کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 772

يبق إلا جزاء العمال. يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ‏ أي: يتفرقون عن ذلك اليوم، و يصدرون أشتاتا متفاوتين، ليروا أعمالهم.

[44] مَنْ كَفَرَ منهم‏ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ‏ و يعاقب هو بنفسه، لا تزر وازرة وزر أخرى. وَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً من الحقوق، الّتي للّه، و الّتي للعباد، الواجبة و المستحبة.

فَلِأَنْفُسِهِمْ‏ لا لغيرهم‏ يَمْهَدُونَ‏ أي: يهيئون، و لأنفسهم يعمرون آخرتهم، و يستعدون للفوز بمنازلها و غرفاتها. و مع ذلك، جزاؤهم ليس مقصورا على أعمالهم، بل يجزيهم اللّه من فضله الممدود، و كرمه غير المحدود، ما لا تبلغه أعمالهم. و ذلك لأنه أحبهم، و إذا أحب اللّه عبدا، صبّ عليه الإحسان صبا، و أجزل له العطايا الفاخرة، و أنعم عليه بالنعم الظاهرة و الباطنة.

[45] و هذا بخلاف الكافرين، فإن اللّه لما أبغضهم و مقتهم، عاقبهم و عذبهم، و لم يزدهم كما زاد من قبلهم، فلهذا قال: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ‏ .

[46] وَ مِنْ آياتِهِ‏ أي: و من الأدلة الدالة على رحمته و بعثه الموتى، و أنه الإله المعبود، و الملك المحمود. أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ‏ أمام المطر مُبَشِّراتٍ‏ بإثارتها للسحاب، ثمّ جمعها، فتستبشر بذلك النفوس قبل نزوله. وَ لِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ‏ فينزل عليكم مطرا، تحيا به البلاد و العباد، و تذوقون من رحمته ما تعرفون أن رحمته، هي المنقذة للعباد الجالبة لأرزاقهم. فتشتاقون إلى الإكثار من الأعمال الصالحة، الفاتحة لخزائن الرحمة. وَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ‏ في البحر بِأَمْرِهِ‏ القدري‏ وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ‏ بالتصرف في معايشكم و مصالحكم. وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ‏ من سخر لكم الأسباب، و سير لكم الأمور. فهذا المقصود من النعم، أن تقابل بشكر اللّه تعالى، ليزيدكم اللّه منها، و يبقيها عليكم. و أما مقابلة النعم بالكفر و المعاصي، فهذه حال من بدّل نعمة اللّه كفرا، و منحته محنة، و هو معرض لها للزوال، و الانتقال منه إلى غيره.

[47] أي: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ‏ في الأمم السالفين‏ رُسُلًا إِلى‏ قَوْمِهِمْ‏ حين جحدوا توحيد اللّه، و كذّبوا بالحق، فجاءتهم رسلهم يدعونهم إلى التوحيد و الإخلاص، و التصديق بالحق، و بطلان ما هم عليه، من الكفر و الضلال. و جاؤوهم بالبينات و الأدلة على ذلك، فلم يؤمنوا، و لم يزولوا عن غيهم. فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا و نصرنا المؤمنين، أتباع الرسل. وَ كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ‏ أي: أوجبنا ذلك على أنفسنا، و جعلناه من جملة الحقوق المتعينة و وعدنا به، فلا بد من وقوعه. فأنتم أيها المكذبون لمحمد صلّى اللّه عليه و سلّم، إن بقيتم على تكذيبكم، حلّت بكم العقوبة، و نصرناه عليكم.

[48] يخبر تعالى عن كمال قدرته، و تمام نعمته، أنه‏ يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً من الأرض. فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ أي: يمده و يوسعه‏ كَيْفَ يَشاءُ أي: على أي حالة أرادها من ذلك. وَ يَجْعَلُهُ‏ أي: ذلك السحاب الواسع‏ كِسَفاً أي: سحابا ثخينا، قد طبق بعضه فوق بعض. فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ‏ أي: السحاب، نقطا صغارا متفرقة، لا تنزل جميعا، فتفسد ما أتت عليه. فَإِذا أَصابَ بِهِ‏ بذلك المطر مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ‏ يبشر بعضهم بعضا بنزوله، و ذلك لشدة حاجتهم، و اضطرارهم إليه، فلهذا قال:

تيسير الكريم الرحمن، ص: 773

[49- 50] وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ‏ (49) أي: آيسين قانطين، لتأخر وقت مجيئه.

أي: فلما نزل في تلك الحال، صار له موقع عظيم عندهم، و فرح و استبشار. فَانْظُرْ إِلى‏ آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها فاهتزت و ربت، و أنبتت من كلّ زوج كريم. إِنَّ ذلِكَ‏ الذي أحيا الأرض بعد موتها لَمُحْيِ الْمَوْتى‏ وَ هُوَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ فقدرته تعالى، لا يتعاصى عليها شي‏ء، و إن تعاصى على قدر خلقه، و دق عن أفهامهم، و حارت فيه عقولهم.

[51] يخبر تعالى عن حالة الخلق، و أنهم مع هذه النّعم عليهم بإحياء الأرض بعد موتها، و نشر رحمة اللّه تعالى، لو أرسلنا على هذا النبات الناشئ عن المطر، و على زروعهم، ريحا مضرة متلفة أو منقصة. فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا قد تداعى إلى التلف‏ لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ‏ . فينسون النعم الماضية، و يبادرون إلى الكفر.

[52] و هؤلاء، لا ينفع فيهم وعظ و لا زجر فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى‏ وَ لا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ بالأولى‏ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ‏ فإن الموانع قد توفرت فيهم عن الانقياد و السماع النافع كتوفر هذه الموانع المذكورة، عن سماع الصوت الحسي.

[53] وَ ما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ‏ لأنهم لا يقبلون الإبصار بسبب عماهم فليس فيهم قابلية له. إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ‏ فهؤلاء الّذين ينفع فيهم إسماع الهدى، المؤمنون بآياتنا بقلوبهم، المنقادون لأوامرنا، المسلمون لنا؛ لأن معهم الداعي القوي لقبول النصائح و المواعظ، و هو استعدادهم للإيمان بكل آية من آيات اللّه، و استعدادهم لتنفيذ ما يقدرون عليه من أوامر اللّه.

[54] يخبر تعالى، عن سعة علمه، و عظيم اقتداره، و كمال حكمته، أنه ابتدأ خلق الآدميين من ضعف، و هو الأطوار الأولى من خلقه، من نطفة إلى علقة، إلى مضغة إلى أن صار حيوانا في الأرحام، إلى أن ولد، و هو في سن الطفولة، و هو إذ ذلك في غاية الضعف، و عدم القوة و القدرة. ثمّ ما زال اللّه يزيد في قوته، شيئا فشيئا، حتى بلغ الشباب، و استوت قوته، و كملت قواه الظاهرة و الباطنة. ثمّ انتقل من هذا الطور، و رجع إلى الضعف و الشيبة و الهرم. يَخْلُقُ ما يَشاءُ بحسب حكمته. و من حكمته، أن يرى العبد ضعفه، و أن قوته محفوفة بضعفين، و أنه ليس له من نفسه، إلا النقص. و لو لا تقوية اللّه له، لما وصل إلى قوة و قدرة، و لو استمرت قوته في الزيادة، لطغا، و بغى، و عتا. و ليعلم العباد، كمال قدرة اللّه، الّتي لا تزال مستمرة، يخلق بها الأشياء، و يدبر بها الأمور و لا يلحقها إعياء، و لا ضعف، و لا نقص، بوجه من الوجوه.

[55] يخبر تعالى عن يوم القيامة، و سرعة مجيئه، و أنه إذا قامت الساعة يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ‏ باللّه أنهم‏ ما لَبِثُوا في الدنيا غَيْرَ ساعَةٍ . و ذلك اعتذار منهم لعله ينفعهم العذر، و استقصار لمدة الدنيا. و لما كان قولهم كذبا لا حقيقة له، قال تعالى: كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ‏ أي: ما زالوا- و هم في الدنيا- يؤفكون عن الحقائق، و يأتفكون الكذب. ففي الدنيا، كذّبوا الحقّ الذي جاء به المرسلون. و في الآخرة، أنكروا الأمر المحسوس، و هو اللبث الطويل‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 774

في الدنيا. فهذا خلقهم القبيح، و العبد يبعث على ما مات عليه.

[56] وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِيمانَ‏ أي: منّ اللّه عليهم بهما، و صار وصفا لهم، العلم بالحق، و الإيمان المستلزم إيثار الحقّ. و إذا كانوا عالمين بالحق، مؤثرين له، لزم أن يكون قولهم مطابقا للواقع، مناسبا لأحوالهم. فلهذا قالوا الحقّ: لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ‏ أي: في قضائه و قدره، الذي كتبه اللّه عليكم، و في حكمه‏ إِلى‏ يَوْمِ الْبَعْثِ‏ أي: عمرا، يتذكر فيه المتذكر، و يتدبر فيه المتدبر، و يعتبر فيه المعتبر، حتى صار البعث، و وصلتم إلى هذه الحال. فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَ لكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ‏ فلذلك أنكرتموه في الدنيا، و أنكرتم إقامتكم في الدنيا وقتا، تتمكنون فيه من الإنابة و التوبة. فلم يزل الجهل شعاركم، و آثاره من التكذيب و الخسار دثاركم.

[57] فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ‏ فإن كذبوا، و زعموا أنهم ما قامت عليهم الحجة، أو ما تمكنوا من الإيمان، ظهر كذبهم، بشهادة أهل العلم و الإيمان، و شهادة جلدهم، و أيديهم، و أرجلهم. و إن طلبوا الإعذار و أن يردّوا فلا يعودوا لما نهوا عنه، لم يمكّنوا، فإنه فات وقت الإعذار، فلا تقبل معذرتهم. وَ لا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ‏ أي: لا يزال عتبهم، و العتاب عنهم.

[58] أي: وَ لَقَدْ ضَرَبْنا لأجل عنايتنا، و رحمتنا، و لطفنا، و حسن تعليمنا. لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ‏ تتضح به الحقائق، و تعرف به الأمور، و تنقطع به الحجة. و هذا عام في الأمثال، الّتي يضربها اللّه، في تقريب الأمور المعقولة بالمحسوسة. و في الإخبار، بما سيكون، و جلاء حقيقته، حتى كأنه وقع. و منه في هذا الموضع، ذكر اللّه تعالى، ما يكون يوم القيامة و حالة المجرمين فيه و شدة أسفهم، و أنه لا يقبل منهم عذر و لا عتاب. و لكن أبى الظالمون الكافرون، إلا معاندة الحقّ الواضح، و لهذا قال: وَ لَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ أي: أي آية، تدل على صحة ما جئت به‏ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ‏ أي: قالوا للحق: إنه باطل. و هذا من كفرهم و جراءتهم، و طبع اللّه على قلوبهم، و جهلهم المفرط، و لهذا قال:

[59] كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى‏ قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ‏ (59) فلا يدخلها خير، و لا تدرك الأشياء على حقيقتها، بل ترى الحقّ باطلا، و الباطل حقا.

[60] فَاصْبِرْ على ما أمرت به، و على دعوتهم إلى اللّه. و لو رأيت منهم إعراضا، فلا يصدنك ذلك. إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌ‏ أي: لا شك فيه، و هذا مما يعين على الصبر، فإن العبد إذا علم أن عمله غير ضائع، بل سيجده كاملا، هان عليه ما يلقاه من المكاره، و تيسر عليه كلّ عسير، و استقل من عمله كلّ كثير. وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ‏ أي: قد ضعف إيمانهم، و قلّ يقينهم، فخفت لذلك أحلامهم، و قلّ صبرهم. فإيّاك أن يستخفك هؤلاء، فإنك إن تجعلهم منك على بال، و تحذر منهم، و إلا استخفوك، و حملوك على عدم الثبات، على الأوامر و النواهي. و النفس تساعدهم على هذا و تطلب التشبه و الموافقة. و هذا مما يدل على أن كلّ مؤمن موقن، رزين‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 775

العقل، يسهل عليه الصبر. و كلّ ضعيف اليقين، ضعيف العقل خفيفه. فالأول، بمنزلة اللب، و الآخر بمنزلة القشور. فاللّه المستعان. تم تفسير سورة الروم.

تفسير سورة لقمان‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1- 2] يشير تعالى إشارة دالة على التعظيم إلى‏ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ‏ أي: إن آياته محكمة، صدرت من حكيم خبير. و من إحكامها، أنها جاءت بأجلّ الألفاظ و أفصحها، و أبينها، الدالة على أجل المعاني و أحسنها. و من إحكامها، أنها محفوظة من التغيير و التبديل، و الزيادة و النقص، و التحريف. و من إحكامها: أن جميع ما فيها من الأخبار السابقة و اللاحقة، و الأمور الغيبية كلها، مطابقة للواقع، مطابق لها الواقع، لم يخالفها كتاب من الكتب الإلهية، و لم يخبر بخلافها نبي من الأنبياء، و لم يأت، و لن يأتي علم محسوس و لا معقول صحيح، يناقض ما دلت عليه. و من إحكامها: أنها ما أمرت بشي‏ء، إلا هو خالص المصلحة، أو راجحها. و لا نهت عن شي‏ء، إلا و هو خالص المفسدة، أو راجحها. و كثيرا ما يجمع بين الأمر بالشي‏ء، مع ذكر حكمته و فائدته، و النهي عن الشي‏ء، مع ذكر مضرته. و من إحكامها: أنها جمعت بين الترغيب و الترهيب، و الوعظ البليغ: الذي تعتدل به النفوس الخيرة، و تحتكم، فتعمل بالحزم. و من إحكامها: أنك تجد آياتها المتكررة، كالقصص، و الأحكام و نحوها، قد اتفقت كلها و تواطأت، فليس فيها تناقض، و لا اختلاف. فكلما ازداد بها البصير تدبرا، و أعمل فيها العقل تفكرا، انبهر عقله، و ذهل لبه من التوافق و التواطؤ، و جزم جزما لا يمترى فيه، أنه تنزيل من حكيم حميد. و لكن- مع أنه حكيم- يدعو إلى كلّ خلق كريم، و ينهى عن كلّ خلق لئيم. أكثر الناس محرومون من الاهتداء به، معرضون عن الإيمان و العمل به، إلا من وفقه اللّه تعالى و عصمه، و هم المحسنون في عبادة ربهم و المحسنون إلى الخلق.

[3] فإنه‏ هُدىً‏ لهم، يهديهم إلى الصراط المستقيم، و يحذرهم من طرق الجحيم. وَ رَحْمَةً لهم، تحصل لهم به، السعادة في الدنيا و الآخرة، و الخير الكثير، و الثواب الجزيل، و الفرح، و يندفع عنهم الضلال و الشقاء.

[4] ثمّ وصف المحسنين، بالعلم التام، و هو اليقين الموجب للعمل و الخوف من عقاب اللّه، فيتركون معاصيه.

و وصفهم بالعمل و خص من العمل، عملين فاضلين. يُقِيمُونَ الصَّلاةَ المشتملة على الإخلاص، و مناجاة اللّه تعالى، و التعبد العام للقلب و اللسان، و الجوارح المعينة، على سائر الأعمال. وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ الّتي تزكي صاحبها:

من الصفات الرذيلة، و تنفع أخاه المسلم، و تسد حاجته، و يبين بها أن العبد يؤثر محبة اللّه على محبته للمال، فيخرج محبوبه من المال، لما هو أحب إليه، و هو طلب مرضاة اللّه.

[5] أُولئِكَ‏ المحسنون، الجامعون بين العلم التام و العمل‏ عَلى‏ هُدىً‏ أي: عظيم، كما يفيده التنكير.

و ذلك الهدى حاصل لهم، و واصل إليهم‏ مِنْ رَبِّهِمْ‏ الذي لم يزل يربيهم بالنعم، و يدفع عنهم النقم. و هذا الهدى الذي أوصله إليهم، من تربيته الخاصة بأوليائه، و هو أفضل أنواع التربية. وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏ الّذين أدركوا رضا ربهم، و ثوابه الدنيوي و الأخروي، و سلموا من سخطه و عقابه. و ذلك لسلوكهم طريق الفلاح، الذي لا طريق له غيرها.

[6- 7] و لما ذكر تعالى المهتدين بالقرآن، المقبلين عليه، ذكر من أعرض عنه، و لم يرفع به رأسا، و أنه عوقب على‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 776

ذلك، بأن تعوض عنه كلّ باطل من القول، فترك أعلى الأقوال، و أحسن الحديث، و استبدل به أسفل قول و أقبحه، فلذلك قال: وَ مِنَ النَّاسِ‏ إلى‏ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏ .

أي‏ وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ‏ هو محروم مخذول‏ يَشْتَرِي‏ أي:

يختار و يرغب رغبة من يبذل الثمن في الشي‏ء. لَهْوَ الْحَدِيثِ‏ أي: الأحاديث الملهية للقلوب، الصادّة لها عن أجلّ مطلوب. فدخل في هذا، كل كلام محرم، و كلّ لغو، و باطل، و هذيان من الأقوال المرغبة في الكفر، و الفسوق، و العصيان، و من أقوال الرادين على الحقّ، المجادلين بالباطل ليدحضوا به الحقّ، و من غيبة، و نميمة، و كذب، و شتم، و سب، و من غناء و مزامير شيطان، و من المجريات الملهية، التي لا نفع فيها في دين و لا دنيا. فهذا الصنف من الناس، يشتري لهو الحديث، عن هدي الحديث‏ لِيُضِلَ‏ الناس‏ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ‏ أي: بعد ما ضل هو في فعله، أضل غيره، لأن الإضلال، ناشى‏ء عن الضلال. و إضلاله في هذا الحديث، صده عن الحديث النافع، و العمل النافع، و الحقّ المبين، و الصراط المستقيم. و لا يتم له هذا، حتى يقدح في الهدى و الحقّ، الذي جاءت به آيات اللّه.

وَ يَتَّخِذَها هُزُواً يسخر بها، و بمن جاء بها. فإذا جمع بين مدح الباطل و الترغيب فيه، و القدح في الحقّ، و الاستهزاء به و بأهله، أضل من لا علم عنده و خدعه بما يوحيه إليه، من القول الذي لا يميزه ذلك الضال، و لا يعرف حقيقته. أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ‏ بما ضلوا، و استهزؤوا بآيات اللّه، و كذّبوا الحقّ الواضح. و لهذا قال:

وَ إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِ آياتُنا ليؤمن بها و ينقاد لها. وَلَّى مُسْتَكْبِراً أي: أدبر إدبار مستكبر عنها، رادّ لها، و لم تدخل قلبه و لا أثرت فيه، بل أدبر عنها كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها بل‏ كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً أي: صمما لا تصل إليه الأصوات، فهذا لا حيلة في هدايته. فَبَشِّرْهُ‏ بشارة تؤثر في قلبه الحزن و الغم، و في بشرته السوء، و الظلمة، و الغبرة.

بِعَذابٍ أَلِيمٍ‏ مؤلم لقلبه، و لبدنه، لا يقادر قدره، و لا يدري بعظيم أمره. فهذه بشارة أهل الشر، فلا نعمت البشارة.

[8] و أما بشارة أهل الخير فقال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ‏ جمعوا بين عبادة الباطن بالإيمان، و الظاهر بالإسلام، و العمل الصالح. لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ‏ بشارة لهم بما قدموه، و قرى لهم بما أسلفوه. خالِدِينَ فِيها أي، في جنات النعيم، نعيم الروح، و البدن.

[9] وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا لا يمكن أن يخلف، و لا يغير، و لا يتبدل. وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏ كامل العزة، كامل الحكمة. من عزته و حكمته، أن وفّق من وفّق، و خذل من خذل، بحسب ما اقتضاه علمه فيهم، و حكمته.

[10] يتلو تعالى على عباده، آثارا من آثار قدرته، و بدائع من بدائع حكمته، و نعما من آثار رحمته، فقال:

خَلَقَ السَّماواتِ‏ السبع، على عظمها، وسعتها، و كثافتها، و ارتفاعها الهائل. بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها أي: ليس لها عمد، و لو كان لها عمد لرؤيت و إنّما استقرت و استمسكت، بقدرة اللّه تعالى. وَ أَلْقى‏ فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ‏ أي: جبالا عظيمة، ركزها في أرجائها و أنحائها، لئلا تَمِيدَ بِكُمْ‏ فلو لا الجبال الراسيات، لمادت الأرض، و لما استقرت‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 777

بساكنها. وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ أي: نشر في الأرض الواسعة، من جميع أصناف الدواب، التي هي مسخرة لبني آدم، و لمصالحهم، و منافعهم. و لما بثها في الأرض، علم تعالى أنه لا بد لها من رزق تعيش به، فأنزل من السماء ماء مباركا. فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ‏ المنظر، نافع مبارك، فرتعت فيه الدواب المنبثة، و سكن إليه كل حيوان.

[11] هذا أي: خلق العالم العلوي و السفلي، من جماد، و حيوان، و سوق أرزاق الخلق إليهم‏ خَلْقُ اللَّهِ‏ وحده لا شريك له، كل مقر بذلك حتى أنتم يا معشر المشركين. فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ‏ أي: الّذين جعلتموهم له شركاء، تدعونهم و تعبدونهم، يلزم على هذا، أن يكون لهم خلق كخلقه، و رزق كرزقه. فإن كان لهم شي‏ء من ذلك، فأرونيه، ليصح ما ادعيتم فيهم من استحقاق العبادة. و من المعلوم أنهم لا يقدرون أن يروه شيئا من الخلق لها، لأن جميع المذكورات، قد أقروا أنها خلق اللّه وحده، و لا ثمّ شي‏ء يعلم غيرها. فثبت عجزهم عن إثبات شي‏ء لها تستحق به أن تعبد. و لكن عبادتهم إياها، عن غير علم و بصيرة، بل عن جهل و ضلال، و لهذا قال: بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ‏ أي: جلي واضح حيث عبدوا من لا يملك نفعا و لا ضرا و لا موتا و لا حياة و لا نشورا، و تركوا الإخلاص للخالق الرازق المالك لكل الأمور.

[12] يخبر تعالى عن امتنانه على عبده الفاضل لقمان، بالحكمة، و هي العلم بالحق على وجهه و حكمته، فهي العلم بالأحكام، و معرفة ما فيها، من الأسرار و الإحكام. فقد يكون الإنسان عالما، و لا يكون حكيما. و أما الحكمة، فهي مستلزمة للعلم، بل و للعمل، و لهذا فسرت الحكمة بالعلم النافع، و العمل الصالح. و لما أعطاه اللّه هذه المنة العظيمة، أمره أن يشكره على ما أعطاه، ليبارك له فيه، و ليزيده من فضله، و أخبره أن شكر الشاكرين، يعود نفعه عليهم، و أن من كفر فلم يشكر اللّه، عاد و بال ذلك عليه. فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌ‏ عنه‏ حَمِيدٌ فيما يقدره و يقضيه، على من خالف أمره. فغناه تعالى، من لوازم ذاته، و كونه حميدا في صفات كماله، حميدا في جميل صنعه، من لوازم ذاته، و كلّ واحد من الوصفين، صفة كمال، و اجتماع أحدهما إلى الآخر، زيادة كمال إلى كمال.

[13] و اختلف المفسرون، هل كان لقمان نبيا، أو عبدا صالحا؟ و اللّه تعالى لم يذكر عنه إلا أنه آتاه الحكمة، و ذكر بعض ما يدل على حكمته، في وعظه لابنه. فذكر أصول الحكمة و قواعدها الكبار فقال: وَ إِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَ هُوَ يَعِظُهُ‏ . و قال له قولا يعظه به، و الوعظ: الأمر، و النهي، المقرون بالترغيب و الترهيب. فأمره بالإخلاص، و نهاه عن الشرك، و بيّن له السبب في ذلك فقال: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ‏ و وجه كونه ظلما عظيما، أنه لا أفظع و لا أبشع ممن سوّى المخلوق من تراب، بمالك الرقاب. و سوّى الذي لا يملك من الأمر شيئا، بمالك الأمر كله.

و سوّى الناقص الفقير من جميع الوجوه، بالرب الكامل الغني من جميع الوجوه. و سوّى من لا يستطيع أن ينعم بمثقال ذرة من النّعم، بالذي ما بالخلق من نعمة في دينهم، و دنياهم، و أخراهم، و قلوبهم، و أبدانهم، إلا منه، و لا يصرف السوء إلا هو. فهل أعظم من هذا الظلم شي‏ء؟ و هل أعظم ظلما، ممن خلقه اللّه لعبادته و توحيده، فذهب بنفسه الشريفة، فجعلها في أخس المراتب؟ جعلها عابدة لمن لا يسوى شيئا، فظلم نفسه ظلما كبيرا.

[14] و لما أمر بالقيام بحقه، بترك الشرك الذي من لوازمه القيام بالتوحيد، أمر بالقيام بحق الوالدين فقال:

وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ‏ أي: عهدنا إليه، و جعلناه وصية عنده، سنسأله عن القيام بها، و هل حفظها أم لا؟ فوصيناه‏ بِوالِدَيْهِ‏ و قلنا له‏ اشْكُرْ لِي‏ بالقيام بعبوديتي، و أداء حقوقي، و أن لا تستعين بنعمي على معصيتي.

وَ لِوالِدَيْكَ‏ بالإحسان إليهما بالقول اللين، و الكلام اللطيف، و الفعل الجميل، و التواضع لهما، و إكرامهما، و إجلالهما، و القيام بمؤونتهما و اجتناب الإساءة إليهما من كلّ وجه، بالقول و الفعل. فوصيناه بهذه الوصية، و أخبرناه أن‏ إِلَيَّ الْمَصِيرُ أي: سترجع أيها الإنسان إلى من وصاك، و كلفك بهذه الحقوق، فيسألك: هل قمت بها، فيثيبك الثواب الجزيل؟ أم ضيعتها، فيعاقبك العقاب الوبيل؟ و ذلك السبب الموجب لبر الوالدين في الأم فقال:

تيسير الكريم الرحمن، ص: 778

حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى‏ وَهْنٍ‏ أي: مشقة على مشقة، فلا تزال تلاقي المشاق، من حين يكون نطفة، من الوحم، و المرض، و الضعف، و الثقل، و تغير الحال، و ثمّ وجع الولادة، ذلك الوجع الشديد. وَ فِصالُهُ فِي عامَيْنِ‏ و هو ملازم لحضانة أمه و كفالتها، و رضاعها. أ فما يحسن بمن تحمل على ولده هذه الشدائد، مع شدة الحب، أن يؤكد على ولده، و يوصي إليه بتمام الإحسان إليه؟

[15] وَ إِنْ جاهَداكَ‏ أي: اجتهد والداك‏ عَلى‏ أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما و لا تظن أن هذا داخل في الإحسان إليهما، لأن حق اللّه، مقدم على حق كل أحد، و «لا طاعة لمخلوق، في معصية الخالق». و لم يقل «و إن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فعقهما».

بل قال: فَلا تُطِعْهُما أي: في الشرك، و أما برهما، فاستمر عليه. و لهذا قال: وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً أي: صحبة إحسان إليهما بالمعروف. و أما اتباعهما، و هما بحالة الكفر و المعاصي، فلا تتبعهما. وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَ‏ و هم المؤمنون باللّه، و ملائكته، و كتبه، و رسله، المستسلمون لربهم، المنيبون إليه. و اتباع سبيلهم، أن يسلك مسلكهم في الإنابة إلى اللّه، الّتي هي انجذاب دواعي القلب و إرادته، إلى اللّه، ثمّ يتبعها سعي البدن، فيما يرضي اللّه، و يقرب منه. ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ‏ الطائع و العاصي، و المنيب، و غيره‏ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏ ، فأجازيك على إيمانك، و أجازيهما على كفرهما، ثمّ أجازي كلا منكم بما صدر عنه من الخير و الشر. فلا يخفى على اللّه من أعمالهم خافية.

[16] يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ‏ الّتي هي أصغر الأشياء و أحقرها. فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أي: في وسطها أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ‏ في أي: جهة من جهاتهما يَأْتِ بِهَا اللَّهُ‏ سعة علمه، و تمام خبرته و كمال قدرته. و لهذا قال: إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ أي: لطف في علمه و خبرته، حتى اطلع على البواطن و الأسرار، و خفايا القفار و البحار. و المقصود من هذا، الحث على مراقبة اللّه، و العمل بطاعته، مهما أمكن، و الترهيب من عمل القبيح، قلّ أو كثر.

[17] يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ حثه عليها، و خصها لأنها أكبر العبادات البدنية. وَ أْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَ انْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ و ذلك يستلزم العلم بالمعروف، ليأمر به، و العلم بالمنكر، لينهى عنه. و الأمر بما لا يتم الأمر بالمعروف، و النهي عن المنكر إلا به، من الرفق، و الصبر، و قد صرّح به في قوله: وَ اصْبِرْ عَلى‏ ما أَصابَكَ‏ و من كونه فاعلا لما يأمر به، كافا لما ينهى عنه، فتضمن هذا تكميل نفسه بفعل الخير و ترك الشر، و تكميل غيره بذلك، بأمره و نهيه. و لما علم أنه لا بد أن يبتلى إذا أمر و نهى و أن في الأمر و النهي مشقة على النفوس، أمره بالصبر على ذلك فقال‏ وَ اصْبِرْ عَلى‏ ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ‏ الذي وعظ به لقمان ابنه‏ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ أي: من الأمور الّتي يعزم عليها، و يهتم بها، و لا يوفق لها إلا أهل العزائم.

صفحه بعد