کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1097

و شر، و ذلك أنه إذا كان يوم القيامة تكور الشمس، أي:

تجمع و تلف، و يخسف القمر، و يلقيان في النار.

[2] وَ إِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ‏ (2)، أي: تغيرت، و تناثرت من أفلاكها.

[3] وَ إِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ‏ (3)، أي: صارت كثيبا مهيلا، ثم صارت كالعهن المنفوش. ثم تغيرت و صارت هباء منبثا، و أزيلت عن أماكنها.

[4] وَ إِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ‏ (4)، أي:

عطل الناس يومئذ نفائس أموالهم، الّتي كانوا يهتمون لها و يراعونها في جميع الأوقات، فجاءهم ما يذهلهم عنها، فنبّه بالعشار- و هي: النوق الّتي تتبعها أولادها، و هي أنفس أموال العرب إذ ذاك عندهم- على ما هو في معناها من كل نفيس.

[5] وَ إِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ‏ (5)، أي: جمعت ليوم القيامة، ليقتص اللّه من بعضها لبعض، و يرى العباد كمال عدله، حتى إنه يقتص للشاة الجماء، من الشاة القرناء، ثم يقال لها: كوني ترابا.

[6] وَ إِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ‏ (6)، أي:

أوقدت فصارت- على عظمها- نارا تتوقد.

[7] وَ إِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ‏ (7)، أي: قرن كلّ صاحب عمل مع نظيره، فجمع الأبرار مع الأبرار، و الفجار مع الفجار، و زوج المؤمنون بالحور العين، و الكافرون بالشياطين، و هذا كقوله تعالى: وَ سِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى‏ جَهَنَّمَ زُمَراً ، وَ سِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً ، احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَ أَزْواجَهُمْ‏ .

[8] وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ‏ (8)، و هي: ما كانت الجاهلية الجهلاء تفعله من دفن البنات، و هن أحياء من غير سبب، إلا خشية الفقر، فتسأل: بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ‏ (9)، و من المعلوم أنها ليس لها ذنب، و لكن هذا فيه توبيخ و تقريع لقاتليها.

[10] وَ إِذَا الصُّحُفُ‏ المشتملة على ما عمله العاملون من خير و شر نُشِرَتْ‏ ، و فرقت على أهلها، فآخذ كتابه بيمينه، و آخذ كتابه بشماله، أو من وراء ظهره.

[11] وَ إِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ‏ (11)، أي: أزيلت، كما قال تعالى: وَ يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ‏ ، يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ‏ ، وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ السَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ‏ .

[12] وَ إِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ‏ (12)، أي: أوقد عليها فاستعرت، و التهبت التهابا لم يكن لها قبل ذلك.

[13] وَ إِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ‏ (13)، أي: قرّبت للمتقين.

[14] عَلِمَتْ نَفْسٌ‏ ، أي: كل نفس، لإتيانها في سياق الشرط. ما أَحْضَرَتْ‏ ، أي: ما حضر لديها من الأعمال، الّتي قدمتها كما قال تعالى:

وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً . و هذه الأوصاف الّتي وصف بها يوم القيامة، من الأوصاف الّتي تنزعج لها القلوب، و تشتد من أجلها الكروب، و ترتعد الفرائص، و تعم المخاوف، و تحث أولي الألباب للاستعداد لذلك اليوم، و تزجرهم عن كلّ ما يوجب اللوم، و لهذا قال بعض السلف: من أراد أن ينظر ليوم القيامة كأنه رأي عين، فليتدبر سورة إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ‏ (1).

[15] أقسم تعالى‏ بِالْخُنَّسِ‏ و هي من الكواكب الّتي تخنس، أي: تتأخر عن سير الكواكب المعتاد إلى جهة الشرق، و هي النجوم السبعة السيارة: «الشمس»، و «القمر»، و «الزهرة»، و «المشتري»، و «المريخ»، و «زحل»، و «عطارد»، فهذه السبعة لها سيران: سير إلى جهة المغرب مع سائر الكواكب و الفلك. و سير معاكس لهذا من جهة

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1098

المشرق تختص به هذه السبعة دون غيرها. فأقسم اللّه بها في حال خنوسها، أي: تأخرها، و في حال جريانها، و في حال كنوسها، أي: استتارها بالنهار. و يحتمل أن المراد بها جميع الكواكب السيارة و غيرها.

[17] وَ اللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ‏ (17)، أي: أقبل، و قيل: أدبر.

[18] وَ الصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ‏ (18)، أي: بدت علائم الصبح، و انشق النور شيئا فشيئا، حتى يستكمل و تطلع الشمس. و هذه آيات عظام، أقسم اللّه عليها، لقوة سند القرآن و جلالته، و حفظه من كلّ شيطان رجيم، فقال:

[19] إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ‏ (19) و هو أي: جبريل عليه السّلام، نزل به من اللّه تعالى، كما قال تعالى: وَ إِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلى‏ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ‏ (194). و وصفه اللّه بالكريم لكرم أخلاقه، و خصاله الحميدة، فإنه أفضل الملائكة، و أعظمهم رتبة عند ربه.

[20] ذِي قُوَّةٍ على ما أمره اللّه به. و من قوته أنه قلب ديار قوم لوط بهم، فأهلكهم. عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ‏ ، أي:

جبريل مقرب عند اللّه، له منزلة رفيعة و خصيصة من اللّه، اختصه بها. مَكِينٍ‏ ، أي: له مكانة و منزلة، فوق منازل الملائكة كلهم.

[21] مُطاعٍ ثَمَ‏ ، أي: جبريل مطاع في الملأ الأعلى، لأنه من الملائكة المقربين، نافذ فيهم أمره، مطاع رأيه. أَمِينٍ‏ ، أي: ذو أمانة، و قيام بما أمر به، لا يزيد و لا ينقص و لا يتعدى ما حدّ له، و هذا كله يدل على شرف القرآن عند اللّه تعالى، فإنه بعث به هذا الملك الكريم، الموصوف بتلك الصفات الكاملة. و العادة أن الملوك لا ترسل الكريم عليها، إلا في أهم المهمات، و أشرف الرسائل.

[22] و لما ذكر فضل الرسول الملكي الذي جاء بالقرآن، ذكر فضل الرسول البشري الذي نزل عليه القرآن، و دعا إليه الناس، فقال: وَ ما صاحِبُكُمْ‏ و هو محمد صلّى اللّه عليه و سلّم‏ بِمَجْنُونٍ‏ كما يقوله أعداؤه المكذبون برسالته، المتقولون عليه الأقوال، الّتي يريدون أن يطفئوا بها ما جاء به. بل هو أكمل الناس عقلا، و أجزلهم رأيا، و أصدقهم لهجة.

[23] وَ لَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ‏ (23)، أي: رأى محمد صلّى اللّه عليه و سلّم جبريل عليه السّلام بالأفق البيّن، الذي هو أعلى ما يلوح للبصر.

[24] وَ ما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ‏ (24)، أي: و ما هو على ما أوحاه اللّه إليه، بشحيح يكتم بعضه، بل هو صلّى اللّه عليه و سلّم أمين أهل السماء، و أهل الأرض، الذي بلغ رسالات ربه، البلاغ المبين، فلم يشح بشي‏ء منه، عن غنيّ و لا فقير، و لا رئيس و لا مرؤوس، و لا ذكر و لا أنثى، و لا حضريّ و لا بدويّ، و لذلك بعثه اللّه في أمة أمية، جاهلة جهلاء.

فلم يمت صلّى اللّه عليه و سلّم، حتى كانوا علماء ربانيين، و أحبارا متفرسين، إليهم الغاية في العلوم، و إليهم المنتهى في استخراج الدقائق و المفهوم، و هم الأساتذة و غيرهم قصاراه أن يكون من تلاميذهم.

[25] وَ ما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ‏ (25) لما ذكر جلالة كتابه و فضله، بذكر الرسولين الكريمين، اللذين وصل إلى الناس على أيديهما، و أثنى اللّه عليهما بما أثنى، دفع عنه كلّ آفة و نقص، مما يقدح في صدقه، فقال: وَ ما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ‏ (25)، أي: في غاية البعد عن اللّه و عن قربه.

[26] فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ‏ (26)، أي: كيف يخطر هذا ببالكم، و أين عزبت عنكم أذهانكم؟ حتى جعلتم الحقّ الذي هو في أعلى درجات الصدق، بمنزلة الكذب، الذي هو أنزل ما يكون، و أرذل و أسفل الباطل؟ هل هذا إلا من انقلاب الحقائق.

[27] إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ‏ (27) يتذكرون به ربهم، و ما له من صفات الكمال، و ما ينزه عنه من النقائص، و الرذائل و الأمثال، و يتذكرون به الأوامر و النواهي و حكمها، و يتذكرون به الأحكام القدرية و الشرعية و الجزائية. و بالجملة، يتذكرون به مصالح الدارين، و ينالون بالعمل به السعادتين.

[28] لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ‏ (28) بعد ما تبين الرشد من الغي، و الهدى من الضلال.

[29] وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ‏ (29)، أي: فمشيئته نافذة، لا يمكن أن تعارض أو تمانع. و في هذه الآية و أمثالها، ردّ على فرقتي القدرية النفاة، و الجبرية المجبرة كما تقدم من أمثالها، و اللّه أعلم، و الحمد للّه. تم تفسير سورة التكوير.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1099

سورة الإنفطار

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1- 5] أي: إذا انشقت السماء و انفطرت، و تناثرت نجومها، و زال جمالها، و فجرت البحار، فصارت بحرا واحدا، و بعثرت القبور بأن أخرج ما فيها من الأموات، و حشروا للموقف، بين يدي اللّه، للجزاء على الأعمال.

فحينئذ ينكشف الغطاء، و يزول ما كان خفيا، و تعلم كل نفس ما معها من الأرباح و الخسران. هنالك يعض الظالم على يديه، إذا رأى ما قدمت يداه، و أيقن بالشقاء الأبدي، و العذاب السرمدي. و هنالك يفوز المتقون، المقدمون لصالح الأعمال بالفوز العظيم، و النعيم المقيم، و السلامة من عذاب الجحيم.

[6] يقول تعالى، معاتبا للإنسان المقصر في حقه، المتجرئ على معاصيه: يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ‏ (6) أ تهاونا منك في حقوقه؟ أم احتقارا منك لعذابه؟ أم عدم إيمان منك بجزائه؟

[7] أ ليس هو الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ‏ في أحسن تقويم؟ فَعَدَلَكَ‏ و ركبك تركيبا قويما معتدلا، في أحسن الأشكال، و أجمل الهيئات. فهل يليق بك أن تكفر نعمة المنعم، أو تجحد إحسان المحسن؟ إن هذا إلا من جهلك و ظلمك، و عنادك و غشمك، فاحمد اللّه إذ لم يجعل صورتك صورة كلب أو حمار أو نحوهما من الحيوانات.

[8] و لهذا قال تعالى: فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ‏ (8).

[9] و قوله: كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ‏ (9)، أي:

مع هذا الوعظ و التذكير، لا تزالوا مستمرين على التكذيب بالجزاء.

[10- 12] و أنتم لا بد أن تحاسبوا على ما عملتم، و قد أقام اللّه عليكم ملائكة كراما يكتبون أقوالكم و أفعالكم و يعلمونها، فدخل في هذا أفعال القلوب، و أفعال الجوارح، فاللائق بكم، أن تكرموهم و تجلوهم.

[13] المراد بالأبرار، هم القائمون بحقوق اللّه، و حقوق عباده، الملازمون للبر، في أعمال القلوب، و أعمال الجوارح، فهؤلاء جزاؤهم النعيم في القلب، و الروح و البدن، في دار الدنيا، و في دار البرزخ، و في دار القرار.

[14] وَ إِنَّ الْفُجَّارَ الّذين قصروا في حقوق اللّه و حقوق عباده، الّذين فجرت قلوبهم ففجرت أعمالهم‏ لَفِي جَحِيمٍ‏ ، أي: عذاب أليم، في دار الدنيا، و دار البرزخ، و في دار القرار.

[15] يَصْلَوْنَها و يعذبون بها أشد العذاب‏ يَوْمَ الدِّينِ‏ ، أي: يوم الجزاء على الأعمال.

[16] وَ ما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ‏ (16)، أي: بل هم ملازمون لها، لا يخرجون منها.

[17- 18] وَ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ‏ (18) في هذا تهويل لذلك اليوم الشديد، الذي يحير الأذهان.

[19] يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً و لو كانت قريبة أو حبيبة مصافية فكل مشتغل بنفسه لا يطلب الفكاك لغيرها. وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ‏ فهو الذي يفصل بين العباد، و يأخذ للمظلوم حقه من ظالمه، و اللّه أعلم.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1100

سورة المطففين‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1- 2] وَيْلٌ‏ كلمة عذاب و عقاب‏ لِلْمُطَفِّفِينَ‏ و فسر اللّه المطففين بأنهم‏ الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ‏ ، أي:

أخذوا منهم، و فاء لهم عما قبلهم‏ يَسْتَوْفُونَ‏ كاملا من غير نقص.

[3] وَ إِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ‏ ، أي: إذا أعطوا الناس حقهم، الذي لهم عليهم، بكيل أو وزن‏ يُخْسِرُونَ‏ ، أي: ينقصونهم ذلك إما بمكيال و ميزان ناقصين، أو بعدم مل‏ء المكيال و الميزان، أو بغير ذلك، فهذا سرقة لأموال الناس، و عدم إنصاف لهم منهم. و إذا كان هذا وعيدا على الذين يبخسون الناس، بالمكيال و الميزان، فالذي يأخذ أموالهم قهرا و سرقة، أولى بهذا الوعيد من المطففين. و دلت الآية الكريمة، على أن الإنسان كما يأخذ من الناس، الذي له، يجب أن يعطيهم كل ما لهم من الأموال و المعاملات. بل يدخل في عموم هذا، الحجج و المقالات، فإنه كما أن المتناظرين، قد جرت العادة أن كل واحد منهما، يحرص على ما له من الحجج. فيجب عليه أيضا أن يبين ما لخصمه من الحجة، التي لا يعلمها، و أن ينظر في أدلة خصمه، كما ينظر في أدلته هو، و في هذا الموضع، يعرف إنصاف الإنسان، من تعصبه و اعتسافه، و تواضعه من كبره، و عقله من سفهه، نسأل اللّه التوفيق لكل خير. ثم توعد تعالى المطففين، و تعجب من حالهم و إقامتهم على ما هم عليه، فقال:

[4- 6] أَ لا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ‏ (6)، فالذي جرأهم على التطفيف، عدم إيمانهم باليوم الآخر، و إلا فلو آمنوا به، و عرفوا أنهم سيقومون بين يدي اللّه، فيحاسبهم على القليل و الكثير، لأقلعوا عن ذلك، و تابوا منه.

[7] يقول تعالى: كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ و هذا شامل لكل فاجر، من أنواع الكفرة و المنافقين، و الفاسقين‏ لَفِي سِجِّينٍ‏ ، ثم فسّر ذلك بقوله:

[8- 9] وَ ما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ (8) كِتابٌ مَرْقُومٌ‏ (9)، أي: كتاب مذكور فيه أعمالهم الخبيثة، و السجّين: المحل الضيق الضنك، و «سجين» ضد «عليين» الذي هو محل كتاب الأبرار، كما سيأتي. و قد قيل: إن «سجين» هو أسفل الأرض السابعة، مأوى الفجار، و مستقرهم في معادهم.

[10- 11] وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ‏ (10) ثم بينهم بقوله: الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ‏ (11)، أي: يوم الجزاء، يوم يدين اللّه الناس فيه بأعمالهم.

[12] وَ ما يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ على محارم اللّه، متعد الحلال إلى الحرام. أَثِيمٍ‏ ، أي: كثير الإثم، فهذا يحمله عدوانه على التكذيب، و يوجب له كبره، رد الحق، و لهذا قال:

[13] إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِ آياتُنا الدالة على الحق، و على صدق ما جاءت به الرسل، كذبها و عاندها، قالَ‏ : هذه‏ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ‏ ، أي: من ترهات المتقدمين، و أخبار الأمم الغابرين، ليست من عند اللّه، تكبّرا و عنادا. و أما من أنصف، و كان مقصوده الحق المبين، فإنه لا يكذب بيوم الدين، لأن اللّه قد أقام عليه من الأدلة القاطعة، و البراهين، ما يجعله حق اليقين، و صار لبصائرهم، بمنزلة الشمس للأبصار، بخلاف من ران على قلبه كسبه، و غطته معاصيه، فإنه محجوب عن الحق.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1101

[15] و لهذا جوزي على ذلك، بأن حجب عن اللّه، كما حجب قلبه عن آيات اللّه.

[16] ثُمَّ إِنَّهُمْ‏ مع هذه العقوبة البليغة لَصالُوا الْجَحِيمِ‏ .

[17] ثم يقال لهم توبيخا و تقريعا هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ‏ . فذكر لهم ثلاثة أنواع من العذاب: عذاب الجحيم، و عذاب التوبيخ و اللوم، و عذاب الحجاب عن رب العالمين، المتضمن لسخطه و غضبه عليهم، و هو أعظم عليهم من عذاب النار. و دل مفهوم الآية، على أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة في الجنة، و يتلذذون بالنظر إليه أعظم من سائر اللذات، و يبتهجون بخطابه، و يفرحون بقربه، كما ذكر اللّه ذلك في عدة آيات من القرآن، و تواتر فيه النقل عن رسول صلّى اللّه عليه و سلّم. و في هذه الآيات، التحذير من الذنوب، فإنها ترين على القلب و تغطيه، شيئا فشيئا. حتى ينطمس نوره، و تموت بصيرته، فتنقلب عليه الحقائق، فيرى الباطل حقا، و الحق باطلا، و هذا من أعظم عقوبات الذنوب.

[18] لما ذكر أن كتاب الفجار في أسفل الأمكنة و أضيقها، ذكر أن كتاب الأبرار في أعلاها، و أوسعها، و أفسحها. و أن كتابهم‏ كِتابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ‏ (21) من الملائكة الكرام، و أرواح الأنبياء، و الصديقين و الشهداء، و ينوّه اللّه بذكرهم في الملأ الأعلى. و «عليون» اسم لأعلى الجنة. فلما ذكر كتابهم، ذكر أنهم في نعيم، و هو اسم جامع لنعيم القلب، و الروح، و البدن.

[23] عَلَى الْأَرائِكِ‏ ، أي: على السرر المزينة بالفرش الحسان. يَنْظُرُونَ‏ إلى ما أعد اللّه لهم من النعيم، و ينظرون إلى وجه ربهم الكريم.

[24] تَعْرِفُ‏ أيها الناظر فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ‏ ، أي: بهاءه و نضارته و رونقه. فإن توالي اللذات، و المسرات، و الأفراح، يكسب الوجه نورا، و حسنا، و بهجة.

[25] يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ‏ و هو من أطيب ما يكون من الأشربة و ألذها. مَخْتُومٍ‏ ذلك الشراب‏

[26] خِتامُهُ مِسْكٌ‏ . يحتمل أن المراد مختوم عن أن يداخله شي‏ء ينقص لذته، أو يفسد طعمه، و ذلك الختام، الذي ختم به مسك. و يحتمل أن المراد أنه الذي يكون في آخر الإناء، الذي يشربون منه الرحيق حثالة، و هي المسك الأذفر. فهذا الكدر منه، الذي جرت العادة في الدنيا، أنه يراق، يكون في الجنة بهذه المثابة. وَ فِي ذلِكَ‏ النعيم المقيم، الذي لا يعلم حسنه و مقداره إلا اللّه. فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ‏ ، أي: فليتسابقوا في المبادرة إليه بالأعمال الموصلة إليه، فهذا أولى ما بذلت فيه نفائس الأنفاس، و أحرى ما تزاحمت للوصول إليه فحول الرجال.

[27- 28] وَ هذا الشراب‏ مِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ‏ (28) صرفا و هي أعلى أشربة الجنة على الإطلاق، فلذلك كانت خالصة للمقربين، الذين هم أعلى الخلق منزلة، و ممزوجة لأصحاب اليمين، أي: مخلوطة بالرحيق و غيره من الأشربة اللذيذة.

[29] لما ذكر تعالى جزاء المجرمين، و جزاء المحسنين، و ذكر ما بينهما من التفاوت العظيم، أخبر أن المجرمين كانوا في الدنيا، يسخرون بالمؤمنين، و يستهزئون بهم، و يضحكون منهم، فيتغامزون بهم، عند مرورهم عليهم، احتقارا لهم و ازدراء، و مع هذا تراهم مطمئنين، لا يخطر الخوف على بالهم.

[31] وَ إِذَا انْقَلَبُوا إِلى‏ أَهْلِهِمُ‏ صباحا و مساء انْقَلَبُوا فَكِهِينَ‏ ، أي: مسرورين مغتبطين. و هذا أشد ما يكون من الاغترار، أنهم جمعوا بين غاية الإساءة،

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1102

مع الأمن في الدنيا، حتى كأنهم قد جاءهم كتاب و عهد من اللّه، أنهم من أهل السعادة، و قد حكموا لأنفسهم، أنهم أهل الهدى، و أن المؤمنين ضالون، افتراء على اللّه، و تجرؤا على القول عليه بلا علم. قال تعالى:

[33] وَ ما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ‏ (33)، أي: و ما أرسلوا وكلاء على المؤمنين، ملزمين بحفظ أعمالهم، حتى يحرصوا على رميهم بالضلال، و ما هذا منهم، إلا تعنت و عناد و تلاعب، ليس له مستند و لا برهان، و لهذا كان جزاؤهم في الآخرة، من جنس عملهم.

[34] قال تعالى:

فَالْيَوْمَ‏ ، أي: يوم القيامة، الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ‏ حين يرونهم في غمرات العذاب يتقلبون، و قد ذهب عنهم ما كانوا يفترون.

[35] و المؤمنون في غاية الراحة و الطمأنينة عَلَى الْأَرائِكِ‏ و هي السرر المزينة.

يَنْظُرُونَ‏ إلى ما أعد اللّه لهم من النعيم، و ينظرون إلى وجه ربهم الكريم.

[36] هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ‏ (36)، أي: هل جوزوا من جنس عملهم؟ فكما ضحكوا في الدنيا من المؤمنين، و رموهم بالضلال، ضحك المؤمنون منهم في الآخرة، حين رأوهم في العذاب و النكال، الذي هو عقوبة الغي و الضلال. نعم ثوبوا ما كانوا يفعلون، عدلا من اللّه، و حكمة، و اللّه عليم حكيم.

تفسير سورة الإنشقاق‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] يقول تعالى مبينا لما يكون في يوم القيامة من تغير الأجرام العظام: إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ‏ (1)، أي: انفطرت و تمايز بعضها من بعض، و انتثرت نجومها، و خسف شمسها و قمرها.

[2] وَ أَذِنَتْ لِرَبِّها ، أي: استمعت لأمره، و ألقت سمعها، و أصاخت لخطابه. وَ حُقَّتْ‏ ، أي: حق لها ذلك، فإنها مسخرة، مدبرة، تحت مسخر ملك عظيم لا يعصى أمره، و لا يخالف حكمه.

[3] وَ إِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ‏ (3)، أي: رجفت و ارتجت، و نسفت عليها جبالها، و دك ما عليها من بناء و معلم، فسويت، و مدها اللّه مد الأديم، حتى صارت واسعة جدا، تسع أهل الموقف على كثرتهم، فتصير قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا، و لا أمتا.

[4] وَ أَلْقَتْ ما فِيها من الأموات و الكنوز. وَ تَخَلَّتْ‏ منهم، فإنه ينفخ في الصور فتخرج الأموات من الأجداث إلى وجه الأرض، و تخرج الأرض كنوزها، حتى تكون كالأسطوان العظيم، يشاهده الخلق و يتحسرون على ما هم فيه يتنافسون.

[5- 6] وَ أَذِنَتْ لِرَبِّها وَ حُقَّتْ (5) يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى‏ رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ‏ (6) أي: إنك ساع إلى اللّه، و عامل بأوامره و نواهيه، و متقرب إليه إما بالخير، و إما

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1103

بالشر، ثم تلاقي اللّه يوم القيامة فلا تعدم منه جزاء بالفضل أو العدل، بالفضل إن كنت سعيدا، و بالعقوبة العادلة إن كنت شقيا.

[7] و لهذا ذكر تفضيل الجزاء، فقال: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ‏ (7)، و هم أهل السعادة.

[8] فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (8) و هو العرض اليسير على اللّه، فيقرره اللّه بذنوبه، حتى إذا ظن العبد أنه قد هلك، قال اللّه تعالى: «إني قد سترتها عليك في الدنيا، و أنا أسترها لك اليوم».

[9] وَ يَنْقَلِبُ إِلى‏ أَهْلِهِ‏ في الجنة. مَسْرُوراً لأنه قد نجا من العذاب و فاز بالثواب.

[10] وَ أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ‏ (10)، أي: بشماله من وراء ظهره.

[11] فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً (11) من الخزي و الفضيحة، و ما يجد في كتابه من الأعمال التي قدمها و لم يتب منها.

[12- 13] وَ يَصْلى‏ سَعِيراً (12)، أي: تحيط به السعير من كل جانب و يقبل على عذابها، و ذلك‏ إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً (13) لا يخطر البعث على باله، و قد أساء، و لا يظن أنه راجع إلى ربه و موقوف بين يديه.

[15] بَلى‏ إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً (15) فلا يحسن أن يتركه سدى لا يؤمر و لا ينهى و لا يثاب و لا يعاقب.

[16] أقسم في هذا الموضع بآيات الليل، فأقسم بالشفق الذي هو بقية نور الشمس، الذي هو مفتتح الليل.

[17] وَ اللَّيْلِ وَ ما وَسَقَ‏ (17)، أي: احتوى عليه من حيوانات و غيرها.

[18] وَ الْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ‏ (18)، أي: امتلأ نورا بإبداره، و ذلك أحسن ما يكون و أكثر منافع، و المقسم عليه قوله: لَتَرْكَبُنَ‏ ، أي: أيها الناس‏ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ‏ ، أي: أطوارا متعددة و أحوالا متباينة من النطفة إلى العلقة، إلى المضغة، إلى نفخ الروح. ثم يكون وليدا و طفلا و مميزا، ثم يجري عليه قلم التكليف، و الأمر و النهي، ثم يموت بعد ذلك، ثم يبعث و يجازى بأعماله. فهذه الطبقات المختلفة الجارية على العبد، دالة على أن اللّه وحده هو المعبود، الموحد، المدبر لعباده، بحكمته و رحمته، و أن العبد فقير، عاجز، تحت تدبير العزيز الرحيم.

[21] و مع هذا، فكثير من الناس لا يؤمنون‏ وَ إِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ‏ (21)، أي: لا يخضعون للقرآن، و لا ينقادون لأوامره، و نواهيه.

[22] بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ‏ (22)، أي: يعاندون الحق بعد ما تبين، فلا يستغرب عدم إيمانهم و انقيادهم للقرآن، فإن المكذب بالحق عنادا، لا حيلة فيه.

[23] وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ‏ (23)، أي: بما يعملونه و ينوونه سرا، فاللّه يعلم سرهم و جهرهم، و سيجازيهم بأعمالهم، و لهذا قال:

[24] فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ‏ (24)، و سميت البشارة بشارة لأنها تؤثر في البشرة سرورا أو غما. فهذه حال أكثر الناس، التكذيب بالقرآن، و عدم الإيمان به.

صفحه بعد