کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1084

غاية اللذة، قد سلم من كلّ مكدر و منغص موجود في كافور الدنيا، فإن الآفة الموجودة في الدنيا، تعدم من الأسماء التي ذكرها اللّه في الجنة. كما قال تعالى: فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَ طَلْحٍ مَنْضُودٍ (29)، وَ أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ ، لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ‏ ، وَ فِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَ تَلَذُّ الْأَعْيُنُ‏ .

[6] عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ‏ ، أي: ذلك الكأس اللذيذ، الذي يشربونه، لا يخافون نفاده، بل له مادة لا تنقطع، و هي عين دائمة الفيضان و الجريان، يفجرها عباد اللّه تفجيرا، أنى شاءوا، و كيف أرادوا. فإن شاؤوا صرفوها إلى البساتين الزاهرات، أو إلى الرياض النضرات، أو بين جوانب القصور، و المساكن المزخرفات، أو إلى أي جهة يرونها من الجهات المونقات.

[7] ثمّ ذكر جملة من أعمالهم، فقال: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ، أي: بما ألزموا به أنفسهم من النذور و المعاهدات. و إذا كانوا يوفون بالنذر، الذي هو غير واجب في الأصل عليهم، إلا بإيجابهم على أنفسهم، كان فعلهم و قيامهم بالفروض الأصلية، من باب أولى و أحرى. وَ يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ، أي: قاسيا منتشرا. فخافوا أن ينالهم شره، فتركوا كل سبب موجب لذلك.

[8] وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى‏ حُبِّهِ‏ أي: و هم في حال يحبون فيها المال و الطعام، و لكنهم قدموا محبة اللّه على محبة نفوسهم، و يتحرون في إطعامهم، أولى الناس و أحوجهم‏ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً .

[9] و يقصدون بإنفاقهم و إطعامهم، وجه اللّه تعالى، و يقولون بلسان الحال: إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً (9)، أي: لا جزاء ماليا، و لا ثناء قوليا.

[10] إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً ، أي: شديد الجهمة و الشر قَمْطَرِيراً ، أي: ضنكا ضيقا.

[11] فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ‏ فلا يحزنهم الفزع الأكبر، و تتلقاهم الملائكة، هذا يومكم الذي كنتم توعدون.

وَ لَقَّاهُمْ‏ ، أي: أكرمهم و أعطاهم‏ نَضْرَةً في وجوههم‏ وَ سُرُوراً في قلوبهم، فجمع لهم بين نعيم الظاهر و الباطن.

[12] وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا على طاعته، فعملوا ما أمكنهم منها، و عن معاصيه، فتركوها، و على أقداره المؤلمة، فلم يتسخطوها. جَنَّةً جامعة لكل نعيم، سالمة من كلّ مكدر و منغص. وَ حَرِيراً كما قال تعالى:

وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ* . و لعل اللّه إنما خص الحرير، لأنه لباسهم الظاهر، الدال على حال صاحبه.

[13] مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ‏ الاتكاء: التمكن من الجلوس، في حال الطمأنينة، و الراحة، و الرفاهية، و الأرائك هي: السرر التي عليها اللباس المزين. لا يَرَوْنَ فِيها ، أي: في الجنة شَمْساً يضرهم حرها، وَ لا زَمْهَرِيراً ، أي:

بردا شديدا، بل جميع أوقاتهم في ظل ظليل، لا حر و لا برد، بحيث تلتذ به الأجساد، و لا تتألم من حر و لا برد.

[14] وَ دانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَ ذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا (14)، أي: قربت ثمراتها من مريدها، تقريبا ينالها و هو قائم، أو قاعد، أو مضطجع.

[15- 16] وَ يُطافُ عَلَيْهِمْ‏ ، أي: يدور الولدان و الخدم على أهل الجنة بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَ أَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا (16) قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ ، أي: مادتها فضة، و هي على صفاء القوارير، و هذا من أعجب الأشياء، أن تكون الفضة الكثيفة، من صفاء جوهرها، و طيب معدنها، على صفاء القوارير. قَدَّرُوها تَقْدِيراً ، أي: قدروا الأواني‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1085

المذكورة على قدر ريّهم، لا تزيد و لا تنقص، لأنها لو زادت نقصت لذتها، و لو نقصت لم تكفهم لريهم. و يحتمل أن المراد: قدرها أهل الجنة بمقدار، يوافق لذاتهم، فأتتهم على ما قدروا في خواطرهم.

[17] وَ يُسْقَوْنَ فِيها ، أي: الجنة كَأْساً و هو الإناء من خمر و رحيق، كانَ مِزاجُها ، أي: خلطها زَنْجَبِيلًا ليطيب طعمه و ريحه.

[18] عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18) سميت بذلك لسلاستها و لذتها و حسنها.

[19] وَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ‏ ، أي: على أهل الجنة، في طعامهم و شرابهم و خدمتهم. وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ‏ ، أي: خلقوا من الجنة للبقاء، لا يتغيرون و لا يكبرون، و هم في غاية الحسن. إِذا رَأَيْتَهُمْ‏ منتشرين في خدمتهم‏ حَسِبْتَهُمْ‏ من حسنهم‏ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً و هذا من تمام لذة أهل الجنة، أن يكون خدامهم الولدان المخلدون، الّذين تسر رؤيتهم، و يدخلون في مساكنهم، آمنين من تبعتهم، و يأتونهم بما يدعون، و تطلبه نفوسهم.

[20] وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَ‏ ، أي: رمقت ما أهل الجنة عليه من النعيم الكامل. رَأَيْتَ نَعِيماً وَ مُلْكاً كَبِيراً فتجد الواحد منهم، عنده من المساكن و الغرف المزينة المزخرفة، ما لا يدركه الوصف. و لديه من البساتين الزاهرة، و الثمار الدانية، و الفواكه اللذيذة، و الأنهار الجارية، و الرياض المعجبة، و الطيور المطربة المشجية، ما يأخذ بالقلوب، و يفرح النفوس. و عنده من الزوجات، اللاتي في غاية الحسن و الإحسان، الجامعات لجمال الظاهر و الباطن، الخيرات الحسان، ما يملأ القلب سرورا، و لذة و حبورا. و حوله من الولدان المخلدين، و الخدم المؤبدين، ما به تحصل الراحة و الطمأنينة، و تتم لذة العيش، و تكمل الغبطة. ثمّ علاوة ذلك و معظمه، الفوز برضا الرب الرحيم، و سماع خطابه، و لذة قربه، و الابتهاج برضاه، و الخلود الدائم، و تزايد ما هم فيه من النعيم، كل وقت و حين. فسبحان مالك الملك، الحقّ المبين، الذي لا تنفد خزائنه، و لا يقل خيره، فكما لا نهاية لأوصافه، فلا نهاية لبره و إحسانه.

[21] عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ ، أي: قد جللتهم ثياب السندس و الإستبرق الأخضران اللذان هما أجلّ أنواع الحرير، فالسندس: ما غلظ من الحرير، و الإستبرق: ما رقّ منه. وَ حُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ ، أي: حلوا في أيديهم أساور، ذكورهم و إناثهم، و هذا وعد وعدهم اللّه، و كان وعده مفعولا، لأنه لا أصدق منه قيلا و لا حديثا. و قوله:

وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً ، أي: لا كدر فيه بوجه من الوجوه، مطهرا لما في بطونهم من كلّ أذى و قذى.

[22] إِنَّ هذا الجزاء الجزيل‏ كانَ لَكُمْ جَزاءً على ما أسلفتموه، من الأعمال. وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً أي: القليل منه، يجعل اللّه لكم به، من النعيم، ما لا يمكن حصره.

[23] و قوله تعالى لما ذكر نعيم الجنة إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (23)، و فيه الوعد و الوعيد، و بيان كلّ ما يحتاجه العباد. و فيه الأمر بالقيام بأوامره و شرائعه أتمّ القيام، و السعي في تنفيذها، و الصبر على ذلك.

[24] و لهذا قال: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَ لا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24)، أي: اصبر لحكمه القدري، فلا تسخطه، و لحكمه الديني، فامض عليه، و لا يعوقنك عنه عائق. وَ لا تُطِعْ‏ من المعاندين، الّذين يريدون أن يصدوك‏ آثِماً ، أي: فاعلا

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1086

إثما و معصية أَوْ كَفُوراً ، فإن طاعة الكفار و الفجار و الفساق، لا بد أن تكون معصية للّه، فإنهم لا يأمرون إلا بما تهواه أنفسهم.

[25] و لما كان الصبر يستمد من القيام بطاعة اللّه، و الإكثار من ذكره، أمر اللّه بذلك، فقال:

وَ اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَ أَصِيلًا (25)، أي: أول النهار و آخره، فدخل في ذلك الصلوات المكتوبات و ما يتبعها من النوافل، و الذكر، و التسبيح، و التهليل، و التكبير في هذه الأوقات.

[26] وَ مِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ‏ ، أي: أكثر له من السجود، و ذلك متضمن لكثرة الصلاة. وَ سَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا ، و قد تقدم تقييد هذا المطلق بقوله: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ‏ .

[27] و قوله: إِنَّ هؤُلاءِ ، أي: المكذبين لك أيها الرسول، بعد ما بينت لهم الآيات، و رغبوا و رهبوا، و مع ذلك، لم يفد فيهم ذلك شيئا بل لا يزالون‏ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ و يطمئنون إليها. وَ يَذَرُونَ‏ ، أي: يتركون العمل، و يهملون‏ وَراءَهُمْ‏ أي: أمامهم‏ يَوْماً ثَقِيلًا و هو يوم القيامة، الذي مقداره خمسون ألف سنة مما تعدون. و قال تعالى: يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ . فكأنهم ما خلقوا إلا للدنيا، و الإقامة فيها.

[28] ثم استدل عليهم و على بعثهم بدليل عقلي، و هو دليل الابتداء، فقال: نَحْنُ خَلَقْناهُمْ‏ ، أي: أوجدناهم من العدم‏ وَ شَدَدْنا أَسْرَهُمْ‏ ، أي:

أحكمنا خلقتهم بالأعصاب، و العروق، و الأوتار، و القوى الظاهرة و الباطنة، حتى تم الجسم و استكمل، و تمكن من كل ما يريده. فالذي أوجدهم على هذه الحالة، قادر على أن يعيدهم بعد موتهم، لجزائهم، و الذي نقلهم في هذه الدار إلى هذه الأطوار، لا يليق به أن يتركهم سدى، لا يؤمرون، و لا ينهون، و لا يثابون، و لا يعاقبون، و لهذا قال: وَ إِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلًا ، أي: أنشأناهم للبعث نشأة أخرى، و أعدناهم بأعيانهم، و هم بأنفسهم أمثالهم.

[29] إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ ، أي: يتذكر بها المؤمن، فينتفع بما فيها، من التخويف و الترغيب. فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى‏ رَبِّهِ سَبِيلًا ، أي: طريقا موصلا إليه. فاللّه، يبين الحق و الهدى، ثم يخير الناس بين الاهتداء بها، و النفور عنها، إقامة للحجة لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى‏ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ

[30] وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ‏ فإن مشيئة اللّه نافذة. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً فله الحكمة في هداية المهتدي، و إضلال الضال.

[31] يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ‏ فيختصه بعنايته، و يوفقه لأسباب السعادة و يهديه لطرقها. وَ الظَّالِمِينَ‏ الذين اختاروا الشقاء على الهدى‏ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً بظلمهم و عدوانهم. تم تفسير سورة الإنسان- و للّه الحمد.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1087

سورة المرسلات‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] أقسم تعالى على البعث و الجزاء على الأعمال، بالمرسلات عرفا، و هي: الملائكة التي يرسلها اللّه بشؤونه القدرية، و تدبير العالم و بشؤونه الشرعية، و وحيه إلى رسله.

و عُرْفاً حال من المرسلات، أي: أرسلت بالعرف، و الحكمة، و المصلحة، لا بالنكر و العبث.

[2] فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (2) و هي أيضا الملائكة التي يرسلها اللّه تعالى، وصفها بالمبادرة لأمره، و سرعة تنفيذ أوامره، كالريح العاصف. أو: أن العاصفات، الرياح الشديدة، التي يسرع هبوبها.

[3] وَ النَّاشِراتِ نَشْراً (3) يحتمل أن المراد بها الملائكة، تنشر ما دبرت على نشره، أو أنها: السحاب التي ينشر بها اللّه الأرض، فيحييها بعد موتها.

[5] فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً (5) هي الملائكة، تلقي أشرف الأوامر، و هي الذكر الذي يرحم اللّه به عباده، و يذكرهم فيه منافعهم و مصالحهم، تلقيه إلى الرسل.

[6] عُذْراً أَوْ نُذْراً (6)، أي: إعذارا، أو إنذارا للناس، تنذر الناس ما أمامهم من المخاوف، و تقطع أعذارهم، فلا يكون لهم حجة على اللّه.

[7] إِنَّما تُوعَدُونَ‏ من البعث و الجزاء على الأعمال‏ لَواقِعٌ‏ ، أي: متحتم وقوعه، من غير شك و لا ارتياب. فإذا وقع حصل من التغير و الأهوال الشديدة للعالم، ما يزعج القلوب و تشتد له الكروب، فتنطمس النجوم، أي: تتناثر و تزول عن أماكنها و تنسف الجبال، فتكون كالهباء المنثور، و تكون هي و الأرض قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا و لا أمتا. و ذلك اليوم هو اليوم الذي أقتت فيه الرسل، و أجلت للحكم بينها و بين أممها و لهذا قال:

[12] لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ‏ (12) استفهام للتعظيم و التفخيم، و التهويل.

[13] ثم أجاب بقوله: لِيَوْمِ الْفَصْلِ‏ (13)، أي: بين الخلائق، بعضهم من بعض، و حساب كل منهم منفردا. ثم توعد المكذب بهذا اليوم، فقال: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ‏ (15)، أي: يا حسرتهم و شدة عذابهم، و سوء منقلبهم، أخبرهم اللّه، و أقسم لهم، فلم يصدقوه، فلذلك استحقوا العقوبة البليغة.

[16] أي: أما أهلكنا المكذبين السابقين، ثم نتبعهم بإهلاك من كذب من الآخرين، و هذه سنته السابقة و اللاحقة، في كل مجرم لا بد من عقابه، فلم لا تعتبرون بما ترون و تسمعون؟.

[19] وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ‏ (19) بعد ما شاهدوا من الآيات البينات، و العقوبات و المثلات.

[20- 21] أي: أما خلقناكم أيها الآدميون‏ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ‏ ، أي: في غاية الحقارة، خرج من بين الصلب و الترائب، حتى جعله اللّه‏ فِي قَرارٍ مَكِينٍ‏ و هو الرحم، به يستقر و ينمو.

[22] إِلى‏ قَدَرٍ مَعْلُومٍ‏ (22) و وقت مقدر.

[23] فَقَدَرْنا ، أي: قدرنا و دبرنا ذلك الجنين، في تلك الظلمات، و نقلناه من النطفة إلى العلقة، إلى المضغة، إلى أن جعله اللّه جسدا، و نفخ فيه الروح و منهم من يموت قبل ذلك. فَنِعْمَ الْقادِرُونَ‏ يعني بذلك، نفسه المقدسة، لأن‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1088

قدره، تابع لحكمته، موافق للحمد.

[24] وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ‏ (24).

[25] أي: أما مننّا عليكم، و أنعمنا، بتسخير الأرض لمصالحكم، فجعلناها كِفاتاً لكم.

[26] أَحْياءً في الدور وَ أَمْواتاً في القبور، فكما أن الدور و القصور من نعم اللّه على عباده و منته، فكذلك القبور، رحمة في حقهم، و ستر لهم، عن كون أجسادهم بادية للسباع و غيرها.

[27] وَ جَعَلْنا فِيها رَواسِيَ‏ ، أي: جبالا ترسي الأرض، لئلا تميد بأهلها، فثبتها اللّه بالجبال الراسيات الشامخات، أي: الطوال العراض. وَ أَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً ، أي: عذبا زلالا، قال تعالى: أَ فَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَ أَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ‏ (70).

[28] وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ‏ (28) مع ما أراهم اللّه من النعم، الّتي انفرد بها، و اختصهم بها، فقابلوها بالتكذيب.

[29] هذا من الويل، الذي أعد للمجرمين المكذبين، أن يقال لهم يوم القيامة: [29] انْطَلِقُوا إِلى‏ ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ‏ (29) ثمّ فسر ذلك بقوله: [30] انْطَلِقُوا إِلى‏ ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ‏ (30)، أي: إلى ظل نار جهنم، الّتي تتمايز في خلاله ثلاث شعب، أي: قطع من النار، تتعاوره و تتناوبه، و تجتمع به. [31] لا ظَلِيلٍ‏ ذلك الظل، أي: لا راحة فيه، و لا طمأنينة. وَ لا يُغْنِي‏ من مكث فيه‏ مِنَ اللَّهَبِ‏ ، بل اللهب قد أحاط به، يمنة و يسرة، و من كلّ جانب، كما قال تعالى: لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَ مِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ‏ ، لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَ مِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ‏ (41). ثمّ ذكر عظيم شرر النار، الدال على عظمها و فظاعتها، و سوء منظرها، فقال:

[32] إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ (33) و هي: السود الّتي تضرب إلى لون فيه صفرة، و هذا يدل على أن النار مظلمة، لهبها و جمرها و شررها، و أنها سوداء، كريهة المنظر، شديدة الحرارة، نسأل اللّه العافية منها، و من الأعمال المقربة منها. [34] وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ‏ (34).

[35] أي: هذا اليوم العظيم الشديد على المكذبين، لا ينطقون فيه من الخوف و الوجل الشديد.

[36] وَ لا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ‏ (36)، أي: لا تقبل معذرتهم، و لو اعتذروا: فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَ لا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ‏ (57).

[38] هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَ الْأَوَّلِينَ‏ (38) لنفصل بينكم، و نحكم بين الخلائق.

[39] فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ تقدرون على الخروج به عن ملكي، و تنجون من عذابي، فَكِيدُونِ‏ ، أي: ليس لكم قدرة و لا سلطان، كما قال تعالى: يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ‏ (33).

ففي ذلك اليوم، تبطل حيل الظالمين، و يضمحل مكرهم و كيدهم، و يستسلمون لعذاب اللّه، و يبين لهم كذبهم في تكذيبهم‏

[40] وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ‏ (40).

[41] لما ذكر عقوبة المكذبين، ذكر مثوبة المحسنين، فقال: إِنَّ الْمُتَّقِينَ‏ ، أي: للتكذيب، المتصفين بالتصديق، في أقوالهم و أفعالهم و أعمالهم. و لا يكونون كذلك، إلا بأدائهم الواجبات، و تركهم المحرمات. فِي ظِلالٍ‏ من كثرة الأشجار المتنوعة، الزاهرة البهية. وَ عُيُونٍ‏ جارية من السلسبيل، و الرحيق و غيرهما.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1089

[42] وَ فَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ‏ (42)، أي: من خيار الفواكه و أطيبها،

و يقال لهم: كُلُوا وَ اشْرَبُوا من المآكل الشهية، و الأشربة اللذيذة، هَنِيئاً ، أي: من غير منغص و لا مكدر. و لا يتم هناؤه، حتى يسلم الطعام و الشراب، من كل آفة و نقص، و حتى يجزموا أنه غير منقطع، و لا زائل.

بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏ فأعمالكم، هي السبب الموصل لكم إلى جنات النعيم المقيم. و هكذا كلّ من أحسن في عبادة اللّه، و أحسن إلى عباد اللّه، و لهذا قال: [44- 45] إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ‏ (45)، و لو لم يكن من هذا الويل، إلا فوات هذا النعيم، لكفى به حزنا و حرمانا.

[46] هذا تهديد و وعيد للمكذبين، أنهم و إن أكلوا في الدنيا، و شربوا و تمتعوا باللذات، و غفلوا عن القربات، فإنهم مجرمون، يستحقون ما يستحقه المجرمون، فتنقطع عنهم اللذات، و تبقى عليهم التبعات.

[48] و من إجرامهم أنهم إذا أمروا بالصلاة، الّتي هي أشرف العبادات، و قِيلَ لَهُمُ: ارْكَعُوا امتنعوا من ذلك. فأي إجرام فوق هذا؟

و أي تكذيب يزيد على هذا؟

[49] وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ‏ (49)، و من الويل عليهم أنهم تنسد عنهم أبواب التوفيق، و يحرمون كلّ خير، فإنهم إذا كذبوا هذا القرآن، الذي هو أعلى مراتب الصدق و اليقين على الإطلاق.

[50] فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ‏ (50)، أ بالباطل، الذي هو كاسمه، لا يقوم عليه شبهة فضلا عن الدليل؟ أم بكلام مشرك كذاب، أفاك مبين؟ فليس بعد النور المبين، إلا دياجي الظلمات، و لا بعد التصديق، الذي قامت عليه الأدلة و البراهين القاطعة، إلا الإفك الصراح، و الكذب المبين الذي لا يليق إلا بمن يناسبه. فتبّا لهم، ما أعماهم و ويحا لهم ما أخسرهم و أشقاهم نسأل اللّه العفو و العافية، إنه جواد كريم. تم تفسير سورة المرسلات- و للّه الحمد.

تفسير سورة النبأ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1- 3] أي: عن أي شي‏ء يتساءل المكذبون بآيات اللّه؟ ثمّ بيّن ما يتساءلون عنه فقال: عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ‏ (3)، أي: عن الخبر العظيم، الذي طال فيه نزاعهم و انتشر فيه خلافهم على وجه التكذيب و الاستبعاد، و هو النبأ الذي لا يقبل الشك، و لا يدخله الريب، و لكن المكذبين بلقاء ربهم لا يؤمنون، و لو جاءتهم كل آية، حتى يروا العذاب الأليم.

[4- 5] و لهذا قال: كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ‏ (5)، أي: سيعلمون إذا نزل بهم العذاب، ما كانوا به يكذبون، حين يدعّون إلى نار جهنم دعّا. و يقال لهم: هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ‏ (14).

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1090

[6] ثمّ ذكر تعالى النعم و الأدلة الدالة على ما جاءت به الرسل، فقال: أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ‏ ، إلى: أَلْفافاً . أي:

أما أنعمنا عليكم بنعم جليلة، فجعلنا لكم‏ الْأَرْضَ مِهاداً ، أي: ممهدة مذللة لكم و لمصالحكم، من الحروث، و المساكن و السبل.

[7] وَ الْجِبالَ أَوْتاداً (7) تمسك الأرض لئلا تضطرب بكم و تميد.

[8] وَ خَلَقْناكُمْ أَزْواجاً (8)، أي:

ذكورا و إناثا، من جنس واحد، ليسكن كلّ منهما إلى الآخر، فتتكون المودة و الرحمة، و تنشأ عنهما الذرية، و في ضمن هذا الامتنان، بلذة المنكح.

[9] وَ جَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً (9)، أي: راحة لكم، و قطعا لأشغالكم، الّتي متى تمادت بكم، أضرت بأبدانكم، فجعل اللّه الليل و النوم، يغشى الناس، لتسكن حركاتهم الضارة، و تحصل راحتهم النافعة.

[12] وَ بَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً (12)، أي: سبع سموات، في غاية القوة، و الصلابة و الشدة. و قد أمسكها اللّه بقدرته، و جعلها سقفا للأرض، فيها عدة منافع لهم، و لهذا ذكر من منافعها الشمس، فقال:

[13] وَ جَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً (13) نبه بالسراج على النعمة بنورها الذي صار ضرورة للخلق، و بالوهاج، و هي: حرارتها، على ما فيها من الإنضاج و المنافع.

[14] وَ أَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ‏ ، أي: السحاب‏ ماءً ثَجَّاجاً ، أي: كثيرا جدا.

[15] لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا من برّ و شعير، و ذرة، و أرز، و غير ذلك مما يأكله الآدميون. وَ نَباتاً يشمل سائر النبات، الذي جعله اللّه قوتا لمواشيهم.

[16] وَ جَنَّاتٍ أَلْفافاً (16)، أي:

بساتين ملتفة، فيها من جميع أصناف الفواكه اللذيذة. فالذي أنعم بهذه النعم الجليلة، الّتي لا يقدر قدرها، و لا يحصى عددها كيف تكفرون به، و تكذبون ما أخبركم به، من البعث و النشور؟ أم كيف تستعينون بنعمه على معاصيه، و تجحدونها؟

[17] ذكر تعالى ما يكون في يوم القيامة الذي يتساءل عنه المكذبون، و يجحده المعاندون، أنه يوم عظيم، و أن اللّه جعله‏ مِيقاتاً للخلق.

[18] يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً ، و يجري فيه من الزعازع و القلاقل ما يشيب له المولود، و تنزعج له القلوب. فتسير الجبال، حتى تكون كالهباء المبثوث، و تنشق السماء حتى تكون أبوابا، و يفصل اللّه بين الخلائق، بحكمه الذي لا يجور، و توقد نار جهنم الّتي أرصدها اللّه، و أعدها للطاغين و جعلها مثوى لهم و مآبا، و أنهم يلبثون فيها أحقابا كثيرة، و «الحقب» على ما قاله كثير من المفسرين: ثمانون سنة.

[24] فإذا وردوها لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَ لا شَراباً ، أي: لا ما يبرد جلودهم، و لا ما يدفع ظمأهم. إِلَّا حَمِيماً ، أي: ماء حارا، يشوي وجوههم، و يقطع أمعاءهم. وَ غَسَّاقاً و هو صديد أهل النار، الذي هو في غاية النتن، و كراهة المذاق.

[26] و إنّما استحقوا هذه العقوبات الفظيعة جَزاءً وِفاقاً (26) لهم على ما عملوا من الأعمال الموصلة إليها، لم يظلمهم اللّه، و لكن ظلموا أنفسهم، و لهذا ذكر أعمالهم، الّتي استحقوا بها هذا الجزاء، فقال:

[27] إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً (27)، أي: لا يؤمنون بالبعث، و لا أن اللّه يجازي الخلق، بالخير و الشر، فلذلك أهملوا العمل للآخرة.

صفحه بعد