کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1026

يحب لنفسه، و أن ينصح له حاضرا و غائبا، حيا و ميتا.

و دلت الآية الكريمة على أن هذا من جملة حقوق المؤمنين بعضهم لبعض. ثم ختموا دعاءهم باسمين كريمين، دالّين على كمال رحمة اللّه، و شدة رأفته و إحسانه بهم، الذي من جملته، بل أجلّه، توفيقهم للقيام بحقوقه و حقوق عباده.

فهؤلاء الأصناف الثلاثة هم أصناف هذه الأمة، و هم المستحقون للفي‏ء الذي مصرفه راجع إلى مصالح الإسلام.

و هؤلاء أهله الّذين هم أهله، جعلنا اللّه منهم، بمنه و كرمه.

[11- 12] ثمّ تعجب تعالى من حال المنافقين، الّذين أطمعوا إخوانهم من أهل الكتاب، في نصرتهم و موالاتهم على المؤمنين، و أنهم يقولون لهم: لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَ لا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً ، أي: لا نطيع في عدم نصرتكم أحدا يعذلنا أو يخوفنا. وَ إِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَ اللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ‏ في هذا الوعد الذي غروا به إخوانهم.

و لا يستكثر هذا عليهم، فإن الكذب وصفهم، و الغرور و الخداع مقارنهم، و النفاق و الجبن يصحبهم، و لهذا كذبهم اللّه بقوله، الذي وجد مخبره كما أخبر به، و وقع طبق ما قال، فقال: لَئِنْ أُخْرِجُوا ، أي: من ديارهم جلاء و نفيا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ‏ لمحبتهم للأوطان و عدم صبرهم على القتال، و عدم وفائهم بالوعد. وَ لَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ‏ ، بل يستولي عليهم الجبن، و يملكهم الفشل، و يخذلون إخوانهم، أحوج ما كانوا إليهم. وَ لَئِنْ نَصَرُوهُمْ‏ على الفرض و التقدير، لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ‏ أي: سيحصل منهم الإدبار عن القتال و النصرة، و لا يحصل لهم نصر من اللّه.

[13] و السبب الذي حملهم على ذلك، أنكم- أيها المؤمنون- أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ‏ فخافوا منكم، أعظم مما يخافون من اللّه، و قدموا مخافة المخلوق، الذي لا يملك لنفسه نفعا و لا ضرا، على مخافة الخالق، الذي بيده الضر و النفع، و العطاء و المنع. ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ‏ مراتب الأمور، و لا يعرفون حقائق الأشياء، و لا يتصورون العواقب، و إنّما الفقه كلّ الفقه، أن يكون خوف الخالق و رجاؤه، و محبته، مقدما على غيره، و غيرها تبعا لها.

[14] لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً ، أي: في حال الاجتماع‏ إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ ، أي: لا يثبتون على قتالكم، و لا يعزمون عليه، إلّا إذا كانوا متحصنين في القرى، أو من وراء الجدر و الأسوار. فإنهم إذ ذاك ربما يحصل منهم امتناع، اعتمادا على حصونهم و جدرهم، لا شجاعة بأنفسهم، و هذا من أعظم الذم. بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ، أي: بأسهم فيما بينهم شديد، لا آفة في أبدانهم و لا في قوتهم، و إنّما الآفة في ضعف إيمانهم، و عدم اجتماع كلمتهم، و لهذا قال: تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً حين تراهم مجتمعين و متظاهرين. وَ لكن‏ قُلُوبُهُمْ شَتَّى‏ ، أي: متباغضة متفرقة متشتتة. ذلِكَ‏ الذي أوجب لهم اتصافهم بما ذكر بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ‏ ، أي: لا عقل عندهم، و لا لب، فإنهم لو كانت لهم عقول، لآثروا الفاضل على المفضول، و لما رضوا لأنفسهم بأبخس الخطتين، و لكانت كلمتهم مجتمعة، و قلوبهم مؤتلفة، فبذلك يتناصرون، و يتعاضدون، و يتعاونون على مصالحهم الدينية و الدنيوية، مثل هؤلاء المخذولين من أهل الكتاب، الّذين انتصر اللّه لرسوله منهم، و أذاقهم الخزي في الحياة

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1027

الدنيا.

[15] و عدم نصر من وعدهم بالمعاونة كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً و هم كفار قريش الّذين زين لهم الشيطان أعمالهم، و قال: لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَ إِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى‏ عَقِبَيْهِ وَ قالَ إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى‏ ما لا تَرَوْنَ‏ . فغرتهم أنفسهم، و غرهم من غرهم، الّذين لم ينفعوهم، و لم يدفعوا عنهم العذاب، حتى أتوا «بدرا» بفخرهم و خيلائهم، ظانين أنهم مدركون برسول اللّه و المؤمنين أمانيهم. فنصر اللّه رسوله و المؤمنين عليهم، فقتلوا كبارهم و صناديدهم، و أسروا من أسروا منهم، و فرّ من فر. و بذلك‏ ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ‏ و عاقبة شركهم و بغيهم.

هذا في الدنيا وَ لَهُمْ‏ في الآخرة عَذابٌ أَلِيمٌ‏ .

[16] و مثل هؤلاء المنافقين الّذين غروا إخوانهم من أهل الكتاب‏ كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ ، أي:

زين له الكفر و حسنه و دعاه إليه. فلما اغتر به و كفر، و حصل له الشقاء، لم ينفعه الشيطان، الذي تولاه و دعاه إلى ما دعاه إليه، بل تبرأ منه‏ قالَ إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ‏ ، أي: ليس لي قدرة على دفع العذاب عنك، و لست بمغن عنك مثقال ذرة من الخير.

[17] فَكانَ عاقِبَتَهُما ، أي: الداعي الذي هو الشيطان، و المدعو الذي هو الإنسان حين أطاعه‏ أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها كما قال تعالى: إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ . وَ ذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ‏ الّذين اشتركوا في الظلم و الكفر، و إن اختلفوا في شدة العذاب و قوته. و هذا دأب الشيطان مع كلّ أوليائه، فإنه يدعوهم و يدليهم بغرور، إلى ما يضرهم، حتى إذا وقعوا في الشباك، و حاق بهم أسباب الهلاك، تبرأ منهم، و تخلى عنهم. و اللوم كلّ اللوم على من أطاعه، فإن اللّه قد حذر منه، و أنذر، و أخبر بمقاصده و غايته، و نهايته، فالمقدم على طاعته عاص على بصيرة، لا عذر له.

[18] يأمر تعالى عباده المؤمنين بما يوجبه الإيمان، و يقتضيه من لزوم تقواه، سرا و علانية، في جميع الأحوال، و أن يراعوا ما أمرهم اللّه به، من أوامره و حدوده، و ينظروا ما لهم و ما عليهم، و ماذا حصلوا عليه من الأعمال الّتي تنفعهم أو تضرهم في يوم القيامة. فإنهم إذا جعلوا الآخرة نصب أعينهم، و قبلة قلوبهم، و اهتموا للمقام بها، اجتهدوا في كثرة الأعمال الموصلة إليها، و تصفيتها من القواطع و العوائق، الّتي توقفهم عن السير، أو تعوقهم أو تصرفهم. و إذا علموا أيضا أن اللّه خبير بما يعملون، لا تخفى عليه أعمالهم، و لا تضيع لديه، و لا يهملها، أوجب لهم الجد و الاجتهاد. و هذه الآية الكريمة، أصل في محاسبة العبد نفسه، و أنه ينبغي له أن يتفقدها، فإن رأى زللا، تداركه بالإقلاع عنه، و التوبة النصوح، و الإعراض عن الأسباب الموصلة إليه، و إن رأى نفسه مقصرا، في أمر من أوامر اللّه، بذل جهده، و استعان بربه في تتميمه، و تكميله، و إتقانه. و يقايس بين منن اللّه عليه و إحسانه، و بين تقصيره، فإن ذلك يوجب له الحياء لا محالة. و الحرمان كلّ الحرمان، أن يغفل العبد عن هذا الأمر، و يشابه قوما نسوا اللّه، و غفلوا عن ذكره، و القيام بحقه، و أقبلوا على حظوظ أنفسهم و شهواتها، فلم ينجحوا، و لم يحصلوا على طائل. بل أنساهم اللّه مصالح أنفسهم، و أغفلهم عن منافعها و فوائدها، فصار أمرهم فرطا، فرجعوا بخسارة

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1028

الدارين، و غبنوا غبنا، لا يمكن تداركه، و لا يجبر كسره، لأنهم هم الفاسقون، الّذين خرجوا عن طاعة ربهم، و أوضعوا في معاصيه. فهل يستوي من حافظ على تقوى اللّه، و نظر لما قدم لغده، فاستحق جنات النعيم، و العيش السليم- مع الّذين أنعم اللّه عليهم، من النبيين، و الصديقين، و الشهداء، و الصالحين- و من غفل عن ذكره، و نسي حقوقه فشقي في الدنيا، و استحق العذاب في الآخرة. فالأولون هم الفائزون، و الآخرون هم الخاسرون.

و لما بين تعالى لعباده ما بين، و أمر عباده و نهاهم في كتابه العزيز، كان هذا موجبا لأن يبادروا إلى ما دعاهم إليه، و حثهم عليه، و لو كانوا في القسوة و صلابة القلوب كالجبال الرواسي. فإن هذا القرآن لو أنزل على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية اللّه، أي: لكمال تأثيره في القلوب، فإن مواعظ القرآن، أعظم المواعظ على الإطلاق. و أوامره و نواهيه، محتوية على الحكم و المصالح المقرونة بها، و هي من أسهل شي‏ء على النفوس، و أيسرها على الأبدان، خالية من التكلف لا تناقض فيها، و لا اختلاف، و لا صعوبة فيها، و لا اعتساف، تصلح لكل زمان و مكان، و تليق لكل أحد. ثمّ أخبر تعالى أنه يضرب للناس الأمثال، و يوضح لعباده الحلال و الحرام، لأجل أن يتفكروا في آياته و يتدبروها، فإن التفكير فيها يفتح للعبد خزائن العلم، و يبين له طرق الخير و الشر، و يحثه على مكارم الأخلاق، و محاسن الشيم، و يزجره عن مساوئ الأخلاق، فلا أنفع للعبد من التفكير في القرآن، و التدبر لمعانيه.

[22] هذه الآيات الكريمات، قد اشتملت على كثير من أسماء اللّه الحسنى، و أوصافه العلى، عظيمة الشأن، و بديعة البرهان. فأخبر أنه‏ اللَّهُ‏ المألوه المعبود، الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ، و ذلك لكماله العظيم، و إحسانه الشامل، و تدبيره العام. و كلّ إله غيره، فإنه باطل، لا يستحق من العبادة مثقال ذرة، لأنه فقير عاجز ناقص، لا يملك لنفسه و لا لغيره شيئا. ثمّ وصف نفسه بعموم العلم الشامل، لما غاب عن الخلق، و ما يشاهدونه، و بعموم رحمته الّتي وسعت كلّ شي‏ء، و وصلت إلى كلّ حي. ثمّ كرر ذكر عموم إلهيته و انفراده بها، و أنه المالك لجميع الممالك، فالعالم العلوي و السفلي و أهله، الجميع مماليك للّه، فقراء مدبرون. الْقُدُّوسُ السَّلامُ‏ ، أي: المقدس السالم من كلّ عيب و نقص، المعظم المجد؛ لأن القدوس، يدل على التنزيه من كلّ نقص، و التعظيم للّه في أوصافه و جلاله. الْمُؤْمِنُ‏ ، أي: المصدق لرسله و أنبيائه، بما جاءوا به، بالآيات البينات، و البراهين القاطعات، و الحجج الواضحات. الْعَزِيزُ الذي لا يغالب و لا يمانع، بل قد قهر كلّ شي‏ء، و خضع له كلّ شي‏ء.

الْجَبَّارُ الّذي قهر جميع العباد، و أذعن له سائر الخلق، الذي يجبر الكسير، و يغني الفقير. الْمُتَكَبِّرُ الذي له الكبرياء و العظمة، المتنزه عن جميع العيوب و الظلم و الجور. سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ‏ ، و هذا تنزيه عام، عن كل ما وصفه به، من أشرك به و عانده.

[24] هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ‏ لجميع المخلوقات‏ الْبارِئُ‏ للمبروءات‏ الْمُصَوِّرُ للمصورات، و هذه الأسماء متعلقة بالخلق و التدبير و التقدير، و أن ذلك كله، قد انفرد اللّه به، لم يشاركه فيه مشارك. لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‏ ، أي: له الأسماء الكثيرة جدا، الّتي لا يحصيها، و لا يعلمها أحد إلّا

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1029

هو، و مع ذلك، فكلها حسنى، أي: صفات كمال، بل تدل على أكمل الصفات و أعظمها، لا نقص في شي‏ء منها، بوجه من الوجوه. و من حسنها أن اللّه يحبها، و يحب من يحبها، و يحب من عباده أن يدعوه و يسألوه بها. و من كماله، أن له الأسماء الحسنى، و الصفات العليا، و أن جميع من في السماوات و الأرض، مفتقرون إليه على الدوام، يسبحون بحمده، و يسألونه حوائجهم، فيعطيهم من فضله و كرمه ما تقتضيه رحمته و حكمته. وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏ الذي لا يريد شيئا إلّا و يكون، و لا يكون شيئا إلّا لحكمة و مصلحة. تم تفسير سورة الحشر- و الحمد للّه وحده.

تفسير سورة الممتحنة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] ذكر كثير من المفسرين، رحمهم اللّه، أن سبب نزول هذه الآيات الكريمات في قصة حاطب بن أبي بلتعة، حين غزا النبي صلّى اللّه عليه و سلّم غزاة الفتح. فكتب حاطب إلى المشركين من أهل مكة، يخبرهم بمسير رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إليهم، ليتخذ بذلك يدا عندهم، لا شكا و نفاقا، و أرسله مع امرأة. فأخبر النبي صلّى اللّه عليه و سلّم بشأنه، فأرسل إلى المرأة قبل وصولها و أخذ منها الكتاب. و عاتب حاطبا، فاعتذر بعذر، قبله النبي صلّى اللّه عليه و سلّم. و هذه الآيات فيها النهي الشديد عن موالاة الكفار من المشركين و غيرهم، و إلقاء المودة إليهم، و أن ذلك مناف للإيمان، و مخالف لملة إبراهيم الخليل عليه الصلاة و السّلام، و مناقض للعقل الذي يوجب الحذر كلّ الحذر من العدو، و الذي لا يبقى من مجهوده في العداوة شيئا، و ينتهز الفرصة في إيصال الضرر إلى عدوه، فقال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ، أي: اعملوا بمقتضى إيمانكم، من ولاية من قام بالإيمان، و معاداة من عاداه، فإنه عدو للّه، و عدو للمؤمنين. لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي‏ عدو اللّه‏ وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ، أي: تسارعون في مودتهم، و السعي في أسبابها، فإن المودة إذا حصلت، تبعتها النصرة و الموالاة، فخرج العبد من الإيمان، و صار من جملة أهل الكفران. و هذا المتخذ للكافر وليا، عادم المروءة أيضا، فإنه كيف يوالي أعدى أعدائه، الذي لا يريد له إلّا الشر، و يخالف ربه و وليه، الذي يريد به الخير، و يأمره به، و يحثه عليه؟ و مما يدعو المؤمن أيضا إلى معاداة الكفار، أنهم قد كفروا بما جاء المؤمنين من الحقّ، و لا أعظم من هذه المخالفة و المشاقة، فإنهم قد كفروا بأصل دينكم، و زعموا أنّكم ضلّال، على غير هدى. و الحال أنهم كفروا بالحق الذي لا شك فيه و لا مرية، و من رد الحقّ، فمحال أن يوجد له دليل أو حجة، تدل على صحة قوله، بل مجرد العلم بالحق، يدل على بطلان قول من رده و فساده. و من عداوتهم البليغة أنهم‏ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَ إِيَّاكُمْ‏ أيها المؤمنون من دياركم، و يشردونكم من أوطانكم. و لا ذنب لكم في ذلك عندهم، إلّا أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ‏ الذي يتعين على الخلق كلهم، القيام بعبوديته، لأنه رباهم، و أنعم عليهم، بالنعم الظاهرة و الباطنة. فلما أعرضوا عن هذا الأمر، الذي هو أوجب الواجبات، و قمتم به، عادوكم، و أخرجوكم- من أجله- من دياركم. فأيّ دين، و أيّ مروءة و عقل، يبقى مع العبد إذا والى الكفار، الّذين هذا وصفهم، في كلّ زمان أو مكان؟ و لا يمنعهم منه إلّا خوف، أو مانع قوي. إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِي‏ ، أي: إن كان خروجكم، مقصودكم به الجهاد في سبيل اللّه، لإعلاء كلمة اللّه، و ابتغاء رضاه، فاعملوا بمقتضى هذا، من موالاة أولياء اللّه، و معاداة أعدائه، فإن هذا من أعظم الجهاد في سبيله، و من أعظم ما يتقرب به المتقربون إلى اللّه، و يبتغون به رضاه. تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَ أَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَ ما أَعْلَنْتُمْ‏ ، أي: كيف تسرون المودة للكافرين، و تخفونها، مع علمكم أن اللّه عالم بما تخفون، و ما تعلنون؟، فهو و إن‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1030

خفي على المؤمنين، فلا يخفى على اللّه تعالى، و سيجازي العباد بما يعلمه منهم، من الخير و الشر. وَ مَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ‏ ، أي: موالاة الكافرين بعد ما حذركم اللّه منها فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ‏ ، لأنه سلك مسلكا مخالفا للشرع و للعقل، و المروءة الإنسانية.

[2] ثمّ بين تعالى شدة عداوتهم، تهييجا للمؤمنين على عداوتهم، فقال: إِنْ يَثْقَفُوكُمْ‏ ، أي: يجدوكم، و تسنح لهم الفرصة في أذاكم. يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً ظاهرين‏ وَ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ‏ بالقتل و الضرب، و نحو ذلك.

وَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ ، أي: بالقول الذي يسوء، من شتم و غيره. وَ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ‏ فإن هذا غاية ما يريدون منكم.

[3] فإن احتججتم و قلتم نوالي الكفار، لأجل القرابة و الأموال‏ لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَ لا أَوْلادُكُمْ‏ من اللّه شيئا يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ . فلذلك حذركم من موالاة الكافرين الّذين تضركم موالاتهم.

[4] قَدْ كانَتْ لَكُمْ‏ يا معشر المؤمنين‏ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ، أي: قدوة صالحة و ائتمام ينفعكم. فِي إِبْراهِيمَ وَ الَّذِينَ مَعَهُ‏ من المؤمنين، لأنكم قد أمرتم أن تتبعوا ملة إبراهيم حنيفا. إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَ مِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ‏ ، أي: إذ تبرأ إبراهيم عليه السّلام، و من معه من المؤمنين، من قومهم المشركين، و مما يعبدون من دون اللّه. ثمّ صرحوا بعداوتهم غاية التصريح، فقالوا: كَفَرْنا بِكُمْ وَ بَدا ، أي: ظهر و بان‏ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَ الْبَغْضاءُ أي: البغض بالقلوب، و زوال مودتها، و العداوة بالأبدان، و ليس لتلك العداوة و البغضاء وقت و لا حدّ، بل ذلك‏ أَبَداً ما دمتم مستمرين على كفركم‏ حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ‏ ، أي: فإذا آمنتم باللّه وحده، زالت العداوة و البغضاء، و انقلبت مودة و ولاية. فلكم أيها المؤمنون أسوة حسنة في إبراهيم و من معه في القيام بالإيمان و التوحيد، و لوازم ذلك و مقتضياته، و في كلّ شي‏ء تعبدوا به اللّه وحده. إِلَّا في خصلة واحدة و هي‏ قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ‏ آزر المشرك، الكافر المعاند، حين دعاه إلى الإيمان و التوحيد، فامتنع فقال إبراهيم له: لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَ الحال أني‏ ما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْ‏ءٍ ، لكني أدعو ربي عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا. فليس لكم أن تقتدوا بإبراهيم، في هذه الحالة، الّتي دعا بها للمشرك. فليس لكم أن تدعوا للمشركين، و تقولوا: إنا في ذلك متبعون لملة إبراهيم، فإن اللّه ذكر عذر إبراهيم في ذلك بقوله: وَ ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ‏ ، الآية. و لكم أسوة حسنة في إبراهيم و من معه، حين دعوا اللّه و توكلوا عليه و أنابوا إليه، و اعترفوا بالعجز و التقصير، فقالوا: رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا ، أي: اعتمدنا عليك في جلب ما ينفعنا، و دفع ما يضرنا، و وثقنا بك يا ربنا في ذلك. وَ إِلَيْكَ أَنَبْنا ، أي: رجعنا إلى طاعتك و مرضاتك، و جميع ما يقرب إليك، فنحن في ذلك ساعون، و بفعل الخيرات مجتهدون، و نعلم أنا إليك نصير، فنستعد للقدوم عليك، و نعمل ما يزلفنا إليك.

[5] رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا ، أي: لا تسلطهم علينا بذنوبنا، فيفتنونا، و يمنعونا مما يقدرون عليه من أمور الإيمان، و يفتنون أيضا بأنفسهم، فإنهم إذا رأوا لهم الغلبة، ظنوا أنهم على الحقّ، و أنا على الباطل، فازدادوا

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1031

كفرا و طغيانا. وَ اغْفِرْ لَنا ما اقترفنا من الذنوب و السيئات، و ما قصرنا به من المأمورات. رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ القاهر لكل شي‏ء. الْحَكِيمُ‏ الذي يضع الأشياء مواضعها، فبعزتك و حكمتك انصرنا على أعدائنا، و اغفر لنا ذنوبنا، و أصلح عيوبنا.

[6] ثمّ كرر الحث على الاقتداء بهم، قال: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ . و ليس كلّ أحد، تسهل عليه هذه الأسوة، و إنّما تسهل‏ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ فإن الإيمان، و احتساب الأجر و الثواب، يسهل على العبد كل عسير، و يقلل لديه كلّ كثير، و يوجب له الاقتداء بعباد اللّه الصالحين، و الأنبياء و المرسلين، فإنه يرى نفسه مفتقرا مضطرّا إلى ذلك غاية الاضطرار. وَ مَنْ يَتَوَلَ‏ عن طاعة اللّه و التأسي برسل اللّه، فلن يضر إلّا نفسه، و لا يضر اللّه شيئا. فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُ‏ الذي له الغنى التام المطلق، من جميع الوجوه، فلا يحتاج إلى أحد من خلقه بوجه من الوجوه. الْحَمِيدُ في ذاته و صفاته و أفعاله، فإنه محمود على ذلك كله.

[7] ثمّ أخبر تعالى أن هذه العداوة، الّتي أمر بها المؤمنين للمشركين، و وصفهم بالقيام بها أنهم ما داموا على شركهم و كفرهم، و أنهم إن انتقلوا إلى الإيمان، فإن الحكم يدور مع علته، و المودة الإيمانية ترجع. فلا تيأسوا أيها المؤمنون من رجوعهم إلى الإيمان. ف عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً سببها رجوعهم إلى الإيمان. وَ اللَّهُ قَدِيرٌ على كلّ شي‏ء، و من ذلك، هداية القلوب، و تقليبها من حال إلى حال. وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏ لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، و لا عيب أن يستره، * قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ‏ (53). و في هذه الآية إشارة و بشارة بإسلام بعض المشركين، الّذين كانوا إذ ذاك أعداء للمؤمنين، و قد وقع ذلك، و للّه الحمد و المنة.

[8] و لما نزلت هذه الآيات الكريمات، المهيجة على عداوة الكافرين، وقعت من المؤمنين كلّ موقع، و قاموا بها أتم القيام، و تأثموا من صلة بعض أقاربهم المشركين و ظنوا أن ذلك داخل فيما نهى اللّه عنه. فأخبرهم اللّه أن ذلك لا يدخل في المحرم، فقال: لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ‏ (8)، أي: لا ينهاكم اللّه عن البر و الصلة، و المكافأة بالمعروف، و القسط للمشركين، من أقاربكم و غيرهم، حيث كانوا بحال لم ينصبوا لقتالكم في الدين، و الإخراج من دياركم. فليس عليكم جناح أن تصلوهم، فإن صلتهم في هذه الحالة، لا محذور فيها و لا تبعة، كما قال تعالى في الأبوين الكافرين، إذا كان ولدهما مسلما:

وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى‏ أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً .

[9] و قوله: إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ‏ ، أي: لأجل دينكم، عداوة لدين اللّه، و لمن قام به. وَ أَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَ ظاهَرُوا ، أي:

عاونوا غيرهم‏ عَلى‏ إِخْراجِكُمْ‏ . نهاكم اللّه‏ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ‏ بالنصر و المودة، بالقول و الفعل. و أما بركم و إحسانكم، الذي ليس بتولّ للمشركين، فلم ينهكم اللّه عنه، بل ذلك داخل في عموم الأمر بالإحسان إلى الأقارب و غيرهم من الآدميين، و غيرهم. وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ‏ ، و ذلك الظلم يكون بحسب التولّي. فإن كان تولّيا

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1032

تاما، كان ذلك كفرا مخرجا عن دائرة الإسلام، و تحت ذلك من المراتب، ما هو غليظ، و ما هو دونه.

[10] لما كان صلح الحديبية، صالح النبي صلّى اللّه عليه و سلّم المشركين، على أن من جاء منهم إلى المسلمين مسلما، أنه يرد إلى المشركين، و كان هذا لفظا عاما مطلقا، يدخل في عمومه النساء و الرجال. فأما الرجال فإن اللّه لم ينه رسوله عن ردهم إلى الكفار، وفاء بالشرط و تتميما للصلح، الذي هو من أكبر المصالح. و أما النساء، فلما كان ردهم فيه مفاسد كثيرة، أمر المؤمنين، إذا جاءهم المؤمنات مهاجرات، و شكوا في صدق إيمانهن، أن يمتحنوهن و يختبروهن، بما يظهر به صدقهن، من أيمان مغلظة و غيرها، فإنه يحتمل أن يكون إيمانها غير صادق بل رغبة في زوج، أو بلد أو غير ذلك، من المقاصد الدنيوية. فإن كن بهذا الوصف، تعين ردهن وفاء بالشرط، من غير حصول مفسدة، و إن امتحنوهن، فوجدن صادقات، أو علموا ذلك منهن، من غير امتحان، فلا يرجعوهن إلى الكفار. لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَ لا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ‏ فهذه مفسدة كبيرة راعاها الشارع، و راعى أيضا الوفاء بالشرط، بأن يعطوا الكفار أزواجهن، ما أنفقوا عليهن من المهر و توابعه، عوضا عنهن. و لا جناح حينئذ على المسلمين، أن ينكحوهن و لو كان لهن أزواج في دار الشرك، و لكن بشرط أن يؤتوهن أجورهن، من المهر و النفقة. و كما أن المسلمة لا تحل للكافر، فكذلك الكافرة لا تحل للمسلم، ما دامت على كفرها، غير أهل الكتاب، و لهذا قال تعالى: وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ ، و إذا نهى عن الإمساك بعصمتها، فالنهي عن ابتداء تزويجها أولى. وَ سْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ‏ أيها المؤمنون، حين ترجع زوجاتكم مرتدات إلى الكفار، فإذا كان الكفار يأخذون من المسلمين نفقة من أسلمت من نسائهم، استحق المسلمون أن يأخذوا مقابله ما ذهب من زوجاتهم إلى الكفار. و في هذا دليل على أن خروج البضع من الزوج متقوم، فإذا أفسد مفسد، نكاح امرأة رجل، برضاع أو غيره، كان عليه ضمان المهر. و قوله: ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ‏ ، أي: ذلكم الحكم، الذي ذكره اللّه، هو حكم اللّه، بيّنه لكم و وضحه. وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ‏ ، فيعلم تعالى، ما يصلح لكم من الأحكام فيشرعه، بحسب حكمته و رحمته.

[11] و قوله: وَ إِنْ فاتَكُمْ شَيْ‏ءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ بأن ذهبن مرتدات‏ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا كما تقدم أن الكفار كانوا يأخذون بدل ما يفوت من أزواجهم إلى المسلمين. فمن ذهبت زوجته من المسلمين إلى الكفار، و فاتت عليه، فعلى المسلمين أن يعطوه من الغنيمة، بدل ما أنفق. وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ‏ فإيمانكم باللّه، يقتضي منكم أن تكونوا ملازمين للتقوى، على الدوام.

صفحه بعد