشاهد أن هذه القرية جعلها اللّه مثلا للمخاطبين. إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ‏ من اللّه تعالى يأمرونهم بعبادة اللّه وحده، و إخلاص الدين له، و ينهونهم عن الشرك و المعاصي.

[14] إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ‏ أي: قويناهما بثالث، فصاروا ثلاثة رسل، اعتناء من اللّه بهم، و إقامة للحجة، بتوالي الرسل إليهم. فَقالُوا لهم: إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ‏ فأجابوهم بالجواب، الذي ما زال مشهورا عند من رد دعوة الرسل.

[15] قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا أي: فما الذي فضلكم علينا، و خصكم من دوننا؟ قالت الرسل لأممهم:

إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى‏ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ‏ . وَ ما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْ‏ءٍ أي: أنكروا عموم الرسالة. ثمّ أنكروا أيضا المخاطبين لهم فقالوا: إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ‏ .

[16] فقال هؤلاء الرسل الثلاثة: رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ‏ فلو كنا كاذبين، لأظهر اللّه خزينا، و لبادرنا بالعقوبة.

[17] وَ ما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ‏ (17) أي: البلاغ المبين الذي يحصل به، توضيح الأمور المطلوب بيانها.

و ما عدا هذا من آيات الاقتراح، أو من سرعة العذاب، فليس إلينا. و إنّما وظيفتنا، الّتي هي البلاغ المبين، قمنا بها، و بيناها لكم. فإن اهتديتم، فهو حظكم و توفيقكم، و إن ضللتم، فليس لنا من الأمر شي‏ء.

[18] فقال أصحاب القرية لرسلهم: إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ‏ أي: لم نر على قدومكم علينا، و اتصالكم بنا، إلا الشر. و هذا من أعجب العجائب، أن يجعل من قدم عليهم بأجل نعمة ينعم اللّه بها على العباد، و أجلّ كرامة يكرمهم بها، و ضرورته إليها فوق كلّ ضرورة، قد قدم بحالة شر، زادت على الشر الذي هم عليه، و استشأموا بها. و لكن الخذلان، و عدم التوفيق، يصنع بصاحبه أعظم مما يصنع به عدوه. ثمّ توعدوهم فقالوا: لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ‏ أي: لنقتلنكم رجما بالحجارة، أشنع القتلات‏ وَ لَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ‏ .

[19] فقال لهم رسلهم: طائِرُكُمْ مَعَكُمْ‏ و هو: ما معهم من الشرك و الشر، المقتضي لوقوع المكروه و النقمة، و ارتفاع المحبوب و النعمة. أَ إِنْ ذُكِّرْتُمْ‏ أي: بسبب أنّا ذكرناكم ما فيه صلاحكم و حظكم، قلتم لنا ما قلتم.

بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ‏ متجاوزون للحد، متجرهمون‏ «1» في قولكم. فلم يزدهم دعاؤهم إلا نفورا و استكبارا.

[20] وَ جاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى‏ حرصا على نصح قومه، حين سمع ما دعت إليه الرسل، و آمن به، و علم ما رد به قومه عليهم فقال: يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ‏ فأمرهم باتباعهم، و نصحهم على ذلك، و شهد لهم بالرسالة.

[21] ثمّ ذكر تأييدا لما شهد به و دعا إليه، فقال: اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً أي: اتبعوا من نصحكم نصحا، يعود عليكم بالخير، و ليس يريد منكم أموالكم، و أجرا على نصحه لكم، و إرشاده إياكم، فهذا موجب لاتباع من هذا وصفه. بقي أن يقال: فلعله يدعو و لا يأخذ أجرة، و لكنه ليس على الحقّ. فدفع هذا الاحتراز بقوله: وَ هُمْ مُهْتَدُونَ‏ لأنهم لا يدعون إلا لما يشهد العقل الصحيح بحسنه، و لا ينهون إلا عمّا يشهد العقل الصحيح بقبحه.

[22] فكأن قومه لم يقبلوا نصحه، بل عادوا لائمين له، على اتباع الرسل، و إخلاص الدين للّه وحده فقال:

وَ ما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ‏ (22) أي: و ما المانع لي، من عبادة من هو المستحق للعبادة؛ لأنه الذي‏

صفحه بعد