کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1000

الجليلة، و لهذا قال: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ‏ (25).

[26- 27] أي: كل من على الأرض، من إنس و جن، و دواب، و سائر المخلوقات، يفنى و يبيد، و يبقى الحي الذي لا يموت‏ ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ‏ ، أي: ذو العظمة و الكبرياء و المجد الذي يعظم و يبجل، و يجل لأجله، و الإكرام الذي هو سعة الفضل و الجود الذي يكرم أولياءه، و خواص خلقه بأنواع الإكرام الذي يكرمه أولياؤه و يجلونه، و يعظمونه و يحبونه، و ينيبون إليه و يعبدونه. [28] فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ‏ (28).

[29- 30] أي: هو الغني بذاته عن جميع مخلوقاته، و هو واسع الجود و الكرم، فكل الخلق مفتقرون إليه، يسألونه جميع حوائجهم، مجالهم و مقالهم، و لا يستغنون عنه طرفة عين، و لا أقل من ذلك. و هو تعالى‏ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ‏ يغني فقيرا، و يجبر كسيرا، و يعطي قوما، و يمنع آخرين، و يميت و يحيي، و يخفض و يرفع، لا يشغله شأن عن شأن، و لا تغلطه المسائل، و لا يبرمه إلحاح الملحين، و لا طول مسألة السائلين. فسبحان الكريم الوهاب، الذي عمت مواهبه أهل الأرض و السماوات، و عمّ لطفه جميع الخلق في كلّ الآنات و اللحظات، و تعالى الذي لا يمنعه من الإعطاء معصية العاصين، و لا استغناء الفقراء الجاهلين به و بكرمه. و هذه الشؤون الّتي أخبر أنه كلّ يوم هو في شأن، هي تقاديره و تدابيره الّتي قدرها في الأزل و قضاها، لا يزال تعالى يمضيها و ينفذها في أوقاتها، الّتي اقتضتها حكمته، و هي أحكامه الدينية الّتي هي الأمر و النهي، و القدرية الّتي يجريها على عباده مدة مقامهم في هذه الدار. حتى إذا تمت هذه الخليقة و أفناهم اللّه تعالى، و أراد أن ينفذ فيهم أحكام الجزاء، و يريهم من عدله و فضله، و كثرة إحسانه، ما به يعرفونه، و يوحدونه، نقل المكلفين من دار الابتلاء و الامتحان، إلى دار الحيوان.

[31- 32] و فرغ حينئذ لتنفيذ هذه الأحكام، الّتي جاء وقتها، و هو المراد بقوله: سَنَفْرُغُ‏ ، إلى:

تُكَذِّبانِ‏ . أي: سنفرغ لحسابكم و مجازاتكم بأعمالكم الّتي عملتموها في دار الدنيا.

[33- 34] أي: إذا جمعهم اللّه في موقف القيامة، أخبرهم بعجزهم و ضعفهم، و كمال سلطانه، و نفوذ مشيئته و قدرته، فقال معجزا لهم: يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ ، أي: تجدون مسلكا و منفذا، تخرجون به عن ملك اللّه و سلطانه. فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ‏ ، أي: لا تخرجون منه إلا بقوة، و تسلط منكم، و كمال قدرة، و أنّى لهم ذلك، و هم لا يملكون لأنفسهم نفعا و لا ضرا، و لا موتا و لا حياة، و لا نشورا؟ ففي ذلك الموقف لا يتكلم أحد إلا بإذنه، و لا تسمع إلا همسا، و في ذلك الموقف يستوي الملوك و المماليك، و الرؤساء و المرءوسون، و الأغنياء و الفقراء.

[35- 36] ثمّ ذكر ما أعد لهم في ذلك اليوم، فقال: يُرْسَلُ عَلَيْكُما إلى: تُكَذِّبانِ‏ . أي: يرسل عليكما لهب صاف من النار، و نحاس، و هو: اللهب الذي قد خالطه الدخان، و المعنى أن هذين الأمرين الفظيعين يرسلان عليكما، و يحيطان بكما، فلا تنتصران، لا بناصر، من أنفسكم، و لا بأحد ينصركم من دون اللّه. و لما كان تخويفه‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1001

لعباده نعمة منه عليهم، و سوطا يسوقهم به إلى أعلى المطالب، و أشرف المواهب، ذكر منته بذلك، فقال: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ‏ (36).

[37] فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ ، أي: يوم القيامة من الأهوال، و كثرة البلبال، و ترادف الأوجال، فانخسفت شمسها و قمرها، و انتثرت نجومها. فَكانَتْ‏ من شدة الخوف و الانزعاج‏ وَرْدَةً كَالدِّهانِ‏ ، أي: كانت كالمهل و الرصاص المذاب و نحوه‏

[38- 39] فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (38) فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَ لا جَانٌ‏ (39)، أي:

سؤال استعلام بما وقع، لأنه تعالى عالم الغيب و الشهادة، و الماضي و المستقبل، و يريد أن يجازي العباد بما علمه من أحوالهم. و قد جعل لأهل الخير و الشر يوم القيامة علامات يعرفون بها، كما قال تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ‏ .

[41- 42] و قال هنا: يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَ الْأَقْدامِ (41) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ‏ (42)، أي: فيؤخذ بنواصي المجرمين و أقدامهم، فيلقون في النار، و يسحبون إليها، و إنّما يسألهم تعالى سؤال توبيخ، و تقرير بما وقع منهم، و هو أعلم به منهم، و لكنه تعالى يريد أن تظهر للخلق حجته البالغة، و حكمته الجليلة.

[43] أي: يقال للمكذبين بالوعد و الوعيد، حيتن تسعر الجحيم: هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ‏ (43)، فليهنهم تكذيبهم بها، و ليذوقوا من عذابها، و نكالها و سعيرها، و أغلالها، ما هو جزاء لهم على تكذيبهم.

[44] يَطُوفُونَ بَيْنَها ، أي: بين أطباق الجحيم و لهبها وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ‏ ، أي: ماء حار جدا، قد انتهى حره، و زمهرير، قد اشتد برده و قره [45] فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ‏ (45).

[46] و لما ذكر ما يفعل بالمجرمين، ذكر جزاء المتقين الخائفين، فقال: وَ لِمَنْ خافَ‏ ، إلى: وَ الْإِكْرامِ‏ . أي:

و الذي خاف ربه، و قيامه عليه، فترك ما نهى عنه، و فعل ما أمر به، له جنتان، من ذهب آنيتهما، و حليتهما، و بنيانهما، و ما فيهما، إحدى الجنتين، جزاء على ترك المنهيات، و الأخرى على فعل الطاعات.

[48] و من أوصاف تلك الجنتين، أنهما ذَواتا أَفْنانٍ‏ (48)، أي: فيهما من ألوان النعيم المتنوعة، نعيم الظاهر و الباطن، ما لا عين رأت، و لا أذن سمعت، و لا خطر على قلب بشر. أن فيهما الأشجار الكثيرة الزاهرة، ذوات الغصون الناعمة، الّتي فيها الثمار اليانعة الكثيرة اللذيذة.

[50] و في تلك الجنتين‏ عَيْنانِ تَجْرِيانِ‏ يفجرونهما على ما يريدون و يشتهون.

[52] فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ من جميع أصناف الفواكه‏ زَوْجانِ‏ ، أي: صنفان، كل صنف له لذة و لون، ليس للنوع الآخر.

[54] مُتَّكِئِينَ عَلى‏ فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ‏ ، هذه صفة فرش أهل الجنة و جلوسهم عليها، و أنهم متكئون عليها، أي: جلوس تمكن و استقرار و راحة، كجلوس الملوك على الأسرة. و تلك الفرش، لا يعلم وصفها و حسنها إلا اللّه تعالى، حتى إن بطائنها الّتي تلي الأرض منها من إستبرق، و هو أحسن الحرير و أفخره، فكيف بظواهرها الّتي يباشرون؟ وَ جَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ‏ ، الجنى هو الثمر المستوي، أي: و ثمر هاتين الجنتين قريب التناول، يناله القائم و القاعد، و المضطجع.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1002

[56] فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ‏ ، أي: قد قصرن طرفهن على أزواجهن، من حسنهم و جمالهم، و كمال محبتهن لهم، و قصرن أيضا طرف أزواجهن عليهن، من حسنهن و جمالهن، و لذة وصالهن، و شدة محبتهن. لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَ لا جَانٌ‏ ، أي: لم ينلهن أحد قبلهم، من الإنس و الجن، بل هن أبكار عرب، متحببات إلى أزواجهن، بحسن التبعل و التغنج و الملاحة و الدلال، و لهذا قال:

كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَ الْمَرْجانُ‏ (58)، و ذلك لصفائهن و جمال منظرهن، و بهائهن.

[60] هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ‏ (60)، أي: هل جزاء من أحسن في عبادة الخالق، و نفع عبيده، إلا أن يحسن إليه بالثواب الجزيل، و الفوز الكبير، و النعيم، و العيش السليم، فهاتان الجنتان العاليتان للمقربين.

[62] وَ مِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ‏ (62) من فضة بنيانهما و حليتهما، و ما فيهما لأصحاب اليمين.

[64] و تلك الجنتان‏ مُدْهامَّتانِ‏ (64)، أي: سوداوان من شدة الخضرة و الري.

[66] فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ‏ (66)، أي: فوارتان‏

[68] فِيهِما فاكِهَةٌ من جميع أصناف الفواكه، و أخصها:

النخل، و الرمان، اللذان فيهما من المنافع، ما فيهما.

[70] فِيهِنَ‏ ، أي: في الجنات كلها خَيْراتٌ حِسانٌ‏ ، أي: خيرات الأخلاق حسان الأوجه، فجمعن بين جمال الظاهر و الباطن، و حسن الخلق و الخلق.

[72] حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ‏ (72)، أي: محبوسات في خيام اللؤلؤ، قد تهيأن و أعددن أنفسهن لأزواجهن. و لا ينفي ذلك خروجهن في البساتين، و رياض الجنة، كما جرت العادة لبنات الملوك المخدرات الخفرات.

[74- 76] لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَ لا جَانٌّ (74) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (75) مُتَّكِئِينَ عَلى‏ رَفْرَفٍ خُضْرٍ ، أي: أصحاب هاتين الجنتين، متكأهم على الرفرف الأخضر، و هي: الفرش الّتي تحت المجالس العالية، الّتي قد زادت على مجالسهم، فصار لها رفرفة من وراء مجالسهم، لزيادة البهاء، و حسن المنظر. وَ عَبْقَرِيٍّ حِسانٍ‏ العبقري: نسبة لكل منسوج نسجا حسنا فاخرا، و لهذا وصفها بالحسن الشامل، لحسن الصفة و المنظر، و نعومة الملمس. و هاتان الجنتان، دون الجنتين الأوليين، كما نص اللّه على ذلك بقوله: وَ مِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ‏ (62)، و كما وصف الأوليين بعدة أوصاف، لم يصف بها الأخريين، فقال في الأوليين: فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ‏ (50)، و في الأخريين: عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ‏ . و من المعلوم الفرق بين الجارية و النضاخة. و قال في الأوليين: ذَواتا أَفْنانٍ‏ (48) و لم يقل ذلك في الأخريين. و قال في الأوليين: فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ‏ (52)، و في الأخريين: فِيهِما فاكِهَةٌ وَ نَخْلٌ وَ رُمَّانٌ‏ (68)، و قد علم ما بين الوصفين من التفاوت. و قال في الأوليين: مُتَّكِئِينَ عَلى‏ فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَ جَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ‏ (54)، و لم يقل ذلك في الأخريين، بل قال:

مُتَّكِئِينَ عَلى‏ رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَ عَبْقَرِيٍّ حِسانٍ‏ (76). و قال في الأوليين، في وصف نسائهم و أزواجهم: فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ‏ ، و في الأخريين: مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ‏ ، و قد علم التفاوت بين ذلك. و قال في الأوليين: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ‏ (60)، فدلّ ذلك أن الأوليين جزاء المحسنين، و لم يقل ذلك في الأخيرتين. و مجرد تقديم الأوليين على الأخريين، يدل على فضلهما. فبهذه الأوجه يعرف فضل الأوليين على الأخريين، و أنهما معدّتان‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1003

للمقربين من الأنبياء، و الصديقين، و خواص عباد اللّه الصالحين، و أن الأخريين معدتان لعموم المؤمنين. و في كل من الجنات المذكورات، ما لا عين رأت، و لا أذن سمعت، و لا خطر على قلب بشر، و فيهن ما تشتهيه الأنفس، و تلذ الأعين، و أهلهن في غاية الراحة و الرضا و الطمأنينة و حسن المأوى، حتى إن كلّ واحد منهم، لا يرى أحدا أحسن حالا منه، و لا أعلى من نعيمه الذي هو فيه.

[78] و لما ذكر سعة فضله و إحسانه، قال: تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ‏ (78)، أي: تعاظم و كثر خيره، الذي له الجلال الباهر، و المجد الكامل، و الإكرام لأوليائه. تم تفسير سورة الرحمن- و للّه الحمد و الشكر و الثناء الجميل.

سورة الواقعة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1- 2] يخبر تعالى بحال الواقعة، الّتي لا بد من وقوعها، و هي: القيامة الّتي‏ لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (2)، أي: لا شك فيها، لأنها قد تظاهرت عليها الأدلة العقلية و السمعية، و دلت عليها حكمته تعالى.

[3] خافِضَةٌ رافِعَةٌ (3)، أي: خافضة لأناس في أسفل سافلين، رافعة لأناس في أعلى عليين، أو خفضت بصوتها فأسمعت القريب، و رفعت، فأسمعت البعيد.

[4] إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4)، أي: حركت و اضطربت.

[5- 6] وَ بُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (5)، أي: فتتت، فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (6)، فأصبحت ليس عليها جبل و لا معلم، قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا و لا أمتا.

[7] وَ كُنْتُمْ‏ أيها الخلق‏ أَزْواجاً ثَلاثَةً ، أي: انقسمتم ثلاث فرق بحسب أعمالكم الحسنة و السيئة.

[8] ثمّ فصل أحوال الأزواج الثلاثة، فقال: فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (8)، تعظيم لشأنهم، و تفخيم لأحوالهم.

[9] وَ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ، أي: الشمال، ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ، تهويل لحالهم.

[10- 11] وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ‏ (11)، أي: السابقون في الدنيا إلى الخيرات، هم السابقون في الآخرة لدخول الجنات. أولئك الّذين هذا وصفهم، المقربون عند اللّه، في جنات النعيم، في أعلى عليين، في المنازل العاليات، الّتي لا منزلة فوقها.

[13] و هؤلاء المذكورون‏ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ‏ (13)، أي: جماعة كثيرون من المتقدمين من هذه الأمة و غيرهم.

[14] وَ قَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ‏ (14) و هذا يدل على فضل صدر هذه الأمة في الجملة، على متأخريها لكون المقربين من الأولين، أكثر من المتأخرين.

[15] و المقربون هم: خواص الخلق‏ عَلى‏ سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15)، أي: مرمولة بالذهب و الفضة، و اللؤلؤ و الجوهر، و غير ذلك، من الحليّ، و الزينة، الّتي لا يعلمها إلا اللّه تعالى.

[16] مُتَّكِئِينَ عَلَيْها ، أي: على تلك السرر، جلوس تمكن و طمأنينة، و راحة و استقرار. مُتَقابِلِينَ‏ وجه كلّ منهم إلى وجه صاحبه، من صفاء قلوبهم، و تقابلها بالمحبة و حسن أدبهم.

[17] يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ‏ (17)، أي: يدور على‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1004

أهل الجنة لخدمتهم، و قضاء حوائجهم، ولدان صغار الأسنان، في غاية الحسن و البهاء. كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ‏ ، أي: مستور، لا يناله ما يغيره. مخلوقون للبقاء و الخلد، لا يهرمون و لا يتغيرون، و لا يزيدون على أسنانهم، و يدورون عليهم بآنية شرابهم‏

بِأَكْوابٍ‏ ، و هي الّتي لا عرى لها وَ أَبارِيقَ‏ الأواني الّتي لها عرى. وَ كَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ‏ ، أي:

من خمر لذيذ المشرب، لا آفة فيه.

[19] لا يُصَدَّعُونَ عَنْها ، أي: لا تصدع رؤوسهم، كما تصدع خمرة الدنيا رأس شاربها.

وَ لا يُنْزِفُونَ‏ ، أي: لا تنزف عقولهم، و لا تذهب أحلامهم منها، كما يكون لخمر الدنيا. و الحاصل: أن كلّ ما في الجنة من النعيم الموجود جنسه في الدنيا، لا يوجد في الجنة فيه آفة كما قال تعالى: فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَ أَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَ أَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَ أَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى‏ . و ذكر هنا خمر الجنة، و نفى عنها كلّ آفة توجد في الدنيا.

[20] وَ فاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ‏ (20)، أي: مهما تخيروا، وراق في أعينهم، و اشتهته نفوسهم، من أنواع الفواكه الشهية، و الجنى اللذيذ، حصل لهم على أكمل وجه و أحسنه.

[21] وَ لَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ‏ (21)، أي: من كل صنف من الطيور يشتهونه، و من أي جنس من لحمه أرادوا، إن شاءوا مشويا، أو طبيخا، أو غير ذلك.

[22] وَ حُورٌ عِينٌ‏ (22)، أي: و لهم حور عين، و الحوراء: الّتي في عينها كحل و ملاحة، و حسن و بهاء، و العين: واسعات الأعين حسانها، و حسن عين الأنثى، من أعظم الأدلة على حسنها و جمالها.

[23] كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ‏ (23)، أي: كأنهن اللؤلؤ الرطب الصافي البهي، المستور عن الأعين و الريح و الشمس، الذي يكون لونه من أحسن الألوان، الذي لا عيب فيه بوجه من الوجوه، فكذلك الحور العين، لا عيب فيهن بوجه من الوجوه، بل هن كاملات الأوصاف، جميلات النعوت. فكل ما تأملته منها، لم تجد فيه إلا ما يسر القلب و يروق الناظر،

[24] و ذلك النعيم المعد لهم‏ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ‏ (24)، فكما حسنت منهم الأعمال، أحسن اللّه لهم الجزاء، و وفر لهم الفوز و النعيم.

[25] لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَ لا تَأْثِيماً (25)، أي: لا يسمعون في جنات النعيم، كلاما يلغى، و لا يكون فيه فائدة، و لا كلاما يؤثمّ صاحبه.

[26] إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً (26) أي: إلا كلاما طيبا، و ذلك لأنها دار الطيبين، و لا يكون فيها إلا كلّ طيب. و هذا دليل على حسن أدب أهل الجنة في خطابهم فيما بينهم، و أنه أطيب كلام، و أسره للقلوب، و أسلمه من كلّ لغو و إثم، نسأل اللّه من فضله: «أن يجعلنا من أهل الجنة».

[27] ثمّ ذكر ما أعد لأصحاب اليمين، فقال: وَ أَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ‏ (27)، أي: شأنهم عظيم، و حالهم جسيم.

[28] فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28)، أي: مقطوع ما فيه من الشوك و الأغصان الرديئة المضرة، مجعول مكان ذلك الثمر الطيب. و للسدر من الخواص، الظل الظليل، و راحة الجسم فيه.

[29] وَ طَلْحٍ مَنْضُودٍ (29)، و الطلح معروف، و هو شجر كبار، يكون بالبادية، تنضد أغصانه من الثمر اللذيذ الشهي.

[31] وَ ماءٍ مَسْكُوبٍ‏ (31)، أي: كثير من العيون و الأنهار السارحة، و المياه المتدفقة.

[32- 33] وَ فاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لا مَقْطُوعَةٍ وَ لا مَمْنُوعَةٍ (33)، أي: ليست بمنزلة فاكهة الدنيا تنقطع في وقت من الأوقات، و تكون ممتنعة، أي: متعسرة على‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1005

مبتغيها، بل هي على الدوام موجودة، و جناها قريب يتناوله العبد على أي حال يكون.

[34] وَ فُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34)، أي:

مرفوعة فوق الأسرة، ارتفاعا عظيما، و تلك الفرش من الحرير و الذهب و اللؤلؤ، و ما لا يعلمه إلا اللّه.

[35] إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (35)، أي: إنا أنشأنا نساء أهل الجنة، نشأة غير النشأة التي كانت في الدنيا، نشأة كاملة لا تقبل الفناء.

[36] فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً (36) صغارهن و كبارهن.

[37] و عموم ذلك يشمل الحور العين، و نساء أهل الدنيا، و أن هذا الوصف- و هو البكارة- ملازم لهن في جميع الأحوال، كما أن كونهن‏ عُرُباً أَتْراباً (37) ملازم لهن في كل حال. و العروب: هي المرأة المتحببة إلى بعلها، و حسن هيئتها و دلالها، و جمالها و محبتها، فهي الّتي إن تكلمت سبت العقول، و ود السامع أن كلامها لا ينقضي، خصوصا عند غنائهن بتلك الأصوات الرخيمة، و النغمات المطربة، و إن نظر إلى أدبها و سمتها و دلها ملأت قلب بعلها فرحا و سرورا، و إن انتقلت من محل إلى آخر، امتلأ ذلك الموضع منها ريحا طيبا و نورا. و يدخل في ذلك، الغنجة عند الجماع. و الأتراب اللاتي على سن واحدة، ثلاث و ثلاثين سنة، الّتي هي غاية ما يتمنى أكمل سن الشباب. فنساؤهم عرب أتراب، متفقات مؤتلفات، راضيات مرضيات، لا يحزنّ و لا يحزنّ، بل هن أفراح النفوس، و قرة العيون، و جلاء الأبصار. [38] لِأَصْحابِ الْيَمِينِ‏ (38)، أي: معدات لهم مهيئات.

[39- 40] ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ‏ (40)، أي: هذا القسم، و هم أصحاب اليمين، عدد كثير من الأولين، و عدد كثير من الآخرين.

[41] المراد بأصحاب الشمال، هم أصحاب النار، و الأعمال المشئومة.

[42] فذكر اللّه لهم من العقاب، ما هم حقيقون به، فأخبر أنهم‏ فِي سَمُومٍ‏ ، أي: ريح حارة من حر نار جهنم، تأخذ بأنفاسهم، و تقلقهم أشد القلق.

وَ حَمِيمٍ‏ ، أي: ماء حار يقطع أمعاءهم.

[43] وَ ظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ‏ (43)، أي: لهب نار، يختلط بدخان.

[44] لا بارِدٍ وَ لا كَرِيمٍ‏ (44)، أي: لا برد فيه و لا كرم. و المقصود: أن هناك الهم و الغم، و الحزن و الشر الذي لا خير فيه، لأن نفي الضد إثبات لضده.

[45] ثمّ ذكر أعمالهم الّتي أوصلتهم إلى هذا الجزاء، فقال: إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ‏ (45)، أي: قد ألهتهم دنياهم، و عملوا لها، و تنعموا، و تمتعوا بها، فألهاهم الأمل عن إحسان العمل، فهذا هو الترف الذي ذمهم اللّه عليه.

[46] وَ كانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ‏ (46)، أي: و كانوا يفعلون الذنوب الكبار، و لا يتوبون منها، و لا يندمون عليها، بل يصرون على ما يسخط مولاهم، فقدموا عليه بأوزار كثيرة، غير مغفورة.

[47- 48] و كانوا ينكرون البعث، فيقولون استبعادا لوقوعه: أَ إِذا مِتْنا وَ كُنَّا تُراباً وَ عِظاماً أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَ وَ آباؤُنَا الْأَوَّلُونَ‏ (48)، أي:

كيف نبعث بعد موتنا و قد بلينا، فكنا ترابا و عظاما؟ هذا من المحال.

[49] قال تعالى في جوابهم: قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ‏ ، إلى: يَوْمٍ مَعْلُومٍ‏ . أي: قل إن متقدم الخلق و متأخرهم، الجميع سيبعثهم اللّه و يجمعهم لميقات يوم معلوم، قدّره اللّه لعباده، حين تنقضي الخليقة، و يريد اللّه جزاءهم على‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1006

أعمالهم الّتي عملوها في دار التكليف.

[51] ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ‏ عن طريق الهدى، التابعون لطريق الردى.

الْمُكَذِّبُونَ‏ بالرسول صلّى اللّه عليه و سلّم و ما جاء به من الحقّ و الوعد و الوعيد،

لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ‏ (52) و هو أقبح الأشجار، و أخسها، و أنتنها ريحا، و أبشعها منظرا،

فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ‏ (53). و الذي أوجب لهم أكلها- مع ما هي عليه من الشناعة- الجوع المفرط، الذي يلتهب في أكبادهم و تكاد تتقطع منه أفئدتهم. هذا الطعام، هو الذي يدفعون به الجوع، و هو لا يسمن و لا يغني من جوع.

[55] و أما شرابهم، فهو بئس الشراب، و هو أنهم يشربون على هذا الطعام من الماء الحميم الذي يغلي في البطون‏ شُرْبَ الْهِيمِ‏ ، و هي الإبل العطاش، الّتي قد اشتد عطشها، أو أن الهيم: داء يصيب الإبل، لا تروى معه من شراب الماء.

[56] هذا الطعام و الشراب‏ نُزُلُهُمْ‏ ، أي: ضيافتهم‏ يَوْمَ الدِّينِ‏ و هي الضيافة الّتي قدموها لأنفسهم، و آثروها على ضيافة اللّه لأوليائه. قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا (108).

[57] ثمّ ذكر الدليل العقلي على البعث، فقال: نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْ لا تُصَدِّقُونَ‏ (57)، أي: نحن الّذين أوجدناكم، بعد أن لم تكونوا شيئا مذكورا، من غير عجز و لا تعب، أ فليس القادر على ذلك، بقادر على أن يحيي الموتى؟ بلى إنه على كلّ شي‏ء قدير، و لهذا وبّخهم على عدم تصديقهم بالبعث، و هم يشاهدون ما هو أعظم منه و أبلغ.

[58] أي: أ فرأيتم ابتداء خلقكم من المني الذي تمنون، فهل أنتم خالقون ذلك المني و ما ينشأ منه؟ أم اللّه تعالى الخالق الذي خلق فيكم الشهوة في الذكر و الأنثى، و هدى كلا منهما لما هنالك، و حبب بين الزوجين، و جعل بينهما من المودة و الرحمة ما هو سبب التناسل.

[62] و لهذا أحالهم اللّه تعالى بالاستدلال بالنشأة الأولى، على النشأة الأخرى، فقال: وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى‏ فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ‏ (62) أن القادر على ابتداء خلقكم، قادر على إعادتكم. و هذا امتنان منه على عباده، يدعوهم به، إلى توحيده و عبادته، و الإنابة إليه، حيث أنعم عليهم بما يسره لهم من الحرث للزروع و الثمار، فتخرج من ذلك، من الأقوات و الأرزاق، و الفواكه، ما هو من ضروراتهم، و حاجاتهم و مصالحهم الّتي لا يقدرون أن يحصوها، فضلا عن شكرها، و أداء حقها، فقررهم بمنته، فقال:

[64] أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ‏ (64)، أي: أنتم أخرجتموه نباتا من الأرض؟ أم أنتم الّذين نميتموه؟ أم أنتم الّذين أخرجتم سنبله و ثمره، حتى صار حبا حصيدا و ثمرا نضيجا؟ أم اللّه الذي انفرد بذلك وحده، و أنعم به عليكم؟ و أنتم غاية ما تفعلون أن تحرثوا الأرض و تشقوها، و تلقوا فيها البذر. ثمّ لا علم عندكم بما يكون بعد ذلك، و لا قدرة لكم على أكثر من ذلك، و مع ذلك، فنبههم على أن ذلك الحرث معرض للأخطار، لو لا حفظ اللّه و إبقاؤه بلغة لكم، و متاعا إلى حين.

صفحه بعد