کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 854

يرد قوله بالقدح في نيته، فنيته و عمله له؛ و إنّما يرد بمقابلته بما يبطله و يفسده، من الحجج و البراهين. و هم قصدهم، أن محمدا، ما دعاكم إلى ما دعاكم، إلا ليرأس فيكم، و يكون معظّما عندكم، و متبوعا.

[7] ما سَمِعْنا بِهذا القول الذي قاله، و الدين الذي دعا إليه‏ فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ أي: في الوقت الأخير، فلا أدركنا عليه آباءنا، و لا آباؤنا أدركوا آباءهم عليه. فامضوا على الذي مضى عليه آباؤكم، فإنه الحقّ. و ما هذا الذي دعا إليه محمد، إلا اختلاق اختلقه، و كذب افتراه. و هذه أيضا شبهة، من جنس شبهتهم الأولى، حيث ردوا الحقّ بما ليس بحجة لرد أدنى قول، و هو أنه قول مخالف لما عليه آباؤهم الضالون. فأين في هذا، ما يدل على بطلانه؟

[8] أَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا أي: ما الذي فضّله علينا، حتى ينزّل الذّكر عليه من دوننا، و يخصه اللّه به؟ و هذه أيضا شبهة، أين البرهان فيها على رد ما قاله؟ و هل جميع الرسل إلا بهذا الوصف يمنّ اللّه عليهم برسالته، و يأمرهم بدعوة الخلق إلى اللّه. و لهذا، لما كانت هذه الأقوال الصادرة منهم، لا يصلح شي‏ء منها لرد ما جاء به الرسول، أخبر تعالى من أين صدرت، و أنهم‏ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي‏ ليس عندهم، علم و لا بينة. فلما وقعوا في الشك، و ارتضوا به، و جاءهم الحقّ الواضح، و كانوا جازمين بإقامتهم على شكهم، قالوا ما قالوا، من تلك الأقوال، لدفع الحقّ لا عن بينة من أمرهم، و إنّما ذلك، من باب الائتفاك منهم. و من المعلوم، أن من هو بهذه الصفة، يتكلم عن شك و عناد؛ فإن قوله، غير مقبول، و لا قادح أدنى قدح في الحقّ، و أنه يتوجه عليه الذم و اللوم، بمجرد كلامه، و لهذا توعدهم بالعذاب فقال: بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ‏ أي: قالوا هذه الأقوال، و تجرؤوا عليها، حيث كانوا ممتعين في الدنيا، لم يصبهم من عذاب اللّه شي‏ء، فلو ذاقوا عذابه لم يتجرؤوا.

[9] أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ‏ (9) فيعطون منها من شاؤوا، و يمنعون منها من شاؤوا حيث قالوا: أَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا أي: هذا فضله تعالى و رحمته، و ليس ذلك بأيديهم، حتى يتجرؤوا على اللّه.

[10] أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما بحيث يكونون قادرين على ما يريدون. فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ‏ الموصلة لهم إلى السماء، فيقطعوا الرحمة عن رسول اللّه. فكيف يتكلمون، و هم أعجز خلق اللّه و أضعفهم، بما تكلموا به؟ أم قصدهم التحزب، و التجند، و التعاون على نصر الباطل، و خذلان الحقّ؟ و هو الواقع.

[11] فإن هذا المقصود، لا يتم لهم، بل سعيهم خائب، و جندهم مهزوم و لهذا قال:

جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ‏ (11) أي: كالأجناد من جنس الأحزاب المتحزبين على الأنبياء قبلك، و أولئك قد قهروا، و أهلكوا، فكذلك نهلك هؤلاء.

[12] يحذرهم تعالى أن يفعل بهم، ما فعل بالأمم من قبلهم، الّذين كانوا أعظم قوة منهم، و تحزبا على الباطل‏ قَوْمُ نُوحٍ وَ عادٌ قوم هود وَ فِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ أي: الجنود العظيمة، و القوة الهائلة.

[13] وَ ثَمُودُ قوم صالح.

وَ قَوْمُ لُوطٍ وَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ أي الأشجار و البساتين الملتفة، و هم قوم شعيب‏ أُولئِكَ الْأَحْزابُ‏ الّذين اجتمعوا بقوتهم، و عددهم و عددهم على رد الحقّ، فلم تغن عهم شيئا.

[14] إِنْ كُلٌ‏ من هؤلاء إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَ‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 855

عِقابِ‏ اللّه. و هؤلاء ما الذي يطهرهم و يزكيهم، أن لا يصيبهم ما أصاب أولئك.

[15] فلينتظروا وَ ما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ‏ (15) أي: من رجوع ورد، تهلكهم و تستأصلهم، إن أقاموا على ما هم عليه.

[16] أي: قال هؤلاء المكذبون، من جهلهم، و معاندتهم الحقّ، مستعجلين للعذاب. رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا أي: قسطنا، و ما قسم لنا من العذاب عاجلا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ‏ و لّجوا في هذا القول، و زعموا أنك يا محمد، إن كنت صادقا فعلامة صدقك، أن تأتيهم بالعذاب. فقال اللّه لرسوله:

[17] اصْبِرْ عَلى‏ ما يَقُولُونَ‏ كما صبر من قبلك من الرسل، فإن قولهم لا يضر الحقّ شيئا، و لا يضرونك في شي‏ء، و إنّما يضرون أنفسهم. لما أمر اللّه رسوله بالصبر على قومه، أمره أن يستعين على الصبر بالعبادة للّه وحده، و يتذكر حال العابدين، كما قال في الآية الأخرى: فَاصْبِرْ عَلى‏ ما يَقُولُونَ وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ غُرُوبِها . و من أعظم العابدين، نبي اللّه داود عليه الصلاة و السّلام‏ ذَا الْأَيْدِ أي: القوة العظيمة على عبادة اللّه تعالى، في بدنه و قلبه. إِنَّهُ أَوَّابٌ‏ أي: رجّاع إلى اللّه في جميع الأمور بالإنابة إليه، بالحب و التأله، و الخوف، و الرجاء، و كثرة التضرع، و الدعاء. رجّاع إليه، عند ما يقع منه بعض الخلل، بالإقلاع و التوبة النصوح.

[18] و من شدة إنابته لربه و عبادته، أن سخّر اللّه الجبال معه، تسبّح معه بحمد ربها بِالْعَشِيِّ وَ الْإِشْراقِ‏ أول النهار و آخره.

[19] وَ سخر الطَّيْرَ مَحْشُورَةً معه مجموعة كُلٌ‏ من الجبال و الطير لَهُ‏ تعالى‏ أَوَّابٌ‏ امتثالا لقوله تعالى: يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَ الطَّيْرَ فهذه منّة اللّه عليه بالعبادة.

[20] ثمّ ذكر منته عليه بالملك العظيم فقال: وَ شَدَدْنا مُلْكَهُ‏ أي: قويناه بما أعطيناه من الأسباب، و كثرة العدد و العدد الّتي بها قوّى اللّه ملكه. ثمّ ذكر منته عليه بالعلم فقال: وَ آتَيْناهُ الْحِكْمَةَ أي: النبوة و العلم العظيم‏ وَ فَصْلَ الْخِطابِ‏ أي: الخصومات بين الناس.

[21] لما ذكر تعالى أنه آتى نبيه داود الفصل في الخطاب بين الناس، و كان معروفا بذلك، و مقصودا، ذكر تعالى نبأ خصمين اختصما عنده، في قضية جعلها اللّه فتنة لداود، و موعظة لخلل ارتكبه، فتاب اللّه عليه، و غفر له، و قيّض له هذه القضية، فقال لنبيه محمد صلّى اللّه عليه و سلم: وَ هَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ‏ فإنه نبأ عجيب‏ إِذْ تَسَوَّرُوا على داود الْمِحْرابَ‏ أي: محل عبادته من غير إذن و لا استئذان، و لم يدخلوا عليه من باب. فلما دخلوا عليه بهذه الصورة، فزع منهم و خاف فقالوا له:

[22] نحن‏ خَصْمانِ‏ فلا تخف‏ بَغى‏ بَعْضُنا عَلى‏ بَعْضٍ‏ بالظلم‏ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِ‏ أي: بالعدل، و لا تمل مع أحدنا وَ لا تُشْطِطْ وَ اهْدِنا إِلى‏ سَواءِ الصِّراطِ . و المقصود من هذا، أن الخصمين قد عرف أن قصدهما الحقّ الواضح الصرف و إذا كان ذلك كذلك، فسيقصان عليه نبأهما بالحق، فلم يشمئز نبي اللّه داود من و عظهما له، و لم يؤنبهما.

[23] فقال أحدهما: إِنَّ هذا أَخِي‏ نص على الأخوة في الدين أو النسب، أو الصداقة، لاقتضائها عدم البغي، و أن بغيه الصادر منه، أعظم من غيره. لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً أي: زوجة، و ذلك خير كثير، يوجب عليه القناعة بما آتاه اللّه. وَ لِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فطمع فيها فَقالَ أَكْفِلْنِيها أي: دعها لي، و خلها في كفالتي.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 856

وَ عَزَّنِي فِي الْخِطابِ‏ أي: غلبني في القول، فلم يزل بي، حتى أدركها أو كاد.

[24] فقال داود- لما سمع كلامه- و من المعلوم من السياق السابق من كلامهما أن هذا هو الواقع، فلهذا لم يحتج أن يتكلم الآخر، فلا وجه للاعتراض بقوله القائل: «لم حكم داود، قبل أن يسمع كلام الخصم الآخر»؟ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى‏ نِعاجِهِ‏ و هذه عادة الخلطاء و القرناء الكثير منهم. فقال: وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ‏ لأن الظلم من صفة النفوس. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ‏ فإن ما معهم من الإيمان و العلم الصالح، يمنعهم من الظلم. وَ قَلِيلٌ ما هُمْ‏ كما قال تعالى: وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ . وَ ظَنَّ داوُدُ حين حكم بينهما أَنَّما فَتَنَّاهُ‏ أي: اختبرناه و دبرنا عليه هذه القضية ليتنبه. فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ‏ لما صدر منه‏ وَ خَرَّ راكِعاً أي: ساجدا وَ أَنابَ‏ للّه تعالى بالتوبة النصوح و العبادة.

[25] فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ‏ الذي صدر منه، و أكرمه اللّه بأنواع الكرامات فقال: وَ إِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى‏ أي: منزلة عالية، و قربة منا وَ حُسْنَ مَآبٍ‏ أي: مرجع. و هذا الذنب الذي صدر من داود عليه السّلام، لم يذكره اللّه لعدم الحاجة إلى ذكره، فالتعرض له من باب التكلف. و إنّما الفائدة، ما قصه اللّه علينا، من لطفه به، و توبته، و إنابته، و أنه ارتفع محله، فكان بعد التوبة أحسن منه قبلها.

[26] يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ‏ تنفذ فيها القضايا الدينية و الدنيوية. فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ‏ أي:

العدل. و هذا لا يتمكن منه، إلا بعلم بالواجب، و علم بالواقع، و قدرة على تنفيذ الحقّ. وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى‏ فتميل مع أحد، لقرابة، أو صداقة، أو محبة، أو بغض للآخر فَيُضِلَّكَ‏ الهوى‏ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ‏ و يخرجك عن الصراط المستقيم. إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ‏ خصوصا المتعمدين منهم. لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ‏ «أي:

بغفلتهم عن يوم الجزاء». فلو ذكروه، و وقع خوفه في قلوبهم، لم يميلوا مع الهوى الفاتن.

[27] يخبر تعالى عن تمام حكمته، في خلقه السموات و الأرض، و أنه لم يخلقهما باطلا، أي: عبثا و لعبا، من غير فائدة و لا مصلحة. ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا بربهم، حيث ظنوا ما لا يليق بجلاله. فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ فإنها الّتي تأخذ الحقّ منهم، و تبلغ منهم كلّ مبلغ. و إنّما خلق اللّه السموات و الأرض بالحق و للحق، فخلقهما ليعلم العباد كمال علمه و قدرته، و سعة سلطانه، و أنه تعالى وحده المعبود، دون من لم يخلق مثقال ذرة من السموات و الأرض، و أن البعث حق، و سيفصل اللّه بين أهل الخير و الشر.

[28] و لا يظن الجاهل بحكمة اللّه، أن يسوي اللّه بينهما في حكمه، و لهذا قال: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) هذا غير لائق بحكمتنا و حكمنا.

[29] كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ‏ فيه خير كثير، و علم غزير. فيه كلّ هدى من ضلالة و شفاء من داء، و نور يستضاء به في الظلمات. و فيه كلّ حكم يحتاج إليه المكلفون، و فيه من الأدلة القطعية على كلّ مطلوب، ما كان به أجل كتاب طرق العالم، منذ أنشأه اللّه. لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ‏ أي: هذه الحكمة من إنزاله، ليتدبر الناس آياته، فيستخرجوا علمها و يتأملوا أسرارها و حكمها. فإنه بالتدبر فيه و التأمل لمعانيه، و إعادة الفكر فيها

تيسير الكريم الرحمن، ص: 857

مرة بعد مرة، تدرك بركته و خيره. و هذا يدل على الحث على تدبر القرآن، و أنه من أفضل الأعمال، و أن القراءة المشتملة على التدبر، أفضل من سرعة التلاوة، الّتي لا يحصل بها هذا المقصود. وَ لِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ‏ أي: أولو العقول الصحيحة، يتذكرون بتدبرهم لها كلّ علم و مطلوب. فدلّ هذا على أنه بحسب لب الإنسان و عقله، يحصل له التذكر و الانتفاع، بهذا الكتاب.

[30] لما أثنى اللّه تعالى على داود، و ذكر ما جرى له و منه، أثنى على ابنه سليمان عليهما السّلام فقال: وَ وَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ‏ أي: أنعمنا به عليه، و أقررنا به عينه. نِعْمَ الْعَبْدُ سليمان عليه السّلام، فإنه اتصف بما يوجب المدح، و هو إِنَّهُ أَوَّابٌ‏ أي: رجّاع إلى اللّه في جميع أحواله، بالتأله و الإنابة، و المحبة و الذكر و الدعاء و التضرع، و الاجتهاد في مرضاة اللّه و تقديمها على كلّ شي‏ء.

[31] و لهذا، لما عرضت الخيل الجياد الصافنات أي:

الّتي وصفها الصفون، و هو رفع إحدى قوائمها عند الوقوف، و كان لها منظر رائق، و جمال معجب، و خصوصا للمحتاج إليها كالملوك. فما زالت تعرض عليه، حتى غابت الشمس في الحجاب، فألهته عن صلاة المساء و ذكره.

[32] فقال- ندما على ما مضى منه، و تقربا إلى اللّه بما ألهاه عن ذكره، و تقديما لحب اللّه على حب غيره- إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ و ضمن «أحببت» معنى «آثرت» أي:

آثرت حب الخير، الذي هو المال عموما، و في هذا الموضع المراد: الخيل‏ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ‏ «أي:

غابت عن عينيه».

[33] رُدُّوها عَلَيَ‏ فردوها فَطَفِقَ‏ أي: «شرع» فيها مَسْحاً بِالسُّوقِ وَ الْأَعْناقِ‏ أي جعل يعقرها بسيفه، في سوقها و أعناقها.

[34] وَ لَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ‏ أي: ابتليناه و اختبرناه، بذهاب ملكه و انفصاله عنه، بسبب خلل اقتضته الطبيعة البشرية وَ أَلْقَيْنا عَلى‏ كُرْسِيِّهِ جَسَداً أي: شيطانا قضى اللّه و قدّر أن يجلس على كرسي ملكه، و يتصرف في الملك في مدة فتنة سليمان‏ ثُمَّ أَنابَ‏ سليمان إلى اللّه تعالى و تاب.

[35- 38] قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ‏ (35). فاستجاب اللّه له و غفر له، ورد عليه ملكه، و زاده ملكا لم يحصل لأحد من بعده، و هو تسخير الشياطين له، يبنون ما يريد، و يغوصون له في البحر، يستخرجون الدر و الحلي، و من عصاه منهم، قرنه في الأصفاد و أوثقه.

[39] و قلنا له: هذا عَطاؤُنا فقرّ به عينا فَامْنُنْ‏ على من شئت. أَوْ أَمْسِكْ‏ من شئت‏ بِغَيْرِ حِسابٍ‏ أي: لا حرج عليك في ذلك و لا حساب، لعلمه تعالى بكمال عدله، و حسن أحكامه.

[40] و لا تحسبن هذا لسليمان في الدنيا دون الآخرة، بل له في الآخرة خير عظيم. و لهذا قال: وَ إِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى‏ وَ حُسْنَ مَآبٍ‏ (40) أي: هو من المقربين عند اللّه المكرمين بأنواع الكرامات للّه.

فصل: فيما تبين لنا من الفوائد و الحكم في قصة داود و سليمان عليهما السّلام‏

فمنها: أن اللّه تعالى، يقص على نبيه محمد صلّى اللّه عليه و سلّم، أخبار من قبله، ليثبت فؤاده، و تطمئن نفسه. و يذكر من عبادتهم و شدة صبرهم، و إنابتهم، ما يشوقه إلى منافستهم، و التقرب إلى اللّه، الذي تقربوا له، و الصبر على أذى‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 858

قومه. و لهذا- في هذا الموضع- لما ذكر اللّه ما ذكر، من أذية قومه و كلامهم فيه، و فيما جاء به، أمره بالصبر، و أن يذكر عبده داود، فيتأسّى به. و منها: أن اللّه تعالى، يمدح و يحب القوة في طاعته، قوة القلب و البدن. فإنه يحصل منها، من آثار الطاعة و حسنها و كثرتها، ما لا يحصل مع الوهن و عدم القوة. و أن العبد، ينبغي له تعاطي أسبابها، و عدم الركون إلى الكسل، و البطالة المخلة بالقوة، المضعفة للنفس. و منها: أن الرجوع إلى اللّه في جميع الأمور، من أوصاف أنبياء اللّه، و خواص خلقه، كما أثنى اللّه على داود و سليمان بذلك. فليقتد بهما المقتدون، و ليهتد بهداهما السالكون‏ أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ‏ . و منها: ما أكرم اللّه به نبيه داود، عليه السّلام، من حسن الصوت العظيم، الذي جعل اللّه بسببه الجبال الصم، و الطيور البهم، يجاوبنه إذا رجّع صوته بالتسبيح، و يسبحن معه بالعشي و الإشراق. و منها: أن من أكبر نعم اللّه على عبده، أن يرزقه العلم النافع، و يعرف الحكم و الفصل بين الناس، كما امتنّ اللّه به على عبده داود عليه السّلام. و منها: اعتناء اللّه تعالى بأنبيائه و أصفيائه، عند ما يقع منهم بعض الخلل بفتنته إياهم، و ابتلائهم بما به يزول عنهم المحذور، و يعودون إلى أكمل من حالتهم الأولى، كما جرى لدواد و سليمان عليهما السّلام. و منها: أن الأنبياء صلوات اللّه و سلامه عليهم، معصومون من الخطأ فيما يبلغون عن اللّه تعالى، لأن مقصود الرسالة لا يحصل إلا بذلك. و أنه قد يجري منهم بعض مقتضيات الطبيعة من المعاصي، و لكن اللّه يتداركهم و يبادرهم بلطفه. و منها: أن داود عليه السّلام، كان في أغلب أحواله ملازما محرابه، لخدمة ربه، و لهذا تسور الخصمان عليه المحراب؛ لأنه كان إذا خلا في محرابه، لا يأتيه أحد. فلم يجعل كلّ وقته للناس، مع كثرة ما يرد عليه من الأحكام. بل جعل له وقتا، يخلو فيه بربه، و تقر عينه بعبادته، و تعينه على الإخلاص في جميع أموره.

و منها: أنه ينبغي استعمال الأدب، في الدخول على الحكام و غيرهم. فإن الخصمين- لما دخلا على داود، في حالة غير معتادة، و من غير الباب المعهود، فزع منهم، و اشتد عليه ذلك، و رآه غير لائق بالحال. و منها: أنه لا يمنع لحاكم من الحكم بالحق، سوء أدب الخصم، و فعله ما لا ينبغي. و منها: كمال حلم داود عليه السّلام، فإنه ما غضب عليهما، حين جاءاه بغير استئذان، و هو الملك، و لا انتهرهما، و لا وبخهما. و منها: جواز قول المظلوم لمن ظلمه «أنت ظلمتني» أو «يا ظالم» أو «باغ عليّ» و نحو ذلك لقولهما: خَصْمانِ بَغى‏ بَعْضُنا عَلى‏ بَعْضٍ‏ . و منها: أن الموعوظ و المنصوح، و لو كان كبير القدر، جليل العلم، إذا نصحه أحد، أو وعظه، لا يغضب، و لا يشمئز، بل يبادره بالقبول و الشكر. فإن الخصمين نصحا داود، فلم يشمئز، و لم يغضب، و لم يثنه ذلك عن الحقّ، بل حكم بالحق الصرف. و منها: أن المخالطة بين الأقارب و الأصحاب، و كثرة التعلقات الدنيوية المالية، موجبة للتعادي بينهم، و بغي بعضهم على بعض، و أنّه لا يرد عن ذلك، إلا استعمال تقوى اللّه، و الصبر على الأمور، بالإيمان و العمل الصالح، و أن هذا من أقل شي‏ء من الناس. و منها: أن الاستغفار و العبادة خصوصا الصلاة، مكفرات للذنوب، فإن اللّه رتّب مغفرة ذنب داود، على استغفاره و سجوده. و منها: إكرام اللّه لعبده داود و سليمان، بالقرب منه، و حسن الثواب، و أن لا يظن أن ما جرى لهما، منقص لدرجتهما عند اللّه تعالى. و هذا من تمام لطفه بعباده المخلصين، أنه إذا غفر لهم، و أزال أثر ذنوبهم، أزال الآثار المترتبة عليه كلها، حتى ما يقع في قلوب الخلق، فإنهم إذا علموا ببعض ذنوبهم، وقع في قلوبهم نزولهم عن درجتهم الأولى، فأزال اللّه تعالى هذه الآثار، و ما ذاك بعزيز على الكريم الغفار. و منها: أن الحكم بين الناس، مرتبة دينية، تولاها رسل اللّه، و خواص خلقه. و أن وظيفة القائم بها الحكم بالحق، و مجانبة الهوى. فالحكم بالحق، يقتضي العلم بالأمور الشرعية، و العلم بصورة القضية المحكوم بها، و كيفية إدخالها في الحكم الشرعي. فالجاهل بأحد الأمرين لا يصلح للحكم، و لا يحل له الإقدام عليه. و منها:

أنه ينبغي للحاكم أن يحذر الهوى، و يجعله منه على بال، فإن النفوس لا تخلو منه. بل يجاهد نفسه، بأن يكون الحقّ مقصوده، و أن يلقى عنه وقت الحكم، كل محبة أو بغض لأحد الخصمين. و منها: أن سليمان عليه السّلام، من‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 859

فضائل داود، و من منن اللّه عليه. حيث وهبه له. و أن من أكبر نعم اللّه على عبده، أن يهب له ولدا صالحا، فإن كان عالما، كان نورا على نور. و منها: ثناء اللّه تعالى على سليمان و مدحه في قوله: نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ‏ . و منها: كثرة خير اللّه و بره بعبيده، أن يمنّ عليهم بصالح الأعمال، و مكارم الأخلاق، ثمّ يثني عليهم بها، و هو المتفضل الوهّاب. و منها: تقديم سليمان، محبة اللّه تعالى على محبة كل شي‏ء. و منها: أن كلّ ما شغل العبد عن اللّه، فإنه مشؤوم مذموم، فليفارق و ليقبل على ما هو أنفع له. و منها: القاعدة المشهورة «من ترك شيئا للّه، عوّضه اللّه خيرا منه». فسليمان عليه السّلام عقر الجياد الصافنات المحبوبة للنفوس، تقديما لمحبة اللّه، فعوضه اللّه خيرا من ذلك، بأن سخّر له الريح الرخاء اللينة، الّتي تجري بأمره إلى حيث أراد و قصد، غدوها شهر، و رواحها شهر، و سخّر له الشياطين، أهل الاقتدار على الأعمال الّتي لا يقدر عليها الآدميون. و منها: أن سليمان عليه السّلام، كان ملكا نبيا، يفعل ما أراد، و لكنه لا يريد إلا العدل. بخلاف النبي العبد، فإنه تكون إرادته تابعة لأمر اللّه، فلا يفعل و لا يترك، إلا بالأمر، كحال نبينا محمد صلّى اللّه عليه و سلّم، و هذه الحال أكمل.

[41] أي: وَ اذْكُرْ في هذا الكتاب‏ عَبْدَنا أَيُّوبَ‏ بأحسن الذكر، و أثن عليه بأحسن الثناء، حين أصابه الضر، فصبر على ضره، فلم يشتك لغير ربه، و لا لجأ إلا إليه. إِذْ نادى‏ رَبَّهُ‏ داعيا شاكيا إليه لا إلى غيره فقال:

ربّ‏ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَ عَذابٍ‏ أي: بأمر مشق متعب معذب، و كان سلط على جسده فنفخ فيه، حتى تقرح، ثمّ تقيح بعد ذلك، و اشتد به الأمر و كذلك هلك أهله و ماله.

[42] فقيل: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ‏ أي: اضرب الأرض بها، لينبع لك منها عين تغتسل منها و تشرب، فيذهب عنك الضر و الأذى. ففعل ذلك، فذهب عنه الضر، و شفاه اللّه تعالى.

[43] وَ وَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ‏ قيل: إن اللّه تعالى أحياهم له‏ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ‏ في الدنيا، و أغناه اللّه، و أعطاه مالا عظيما. رَحْمَةً مِنَّا بعبدنا أيوب، حيث صبر فأثبناه من رحمتنا، ثوابا عاجلا و آجلا. وَ ذِكْرى‏ لِأُولِي الْأَلْبابِ‏ أي:

و ليتذكر أولو العقول بحالة أيوب، و يعتبروا، فيعلموا أن من صبر على الضر، فإن اللّه تعالى يثيبه ثوابا عاجلا و آجلا، و يستجيب دعاءه إذا دعاه.

[44] وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً أي: حزمة شماريخ‏ فَاضْرِبْ بِهِ وَ لا تَحْنَثْ‏ . قال المفسرون:

و كان في مرضه و ضره، قد غضب على زوجته في بعض الأمور. فحلف: لئن شفاه اللّه، ليضربنها مائة جلدة. فلما شفاه اللّه، و كانت امرأته صالحة محسنة إليه، رحمها اللّه و رحمه، فأفتاه أن يضربها بضغث فيه مائة شمراخ، ضربة واحدة، فيبر في يمينه. إِنَّا وَجَدْناهُ‏ أي: أيوب‏ صابِراً أي: ابتليناه بالضر العظيم، فصبر لوجه اللّه تعالى.

نِعْمَ الْعَبْدُ الذي كمل مراتب العبودية، في حال السراء و الضراء، و الشدة و الرخاء. إِنَّهُ أَوَّابٌ‏ أي: كثير الرجوع إلى اللّه، في مطالبه الدينية و الدنيوية، كثير الذكر لربه، و الدعاء. و المحبة، و التأله.

[45] يقول تعالى: وَ اذْكُرْ عِبادَنا الّذين أخلصوا لنا العبادة ذكرا حسنا. إِبْراهِيمَ‏ الخليل‏ وَ ابنه‏ إِسْحاقَ‏ و ابنه‏ يَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي‏ أي: القوة على عبادة اللّه تعالى‏ وَ الْأَبْصارِ أي: البصيرة في دين اللّه.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 860

فوصفهم بالعلم النافع، و العمل الصالح الكثير.

[46] إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ عظيمة، و خصيصة جسيمة و هي:

ذِكْرَى الدَّارِ جعلنا ذكرى الدار الآخرة في قلوبهم، و العمل لها صفوة وقتهم، و الإخلاص و المراقبة للّه، وصفهم الدائم، و جعلناهم ذكرى الدار، يتذكر بأحوالهم المتذكر، و يعتبر بهم المعتبر، و يذكرون بأحسن الذكر.

[47] وَ إِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ‏ الذين اصطفاهم اللّه من صفوة خلقه.

الْأَخْيارِ الّذين لهم خلق كريم، و عمل مستقيم.

[48] أي: و اذكر هؤلاء الأنبياء بأحسن الذكر، و أثن عليهم أحسن الثناء. فإن كلا منهم، من الأخيار الّذين اختارهم اللّه من الخلق، و اختار لهم أكمل الأحوال، من الأعمال، و الأخلاق و الصفات الحميدة، و الخصال السديدة.

[49] هذا ذِكْرٌ أي: ذكر هؤلاء الأنبياء الصفوة و ذكر أوصافهم، ذكر في هذا القرآن ذي الذكر، يتذكر بأحوالهم المتذكرون، و يشتاق إلى الاقتداء بأوصافهم الحميدة، المقتدون، و يعرف ما منّ اللّه عليهم به من الأوصاف الزكية، و ما نشر لهم من الثناء بين البرية. فهذا نوع من أنواع الذكر، و هو ذكر أهل الخير، و من أنواع الذكر، ذكر جزاء أهل الخير، و أهل الشر، و لهذا قال: وَ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ‏ ربهم، بامتثال الأوامر، و اجتناب النواهي، من كلّ مؤمن و مؤمنة. لَحُسْنَ مَآبٍ‏ أي: لمآبا حسنا، و مرجعا مستحسنا.

[50] ثمّ فسره و فصله فقال: جَنَّاتِ عَدْنٍ‏ أي: جنات إقامة، لا يبغي صاحبها بدلا منها، من كمالها، و تمام نعيمها، و ليسوا بخارجين منها، و لا بمخرجين. مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ‏ أي: مفتحة لأجلهم أبواب منازلها و مساكنها، لا يحتاجون أن يفتحوها، بل هم مخدومون. و هذا دليل أيضا، على الأمان التام، و أنه ليس في جنات عدن، ما يوجب أن يغلق لأجله أبوابها.

[51] مُتَّكِئِينَ فِيها على الأرائك المزينات، و المجالس المزخرفات. يَدْعُونَ فِيها أي: يأمرون خدامهم، أن يأتوا بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَ شَرابٍ‏ من كلّ ما تشتهيه نفوسهم، و تلذه أعينهم. و هذا يدل على كمال النعيم، و كمال الراحة و الطمأنينة، و تمام اللذة.

[52] وَ عِنْدَهُمْ‏ من أزواجهم، الحور العين‏ قاصِراتُ الطَّرْفِ‏ على أزواجهن، و طرف أزواجهن عليهن، لجمالهم كلهم، و محبة كلّ منهما للآخر، و عدم طموحه لغيره، و أنه لا يبغي بصاحبه بدلا، و عنه عوضا. أَتْرابٌ‏ أي: على سن واحد، أعدل سن الشباب و أحسنه و ألذه.

[53] هذا ما تُوعَدُونَ‏ أيها المتقون‏ لِيَوْمِ الْحِسابِ‏ جزاء على أعمالكم الصالحة.

[54] إِنَّ هذا لَرِزْقُنا الذي أوردناه على أهل النعيم‏ ما لَهُ مِنْ نَفادٍ أي: انقطاع، بل هو دائم مستقر في جميع الأوقات، متزايد في جميع الآنات. و ليس هذا بعظيم على الرب الكريم، الرؤوف الرحيم، البر الجواد، الواسع الغني، الحميد اللطيف الرحمن، الملك الديان، الجليل الجميل المنان، ذي الفضل الباهر، و الكرم المتواتر، الذي لا تحصى نعمه، و لا يحاط ببعض بره.

[55] هذا الجزاء للمتقين ما وصفناه‏ وَ إِنَّ لِلطَّاغِينَ‏ أي: للمتجاوزين للحد في الكفر و المعاصي‏ لَشَرَّ مَآبٍ‏ أي: لشر مرجع و منقلب. ثمّ فصله فقال:

صفحه بعد