کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1104

سورة البروج‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] وَ السَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ‏ (1)، أي: ذات المنازل، المشتملة على منازل الشمس و القمر، و الكواكب المنتظمة في سيرها، على أكمل ترتيب و نظام دال على كمال قدرة اللّه و رحمته، و سعة علمه و حكمته.

[2] وَ الْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) و هو يوم القيامة، الذي وعد اللّه الخلق أن يجمعهم فيه، و يضم فيه أولهم و آخرهم، و قاصيهم و دانيهم، الذي لا يمكن أن يتغير، و لا يخلف اللّه الميعاد.

[3] وَ شاهِدٍ وَ مَشْهُودٍ (3) و شمل هذا، كل من اتصف بهذا الوصف، أي مبصر و مبصر، و حاضر و محضور، وراء و مرئي.

و المقسم عليه، ما تضمنه هذا القسم، من آيات اللّه الباهرة، و حكمه الظاهرة، و رحمته الواسعة.

[4] و قيل: إن المقسم عليه قوله: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (4)، و هذا دعاء عليهم بالهلاك. و «الأخدود»: الحفر التي تحفر في الأرض.

و كان أصحاب الأخدود هؤلاء، قوما كافرين، و لديهم قوم مؤمنون، فراودوهم على الدخول في دينهم، فامتنع المؤمنون من ذلك، فشقّ الكافرون أخدودا في الأرض، و قذفوا فيها النار، و قعدوا حولها، و فتنوا المؤمنين، و عرضوهم عليها. فمن استجاب لهم أطلقوه، و من استمر على الإيمان، قذفوه في النار، و هذا غاية المحاربة للّه و لحزبه المؤمنين، و لهذا لعنهم اللّه، و أهلكهم، و توعدهم، فقال: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (4).

[5- 7] ثم فسر الأخدود بقوله: النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ (6) وَ هُمْ عَلى‏ ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7).

و هذا من أعظم ما يكون من التجبر و قساوة القلب، لأنهم جمعوا بين الكفر بآيات اللّه و معاندتها، و محاربة أهلها، و تعذيبهم بهذا العذاب، الذي تنفطر منه القلوب.

[8] و حضورهم إياهم عند إلقائهم فيها، و الحال أنهم ما نقموا من المؤمنين إلا حالة يمدحون عليها، و بها سعادتهم، و هي: أنهم كانوا يؤمنون‏ بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ، أي: الذي له العزة، التي قهر بها كل شي‏ء، و هو حميد في أقواله، و أفعاله، و أوصافه.

[9] الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ خلقا و عبيدا، يتصرف فيهم بما شاء. وَ اللَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ شَهِيدٌ علما و سمعا و بصرا. فهلا خاف هؤلاء المتمردون عليه، أن يأخذهم العزيز المقتدر، أو ما علموا كلهم أنهم مماليك للّه، ليس لأحد على أحد سلطة، من دون إذن المالك؟ أو خفي عليهم أن اللّه محيط بأعمالهم، مجازيهم عليها؟ كلا إن الكافر في غرور، و الجاهل في عمى و ضلال عن سواء السبيل.

[10] ثم أوعدهم و وعدهم، و عرض عليهم التوبة، فقال: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَ لَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ‏ (10)، أي: العذاب الشديد المحرق. قال الحسن رحمه اللّه: انظروا إلى هذا الكرم و الجود، قتلوا أولياءه و أهل طاعته، و هو يدعوهم إلى التوبة. و لما ذكر عقوبة الظالمين، ذكر ثواب المؤمنين، فقال:

[11] إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بقلوبهم‏ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ‏ بجوارحهم‏ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ الذي حصل‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1105

لهم الفوز، برضا اللّه، و دار كرامته.

[12] إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12)، أي: إن عقوبته لأهل الجرائم و الذنوب العظام، لقوية شديدة، و هو للظالمين بالمرصاد. قال اللّه تعالى: وَ كَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى‏ وَ هِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102).

[13] إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَ يُعِيدُ (13)، أي:

هو المنفرد بإبداء الخلق و إعادته، فلا يشاركه في ذلك مشارك.

[14] وَ هُوَ الْغَفُورُ الذي يغفر الذنوب جميعها، لمن تاب، و يعفو عن السيئات، لمن استغفره و أناب.

الْوَدُودُ الذي يحبه أحبابه، محبة لا يشبهها شي‏ء. فكما أنه لا يشابهه شي‏ء في صفات الجلال و الجمال، و المعاني و الأفعال، فمحبته في قلوب خواص خلقه، التابعة لذلك، لا يشبهها شي‏ء من أنواع المحاب. و لهذا كانت محبته أصل العبودية، و هي المحبة التي تتقدم جميع المحاب و تغلبها، و إن لم يكن غيرها تبعا لها، كانت عذابا على أهلها. و هو تعالى الودود، الوادّ لأحبابه، كما قال تعالى: يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ‏ ، و المودة هي المحبة الصافية. و في هذا سر لطيف، حيث قرن «الودود» بالغفور، ليدل ذلك على أن أهل الذنوب، إذا تابوا إلى اللّه و أنابوا، غفر لهم ذنوبهم، و أحبهم، فلا يقال:

تغفر ذنوبهم، و لا يرجع إليهم الود، كما قال بعض الظالمين. بل اللّه أفرح بتوبة عبده حين يتوب، من رجل على راحلته، عليها طعامه و شرابه، و ما يصلحه، فأضلها في أرض فلاة مهلكة، فأيس منها، فاضطجع في ظل شجرة ينتظر الموت. فبينما هو على تلك الحال، إذا راحلته على رأسه، فأخذ بخطامها، فاللّه أعظم فرحا بتوبة العبد، من هذا براحلته، و هذا أعظم فرح يقدر. فللّه الحمد و الثناء، و صفو الوداد، ما أعظم بره، و أكثر خيره، و أغزر إحسانه، و أوسع امتنانه.

[15] ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15)، أي: صاحب العرش العظيم، الذي من عظمته، أنه وسع السماوات و الأرض، و الكرسي. فهي بالنسبة إلى العرش، كحلقة ملقاة في فلاة، بالنسبة لسائر الأرض، و خص اللّه العرش بالذكر لعظمته، و لأنه أخص المخلوقات بالقرب منه، و هذا على قراءة الجر، يكون «المجيد» نعتا للعرش. و أما على قراءة الرفع، فإنه يكون نعتا للّه، و المجد سعة الأوصاف و عظمتها.

[16] فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (16)، أي: مهما أراد شيئا فعله، إذا أراد شيئا قال له كن فيكون، و ليس أحد فعالا لما يريد إلا اللّه. فإن المخلوقات، و لو أرادت شيئا، فإنه لا بد لإرادتها من معاون و ممانع، و اللّه لا معاون لإرادته، و لا ممانع له، مما أراد.

[17- 18] ثم ذكر من أفعاله الدالة على صدق ما جاءت به رسله، فقال: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَ ثَمُودَ (18) و كيف كذبوا المرسلين، فجعلهم من المهلكين.

[19] بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ‏ (19) أي: لا يزالون مستمرين على التكذيب و العناد، لا تنفع فيهم الآيات، و لا تجدي لديهم العظات.

[20] وَ اللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ (20) قد أحاط بهم علما و قدرة، كقوله: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ (14). ففيه الوعيد الشديد للكافرين، من عقوبة من هم في قبضته، و تحت تدبيره.

[21] بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21)، أي: وسيع المعاني عظيمها، كثير الخير و العلم.

[22] فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22) من التغيير و الزيادة و النقص، و محفوظ من الشياطين، و هو: اللوح المحفوظ الذي قد أثبت اللّه فيه‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1106

كل شي‏ء. و هذا يدل على جلالة القرآن و جزالته، و رفعة قدره عند اللّه تعالى، و اللّه أعلم.

سورة الطارق‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] يقول اللّه تعالى: وَ السَّماءِ وَ الطَّارِقِ‏ (1). ثم فسر الطارق بقوله:

[3] النَّجْمُ الثَّاقِبُ‏ (3)، أي: المضي‏ء، الذي يثقب نوره، فيخرق السماوات، فينفذ حتى يرى في الأرض، و الصحيح أنه اسم جنس، يشمل سائر النجوم الثواقب. و قد قيل: إنه «زحل» الذي يخرق السماوات السبع و ينفذها، فيرى منها. و سمي طارقا، لأنه يطرق ليلا، و المقسم عليه قوله:

[4] إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ (4) يحفظ عليها أعمالها الصالحة و السيئة، و ستجازى بعملها المحفوظ عليها.

[5- 7] فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ‏ (5)، أي: فليتدبر خلقته و مبدأه، فإنه‏ خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ‏ (6)، و هو المني الذي‏ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ‏ (7)، يحتمل أنه من بين صلب الرجل، و ترائب المرأة، و هي ثدياها. و يحتمل أن المراد: المني الدافق، و هو مني الرجل، و أن محله الذي يخرج منه ما بين صلبه و ترائبه. و لعل هذا أولى، فإنه إنما وصف به الماء الدافق، الذي يحس به و يشاهد دفقه، و هو مني الرجل. و كذلك لفظ الترائب، فإنها تستعمل للرجل، فإن الترائب للرجل، بمنزلة الثديين للأنثى، فلو أريد الأنثى، لقيل: «من الصلب و الثديين»، و نحو ذلك، و اللّه أعلم.

[8] فالذي أوجد الإنسان من ماء دافق، يخرج من هذا الموضع الصعب، قادر على رجعه في الآخرة، و إعادته للبعث، و النشور و الجزاء. و قد قيل: إن معناه، أن اللّه على رجع الماء المدفوق، في الصلب لقادر، و هذا المعنى و إن كان صحيحا، فليس هو المراد من الآية،

[9] و لهذا قال بعده: يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ (9)، أي: تختبر سرائر الصدور، و يظهر ما كان في القلوب من خير و شر، على صفحات الوجوه كما قال تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ‏ . ففي الدنيا، ينكتم كثير من الأشياء، و لا يظهر عيانا للناس، و أما يوم القيامة، فيظهر برّ الأبرار، و فجور الفجار، و تصير الأمور علانية.

[10] و قوله: فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ ، أي: من نفسه يدفع بها وَ لا ناصِرٍ من خارج، ينتصر به، فهذا القسم على العاملين، وقت عملهم، و عند جزائهم.

[11- 12] ثم أقسم قسما ثانيا، على صحة القرآن، فقال: وَ السَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ (11) وَ الْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ‏ (12)، أي: ترجع السماء بالمطر كل عام، و تنصدع الأرض للنبات، فيعيش بذلك الآدميون و البهائم، و ترجع السماء أيضا بالأقدار و الشؤون الإلهية، كل وقت، و تنصدع الأرض عن الأموات.

[13] إِنَّهُ‏ ، أي: القرآن‏ لَقَوْلٌ فَصْلٌ‏ ، أي: حق و صدق، بيّن واضح.

[14] وَ ما هُوَ بِالْهَزْلِ‏ (14)، أي: جد ليس بالهزل، و هو القول الذي يفصل بين الطوائف و المقالات، و تنفصل به الخصومات.

[15] إِنَّهُمْ‏ ، أي:

المكذبين للرسول صلّى اللّه عليه و سلّم، و للقرآن‏ يَكِيدُونَ كَيْداً ليدفعوا بكيدهم الحق، و يؤيدوا الباطل.

[16] وَ أَكِيدُ كَيْداً (16)

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1107

لإظهار الحق، و لو كره الكافرون، و لدفع ما جاءوا به من الباطل، و يعلم بهذا، من الغالب، فإن الآدمي أضعف و أحقر من أن يغالب القوي العليم في كيده.

[17] فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (17)، أي: قليلا، فسيعلمون عاقبة أمرهم، حين ينزل بهم العقاب. تم تفسير سورة الطارق- و الحمد للّه ربّ العالمين.

سورة الأعلى‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] يأمر تعالى، بتسبيحه المتضمن لذكره و عبادته، و الخضوع لجلاله، و الاستكانة لعظمته، و أن يكون تسبيحا، يليق بعظمة اللّه تعالى، بأن تذكر أسماؤه الحسنى العالية على كل اسم بمعناها العظيم الجليل. و تذكر أفعاله التي منها أنه خلق المخلوقات، فسواها، أي: أتقن و أحسن خلقها.

[3] وَ الَّذِي قَدَّرَ تقديرا، تتبعه جميع المقدرات‏ فَهَدى‏ إلى ذلك جميع المخلوقات. و هذه هي الهداية العامة، التي مضمونها أنه هدى كل مخلوق لمصلحته، و تذكر فيها نعمه الدنيوية، و لهذا قال:

[4] وَ الَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى‏ (4)، أي:

أنزل من السماء ماء، فأنبت به أصناف النبات، و العشب الكثير، فرتع فيه الناس و البهائم، و جميع الحيوانات.

[5] ثم بعد أن استكمل ما قدر له من الشباب، ألوى نباته، و صوّح عشبه. فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى‏ (5)، أي:

أسود، أي: جعله هشيما رميما، و يذكر فيها نعمه الدينية. و لهذا امتنّ بأصلها و مادتها، و هو القرآن فقال:

[6] سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى‏ (6)، أي: سنحفظ ما أوحيناه إليك من الكتاب، و نوعيه قلبك، فلا تنسى منه شيئا. و هذه بشارة من اللّه كبيرة، لعبده، و رسوله، محمد صلّى اللّه عليه و سلّم، أن اللّه سيعلمه علما لا ينساه.

[7] إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ‏ مما اقتضت حكمته أن ينسيكه لمصلحة، و حكمة بالغة. إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَ ما يَخْفى‏ و من ذلك أنه يعلم ما يصلح عباده، أي:

فلذلك يشرع ما أراد، و يحكم بما يريد.

[8] وَ نُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى‏ (8) و هذه أيضا بشارة أخرى، أن اللّه ييسر رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم لليسرى في جميع أموره، و يجعل شرعه و دينه يسيرا.

[9] فَذَكِّرْ بشرع اللّه و آياته‏ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى‏ ، أي: ما دامت الذكرى مقبولة، و الموعظة مسموعة، سواء حصل من الذكرى جميع المقصود، أو بعضه. و مفهوم الآية أنه إن لم تنفع الذكرى، بأن كان التذكير يزيد في الشر، أو ينقص من الخير، لم تكن مأمورا بها، بل هي منهي عنها.

[10] فالذكرى ينقسم الناس فيها قسمين: منتفعون، و غير منتفعين. فأما المنتفعون، فقد ذكرهم بقوله:

سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى‏ (10) اللّه، فإن خشية اللّه تعالى، و العلم بمجازاته على الأعمال، توجب للعبد الانكفاف عما يكرهه اللّه، و السعي في الخيرات.

[11- 12] و أما غير المنتفعين، فذكرهم بقوله: وَ يَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى‏ (12) و هي: النار الموقدة، التي تطلع على الأفئدة.

[13] ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى‏ (13)، أي: يعذب عذابا أليما، من غير راحة و لا استراحة، حتى إنهم يتمنون الموت، فلا يحصل لهم، كما قال تعالى: لا يُقْضى‏ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1108

وَ لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها .

[14] قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى‏ (14)، أي: قد فاز و ربح من طهر نفسه و نقّاها من الشرك و الظلم و مساوئ الأخلاق.

[15] وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى‏ (15)، أي: اتصف بذكر اللّه، و انصبغ به قلبه، فأوجب له ذلك العمل بما يرضي اللّه، خصوصا الصلاة، التي هي ميزان الإيمان، هذا معنى الآية.

و أما من فسر قوله: «تزكى» يعني أخرج زكاة الفطر، و ذكر اسم ربه فصلى، أنه صلاة العيد، فإنه و إن كان داخلا في اللفظ، و بعض جزئياته، فليس هو المعنى وحده.

[16] بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (16)، أي: تقدمونها على الآخرة، و تختارون نعيمها المنغص المكدر الزائل، على الآخرة.

[17] وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ وَ أَبْقى‏ (17): خير من الدنيا في كل وصف مطلوب، و أبقى لكونها دار خلد و بقاء، و الدنيا دار فناء. فالمؤمن العاقل، لا يختار الأردأ على الأجود، و لا يبيع لذة ساعة، بترحة الأبد. فحب الدنيا و إيثارها على الآخرة رأس كل خطيئة.

[18- 19] إِنَّ هذا المذكور لكم في هذه السورة المباركة، من الأوامر الحسنة، و الأخبار المستحسنة لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى‏ (18) صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى‏ (19) اللذين هما أشرف المرسلين، بعد محمد صلّى اللّه و سلم عليه و عليهم أجمعين. فهذه أوامر في كل شريعة، لكونها عائدة إلى مصالح الدارين، و هي مصالح في كل زمان و مكان، و للّه الحمد. تم تفسير سورة الأعلى.

تفسير سورة الغاشية

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] يذكر تعالى أحوال يوم القيامة و ما فيها من الأهوال الطامّة، و أنها تغشى الخلائق بشدائدها، فيجازون بأعمالهم، و يتميزون إلى فريقين: فريق في الجنة، و فريق في السعير. فأخبر عن وصف كلا الفريقين، فقال في وصف أهل النار:

[2] وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ، أي: يوم القيامة خاشِعَةٌ من الذل و الفضيحة، و الخزي.

[3] عامِلَةٌ ناصِبَةٌ (3)، أي: تاعبة في العذاب، تجرّ على وجوهها، و تغشى وجوههم النار. و يحتمل أن المراد بقوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ (2) عامِلَةٌ ناصِبَةٌ (3) في الدنيا لكونهم في الدنيا أهل عبادات و عمل. و لكنه لما عدم شرطه و هو الإيمان، صار يوم القيامة هباء منثورا. و هذا الاحتمال و إن كان صحيحا، من حيث المعنى، فلا يدل عليه سياق الكلام، بل الصواب المقطوع به هو الاحتمال الأول، لأنه قيده بالظرف، و هو يوم القيامة، و لأن المقصود هنا بيان ذكر أهل النار عموما، و ذلك الاحتمال جزء قليل بالنسبة إلى أهل النار؛ و لأن الكلام في بيان حال الناس عند

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1109

غشيان الغاشية، فليس فيه تعرض لأحوالهم في الدنيا.

[4- 5] و قوله: تَصْلى‏ ناراً حامِيَةً (4)، أي: شديدا حرها، تحيط بهم من كل مكان‏ تُسْقى‏ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5)، أي: شديدة الحرارة وَ إِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ‏ فهذا شرابهم.

[6- 7] و أما طعامهم، فإنهم‏ لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لا يُسْمِنُ وَ لا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ‏ (7) و ذلك لأن المقصود من الطعام، أحد أمرين: إما أن يسد جوع صاحبه و يزيل عنه ألمه، و إما أن يسمن بدنه من الهزال.

هذا الطعام ليس فيه شي‏ء من هذين الأمرين، بل هو طعام في غاية المرارة و النتن و الخسة، نسأل اللّه العافية.

[8] و أما أهل الخير، فوجوههم يوم القيامة ناعِمَةٌ ، أي: قد جرت عليهم نضرة النعيم، فنضرت أبدانهم، و استنارت وجوههم، و سروا غاية السرور.

[9] لِسَعْيِها الذي قدمته في الدنيا من الأعمال الصالحة، و الإحسان إلى عباد اللّه. راضِيَةٌ إذا وجدت ثوابه، مدخرا مضاعفا، فحمدت عقباه، و حصل لها كل ما تتمناه.

[10] و ذلك أنها فِي جَنَّةٍ جامعة لأنواع النعيم كلها، عالِيَةٍ في محلها و منازلها، فمحلها في أعلى عليين، و منازلها مساكن عالية، لها غرف، و من فوق الغرف غرف مبنية يشرفون منها على ما أعد اللّه لهم من الكرامة. قُطُوفُها دانِيَةٌ (23)، أي: كثيرة الفواكه اللذيذة، المثمرة بالثمار الحسنة، السهلة التناول، بحيث ينالونها على أي حال كانوا، لا يحتاجون أن يصعدوا شجرة، أو يستعصي عليهم منها ثمرة.

[11] لا تَسْمَعُ فِيها ، أي: في الجنة لاغِيَةً ، أي: كلمة لغو و باطل فضلا عن الكلام المحرم، بل كلامهم، كلام حسن نافع، مشتمل على ذكر اللّه، و ذكر نعمه المتواترة عليهم، و على الآداب الحسنة بين المتعاشرين، الذي يسر القلوب، و يشرح الصدور.

[12] فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ (12)، و هذا اسم جنس، أي: فيها العيون الجارية التي يفجرونها و يصرفونها كيف شاءوا، و أنّى أرادوا.

[13] فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13)، و «السرر» جمع «سرير»، و هي: المجالس المرتفعة في ذاتها، و بما عليها من الفرش اللينة الوطيئة.

[14] وَ أَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ (14)، أي: أوان ممتلئة من أنواع الأشربة اللذيذة قد وضعت بين أيديهم، و أعدت لهم، و صارت تحت طلبهم و اختيارهم، يطوف بها عليهم، الولدان المخلدون.

[15] وَ نَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15)، أي: و سائد من الحرير و الإستبرق و غيرهما، مما لا يعلمه إلا اللّه. قد صفت للجلوس و الاتكاء عليها، و قد أريحوا، عن أن يصنعوها، أو يصفّوها بأنفسهم.

[16] وَ زَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16) و الزرابي هي: البسط الحسان، مبثوثة، أي: مملوءة بها مجالسهم من كل جانب.

[17] يقول تعالى حثّا للذين لا يصدقون الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم، و لغيرهم من الناس، أن يتفكروا في مخلوقات اللّه الدالة على توحيده: أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ‏ (17)، أي: ألا ينظرون إلى خلقها البديع، و كيف سخرها اللّه للعباد، و ذللها لمنافعهم الكثيرة، التي يضطرون إليها.

[19] وَ إِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ‏ (19) بهيئة باهرة، حصل بها الاستقرار للأرض، و ثباتها من الاضطراب، و أودع فيها من المنافع الجليلة ما أودع.

[20] وَ إِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ‏ (20)، أي: مدت مدا واسعا، و سهلت غاية التسهيل، ليستقر العباد على ظهرها، و يتمكنوا من حرثها

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1110

و غراسها، و البنيان فيها، و سلوك طرقها. و اعلم أن تسطيحها لا ينافي أنها كرة مستديرة، قد أحاطت الأفلاك فيها من جميع جوانبها، كما دل على ذلك النقل و العقل، و الحس و المشاهدة، كما هو مذكور معروف عند كثير من الناس، خصوصا في هذه الأزمنة، التي وقف فيها الناس على أكثر أرجائها، بما أعطاهم اللّه من الأسباب المقربة للبعيد. فإن التسطيح، إنما ينافي كروية الجسم الصغير جدا، الذي لو سطح، لم يبق له استدارة تذكر. و أما جسم الأرض الذي هو كبير جدا و واسع، فيكون كرويا مسطحا، و لا يتنافى الأمران، كما يعرف ذلك أرباب الخبرة.

[21] فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21)، أي: ذكّر الناس و عظهم و أنذرهم و بشّرهم، فإنك مبعوث لدعوة الخلق إلى اللّه و تذكيرهم، و لم تبعث مسيطرا عليهم، مسلّطا، و لا موكّلا بأعمالهم. فإذا قمت بما عليك، فلا عليك بعد ذلك لوم، كقوله تعالى: وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ .

[23- 24] و قوله: إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَ كَفَرَ (23)، أي: لكن من تولى عن الطاعة و كفر باللّه‏ فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ (24)، أي: الشديد الدائم.

[25] إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ‏ (25) أي: رجوع الخلائق و جمعهم في يوم القيامة.

[26] ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ‏ (26) على ما عملوا، من خير و شر.

تفسير سورة الفجر

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

صفحه بعد