کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 893

النّعم، من ربوبيته، و إيجابها للشكر، من ألوهيته. خالِقُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ تقرير لربوبيته. لا إِلهَ إِلَّا هُوَ تقرير أنه المستحق للعبادة وحده، لا شريك له. ثم صرّح بالأمر بعبادته فقال: فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ‏ أي: كيف تصرفون عن عبادته، وحده لا شريك له، بعد ما أبان لكم الدليل، و أنار لكم السبيل؟

[63] كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ‏ (63) أي: عقوبة على جحدهم لآيات اللّه، و تعديهم على رسله، صرفوا عن التوحيد و الإخلاص كما قال تعالى: وَ إِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى‏ بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ‏ (127).

[64] اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً أي: قارة ساكنة، مهيأة لكل مصالحكم، تتمكنون من حرثها و غرسها، و البناء عليها، و السفر، و الإقامة فيها.

وَ السَّماءَ بِناءً سقفا للأرض، التي أنتم فيها، قد جعل اللّه فيها ما تنتفعون به من الأنوار و العلامات، التي يهتدى بها في ظلمات البر و البحر. وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ‏ فليس في جنس الحيوانات، أحسن صورة من بني آدم.

كما قال تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ‏ (4). و إذا أردت أن تعرف حسن الآدمي و كمال حكمة اللّه تعالى فيه، فانظر إليه، عضوا عضوا، هل تجد عضوا من أعضائه، يليق به و يصلح أن يكون في غير محله؟ و انظر أيضا، إلى الميل الذي في القلوب، بعضهم لبعض، هل تجد ذلك في غير الآدميين؟ و انظر إلى ما خصه اللّه به من العقل و الإيمان، و المحبة و المعرفة، التي هي أحسن الأخلاق المناسبة لأجمل الصور. وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ‏ و هذا شامل لكل طيب، من مأكل، و مشرب، و منكح، و ملبس، و منظر، و مسمع و غير ذلك، من الطيبات التي يسرها اللّه لعباده، و يسر لهم أسبابها. و منعهم من الخبائث، التي تضادها، و تضر أبدانهم، و قلوبهم و أديانهم. ذلِكُمُ‏ الذي دبر الأمور، و أنعم عليكم بهذه النعم‏ اللَّهُ رَبُّكُمْ‏ . فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ‏ أي: تعاظم، و كثر خيره و إحسانه، المربي جميع العالمين بنعمه.

[65] هُوَ الْحَيُ‏ الذي له الحياة الكاملة التامة، المستلزمة لما تستلزمه من صفاته الذاتية، التي لا تتم حياته إلا بها، كالسمع، و البصر، و القدرة، و العلم، و الكلام، و غير ذلك، من صفات كماله، و نعوت جلاله. لا إِلهَ إِلَّا هُوَ أي: لا معبود بحق، إلا وجهه الكريم. فَادْعُوهُ‏ و هذا شامل لدعاء العبادة، و دعاء المسألة مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ‏ أي: اقصدوا بكل عبادة و دعاء و عمل، وجه اللّه تعالى. فإن الإخلاص، هو المأمور به كما قال تعالى: وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ . الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ (2) أي: جميع المحامد و المدائح و الثناء، بالقول كنطق الخلق بذكره. و الفعل، كعبادتهم له، كل ذلك للّه تعالى وحده لا شريك له، لكماله في أوصافه و أفعاله، و تمام نعمه.

[66] لما ذكر الأمر بإخلاص العبادة للّه وحده، و ذكر الأدلة على ذلك و البينات، صرح بالنهي عن عبادة ما سواه فقال: قُلْ‏ يا أيها النبي‏ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ‏ من الأوثان و الأصنام، و كل ما عبد من دون اللّه. و لست على شك من أمري، بل على يقين و بصيرة، و لهذا قال: لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَ أُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ‏ بقلبي و لساني، و جوارحي، بحيث تكون منقادة لطاعته، مستسلمة لأمره، و هذا أعظم مأمور به، على الإطلاق. كما أن النهي عن عبادة ما سواه، أعظم منهيّ عنه، على الإطلاق. ثم قرر هذا التوحيد، بأنه الخالق لكم، و المطور لخلقتكم.

[67] فكما خلقكم وحده، فاعبدوه وحده فقال: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ‏ و ذلك بخلقه لأصلكم و أبيكم، آدم، عليه السلام. ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ و هذا ابتداء خلق سائر النوع الإنساني، ما دام في بطن أمه. فنبه بالابتداء، على بقية الأطوار، من العلقة، فالمضغة، فالعظام، فنفخ الروح. ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَ‏ هكذا تنتقلون في الخلقة الإلهية. لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ‏ من قوة العقل و البدن، و جميع قواه الظاهرة و الباطنة. ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَ مِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ‏ بلوغ الأشد وَ لِتَبْلُغُوا بهذه الأطوار المقدرة أَجَلًا مُسَمًّى‏ تنتهي عنده أعماركم. وَ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ‏ أحوالكم، فتعلمون أن المطور لكم في هذه الأطوار، كامل الاقتدار، و أنه الذي‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 894

لا تنبغي العبادة إلا له، و أنكم ناقصون من كل وجه.

[68] هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ‏ أي: هو المنفرد بالإحياء و الإماتة، فلا تموت نفس بسبب أو بغير سبب، إلا بإذنه. وَ ما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَ لا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ . فَإِذا قَضى‏ أَمْراً جليلا أو حقيرا فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ‏ لا رد في ذلك، و لا مثنوية، و لا تمنع.

[69- 72] أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ‏ الواضحة البينة متعجبا من حالهم الشنيعة. أَنَّى يُصْرَفُونَ‏ أي: كيف ينعدلون عنها؟ و إلى أي شي‏ء يذهبون بعد البيان التام؟ هل يجدون آيات بيّنات تعارض آيات اللّه؟ لا و اللّه. أم يجدون شبها توافق أهواءهم، و يصولون بها، لأجل باطلهم؟

فبئس ما استبدلوا و اختاروا لأنفسهم، بتكذيبهم بالكتاب، الذي جاءهم من اللّه، و بما أرسل اللّه به رسله، الذين هم خير الخلق و أصدقهم، و أعظمهم عقولا. فهؤلاء لا جزاء لهم سوى النار الحامية، و لهذا توعدهم اللّه بعذابها فقال:

فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ‏ التي لا يستطيعون معها حركة. وَ السَّلاسِلُ‏ التي يقرنون بها، هم و شياطينهم‏ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ‏ أي: الماء الذي اشتد غليانه و حره. ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ‏ يوقد عليهم اللهب العظيم، فيصلون بها، ثم يوبخون على شركهم و كذبهم.

[73- 74]. ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ‏ هل نفعوكم، أو دفعوا عنكم بعض العذاب؟

قالُوا ضَلُّوا عَنَّا أي: غابوا و لم يحضروا، و لو حضروا لم ينفعوا ثم إنهم أنكروا فقالوا: بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ‏ يحتمل أن مرادهم بذلك، الإنكار، و ظنوا أنه ينفعهم و يفيدهم. و يحتمل- و هو الأظهر- أن مرادهم بذلك، الإقرار على بطلان إلهية ما كانوا يعبدون، و أنه ليس للّه شريك في الحقيقة، و إنما هم ضالون مخطئون، بعبادة معدوم الإلهية. و يدل على هذا قوله تعالى: كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ‏ أي: كذلك الضلال، الذي كانوا عليه في الدنيا، الضلال الواضح لكل أحد، حتى إنهم بأنفسهم، يقرون ببطلانه يوم القيامة. و يتبين لهم معنى قوله تعالى: وَ ما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ‏ و يدل عليه قوله تعالى: وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ‏ وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى‏ يَوْمِ الْقِيامَةِ الآيات.

[75- 76] و يقال لأهل النار ذلِكُمْ‏ العذاب، الذي نوع عليكم‏ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ بِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ‏ أي: تفرحون بالباطل الذي أنتم عليه، و بالعلوم التي خالفتم بها علوم الرسل. و تمرحون على عباد اللّه، بغيا، و عدوانا، و ظلما، و عصيانا، كما قال تعالى في آخر هذه السورة. فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ‏ . و كما قال قوم قارون له: لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ‏ . و هذا هو الفرح المذموم الموجب للعقاب. بخلاف الفرح الممدوح الذي قال اللّه فيه: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا و هو الفرح بالعلم النافع، و العمل الصالح. ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ‏ كل بطبقة من طبقاتها، على قدر عمله. خالِدِينَ فِيها لا يخرجون منها أبدا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ‏ .

مثوى يخزون فيه، و يهانون، و يحبسون، و يعذبون، و يترددون بين حرها و زمهريرها.

[77] أي: فَاصْبِرْ يا أيها الرسول، على دعوة قومك، و ما ينالك منهم، من أذى. و استعن على صبرك‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 895

بإيمانك‏ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌ‏ سينصر دينه، و يعلي كلمته، و ينصر رسله في الدنيا و الآخرة. و استعن على ذلك أيضا، بتوقيع العقوبة بأعدائك في الدنيا و الآخرة، و لهذا قال:

فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ‏ في الدنيا فذاك‏ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ‏ قبل عقوبتهم‏ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ‏ فنجازيهم بأعمالهم، وَ لا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ‏ .

[78] ثم سلّاه و صبّره، بذكر إخوانه المرسلين فقال:

وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا إلى‏ الْمُبْطِلُونَ‏ . أي: و لقد أرسلنا من قبلك رسلا كثيرين إلى قومهم، يدعونهم و يصبرون على أذاهم. مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ‏ خبرهم‏ وَ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ‏ . و كل الرسل مدبرون، ليس بيدهم شي‏ء من الأمر. وَ ما كانَ لِرَسُولٍ‏ منهم‏ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ من الآيات السمعية و العقلية إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ‏ أي: بمشيئته و أمره. فاقتراح المقترحين على الرسل، الإتيان بالآيات، ظلم منهم، و تعنت، و تكذيب بعد أن أيدهم اللّه بالآيات الدالة على صدقهم، و صحة ما جاءوا به. فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ‏ بالفصل بين الرسل و أعدائهم، و الفتح. قُضِيَ‏ بينهم‏ بِالْحَقِ‏ الذي يقع الموقع، و يوافق الصواب بإنجاء الرسل و أتباعهم، و إهلاك المكذبين، و لهذا قال: وَ خَسِرَ هُنالِكَ‏ أي: وقت القضاء المذكور الْمُبْطِلُونَ‏ الّذين وصفهم الباطل، و ما جاءوا به من العلم و العمل باطل، و غايتهم المقصودة لهم باطلة. فليحذر هؤلاء المخاطبون، أن يستمروا على باطلهم، فيخسروا، كما خسر أولئك. فإن هؤلاء لا خير منهم، و لا لهم براءة في الكتب بالنجاة.

[79] اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَ مِنْها تَأْكُلُونَ (79) وَ لَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَ لِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَ عَلَيْها وَ عَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (80) وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ‏ (81) يمتن تعالى على عباده، بما جعل لهم من الأنعام، التي بها جملة من المنافع. منها: منافع الركوب عليها، و الحمل. و منها: منافع الأكل من لحومها، و الشرب من ألبانها. و منها: الدف‏ء، و اتخاذ الآلات و الأمتعة، من أصوافها، و أوبارها و أشعارها، إلى غير ذلك من المنافع.

[80] وَ لِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ‏ من الوصول إلى الأقطار البعيدة، و حصول السرور بها، و الفرح عند أهلها. وَ عَلَيْها وَ عَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ‏ أي: على الرواحل البرية، و الفلك البحرية، يحملكم اللّه الذي سخرها، و هيأ لها ما هيأ من الأسباب، التي لا تتم إلا بها.

[81] وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ‏ الدالة على وحدانيته، و أسمائه، و صفاته. و هذا من أكبر نعمه، حيث أشهد عباده، آياته النفسية، و آياته الأفقية، و نعمه الباهرة، و عدّدها عليهم، ليعرفوه، و يشكروه، و يذكروه. فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ‏ أي: أي آية من آياته، لا تعترفون بها؟ فإنكم قد تقرر عندكم، أن جميع الآيات و النعم منه تعالى. فلم يبق للإنكار محل، و لا للإعراض عنها موضع. بل أوجبت لذوي الألباب، بذل الجهد، و استفراغ الوسع، للاجتهاد في طاعته، و التبتل في خدمته، و الانقطاع إليه.

[82] أَ فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ‏ يحث تعالى، المكذبين لرسولهم، على السير في الأرض، بأبدانهم، و قلوبهم:

و سؤال العالمين. فَيَنْظُرُوا نظر فكر و استدلال، لا نظر غفلة و إهمال. كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ‏ من الأمم السالفة، كعاد، و ثمود و غيرهم، ممن‏ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَ أَشَدَّ قُوَّةً وَ آثاراً فِي الْأَرْضِ‏ من الأبنية الحصينة،

تيسير الكريم الرحمن، ص: 896

و الغراس الأنيقة، و الزروع الكثيرة فَما أَغْنى‏ عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ‏ حين جاءهم أمر اللّه. فلم تغن عنهم قوتهم، و لا افتدوا بأموالهم، و لا تحصنوا بحصونهم.

[83] ثمّ ذكر جرمهم الكبير فقال: فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ‏ من الكتب الإلهية، و الخوارق العظيمة، و العلم النافع المبين، الهادي من الضلال، و الحقّ من الباطل‏ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ‏ المناقض لدين الرسل. و من المعلوم، أن فرحهم به، يدل على شدة رضاهم به، و تمسكهم، و معاداة الحقّ، الذي جاءت به الرسل، و جعل باطلهم حقا، و هذا عام لجميع العلوم، التي نوقض بها ما جاءت به الرسل. و من أحقها بالدخول في هذا، علوم الفلسفة، و المنطق اليوناني، الذي ردّت به كثير من آيات القرآن، و نقصت قدره في القلوب، و جعلت أدلته اليقينية القاطعة، أدلة لفظية، لا تفيد شيئا من اليقين، و يقدم عليها عقول أهل السفه و الباطل.

و هذا من أعظم الإلحاد في آيات اللّه، و المعارضة لها، و المناقضة، فاللّه المستعان. وَ حاقَ بِهِمْ‏ أي: نزل و أحاط بهم‏ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ‏ من العذاب.

[84] فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا أي: عذابنا، أقروا حيث لا ينفعهم الإقرار قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ‏ من الأصنام و الأوثان و تبرأنا من كل ما خالف الرسل، من علم أو عمل.

[85] فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا أي: في تلك الحال، و هذه‏ سُنَّتَ اللَّهِ‏ و عادته‏ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ‏ أن المكذبين حين ينزل بهم بأس اللّه و عقابه إذا آمنوا، كان إيمانهم غير صحيح، و لا منجيا لهم من العذاب. و ذلك لأنه إيمان ضرورة قد اضطروا إليه، و إيمان مشاهدة. و إنّما الإيمان الذي ينجي صاحبه، هو الإيمان الاختياري، الذي يكون إيمانا بالغيب، و ذلك قبل وجود قرائن العذاب. وَ خَسِرَ هُنالِكَ‏ أي: وقت الإهلاك، و إذاقة البأس‏ الْكافِرُونَ‏ دينهم و دنياهم و أخراهم. و لا يكفي مجرد الخسارة، في تلك الدار، بل لا بد من خسران يشقي في العذاب الشديد، و الخلود فيه، دائما أبدا.

تفسير سورة فصّلت‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1- 2] يخبر تعالى عباده أن هذا الكتاب الجليل و القرآن الجميل‏ تَنْزِيلٌ‏ صادر مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ الذي وسعت رحمته كل شي‏ء، الذي من أعظم رحمته و أجلّها، إنزال هذا الكتاب، الذي حصل به، من العلم و الهدى، و النور، و الشفاء، و الرحمة، و الخير الكثير، ما هو من أجلّ نعمه على العباد، و هو الطريق للسعادة في الدارين.

[3] ثمّ أثنى على الكتاب بتمام البيان فقال: فُصِّلَتْ آياتُهُ‏ أي: فصل كل شي‏ء من أنواعه على حدته، و هذا

تيسير الكريم الرحمن، ص: 897

يستلزم البيان التام، و التفريق بين كل شي‏ء، و تمييز الحقائق.

قُرْآناً عَرَبِيًّا أي: باللغة الفصحى أكمل اللغات، فصّلت آياته و جعل عربيا. لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ‏ أي: لأجل أن يتبين لهم معناه، كما يتبين لفظه. و يتضح لهم الهدى من الضلال، و الغيّ من الرشاد. و أما الجاهلون، الّذين لا يزيدهم الهدى إلا ضلالا، و لا البيان إلا عمى فهؤلاء لم يسق الكلام لأجلهم، سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* .

[4] بَشِيراً وَ نَذِيراً أي: بشيرا بالثواب العاجل و الآجل، و نذيرا بالعقاب العاجل و الآجل و ذكر تفصيلهما، و ذكر الأسباب و الأوصاف التي تحصل بها البشارة و النذارة. و هذه الأوصاف للكتاب، مما يوجب أن يتلّقى بالقبول، و الإذعان، و الإيمان به، و العمل به. و لكن أعرض أكثر الخلق إعراض المستكبرين، فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ‏ له سماع قبول و إجابة، و إن كانوا قد سمعوه سماعا، تقوم عليهم به الحجة الشرعية.

[5] وَ قالُوا أي: هؤلاء المعرضون عنه، مبينين عدم انتفاعهم به، بسد الأبواب الموصلة إليه: قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ أي: أغطية مغشاة مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَ فِي آذانِنا وَقْرٌ أي: صمم فلا نسمع‏ وَ مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ‏ فلا نراك. القصد من ذلك، أنهم أظهروا الإعراض عنه، من كل وجه، و أظهروا بغضه، و الرضا بما هم عليه، و لهذا قالوا: فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ‏ أي: كما رضيت بالعمل بدينك، فإننا راضون كل الرضا بالعمل في ديننا. و هذا من أعظم الخذلان، حيث رضوا بالضلال عن الهدى، و استبدلوا الكفر بالإيمان، و باعوا الآخرة بالدنيا.

[6- 7] قُلْ‏ لهم، يا أيها النبي: إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى‏ إِلَيَ‏ أي: هذه صفتي و وظيفتي، أني بشر مثلكم، ليس بيدي من الأمر شي‏ء، و لا عندي ما تستعجلون به. و إنّما فضلني اللّه عليكم، و ميّزني، و خصّني، بالوحي الذي أوحاه إليّ و أمرني باتباعه، و دعوتكم إليه. فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ‏ أي: اسلكوا الصراط الموصل إلى اللّه تعالى، بتصديق الخبر الذي أخبر به، و اتباع الأمر، و اجتناب النهي، هذه حقيقة الاستقامة، ثمّ الدوام على ذلك.

و في قوله: إِلَيْهِ‏ تنبيه على الإخلاص، و أن العامل ينبغي له أن يجعل مقصوده و غايته، التي يعمل لأجلها، الوصول إلى اللّه، و إلى دار كرامته، فبذلك يكون عمله خالصا صالحا نافعا، و بفواته، يكون عمله باطلا. و لما كان العبد، و لو حرص على الاستقامة، لا بد أن يحصل منه خلل بتقصير بمأمور، أو ارتكاب منهي، أمرهم بدواء ذلك بالاستغفار المتضمن للتوبة فقال: وَ اسْتَغْفِرُوهُ‏ ثمّ توعّد من ترك الاستقامة فقال: وَ وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ أي: الّذين عبدوا من دونه، من لا يملك نفعا و لا ضرا، و لا موتا، و لا حياة، و لا نشورا. و دسوا أنفسهم، فلم يزكوها بتوحيد ربهم و الإخلاص له، و لم يصلوا و لا زكوا، فلا إخلاص منهم للخالق بالتوحيد و الصلاة، و لا نفع للخلق منهم بالزكاة و غيرها. وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ‏ أي: لا يؤمنون بالبعث، و لا بالجنة و النار. فلذلك لما زال الخوف من قلوبهم، أقدموا على ما أقدموا عليه، مما يضرهم في الآخرة.

[8] و لما ذكر الكافرين، ذكر المؤمنين، و وصفهم و جزاءهم، فقال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بهذا الكتاب، و ما اشتمل عليه مما دعا إليه‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 898

من الإيمان، و صدقوا إيمانهم بالأعمال الصالحة الجامعة للإخلاص، و المتابعة. لَهُمْ أَجْرٌ أي: عظيم‏ غَيْرُ مَمْنُونٍ‏ أي: غير مقطوع و لا نافد، بل هو مستمر مدى الأوقات، متزايد على الساعات، مشتمل على جميع اللذات و المشتهيات.

[9] ينكر تعالى و يعجّب، من كفر الكافرين به، الّذين جعلوا معه أندادا يشركونهم معه، و يبذلون لهم ما يشاءون من عباداتهم، و يسوونهم بالرب العظيم، الملك الكريم، الذي خلق الأرض الكثيفة العظيمة، في يومين، ثمّ دحاها في يومين، بأن جعل فيها رواسي من فوقها، ترسيها عن الزوال و التزلزل و عدم الاستقرار.

[10] فكمل خلقها، و دحاها، و أخرج أقواتها، و توابع ذلك‏ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ‏ عن ذلك، فلا ينبئك مثل خبير. فهذا هو الخبر الصادق الذي لا زيادة فيه و لا نقص.

[11] ثُمَ‏ بعد أن خلق الأرض‏ اسْتَوى‏ أي: قصد إِلَى‏ خلق‏ السَّماءِ وَ هِيَ دُخانٌ‏ قد ثار على وجه الماء. فَقالَ لَها و لما كان هذا التخصيص يوهم الاختصاص، عطف عليه بقوله: وَ لِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً أي: انقادا لأمري، طائعتين أو مكرهتين، فلا بد من نفوذه. قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ‏ أي: ليس لنا إرادة تخالف إرادتك.

[12] فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ‏ فتمّ خلق السموات و الأرض في ستة أيام، أولها يوم الأحد، و آخرها يوم الجمعة، مع أن قدرة اللّه و مشيئته، صالحة لخلق الجميع في لحظة واحدة. و لكن مع أنه قدير، فهو حكيم رفيق. فمن حكمته و رفقه، أن جعل خلقها في هذه المدة المقدرة. و اعلم أن ظاهر هذه الآية، مع قوله تعالى في النازعات، لما ذكر خلق السموات قال:

وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (30) يظهر منها التعارض، مع أن كتاب اللّه، لا تعارض فيه و لا اختلاف. و الجواب عن ذلك، ما قاله كثير من السلف، أن خلق الأرض و صورتها، متقدم على خلق السموات كما هنا، و دحا الأرض بأن‏ أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَ مَرْعاها (31) وَ الْجِبالَ أَرْساها (32) متأخر عن خلق السموات كما في سورة النازعات، و لهذا قال:

وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (30) أَخْرَجَ مِنْها إلى آخره و لم يقل: «و الأرض بعد ذلك خلقها». و قوله: وَ أَوْحى‏ فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها أي: الأمر و التدبير اللائق بها، الذي اقتضته حكمة أحكم الحاكمين. وَ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ‏ هي:

النجوم، يستنار بها، و يهتدى، و تكون زينة و جمالا، للسماء ظاهرا. وَ حِفْظاً لها، باطنا، يجعلها رجوما للشياطين، لئلا يسترق السمع فيها، ذلِكَ‏ المذكور، من الأرض و ما فيها، و السماء و ما فيها تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الذي عزته، قهر بها الأشياء و دبرها، و خلق بها المخلوقات. الْعَلِيمِ‏ الذي أحاط علمه بالمخلوقات، الغائب و الشاهد.

[13] فترك المشركين الإخلاص لهذا الرب العظيم الواحد القهار، الذي انقادت المخلوقات لأمره و نفذ فيها قدره، من أعجب الأشياء. و اتخاذهم له أندادا يسوونهم به، و هم ناقصون في أوصافهم، و أفعالهم، أعجب و أعجب. و لا دواء لهؤلاء، إن استمر إعراضهم، إلا العقوبات الدنيوية و الأخروية. فلهذا خوفهم بقوله: فَإِنْ أَعْرَضُوا إلى قوله: كافِرُونَ‏ . أي: فإن أعرض هؤلاء المكذبون، بعد ما بيّن لهم من أوصاف القرآن الحميدة،

تيسير الكريم الرحمن، ص: 899

و من صفات الإله العظيم‏ فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً أي: عذابا يستأصلكم و يجتاحكم. مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَ ثَمُودَ القبيلتين المعروفتين، حيث اجتاحهم العذاب، و حلّ عليهم و بيل العقاب، و ذلك بظلمهم و كفرهم.

[14] إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ‏ أي: يتبع بعضهم بعضا متوالين، و دعوتهم جميعا واحدة. أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ‏ أي:

يأمرونهم بالإخلاص للّه، و ينهونهم عن الشرك. فردوا رسالتهم و كذبوهم و قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً أي:

و أما أنتم فبشر مثلنا فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ‏ و هذه الشبهة لم تزل متوارثة بين المكذبين، من الأمم، و هي من أوهى الشّبه. فإنه ليس من شرط الإرسال، أن يكون المرسل ملكا. و إنّما شرط الرسالة، أن يأتي الرسول بما يدل على صدقه. فليقدحوا إن استطاعوا بصدقهم، بقادح عقلي أو شرعي، و لن يستطيعوا إلى ذلك سبيلا.

[15] هذا تفصيل لقصة هاتين الأمتين، عاد، و ثمود.

فَأَمَّا عادٌ فكانوا- مع كفرهم باللّه، و جحودهم بآيات اللّه، و كفرهم برسله- مستكبرين في الأرض، قاهرين لمن حولهم من العباد، ظالمين لهم، قد أعجبتهم قوتهم. وَ قالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً قال تعالى ردا عليهم، بما يعرفه كل أحد: أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً فلو لا خلقه إياهم، لم يوجدوا. فلو نظروا إلى هذه الحال نظرا صحيحا، لم يغتروا بقوتهم. فعاقبهم اللّه عقوبة، تناسب قوتهم، التي اغتروا بها.

[16] فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً أي: ريحا عظيمة، من قوّتها و شدتها، لها صوت مزعج، كالرعد القاصف. فسخرها اللّه عليهم‏ فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ‏ سَبْعَ لَيالٍ وَ ثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى‏ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ . فدمرتهم و أهلكتهم، فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم. و قال هنا: لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا الذي اختزوا به و افتضحوا بين الخليقة. وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى‏ وَ هُمْ لا يُنْصَرُونَ‏ أي: لا يمنعون من عذاب اللّه، و لا ينفعون أنفسهم.

[17] وَ أَمَّا ثَمُودُ و هم القبيلة المعروفة الّذين سكنوا الحجر و حواليه، الّذين أرسل اللّه إليهم صالحا عليه السّلام، يدعوهم إلى توحيد ربهم، و ينهاهم عن الشرك. و آتاهم اللّه الناقة، آية عظيمة، لها شرب و لهم شرب يوم معلوم، يشربون لبنها يوما، و يشربون من الماء يوما، و ليسوا ينفقون عليها، بل تأكل من أرض اللّه. و لهذا قال هنا:

وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ‏ أي: هداية بيان. و إنّما نص عليهم، و إن كان جميع الأمم المهلكة، قد قامت عليهم الحجة، و حصل لهم البيان، لأن آية ثمود آية باهرة، قد رآها صغيرهم و كبيرهم، و ذكرهم و أنثاهم، و كانت آية مبصرة، فلهذا خصهم بزيادة البيان و الهدى. و لكنهم- من ظلمهم و شرهم- استحبوا العمى- الذي هو الكفر و الضلال- على الهدى، الذي هو: العلم و الإيمان. فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ‏ لا ظلما من اللّه لهم.

[18] وَ نَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ‏ (18) أي: نجّى اللّه صالحا عليه السّلام، و من اتبعه من المؤمنين المتقين للشرك، و المعاصي.

صفحه بعد