کتابخانه تفاسیر
تيسير الكريم الرحمن، ص: 15
ترجمة المؤلف بقلم أحد تلاميذه
1- اسمه و نسبه و مولده و نشأته في اليتم:
هو الشيخ أبو عبد اللّه عبد الرحمن بن ناصر بن عبد اللّه بن ناصر آل سعدي من قبيلة تميم، ولد في بلدة عنيزة في القصيم، و ذلك بتاريخ 12 محرم عام ألف و ثلاثمائة و سبع من الهجرة النبوية (1307 ه/ 1887 م)، و توفيت أمه و له أربع سنين، و توفي والده و له سبع سنين، فتربى يتيما.
و لكنه نشأ نشأة حسنة، و كان قد استرعى الأنظار منذ حداثة سنّه بذكائه و رغبته الشديدة في العلوم، و قد قرأ القرآن بعد وفاة والده ثم حفظه عن ظهر قلب، و أتقنه و عمره أحد عشر سنة، ثم اشتغل في التعلم على علماء بلده و على من قدم بلده من العلماء، فاجتهد وجد حتى نال الحظ الأوفر من كل فن من فنون العلم، و لما بلغ من العمر ثلاثا و عشرين سنة جلس للتدريس فكان يتعلم و يعلّم، و يقضي جميع أوقاته في ذلك، حتى أنه في عام ألف و ثلاثمائة و خمسين صار التدريس ببلده راجعا إليه؛ و معول جميع الطلبة في التعلم عليه.
2- شيوخه:
أخذ عن الشيخ إبراهيم بن حمد بن جاسر، و هو أوّل من قرأ عليه، و كان المؤلف يصف شيخه بحفظه للحديث، و يتحدث عن ورعه و محبته للفقراء و مواساتهم، و كثيرا ما يأتيه الفقير في اليوم الشاتي فيخلع أحد ثوبيه و يلبسه الفقير مع حاجته إليه، و قلة ذات يده رحمه اللّه.
و من مشايخ المؤلف الشيخ محمد بن عبد الكريم الشبل، قرأ عليه في الفقه و علوم العربية و غيرهما.
و منهم الشيخ صالح بن عثمان القاضي (قاضي عنيزة) قرأ عليه في التوحيد و التفسير و الفقه:
أصوله و فروعه و علوم العربية، و هو أكثر من قرأ عليه المؤلّف و لازمه ملازمة تامة حتى توفي رحمه اللّه.
و منهم الشيخ عبد اللّه بن عايض، و منهم الشيخ صعب القويجري، و منهم الشيخ علي السناني.
تيسير الكريم الرحمن، ص: 16
و منهم الشيخ علي الناصر أبو واداي، قرأ عليه في الحديث، و أخذ عنه الأمهات الست و غيرها و أجازه في ذلك.
و منهم الشيخ محمد بن الشيخ عبد العزيز المحمد المانع (مدير المعارف في المملكة العربية السعودية) في وقتنا الحالي، و قد قرأ عليه المؤلف في عنيزة.
و من مشايخه الشيخ محمد الشنقيطي (نزيل الحجاز قديما ثم الزبير) لما قدم عنيزة و جلس فيها للتدريس قرأ عليه المؤلف في التفسير و الحديث و مصطلح الحديث و علوم العربية كالنحو و الصرف و نحو هما.
3- نبذة من أخلاق المؤلف:
كان- رحمه اللّه- على جانب كبير من الأخلاق الفاضلة، متواضعا للصغير و الكبير و الغني و الفقير، يقضي بعض وقته في الاجتماع بمن يرغب حضوره فيكون مجلسهم ناديا علميا، حيث إنه يحرص أن يحتوي على البحوث العلمية و الاجتماعية و يحصل لأهل المجلس فوائد عظمى من هذه البحوث النافعة التي يشغل وقتهم فيها، فتنقلب مجالسهم العادية عبادة و مجالس علمية، و يتكلم مع كل فرد بما يناسبه، و يبحث معه في المواضيع النافعة له دنيا و آخرة، و كثيرا ما يحل المشاكل برضاء الطرفين في الصلح العادل.
و كان ذا شفقة على الفقراء و المساكين و الغرباء، مادا يد المساعدة لهم بحسب قدرته، يستعطف لهم المحسنين ممن يعرف عنهم حب الخير في المناسبات.
و كان على جانب كبير من الأدب و العفة و النزاهة و الحزم في كل أعماله.
و كان من أحسن الناس تعليما و أبلغهم تفهيما، مرتبا لأوقات التعليم، و يعمل المناظرات بين تلاميذه المحصلين لشحذ أفكارهم، و يجعل الجعل لمن يحفظ بعض المتون؛ و كل من حفظه أعطي الجعل و لا يحرم منه أحد. و يتشاور مع تلاميذه في اختيار الأنفع من كتب الدراسة، و يرجح ما عليه رغبة أكثرهم، و مع التساوي يكون هو الحكم، و لا يمل التلاميذ من طول وقت الدراسة إذا طال، لأنهم يتلذذون من مجالسته، و لذا حصل له من التلاميذ المحصلين عدد كثير و لا يزال كذلك، متع اللّه بحياته؛ و بارك اللّه لنا و له في الأوقات، و رزقنا و إياه التزود من الباقيات الصالحات.
4- مكانة المؤلف بالمعلومات:
كان ذا معرفة تامة في الفقه: أصوله و فروعه. و في أول أمره متمسكا بالمذهب الحنبلي تبعا لمشائخه، و حفظ بعض المتون من ذلك، و كان له مصنف في أول أمره في الفقه، نظم رجز نحو أربعمائة بيت و شرحه شرحا مختصرا، و لكنه لم يرغب ظهوره، لأنه على ما يعتقده أولا.
تيسير الكريم الرحمن، ص: 17
و كان أعظم اشتغاله و انتفاعه بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية و تلميذه ابن القيم، و حصل له خير كثير بسببهما: في علم الأصول و التوحيد و التفسير و الفقه و غيرها من العلوم النافعة، و بسبب استنارته بكتب الشيخين المذكورين صار لا يتقيد بالمذهب الحنبلي؛ بل يرجح ما ترجح عنده بالدليل الشرعي.
و لا يطعن في علماء المذهب كبعض المتهوسين، هدانا اللّه و إياهم للصواب المستبين.
و له اليد الطولى في التفسير- إذ قرأ عدة تفاسير- و برع فيه، و ألف تفسيرا جليلا في عدة مجلدات، فسره بالبديهة من غير أن يكون عنده وقت لتصنيف كتاب تفسير و لا غيره، و دائما يقرأ و التلاميذ في القرآن الكريم و يفسره ارتجالا، و يستطرد و يبين من معاني القرآن و فوائده؛ و يستنبط منه الفوائد البديعة و المعاني الجليلة، حتى أن سامعه يود أن لا يسكت لفصاحته و جزالة لفظه و توسعه في سياق الأدلة و القصص.
و من اجتمع به و قرأ عليه و بحث معه، عرف مكانته في المعلومات، و كذلك من قرأ مصنفاته و فتاويه.
5- مصنفاته
و هي كثيرة نذكر منها:
1- «تفسير القرآن الكريم المسمى «تيسير الكريم الرحمن» أكمله في عام 1344 ه و هو كتابنا الذي بين يديك.
2- «حاشية على الفقه» استدراكا على جميع الكتب المستعملة في المذهب الحنبلي. و لم تطبع.
3- «إرشاد أولي البصائر و الألباب لمعرفة الفقه بأقرب الطرق و أيسر الأسباب»، رتّبه على السؤال و الجواب، طبع بمطبعة الترقي في دمشق عام 1365 ه على نفقة المؤلف و وزعه مجانا.
4- «الدرة المختصرة في محاسن الإسلام». طبع في مطبعة أنصار السنة عام 1366 ه.
5- «الخطبة العصرية القيمة»، لما آل إليه أمر الخطابة في بلده اجتهد أن يخطب في كل عيد و جمعة بما يناسب الوقت الحاضر في المواضيع المهمة التي يحتاج الناس إليها، ثم جمعها و طبعها مع الدرة المختصرة في مطبعة أنصار السنة على نفقته و وزعها مجانا.
6- «القواعد الحسان لتفسير القرآن»، طبعها في مطبعة أنصار السنة عام 1366 ه. و وزع مجانا.
7- «تنزيه الدين و حملته و رجاله، مما افتراه القصيمي في أغلاله»، طبع في مطبعة دار إحياء الكتب العربية على نفقة وجيه الحجاز «الشيخ محمد أفندي نصيف» عام 1366 ه.
تيسير الكريم الرحمن، ص: 18
8- «الحق الواضح المبين، في شرح توحيد الأنبياء و المرسلين».
9- «توضيح الكافية الشافية». و هو كالشرح لنونية الشيخ ابن القيم.
10- «وجوب التعاون بين المسلمين، و موضوع الجهاد الديني»، و هذه الثلاثة الأخيرة طبعت بالقاهرة بالمطبعة السلفية على نفقة المؤلف و وزعها مجانا.
11- «القول السديد في مقاصد التوحيد»، طبع في مصر «بمطبعة الإمام» على نفقة عبد المحسن أبا بطين عام 1367 ه.
12- «مختصر في أصول الفقه»، لم يطبع.
13- «تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن». طبع على نفقة المؤلف و جماعة من المحسنين، وزع مجانا. طبع بمطبعة الإمام.
14- «الرياض الناضرة»، طبع بمطبعة الإمام (الطبعة الأولى).
15- و له فوائد منثورة و فتاوى كثيرة في أسئلة شتى ترد إليه من بلده و غيره و يجيب عليها.
و له تعليقات شتى على كثير مما يمر عليه من الكتب.
و كانت الكتابة سهلة يسيرة عليه جدا، حتى أنه كتب من الفتاوى و غيرها شيئا كثيرة. و مما كتب نظم ابن عبد القوي المشهور؛ و أراد أن يشرحه شرحا مستقلا فرآه شاقا عليه؛ فجمع بينه و بين الإنصاف بخط يده ليساعد على فهمه فكان كالشرح له؛ و لهذا لم نعده من مصنفاته.
6- غايته من التصنيف:
و كان غاية قصده من التصنيف نشر العلم و الدعوة إلى الحق، و لهذا يؤلف و يكتب و يطبع ما يقدر عليه من مؤلفاته، لا ينال منها غرضا زائلا، أو يستفيد منها عرض الدنيا، بل يوزعها مجانا ليعم النفع بها.
فجزاه اللّه عن الإسلام و المسلمين خيرا، و وفقنا اللّه إلى ما فيه رضاه.
7- وفاته:
و بعد عمر طويل دام قرابة (69) عاما في خدمة العلم، انتقل إلى جوار ربّه في عام 1376 ه/ 1956 م في مدينة عنيزة من بلاد القصيم، رحمه اللّه رحمة واسعة.
تيسير الكريم الرحمن، ص: 19
تيسير الكريم الرّحمن في تفسير كلام المنّان تأليف العلّامة الشيخ أبي عبد اللّه عبد الرحمن بن ناصر بن عبد اللّه بن ناصر آل سعدي (ت 1376 ه)
تيسير الكريم الرحمن، ص: 21
مقدمة المؤلف
الحمد للّه الذي أنزل على عبده الفرقان الفارق بين الحلال و الحرام، و السعداء و الأشقياء، و الحق و الباطل.
و جعله- برحمته- هدى للناس عموما، و للمتقين خصوصا- من ضلال الكفر، و المعاصي و الجهل، إلى نور الإيمان و التقوى و العلم.
و أنزله شفاء للصدور، من أمراض الشبهات و الشهوات، و يحصل به اليقين و العلم، في المطالب العاليات، و شفاء للأبدان من أمراضها، و عللها، و آلامها، و أسقامها.
و أخبر أنه لا ريب فيه، و لا شك، بوجه من الوجوه، و ذلك لاشتماله على الحق العظيم، في أخباره، و أوامره، و نواهيه.
و أنزله مباركا، فيه الخير الكثير، و العلم الغزير، و الأسرار البديعة، و المطالب الرفيعة. فكل بركة و سعادة تنال في الدنيا و الآخرة، فسببها الاهتداء به و اتباعه.
و أخبر أنه مصدق و مهيمن، على الكتب السابقة. فما شهد له، فهو الحق، و ما رده فهو المردود لأنه تضمنها و زاد عليها. و قال تعالى فيه: يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ .
فهو هاد لدار السلام، مبين لطريق الوصول إليها، و حاث عليها، كاشف عن الطريق الموصلة إلى دار الآلام و محذر عنها. و قال تعالى مخبرا عنه: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ .
فبين آياته أكمل تبيين، و أتقنها أي إتقان، و فصلها بتمييز الحق من الباطل، و الرشد من الضلال، تفصيلا كاشفا للبس، لكونه صادرا من حكيم خبير.
فلا يخبر إلا بالصدق و الحق و اليقين، و لا يأمر إلا بالعدل و الإحسان و البر. و لا ينهى إلا عن المضار الدينية و الدنيوية.
و أقسم تعالى بالقرآن، و وصفه بأنه «مجيد» و المجيد: سعة الأوصاف و عظمتها، و ذلك لسعة معاني القرآن و عظمتها. و وصفه بأنه «ذو الذكر» أي: يتذكر به العلوم الإلهية و الأخلاق الجميلة و الأعمال الصالحة، و يتعظ به من يخشى.
و قال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2)، و أنزله بهذا اللسان لنعقله و نفهمه، و أمرنا بتدبره، و التفكر فيه، و الاستنباط لعلومه. و ما ذاك إلا لأن تدبره مفتاح كل خير، محصل للعلوم و الأسرار.
فللّه الحمد و الشكر و الثناء، على أن جعل كتابه هدى و شفاء و رحمة و نورا، و تبصرة و تذكرة، و عبرة و بركة، و هدى و بشرى للمسلمين.
فإذا علم هذا، علم افتقار كل مكلف لمعرفة معانيه و الاهتداء بها.
و كان حقيقا بالعبد أن يبذل جهده، و يستفرغ وسعه في تعلمه و تفهمه بأقرب الطرق الموصلة إلى ذلك.