کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1071

سورة الجن‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] أي: قُلْ‏ يا أيها الرسول للناس‏ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِ‏ صرفهم اللّه إلى رسوله، لسماع آياته، لتقوم عليهم الحجة، و تتم عليهم النعمة، و يكونوا منذرين لقومهم. و أمر رسوله، أن يقص نبأهم على الناس، و ذلك:

أنهم لما حضروه، قالوا: أنصتوا، فلما أنصتوا، فهموا معانيه، و وصلت حقائقه إلى قلوبهم. فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً ، أي: من العجائب الغالية، و المطالب العالية.

[2] يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ ، و الرشد: اسم جامع لكل ما يرشد الناس إلى مصالح دينهم و دنياهم. فَآمَنَّا بِهِ وَ لَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً فجمعوا بين الإيمان، الذي يدخل فيه جميع أعمال الخير، و بين التقوى، المتضمنة لترك الشر. و يجعلوا السبب الداعي لهم إلى الإيمان و توابعه، ما علموه من إرشادات القرآن، و ما اشتمل عليه من المصالح و الفوائد، و اجتناب المضار، فإن ذلك آية عظيمة، و حجة قاطعة، لمن استنار به، و اهتدى بهديه. و هذا هو الإيمان النافع، المثمر لكل خير، المبني على هداية القرآن، بخلاف إيمان العوائد، و المربى، و الإلف و نحو ذلك، فإنه إيمان تقليد تحت خطر الشبهات و العوارض الكثيرة.

[3] وَ أَنَّهُ تَعالى‏ جَدُّ رَبِّنا ، أي: تعالت عظمته و تقدست أسماؤه. مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَ لا وَلَداً فعلموا من جد اللّه و عظمته، ما دلهم على بطلان من يزعم أن له صاحبة أو ولدا، لأن له العظمة و الجلال في كلّ صفة كمال. و اتخاذ الصاحبة و الولد ينافي ذلك، لأنه يضاد كمال الغنى.

[4] وَ أَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً (4)، أي: قولا جائرا عن الصواب، متعديا للحد، و ما حمله على ذلك، إلا سفهه، و ضعف عقله، و إلّا فلو كان رزينا مطمئنا، لعرف كيف يقول:

[5] وَ أَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً (5)، أي: كنا مغترين قبل ذلك، غرتنا السادة و الرؤساء من الجن و الإنس، فأحسنا بهم الظن، و حسبناهم لا يتجرأون على الكذب على اللّه، فلذلك كنا قبل ذلك على طريقهم. فاليوم إذ بان لنا الحقّ، سلكنا طريقه، و انقدنا له، و لم نبال بقول أحد من الخلق، يعارض الهدى.

[6] وَ أَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً (6) أي: كان الإنس يعوذون بالجن، عند المخاوف و الأفزاع و يعبدونهم، فزاد الإنس الجن رهقا، أي: طغيانا و تكبرا، لما رأوا الإنس يعبدونهم، و يستعيذون بهم. و يحتمل أن الضمير و هو «الواو» يرجع إلى الجن، أي: زاد الجن الإنس ذعرا و تخويفا لما رأوهم يستعيذون بهم، ليلجئوهم إلى الاستعاذة بهم، و التمسك بما هم عليه، فكان الإنسي إذا نزل بواد مخوف، قال: «أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه».

[7] وَ أَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً (7)، أي: فلما أنكروا البعث، أقدموا على الشرك و الطغيان.

[8] وَ أَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ ، أي: أتيناها و اختبرناها، فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً عن الوصول إلى أرجائها،

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1072

و الدنو منها. وَ شُهُباً يرمى بها من استرق السمع، و هذا مخالف لعادتنا الأولى، فإنا كنا نتمكن من الوصول إلى خبر السماء.

[9] وَ أَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ‏ فنتلقف من أخبار السماء ما شاء اللّه. فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً ، أي: مرصدا له، معدا لإتلافه و إحراقه، أي:

و هذا له شأن عظيم، و نبأ جسيم.

[10] و جزموا أن اللّه تعالى، أراد أن يحدث في الأرض حادثا كبيرا، من خير أو شر، فلهذا قالوا: وَ أَنَّا لا نَدْرِي أَ شَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً (10)، أي: لا بد من هذا أو هذا، لأنهم رأوا الأمر تغير عليهم تغيرا أنكروه، فعرفوا بفطنتهم، أن هذا الأمر يريده اللّه، و يحدثه في الأرض. و في هذا بيان لأدبهم، إذ أضافوا الخير إلى اللّه تعالى، و الشر حذفوا فاعله تأدبا.

[11] وَ أَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَ مِنَّا دُونَ ذلِكَ‏ ، أي: فساق و فجار و كفار. كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً ، أي: فرقا متنوعة، و أهواء متفرقة، كل حزب بما لديهم فرحون.

[12] وَ أَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَ لَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً (12)، أي: و أنا في وقتنا الآن تبين لنا كمال قدرة اللّه، و كمال عجزنا، و أن نواصينا بيد اللّه، فلن نعجزه في الأرض، و لن نعجزه إن هربنا، و سعينا بأسباب الفرار و الخروج عن قدرته، لا ملجأ منه، إلا إليه.

[13] وَ أَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى‏ و هو القرآن الكريم، الهادي إلى الصراط المستقيم، و عرفنا هدايته و إرشاده، أثّر في قلوبنا و آمَنَّا بِهِ‏ . ثمّ ذكروا ما يرغب المؤمن فقالوا: فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَ لا رَهَقاً ، أي: من آمن به إيمانا صادقا، فلا عليه نقص، و لا أذى يلحقه، و إذا سلم من الشر، حصل له الخير، فالإيمان سبب داع إلى كل خير، و انتفاء كلّ شر.

[14] وَ أَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَ مِنَّا الْقاسِطُونَ‏ ، أي: الجائرون، العادلون، عن الصراط المستقيم. فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً ، أي: أصابوا طريق الرشد، الموصل لهم إلى الجنة و نعيمها.

[15] وَ أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً (15) و ذلك جزاء على أعمالهم، لا ظلم من اللّه لهم.

[16] وَ أَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ المثلى‏ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً ، أي: هنيئا مريئا، و لم يمنعهم من ذلك، إلا ظلمهم و عدوانهم.

[17] لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ‏ ، أي: لنختبرهم و نمتحنهم ليظهر الصادق من الكاذب. وَ مَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً ، أي: من أعرض عن ذكر اللّه، الذي هو كتابه، فلم يتبعه، و ينقد له، بل لها عنه و غفل، يسلكه عذابا صعدا، أي: بليغا شديدا.

[18] وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18)، أي: لا دعاء عبادة، و لا دعاء مسألة، فإن المساجد، الّتي هي أعظم محالّ للعبادة، مبنية على الإخلاص للّه، و الخضوع لعظمته، و الاستكانة لعزته.

[19] وَ أَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ‏ ، أي: يسأله و يتعبد له، و يقرأ القرآن. كادُوا ، أي: الجن من تكاثرهم عليه‏ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً ، أي: متلبدين متراكمين، حرصا على ما جاء به من الهدى.

[20] قُلْ‏ لهم يا أيها الرسول، مبينا حقيقة ما تدعو إليه: إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَ لا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً ، أي: أوحده، وحده لا شريك له، و أخلع ما دونه من الأنداد و الأوثان، و كلّ ما يتخذه المشركون من دونه.

[21] قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَ لا رَشَداً (21)، فإني‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1073

عبد ليس لي من الأمر و التصرف شي‏ء.

[22] قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ أي: لا أحد أستجير به ينقذني من عذاب اللّه. و إذا كان الرسول الذي هو أكمل الخلق، لا يملك ضرا و لا رشدا، و لا يمنع نفسه من اللّه شيئا، إن أراده بسوء، فغيره من الخلق، من باب أولى و أحرى. وَ لَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً ، أي: ملجأ و منتصرا

[23] إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَ رِسالاتِهِ‏ ، أي: ليس لي مزية على الناس، إلا أن اللّه خصني بإبلاغ رسالاته و دعوة خلقه إليه، و بذلك تقوم الحجة على الناس. وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ، و هذا المراد به المعصية الكفرية، كما قيدتها النصوص الأخر المحكمة. و أما مجرد المعصية، فإنه لا يوجب الخلود في النار، كما دلت على ذلك آيات القرآن، و الأحاديث عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم، و أجمع عليه سلف الأمة، و أئمة هذه الآمة.

[24] حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ‏ ، أي: شاهدوه عيانا، و جزموا أنه واقع بهم. فَسَيَعْلَمُونَ‏ في ذلك الوقت حقيقة المعرفة مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَ أَقَلُّ عَدَداً حين لا ينصرهم غيرهم، و لا أنفسهم ينتصرون، و إذ يحشرون فرادى كما خلقوا أول مرة.

[25] قُلْ‏ لهم إن سألوك فقالوا: مَتى‏ هذَا الْوَعْدُ* ؟ إِنْ أَدْرِي أَ قَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً ، أي: غاية طويلة، فعلم ذلك، عند اللّه.

[26] عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى‏ غَيْبِهِ أَحَداً (26) من الخلق، بل انفرد بعلم الضمائر و الأسرار، و الغيوب.

[27] إِلَّا مَنِ ارْتَضى‏ مِنْ رَسُولٍ‏ ، أي: فإنه يخبره بما اقتضت حكمته، أن يخبره به. و ذلك لأن الرسل، ليسوا كغيرهم، فإن اللّه أيدهم بتأييد ما أيده أحدا من الخلق، و حفظ ما أوحاه إليهم حتى يبلغوه على حقيقته، من غير أن تقربه الشياطين، فيزيدوا فيه أو ينقصوا، و لهذا قال: فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ، أي: يحفظونه بأمر اللّه.

[28] لِيَعْلَمَ‏ بذلك‏ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ‏ بما جعله لهم من الأسباب. وَ أَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ‏ ، أي: بما عندهم، و ما أسروه و ما أعلنوه. وَ أَحْصى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ عَدَداً .

في هذه السورة فوائد عديدة:

منها: وجود الجن، و أنهم مأمورون منهيون، و مجازون بأعمالهم، كما هو صريح في هذه السورة. و منها: أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم مبعوث إلى الجن، كما هو مبعوث إلى الإنس، فإن اللّه صرف نفرا من الجن، ليستمعوا ما يوحى إليه، و يبلغوا قومهم. و منها: ذكاء الجن، و معرفتهم بالحق، و أن الذي ساقهم إلى الإيمان هو ما تحققوه من هداية القرآن، و حسن أدبهم في خطابهم. و منها: اعتناء اللّه برسوله، و حفظه لما جاء به. فحين ابتدأت بشائر نبوته، و السماء محروسة بالنجوم، و الشياطين قد هربت من أماكنها، و أزعجت عن مراصدها، و أن اللّه رحم به أهل الأرض رحمة ما يقدر لها قدر، و أراد بهم ربهم رشدا، فأراد أن يظهر من دينه و شرعه، و معرفته في الأرض، ما تبتهج به القلوب، و تفرح به أولو الألباب، و تظهر به شعائر الإسلام، و ينقمع به أهل الأوثان و الأصنام. و منها: شدة حرص الجن على استماعهم للرسول صلّى اللّه عليه و سلّم، و تراكمهم عليه. و منها: أن هذه السورة، قد اشتملت على الأمر بالتوحيد و النهي عن‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1074

الشرك، و بينت حالة الخلق، و أن كلّ أحد منهم لا يستحق من العبادة مثقال ذرة؛ لأن الرسول محمدا صلّى اللّه عليه و سلّم، إذا كان لا يملك لأحد نفعا و لا ضرا، بل و لا يملك لنفسه، علم أن الخلق كلهم كذلك، فمن الخطأ و الظلم اتخاذ من هذا وصفه إلها آخر. و منها: أن علوم الغيوب قد انفرد اللّه بعلمها، فلا يعلمها أحد من الخلق، إلا من ارتضاه و اختصه بعلم شي‏ء منها. تم تفسير سورة الجن- و الحمد للّه رب العالمين.

تفسير سورة المزمل‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] المزمل: المتغطي بثيابه كالمدثر، و هذا الوصف، حصل من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، حين أكرمه اللّه برسالته، و ابتدأه بإنزال وحيه بإرسال جبريل إليه، فرأى أمرا لم ير مثله، و لا يقدر على الثبات عليه إلا المرسلون، فاعتراه عند ذلك انزعاج، حين رأى جبريل عليه السّلام، فأتى إلى أهله فقال: «زملوني زملوني» و هو ترعد فرائصه. ثمّ جاءه جبريل، فقال: «اقرأ»، فقال: «ما أنا بقارئ»، فغطه حتى بلغ منه الجهد، و هو يعالجه على القراءة، فقرأ صلّى اللّه عليه و سلّم. ثمّ ألقى اللّه عليه الثبات، و تابع عليه الوحي، حتى بلغ مبلغا ما بلغه أحد من المرسلين. فسبحان اللّه، ما أعظم التفاوت بين ابتداء نبوته و نهايتها، و لهذا خاطبه اللّه بهذا الوصف، الذي وجد منه أول أمره. فأمره هنا بالعبادات المتعلقة به، ثمّ أمره بالصبر على أذية قومه، ثمّ أمره بالصدع بأمره، و إعلان دعوتهم إلى اللّه.

[2] فأمره هنا بأشرف العبادات، و هي الصلاة، و بآكد الأوقات و أفضلها، و هو قيام الليل. و من رحمته به، أنه لم يأمره بقيام الليل كله، بل قال: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2).

[3] ثمّ قدر ذلك، فقال: نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ‏ ، أي: من النصف‏ قَلِيلًا بأن يكون الثلث و نحوه‏

[4] أَوْ زِدْ عَلَيْهِ‏ ، أي: على النصف، فيكون نحو الثلثين. وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا فإن ترتيل القرآن به يحصل التدبر و التفكر، و تحريك القلوب به، و التعبد بآياته، و التهيؤ و الاستعداد التام له.

[5] فإنه قال: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5)، أي: نوحي إليك هذا القرآن الثقيل، أي: العظيمة معانيه، الجليلة أوصافه، و ما كان بهذا الوصف، حقيق أن يتهيأ له، و يرتل، و يتفكر فيما يشتمل عليه. ثمّ ذكر الحكمة في أمره بقيام الليل، فقال:

[6] إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ‏ ، أي: الصلاة فيه بعد النوم‏ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَ أَقْوَمُ قِيلًا ، أي: أقرب إلى حصول مقصود القرآن، يتواطأ عليه القلب و اللسان، و تقل الشواغل، و يفهم ما يقول، و يستقيم له أمره. و هذا بخلاف النهار، فإنه لا تحصل به هذه المقاصد، و لهذا قال:

[7] إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا (7)، أي: ترددا في حوائجك و معاشك، يوجب اشتغال القلب، و عدم تفرغه التفرغ التام.

[8] وَ اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ‏ شامل لأنواع الذكر كلها وَ تَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا ، أي: انقطع إليه، فإن الانقطاع إلى اللّه، و الإنابة إليه، هو الانفصال بالقلب عن الخلائق، و الاتصاف بمحبة اللّه، و ما يقرب إليه، و يدني من رضاه.

[9] رَبُّ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ‏ و هذا اسم جنس، يشمل المشارق و المغارب كلها، فهو تعالى رب المشارق و المغارب، و ما يكون فيها من الأنوار، و ما هي مصلحة له من العالم العلوي و السفلي، فهو رب كلّ شي‏ء، و خالقه، و مدبره.

لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ، أي: لا معبود إلا وجهه الأعلى، الذي يستحق أن يخص بالمحبة و التعظيم، و الإجلال و التكريم، و لهذا قال: فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا ، أي: حافظا و مدبرا لأمورك كلها.

[10] فلما أمره اللّه بالصلاة خصوصا، و بالذكر عموما، و بذلك تحصل للعبد ملكة قوية، في تحمل الأثقال، و فعل الشاق من الأعمال، أمره بالصبر، على ما يقوله‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1075

المعاندون له و يسبونه، و يسبون ما جاء به، و أن يمضي على أمر اللّه، لا يصده عنه صاد، و لا يرده راد، و أن يهجرهم هجرا جميلا، و هو الهجر، حيث اقتضت المصلحة الهجر، الذي لا أذية فيه، بل يعاملهم بالهجر و الإعراض عن أقوالهم الّتي تؤذيه، و أمره بجدالهم بالتي هي أحسن.

[11] وَ ذَرْنِي وَ الْمُكَذِّبِينَ‏ ، أي: اتركني و إياهم، فسأنتقم منهم، و إن أمهلتهم، فلا أهملهم. و قوله: أُولِي النَّعْمَةِ ، أي: أصحاب النعمة و الغنى، الّذين طغوا حين وسع اللّه عليهم من رزقه، و أمدهم من فضله كما قال تعالى:

كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى‏ (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى‏ (7).

[12] ثمّ توعدهم بما عنده من العقاب، فقال: إِنَّ لَدَيْنا إلى‏ فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ‏ . أي: إن عندنا أَنْكالًا ، أي: عذابا شديدا، جعلناه تنكيلا للذي لا يزال مستمرا على ما يغضب اللّه. وَ جَحِيماً ، أي: نارا حامية

[13] وَ طَعاماً ذا غُصَّةٍ و ذلك لمرارته و بشاعته، و كراهة طعمه و ريحه الخبيث المنتن. وَ عَذاباً أَلِيماً ، أي: موجعا مفظعا، و ذلك‏

[14] يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ‏ من الهول العظيم. وَ كانَتِ الْجِبالُ‏ الراسيات الصم الصلاب‏ كَثِيباً مَهِيلًا ، أي: بمنزله الرمل المنهال المنتثر، ثمّ إنها تبس بعد ذلك، فتكون كالهباء المنثور.

[15] يقول تعالى: احمدوا ربكم، على إرساله هذا النبي الأمي العربي البشير النذير، الشاهد على الأمة بأعمالهم، و اشكروه، و قوموا بهذه النعمة الجليلة.

[16] و إياكم أن تكفروا، فتعصوا رسولكم، فتكونوا كفرعون، حين أرسل اللّه إليه موسى بن عمران، فدعاه إلى اللّه، و أمره بالتوحيد، فلم يصدقه، بل عصاه، فأخذه اللّه أخذا و بيلا، أي: شديدا بليغا.

[17- 18] أي: فكيف يحصل لكم الفكاك و النجاة يوم القيامة، اليوم المهول أمره، العظيم خطره، الذي يشيب الولدان، و تذوب له الجمادات العظام، فتتفطر السماء و تنتثر نجومها كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا ، أي: لا بد من قوعه، و لا حائل دونه.

[19] أي: إن هذه الموعظة الّتي نبأ اللّه بها من أحوال يوم القيامة و أهوالها تذكرة يتذكر بها المتقون، و ينزجر بها المؤمنون. فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى‏ رَبِّهِ سَبِيلًا ، أي: طريقا موصلا إليه، و ذلك باتباع شرعه، فإنه قد أبانه كلّ البيان، و أوضحه غاية الإيضاح. و في هذا دليل على أن اللّه تعالى أقدر العباد على أفعالهم، و مكّنهم منها، لا كما يقوله الجبرية: إن أفعالهم تقع بغير مشيئتهم، فإن هذا خلاف النقل و العقل.

[20] ذكر اللّه في أول هذه السورة أنه أمر رسوله بقيام نصف الليل، و ثلثيه، أو ثلثه، و الأصل أن أمته أسوة له في الأحكام. و ذكر في هذا الموضع، أنه امتثل ذلك، هو و طائفة معه من المؤمنين. و لما كان تحرير الوقت المأمور به، مشقة على الناس، أخبر أنه سهل عليهم في ذلك غاية التسهيل، فقال: وَ اللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ ، أي: يعلم مقاديرهما، و ما يمضي، و يبقى منهما. عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ‏ ، أي: لن تعرفوا مقداره من غير زيادة و لا نقص، لكون ذلك يستدعي انتباها، و عناء زائدا. فَتابَ عَلَيْكُمْ‏ ، أي: فخفف عنكم، و أمركم بما تيسر عليكم، سواء زاد على‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1076

المقدر، أو نقص. فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ‏ ، أي: مما تعرفون، و لا يشق عليكم، و لهذا كان المصلي بالليل، مأمورا بالصلاة، ما دام نشيطا، فإذا فتر، أو كسل، أو نعس، فليسترح، ليأتي الصلاة بطمأنينة و راحة. ثمّ ذكر بعض الأسباب المناسبة للتخفيف، فقال: عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى‏ يشق عليهم صلاة نصف الليل، أو ثلثيه، أو ثلثه، فليصل المريض، ما يسهل عليه، و لا يكون أيضا مأمورا بالصلاة قائما، عند مشقة ذلك، بل لو شقت عليه الصلاة النافلة، فله تركها و له أجر ما كان يعمل صحيحا. وَ آخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ‏ ، أي: و علم أن منكم مسافرين، يسافرون للتجارة، ليستغنوا عن الخلق، و يتكففوا عنهم، أي: فالمسافر، حاله تناسب التخفيف، و لهذا خفف عنه في صلاة الفرض، فأبيح له جمع الصلاتين في وقت واحد، و قصر الصلاة الرباعية. وَ آخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ‏ ، فذكر تعالى تخفيفين، تخفيفا للصحيح المقيم، يراعي فيه نشاطه، من غير أن يكلف عليه تحرير الوقت، بل يتحرى الصلاة الفاضلة، و هي ثلث الليل بعد نصفه الأول. و تخفيفا للمريض و المسافر، سواء كان سفره للتجارة، أو لعبادة، من جهاد، أو حج، أو غيره، فإنه يراعي ما لا يكلفه. فللّه الحمد و الثناء، حيث لم يجعل علينا في الدين من حرج، بل سهل شرعه، و راعى أحوال عباده، و مصالح دينهم، و أبدانهم و دنياهم. ثمّ أمر العباد بعبادتين، هما أم العبادات و عمادها: إقامة الصلاة، الّتي لا يستقيم الدين إلا بها، و إيتاء الزكاة الّتي هي برهان الإيمان، و بها تحصل المواساة للفقراء و المساكين، فقال: وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ ، أي: بأركانها و حدودها، و شروطها، و جميع مكملاتها. وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ أَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً ، أي: خالصا لوجه اللّه، بنية صادقة، و تثبيت من النفس، و مال طيب، و يدخل في هذا، الصدقة الواجبة و المستحبة. ثمّ حث على عموم الخير، و أفعاله، فقال: وَ ما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَ أَعْظَمَ أَجْراً ، الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة. و ليعلم أن مثقال ذرة في هذه الدار من الخير، يقابله أضعاف أضعاف الدنيا، و ما عليها في دار النعيم المقيم، من اللذات و الشهوات. و إن الخير و البر في هذه الدنيا، مادة الخير و البر في دار القرار، و بذره و أصله و أساسه، فوا أسفاه على أوقات مضت في الغفلات، و وا حسرتاه على أزمان انقضت في غير الأعمال الصالحات، و وا غوثاه من قلوب لم يؤثر فيها وعظ بارئها، و لم ينجع فيها تشويق من هو أرحم بها من نفسها. فلك اللهم الحمد، و إليك المشتكى، و بك المستغاث، و لا حول و لا قوة إلا بك. وَ اسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏ و في الأمر بالاستغفار، بعد الحث على أفعال الطاعة و الخير، فائدة كبيرة. و ذلك أن العبد لا يخلو من التقصير فيما أمر به، إما أن لا يفعله أصلا أو يفعله على وجه ناقص. فأمر بترقيع ذلك بالاستغفار، فإن العبد يذنب آناء الليل، و النهار، فمتى لم يتغمده اللّه برحمته، و مغفرته، فإنه هالك. تم تفسير سورة المزمل- و الحمد.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1077

سورة المدثر

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] تقدم أن المزمل و المدثر بمعنى واحد، و أن اللّه أمر رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم، بالاجتهاد في عبادات اللّه القاصرة و المتعدية، فتقدم هناك، الأمر له بالعبادات الفاضلة و القاصرة، و الصبر على أذى قومه. و أمره هنا بالإعلان بالدعوة، و الصدع بالإنذار، فقال:

[2] قُمْ‏ ، أي: بجد و نشاط فَأَنْذِرْ الناس، بالأقوال و الأفعال الّتي يحصل بها المقصود، و بيان حال المنذر عنه، ليكون ذلك أدعى لتركه.

[3] وَ رَبَّكَ فَكَبِّرْ (3)، أي: عظمه بالتوحيد، و اجعل قصدك في إنذارك وجه اللّه، و أن يعظمه العباد و يقوموا بعبادته.

[4] وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ (4) يحتمل أن المراد بالثياب، أعماله كلها، و بتطهيرها تخليصها و النصح بها، و إيقاعها على أكمل الوجوه، و تنقيتها عن المبطلات و المفسدات، و المنقصات من شر و رياء، و نفاق، و عجب و تكبر و غفلة، و غير ذلك، مما يؤمر العبد باجتنابه في عباداته. و يدخل في ذلك تطهير الثياب من النجاسة، فإن ذلك من تمام التطهير للأعمال خصوصا في الصلاة، الّتي قال كثير من العلماء: إن إزالة النجاسة عنها، شرط من شروطها:- أي: من شروط صحتها-. و يحتمل أن المراد بثيابه، الثياب المعروفة، و أنه مأمور بتطهيرها عن جميع النجاسات، في جميع الأوقات، خصوصا عند الدخول في الصلوات، و إذا كان مأمورا بطهارة الظاهر، فإن طهارة الظاهر، من تمام طهارة الباطن.

[5] وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) يحتمل أن المراد بالرجز: الأصنام، و الأوثان، الّتي عبدت مع اللّه، فأمره بتركها و البراءة منها، و مما نسب إليها، من قول أو عمل. و يحتمل أن المراد بالرجز: أعمال الشر كلها، و أقواله، فيكون أمرا له بترك الذنوب، صغارها و كبارها، ظاهرها و باطنها، فيدخل في هذا الشرك فما دونه.

[6] وَ لا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)، أي: لا تمنن على الناس، بما أسديت إليهم من النعم الدينية و الدنيوية، فتستكثر بتلك المنة، و ترى الفضل عليهم. بل أحسن إلى الناس، مهما أمكنك، و انس عندهم إحسانك، و اطلب أجرك من اللّه تعالى، و اجعل من أحسنت إليه و غيره، على حد سواء. و قد قيل: إن معنى هذا، ألا تعطي أحدا شيئا، و أنت تريد أن يكافئك عليه بأكثر منه، فيكون هذا خاصا بالنبي صلّى اللّه عليه و سلّم.

[7] وَ لِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)، أي: احتسب بصبرك، و اقصد به وجه اللّه تعالى. فامتثل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لأمر ربه، و بادر فيه، فأنذر الناس، و أوضح لهم بالآيات البينات، جميع المطالب الإلهية. و عظم اللّه تعالى، و دعا الخلق إلى تعظيمه، و طهر أعماله الظاهرة و الباطنة من كلّ سوء. و هجر كلّ ما يعبد من دون اللّه، و ما يعبد معه من الأصنام و أهلها، و الشر و أهله. و له المنة على الناس- بعد منة اللّه- من غير أن يطلب عليهم بذلك جزاء و لا شكورا. و صبر لربه أكمل صبر، فصبر على طاعة اللّه، و عن معاصيه، و صبر على أقداره المؤلمة، حتى فاق أولي العزم من المرسلين، صلوات اللّه و سلامه عليه و عليهم أجمعين.

[8] أي: فإذا نفخ في الصور للقيام من القبور، و جمع الخلائق للبعث و النشور.

صفحه بعد