کتابخانه تفاسیر
تيسير الكريم الرحمن، ص: 25
إلى المخلوقين:
و أمر بالإصلاح و أثنى على المصلحين و أخبر أنه لا يضيع ثوابهم و أجرهم.
و الإصلاح هو: أن تسعى في إصلاح عقائد الناس و أخلاقهم، و جميع أحوالهم، بحيث تكون على غاية ما يمكن من الصلاح، و أيضا يشمل إصلاح الأمور الدينية، و الأمور الدنيوية، و إصلاح الأفراد و الجماعات، و ضد هذا، الفساد.
و الإفساد، قد نهى عنه، و ذم المفسدين، و ذكر عقوباتهم المتعددة، و أخبر أنه لا يصلح أعمالهم الدينية و الدنيوية.
أثنى اللّه على اليقين، و على الموقنين، و أنهم، هم المنتفعون بالآيات القرآنية، و الآيات الأفقية.
و اليقين أخص من العلم، فهو: العلم الراسخ، المثمر للعمل و الطمأنينة.
أمر اللّه بالصبر، و أثنى على الصابرين، و ذكر جزاءهم العاجل و الآجل في عدة آيات، نحو تسعين موضعا، و هو يشمل أنواعه الثلاثة. الصبر على طاعة اللّه، حتى يؤديها كاملة من جميع الوجوه، و الصبر على محارم اللّه حتى ينهى نفسه الأمارة بالسوء عنها. و الصبر على أقدار اللّه المؤلمة، فيتلقاها بصبر و تسليم، غير متسخط في قلبه، و لا بدنه، و لا لسانه.
و كذلك أثنى اللّه على الشكر، و ذكر ثواب الشاكرين، و أخبر أنهم أرفع الخلق في الدنيا و الآخرة.
و حقيقة الشكر هو: الاعتراف بجميع نعم اللّه، و الثناء على اللّه بها، و الاستعانة بها على طاعة المنعم.
و ذكر اللّه الخوف و الخشية، في مواضع كثيرة. أمر به، و أثنى على أهله، و ذكر ثوابهم، و أنهم المنتفعون بالآيات، التاركون للمحرمات.
و حقيقة الخوف و الخشية، أن يخاف العبد مقامه بين يدي اللّه، و مقامه عليه. فينهى نفسه بهذا الخوف، عن كل ما حرم اللّه.
و الرجاء: أن يرجو العبد رحمة اللّه العامة، و رحمته الخاصة به. فيرجو قبول ما تفضل اللّه عليه به من الطاعات، و غفران ما تاب منه من الزلات. و يعلق رجاءه بربه. في كل حال من أحواله.
و ذكر اللّه الإنابة في مواضع كثيرة، و أثنى على المنيبين، و أمر بالإنابة إليه. و حقيقة الإنابة، انجذاب القلب إلى اللّه، في كل حالة من أحواله. ينيب إلى ربه، عند النعماء بشكره، و عند الضراء، بالتضرع إليه، و عند مطالب النفوس الكثيرة، بكثرة دعائه في جميع مهماته. و ينيب إلى ربه، باللهج بذكره في كل وقت.
و الإنابة أيضا: الرجوع إلى اللّه، بالتوبة من جميع المعاصي، و الرجوع إليه في جميع أعماله، و أقواله، فيعرضها على كتاب اللّه، و سنة رسوله صلى اللّه عليه و سلم، فتكون الأعمال و الأقوال، موزونة بميزان الشرع.
أمر تعالى بالإخلاص، و أثنى على المخلصين، و أخبر أنه لا يقبل إلا العمل الخالص.
و حقيقة الإخلاص: أن يقصد العامل بعمله، وجه اللّه وحده و ثوابه. و ضده، الرياء، و العمل للأغراض النفسية.
نهى اللّه عن التكبر، و ذم الكبر و المتكبرين، و أخبر عن عقوباتهم العاجلة و الآجلة.
و التكبر هو: رد الحق، و احتقار الخلق، و ضد ذلك، التواضع، فقد أمر به، و أثنى على أهله، و ذكر ثوابهم، فهو قبول الحق ممن قاله، و أن لا يحتقر الخلق، بل يرى فضلهم، و يجب لهم ما يجب لنفسه.
العدل، هو: أداء حقوق اللّه، و حقوق العباد.
تيسير الكريم الرحمن، ص: 26
و الظلم: عكسه، فهو يشمل ظلم العبد لنفسه بالمعاصي و الشرك، و ظلم العباد في دمائهم، و أموالهم، و أعراضهم.
الصدق، هو: استواء الظاهر و الباطن في الاستقامة على الصراط المستقيم، و الكذب بخلاف ذلك.
حدود اللّه، هي: محارمه، و هي التي يقول فيها تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها ، و يراد بها ما أباحه اللّه و حلله، و قدره، و فرضه، فيقول فيها تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها .
الأمانة هي: الأمور التي يؤتمن عليها العبد. فيشمل ذلك، أداء حقوق اللّه، و خصوصا، الخفية، و حقوق خلقه كذلك.
العهود و العقود، و يدخل فيها، التي بينه و بين اللّه و هو: القيام بعبادة اللّه، ملخصا له الدين، و التي بينه و بين العباد، من المعاملات و نحوها.
الحكمة و القوام، فعل ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي.
و الإسراف و التبذير، مجاوزة الحد في الإنفاق. و التقتير و البخل عكسه، و هو: التقصير في النفقات الواجبة.
و «المعروف» اسم جامع لكل ما عرف حسنه و نفعه، شرعا، و عقلا، و «المنكر» عكسه.
الاستقامة: لزوم طاعة اللّه، و طاعة رسوله على الدوام.
مرض القلب، هو: اعتلاله، و هو نوعان: مرض شكوك في الحق، و مرض شهوة للأمور المحرمة.
النفاق: إظهار الخير، و إبطان الشر، فيدخل فيه، النفاق الاعتقادي و النفاق العملي.
القرآن، كله محكم، و أحكمت آياته، من جهة موافقتها للحكمة، و أن أخباره أعلى درجات الصدق، و أحكامه في غاية الحسن. و كله، متشابه، من جهة اتفاقه في البلاغة، و الحسن، و تصديق بعضه لبعض و كمال اتفاقه.
و منه محكم و متشابه، من جهة أن متشابهه: ما كان فيه إجمال أو احتمال لبعض المعاني. و محكمه، واضح مبين صريح في معناه، إذا رد إليه المتشابه، اتفق الجميع، و استقامت معانيه.
معية اللّه التي ذكرها في كتابه، نوعان:
معية العلم و الإحاطة، و هي: المعية العامة، فإنه مع عباده أينما كانوا.
و معية خاصة، و هي: معيته مع خواص خلقه، بالنصرة، و اللطف، و التأييد.
الدعاء و الدعوة، يشمل دعاء العبادة، فيدخل فيه كل عبادة أمر اللّه بها و رسوله.
و دعاء المسألة، و هو: سؤال اللّه جلب المنافع، و دفع المضار.
الطيبات: اسم جامع لكل طيب نافع، من العقائد، و الأخلاق، و الأعمال، و المآكل، و المشارب و المكاسب. و الخبيث ضد ذلك.
و قد يراد بالخبيث: الرديء، و بالطيب: الجيد كقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَ مِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ .
النفقة، تشمل النفقة الواجبة، كالزكاة، و الكفارة، و نفقة النفس، و العائلة، و المماليك، و النفقة المستحبة، كالنفقة في جميع طرق الخير.
التوكل على اللّه، و الاستعانة به، قد أمر اللّه بها، و أثنى على المتوكلين في آيات كثيرة.
تيسير الكريم الرحمن، ص: 27
و حقيقة ذلك، قوة اعتماد القلب على اللّه، في جلب المصالح، و دفع المضار، الدينية، و الدنيوية، مع الثقة به في حصول ذلك.
العقل الذي مدحه اللّه و أثنى على أهله، و أخبر أنهم هم المنتفعون بالآيات، هو: الذي يفهم، و يعقل الحقائق النافعة، و يعمل بها، و يعقل صاحبه عن الأمور الضارة، و لذلك قيل له، حجر، و لب، و نهى، لأنه يحجر صاحبه، و ينهاه عما يضره.
العلم، هو: معرفة الهدى بدليله، فهو معرفة المسائل النافعة المطلوبة، و معرفة أدلتها، و طرقها، التي تهدي إليها.
و العلم النافع، هو: العلم بالحق و العمل به، و ضده الجهل.
لفظ «الأمة» في القرآن على أربعة أوجه، يراد به «الطائفة من الناس» و هو الغالب. و يراد به «المدة»، و يراد به «الدين» و «الملة» و يراد به «الإمام» في الخير.
لفظ «استوى» في القرآن على ثلاثة أوجه: إن عدّي ب «على» كان معناه العلو و الارتفاع كقوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ* .
و إن عدّي ب «إلى» فمعناه قصد كقوله: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ .
و إن لم يعدّ بشيء، فمعناه «كمل» كقوله تعالى: وَ لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ اسْتَوى .
«التوبة» ورد في آيات كثيرة الأمر بها، و مدح التائبين و ثوابهم و هي: الرجوع عما يكرهه اللّه، ظاهرا و باطنا، إلى ما يحبه اللّه، ظاهرا و باطنا.
الصراط المستقيم، الذي أمر اللّه بلزومه و أثنى على المستقيمين عليه هو: الطريق المعتدل، الموصل إلى رضوان اللّه و ثوابه، و هو متابعة النبي صلى اللّه عليه و سلم، في أقواله و أفعاله، و كل أحواله.
الذكر للّه، الذي أمر به، و أثنى على الذاكرين، و ذكر جزاءهم العاجل و الآجل، هو: عند الإطلاق، يشمل جميع ما يقرب إلى اللّه، من عقيدة، أو فكر نافع، أو خلق جميل، أو عمل قلبي أو بدنيّ، أو ثناء على اللّه، أو تسبيح، و نحوه، أو تعلم أحكام الشرع، الأصولية و الفروعية، أو ما يعين على ذلك فكله داخل في ذكر اللّه.
تيسير الكريم الرحمن، ص: 28
فصل في شرح أسماء اللّه الحسنى
قد تكرر كثير من أسماء اللّه الحسنى في القرآن بحسب المناسبات، و الحاجة داعية إلى التنبيه إلى معانيها الجامعة فنقول:
قد تكرر اسم الرب في آيات كثيرة.
و «الرب» هو: المربي جميع عباده، بالتدبير، و أصناف النعم. و أخص من هذا، تربيته لأصفيائه بإصلاح قلوبهم، و أرواحهم، و أخلاقهم. و لهذا كثر دعاؤهم له بهذا الاسم الجليل، لأنهم يطلبون منه هذه التربية الخاصة.
اللّه هو المألوه المعبود، ذو الألوهية و العبودية على خلقه أجمعين، لما اتصف به من صفات الألوهية التي هي صفات الكمال.
(الملك) (المالك) الذي له الملك فهو الموصوف، بصفة الملك، و هي صفات العظمة و الكبرياء، و القهر و التدبير، الذي له التصرف المطلق، في الخلق، و الأمر، و الجزاء. و له جميع العالم، العلوي و السفلي، كلهم عبيد و مماليك، و مضطرون إليه.
(الواحد الأحد)، و هو الذي توحد بجميع الكمالات، بحيث لا يشاركه فيها مشارك. و يجب على العبيد توحيده، عقدا، و قولا، و عملا، بأن يعترفوا بكماله المطلق، و تفرده بالوحدانية، و يفردوه بأنواع العبادة.
الصّمد و هو الذي تقصده الخلائق كلها، في جميع حاجاتها، و أحوالها و ضروراتها، لما له من الكمال المطلق، و في ذاته، و أسمائه، و صفاته، و أفعاله.
العليم الخبير و هو الذي أحاط علمه بالظواهر و البواطن، و الإسرار و الإعلان، و بالواجبات، و المستحيلات، و الممكنات، و بالعالم العلوي، و السفلي، و بالماضي، و الحاضر، و المستقبل، فلا يخفى عليه شيء من الأشياء.
الحكيم و هو الذي له الحكمة العليا، في خلقه، و أمره، الذي أحسن كل شيء خلقه وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ . فلا يخلق شيئا عبثا، و لا يشرع شيئا سدى، الذي له الحكم في الأولى و الآخرة، و له الأحكام الثلاثة لا يشاركه فيها مشارك: فيحكم بين عباده، في شرعه، و في قدره، و جزائه.
و الحكمة: وضع الأشياء مواضعها، و تنزيلها منازلها.
الرحمن الرحيم و البرّ الكريم، الجواد، الرؤوف، الوهّاب هذه الأسماء، تتقارب معانيها، و تدل كلها على اتصاف الرب، بالرحمة، و البر، و الجود، و الكرم، و على
تيسير الكريم الرحمن، ص: 29
سعة رحمته و مواهبه، التي عم بها جميع الوجود، بحسب ما تقتضيه حكمته. و خص المؤمنين منها، بالنصيب الأوفر، و الحظ الأكمل، قال تعالى: وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ الآية.
و النعم و الإحسان، كله من آثار رحمته، و جوده، و كرمه. و خيرات الدنيا و الآخرة، كلها من آثار رحمته.
السّميع لجميع الأصوات، باختلاف اللغات، على تفنن الحاجات.
البصير الذي يبصر كل شيء و إن رق و صغر، فيبصر دبيب النملة السوداء، في الليلة الظلماء، على الصخرة الصماء. و يبصر ما تحت الأرضين السبع، كما يبصر ما فوق السموات السبع. و أيضا سميع بصير، بمن يستحق الجزاء بحسب حكمته، و المعنى الأخير، يرجع إلى الحكمة.
الحميد في ذاته، و أسمائه، و صفاته، و أفعاله. فله من الأسماء، أحسنها، و من الصفات أكملها، و من الأفعال، أتمها و أحسنها، فإن أفعاله تعالى، دائرة بين الفضل و العدل.
المجيد، الكبير، العظيم، الجليل و هو الموصوف بصفات المجد، و الكبرياء، و العظمة، و الجلال، الذي هو أكبر من كل شيء، و أعظم من كل شيء، و أجل و أعلى. و له التعظيم و الإجلال، في قلوب أوليائه و أصفيائه. قد ملئت قلوبهم من تعظيمه، و إجلاله، و الخضوع له، و التذلل لكبريائه.
العفو، الغفور، الغفّار الذي لم يزل، و لا يزال بالعفو معروفا، و بالغفران و الصفح عن عباده موصوفا. كل أحد مضطر إلى عفوه و مغفرته، كما هو مضطر إلى رحمته و كرمه. و قد وعد بالمغفرة و العفو، لمن أتى بأسبابها، قال تعالى: وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (82).
التّوّاب الذي لم يزل يتوب على التائبين، و يغفر ذنوب المنيبين. فكل من تاب إلى اللّه توبة نصوحا، تاب اللّه عليه. فهو التائب على التائبين: أوّلا بتوفيقهم للتوبة و الإقبال بقلوبهم إليه، و هو التائب عليهم بعد توبتهم، قبولا لها، و عفوا عن خطاياهم.
القدّوس السّلام أي: المعظم المنزه عن صفات النقص كلها، و أن يماثله أحد من الخلق، فهو المتنزه عن جميع العيوب، و المتنزه عن أن يقاربه أو يماثله أحد في شيء من الكمال لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4) هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً .
فالقدوس كالسلام، ينفيان كل نقص من جميع الوجوه، و يتضمنان الكمال المطلق من جميع الوجوه، لأن النقص إذا انتفى، ثبت الكمال كله.
العلىّ، الأعلى و هو الذي له العلو المطلق عن جميع الوجوه. علو الذات، و علو القدر و الصفات، و علو القهر. فهو الذي على العرش استوى، و على الملك احتوى. و بجميع صفات العظمة و الكبرياء و الجلال و الجمال و غاية الكمال اتصف و إليه فيها المنتهى.
العزيز الذي له العزة كلها: عزة القوة، و عزة الغلبة، و عزة الامتناع. فامتنع أن يناله أحد من المخلوقات، و قهر جميع الموجودات، و دانت له الخليقة، و خضعت لعظمته.
القوىّ المتين هو في معنى العزيز.
الجبّار هو بمعنى العلي الأعلى، و بمعنى القهار، و بمعنى «الرؤوف» الجابر للقلوب المنكسرة، و للضعيف العاجز، و لمن لاذ به، و لجأ إليه.
المتكبّرعن السوء، و النقص و العيوب، لعظمته و كبريائه.
تيسير الكريم الرحمن، ص: 30
الخالق، الباري، المصوّر الذي خلق جميع الموجودات، و برأها، و سواها بحكمته، و صورها بحمده و حكمته، و هو لم يزل، و لا يزال على هذا الوصف العظيم.
المؤمن الذي أثنى على نفسه بصفات الكمال، و بكمال الجلال و الجمال. الذي أرسل رسله، و أنزل كتبه بالآيات و البراهين. و صدق رسله بكل آية و برهان، يدل على صدقهم و صحة ما جاؤوا به.
المهيمن المطلع على خفايا الأمور، و خبايا الصدور، الذي أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً .
القدير كامل القدرة. بقدرته أوجد الموجودات، و بقدرته دبرها، و بقدرته سواها و أحكمها.
و بقدرته، يحيى و يميت، و يبعث العباد للجزاء، و يجازي المحسن بإحسانه، و المسيء بإساءته، الذي إذا أراد شيئا قال له كُنْ فَيَكُونُ* . و بقدرته يقلب القلوب، و يصرفها على ما يشاء و يريد.
اللّطيف الذي أحاط علمه بالسرائر و الخفايا، و أدرك الخبايا و البواطن، و الأمور الدقيقة، اللطيف بعباده المؤمنين، الموصل إليهم مصالحهم، بلطفه و إحسانه، من طرق لا يشعرون بها، فهو بمعنى «الخبير» و بمعنى «الرؤوف».
الحسيب هو العليم بعباده، كافي المتوكلين، المجازي لعباده بالخير و الشر، بحسب حكمته، و علمه بدقيق أعمالهم و جليلها.
الرّقيب المطلع على ما أكنّته الصدور، القائم على كل نفس بما كسبت. الذي حفظ المخلوقات و أجراها، على أحسن نظام و أكمل تدبير.
الحفيظ الذي حفظ ما خلقه، و أحاط علمه بما أوجده، و حفظ أولياءه من وقوعهم في الذنوب و الهلكات. و لطف بهم في الحركات و السكنات، و أحصى على العباد أعمالهم، و جزاءها.
المحيط بكل شيء علما، و قدرة، و رحمة، و قهرا.
القهّار لكل شيء، الذي خضعت له المخلوقات، و ذلت لعزته و قوته، و كمال اقتداره.
المقيت الذي أوصل إلى كل موجود ما به يقتات. و أوصل إليها أرزاقها و صرفها كيف يشاء، بحكمته و حمده.
الوكيل المتولي لتدبير خلقه، بعلمه، و كمال قدرته، و شمول حكمته. الذي تولى أولياءه، فيسرهم لليسرى، و جنبهم العسرى، كفاهم الأمور. فمن اتخذه وكيلا كفاه اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ .
ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ أي: ذو العظمة و الكبرياء، و ذو الرحمة، و الجود، و الإحسان العام و الخاص. المكرم لأوليائه و أصفيائه، الذين يجلونه، و يعظمونه، و يحبونه.
الودود الذي يحب أنبياءه و رسله، و أتباعهم، و يحبونه، فهو أحب إليهم، من كل شيء. قد امتلأت قلوبهم من محبته، و لهجت ألسنتهم بالثناء عليه، و انجذبت أفئدتهم إليه، ودا، و إخلاصا، و إنابة من جميع الوجوه.
الفتّاح الذي يحكم بين عباده، بأحكامه الشرعية، و أحكامه القدرية، و أحكامه الجزاء. الذي فتح بلطفه بصائر الصادقين، و فتح قلوبهم لمعرفته، و محبته، و الإنابة إليه، و فتح لعباده، أبواب الرحمة، و الأرزاق المتنوعة، و سبب لهم الأسباب، التي ينالون بها خير الدنيا و الآخرة ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَ ما
تيسير الكريم الرحمن، ص: 31
يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ .
الرّزّاق لجميع عباده، فما من دابة في الأرض، إلا على اللّه رزقها. و رزقها لعباده نوعان:
رزق عام، شمل البر و الفاجر، و الأولين و الآخرين، و هو رزق الأبدان.
و رزق خاص و هو القلوب، و تغذيتها بالعلم و الإيمان.
و الرزق الحلال الذي يعين على صلاح الدين، و هذا خاص بالمؤمنين، على مراتبهم منه، بحسب ما تقتضيه حكمته و رحمته.
الحكم العدل الذي يحكم بين عباده في الدنيا و الآخرة، بعدله و قسطه. فلا يظلم مثقال ذرة، و لا يحمل أحدا وزر أحد، و لا يجازي العبد بأكثر من ذنبه و يؤدي الحقوق إلى أهلها، فلا يدع صاحب حق إلا وصل إليه حقه. و هو العدل في تدبيره و تقديره إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ .
جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ ، و جامع أعمالهم و أرزاقهم، فلا يترك منها صغيرة و لا كبيرة إلا أحصاها. و جامع ما تفرق و استحال من الأموات الأولين و الآخرين، بكمال قدرته، و سعة علمه.
الْحَيُّ الْقَيُّومُ* كامل الحياة و القائم بنفسه. القيوم لأهل السموات و الأرض، القائم بتدبيرهم و أرزاقهم، و جميع أحوالهم ف «الحي»: الجامع لصفات الذات، و «القيوم» الجامع لصفات الأفعال.
النور نور السموات و الأرض. الذي نوّر قلوب العارفين بمعرفته، و الإيمان به، و نوّر أفئدتهم بهدايته، و هو الذي أنار السموات و الأرض، بالأنوار التي وضعها، و حجابه، النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه.
بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ* أي: خالقهما و مبدعهما، في غاية ما يكون من الحسن و الخلق البديع، و النظام العجيب المحكم.
القابض الباسط يقبض الأرزاق و الأرواح، و يبسط الأرزاق و القلوب، و ذلك تبع لحكمته و رحمته.
المعطي المانع لا مانع لما أعطى، و لا معطي لما منع. فجميع المصالح و المنافع، منه تطلب، و إليه يرغب فيها. و هو الذي يعطيها لمن يشاء، و يمنعها من يشاء، بحكمته و رحمته.
الشهيد أي: المطلع على جميع الأشياء. سمع جميع الأصوات، خفيها و جليها. و أبصر جميع الموجودات، دقيقها و جليلها، صغيرها و كبيرها، و أحاط علمه بكل شيء، الذي شهد لعباده، و على عباده، بما عملوه.
المبدى، المعيد قال تعالى: وَ هُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ، ابتدأ خلقهم، ليبلوهم أيهم أحسن عملا، ثم يعيدهم، ليجزي الذين أحسنوا بالحسنى، و يجزي المسيئين بإساءتهم. و كذلك، هو الذي يبدأ إيجاد المخلوقات شيئا فشيئا، ثم يعيدها كل وقت.
الفعّال لما يريد و هذا من كمال قوته، و نفوذ مشيئته و قدرته، أن كل أمر يريده يفعله بلا ممانع، و لا معارض، و ليس له ظهير و لا عوين، على أيّ أمر يكون، بل إذا أراد شيئا قال له كُنْ فَيَكُونُ* . و مع أنه الفعال لما يريد، فإرادته تابعة لحكمته و حمده، فهو موصوف بكمال القدرة، و نفوذ المشيئة، و موصوف بشمول الحكمة، لكل ما فعله و يفعله.