کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 860

فوصفهم بالعلم النافع، و العمل الصالح الكثير.

[46] إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ عظيمة، و خصيصة جسيمة و هي:

ذِكْرَى الدَّارِ جعلنا ذكرى الدار الآخرة في قلوبهم، و العمل لها صفوة وقتهم، و الإخلاص و المراقبة للّه، وصفهم الدائم، و جعلناهم ذكرى الدار، يتذكر بأحوالهم المتذكر، و يعتبر بهم المعتبر، و يذكرون بأحسن الذكر.

[47] وَ إِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ‏ الذين اصطفاهم اللّه من صفوة خلقه.

الْأَخْيارِ الّذين لهم خلق كريم، و عمل مستقيم.

[48] أي: و اذكر هؤلاء الأنبياء بأحسن الذكر، و أثن عليهم أحسن الثناء. فإن كلا منهم، من الأخيار الّذين اختارهم اللّه من الخلق، و اختار لهم أكمل الأحوال، من الأعمال، و الأخلاق و الصفات الحميدة، و الخصال السديدة.

[49] هذا ذِكْرٌ أي: ذكر هؤلاء الأنبياء الصفوة و ذكر أوصافهم، ذكر في هذا القرآن ذي الذكر، يتذكر بأحوالهم المتذكرون، و يشتاق إلى الاقتداء بأوصافهم الحميدة، المقتدون، و يعرف ما منّ اللّه عليهم به من الأوصاف الزكية، و ما نشر لهم من الثناء بين البرية. فهذا نوع من أنواع الذكر، و هو ذكر أهل الخير، و من أنواع الذكر، ذكر جزاء أهل الخير، و أهل الشر، و لهذا قال: وَ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ‏ ربهم، بامتثال الأوامر، و اجتناب النواهي، من كلّ مؤمن و مؤمنة. لَحُسْنَ مَآبٍ‏ أي: لمآبا حسنا، و مرجعا مستحسنا.

[50] ثمّ فسره و فصله فقال: جَنَّاتِ عَدْنٍ‏ أي: جنات إقامة، لا يبغي صاحبها بدلا منها، من كمالها، و تمام نعيمها، و ليسوا بخارجين منها، و لا بمخرجين. مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ‏ أي: مفتحة لأجلهم أبواب منازلها و مساكنها، لا يحتاجون أن يفتحوها، بل هم مخدومون. و هذا دليل أيضا، على الأمان التام، و أنه ليس في جنات عدن، ما يوجب أن يغلق لأجله أبوابها.

[51] مُتَّكِئِينَ فِيها على الأرائك المزينات، و المجالس المزخرفات. يَدْعُونَ فِيها أي: يأمرون خدامهم، أن يأتوا بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَ شَرابٍ‏ من كلّ ما تشتهيه نفوسهم، و تلذه أعينهم. و هذا يدل على كمال النعيم، و كمال الراحة و الطمأنينة، و تمام اللذة.

[52] وَ عِنْدَهُمْ‏ من أزواجهم، الحور العين‏ قاصِراتُ الطَّرْفِ‏ على أزواجهن، و طرف أزواجهن عليهن، لجمالهم كلهم، و محبة كلّ منهما للآخر، و عدم طموحه لغيره، و أنه لا يبغي بصاحبه بدلا، و عنه عوضا. أَتْرابٌ‏ أي: على سن واحد، أعدل سن الشباب و أحسنه و ألذه.

[53] هذا ما تُوعَدُونَ‏ أيها المتقون‏ لِيَوْمِ الْحِسابِ‏ جزاء على أعمالكم الصالحة.

[54] إِنَّ هذا لَرِزْقُنا الذي أوردناه على أهل النعيم‏ ما لَهُ مِنْ نَفادٍ أي: انقطاع، بل هو دائم مستقر في جميع الأوقات، متزايد في جميع الآنات. و ليس هذا بعظيم على الرب الكريم، الرؤوف الرحيم، البر الجواد، الواسع الغني، الحميد اللطيف الرحمن، الملك الديان، الجليل الجميل المنان، ذي الفضل الباهر، و الكرم المتواتر، الذي لا تحصى نعمه، و لا يحاط ببعض بره.

[55] هذا الجزاء للمتقين ما وصفناه‏ وَ إِنَّ لِلطَّاغِينَ‏ أي: للمتجاوزين للحد في الكفر و المعاصي‏ لَشَرَّ مَآبٍ‏ أي: لشر مرجع و منقلب. ثمّ فصله فقال:

[56] جَهَنَّمَ‏ الّتي جمع فيها كلّ عذاب و اشتد حرها، و انتهى‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 861

قرها يَصْلَوْنَها أي: يعذبون فيها عذابا، يحيط بهم من كلّ وجه، لهم من فوقهم ظلل من النار، و من تحتهم ظلل.

[57] فَبِئْسَ الْمِهادُ المعد لهم مسكنا و مستقرا هذا المهاد، و هذا العذاب الشديد، و الخزي، و الفضيحة، و النكال. فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ‏ ماء حار، قد اشتد حره، يشربونه، فتقطّع أمعاؤهم. وَ غَسَّاقٌ‏ و هو أكره ما يكون من الشراب، من قيح و صديد، مر المذاق، كريه الرائحة.

[58] وَ آخَرُ مِنْ شَكْلِهِ‏ أي: من نوعه‏ أَزْواجٌ‏ أي:

عدة أصناف، من أصناف العذاب، يعذبون بها، و يخزون بها.

[59] عند تواردهم على النار، يشتم بعضهم بعضا، و يقول بعضهم لبعض: هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ‏ النار لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ .

[60] قالُوا أي: الفوج المقبل المقتحم: بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ‏ أي: العذاب‏ لَنا بدعوتكم لنا، و فتنتكم، و إضلالكم، و تسببكم. فَبِئْسَ الْقَرارُ قرار الجميع، قرار السوء و الشر.

[61] ثمّ دعوا على المغوين لهم، و قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ (61). و قال في الآية الأخرى: قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَ لكِنْ لا تَعْلَمُونَ‏ .

[62] وَ قالُوا و هم في النار ما لَنا لا نَرى‏ رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ أي: كنّا نزعم أنهم من الأشرار، المستحقين لعذاب النار، و هم المؤمنون تفقدهم أهل النار، قبّحهم اللّه، هل يرونهم في النار؟

[63] أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ (63) أي: عدم رؤيتنا لهم، دائر بين أمرين:

إما أننا غالطون في عدنا إياهم من الأشرار، بل هم من الأخيار، و إنّما كلامنا لهم، من باب السخرية و الاستهزاء بهم. و هذا هو الواقع، كما قال تعالى لأهل النار: إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا وَ أَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَ كُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ‏ (110). و الأمر الثاني: أنهم لعلهم زاغت أبصارنا عن رؤيتهم معنا في العذاب، و إلا فهم معنا معذبون و لكن تجاوزتهم أبصارنا. فيحتمل أن هذا الذي في قلوبهم، فتكون العقائد الّتي اعتقدوها في الدنيا، و كثرة ما حكموا لأهل الإيمان بالنار، تمكنت من قلوبهم، و صارت صبغة لها، فدخلوا النار و هم بهذه الحالة، فقالوا ما قالوا. و يحتمل أن كلامهم هذا، كلام تمويه، كما موهوا في الدنيا، موهوا حتى في النار. و لهذا يقول أهل الأعراف لأهل النار أَ هؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَ لا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ‏ (49).

[64] قال تعالى مؤكدا ما أخبر به، و هو أصدق القائلين:

إِنَّ ذلِكَ‏ الذي ذكرت لكم‏ لَحَقٌ‏ ما فيه شك و لا مرية تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ أي: «هو تخاصم و نزاع أهل النار بعضهم مع بعض».

[65] قُلْ‏ يا أيها الرسول لهؤلاء المكذبين، إن طلبوا منك ما ليس لك و لا بيدك: إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ هذا نهاية ما عندي، و أما الأمر فلله تعالى، و لكني آمركم، و أنهاكم، و أحثكم على الخير، و أزجركم عن الشر فَمَنِ اهْتَدى‏ فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها . وَ ما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ‏ أي: ما أحد يؤله و يعبد بحق، إلا اللّه‏ الْواحِدُ الْقَهَّارُ . هذا تقرير لألوهيته، بهذا البرهان القاطع، و هو وحدته تعالى، و قهره لكل شي‏ء. فإن القهر ملازم للوحدة، فلا يكون اثنان قهاران، متساويين في قهرهما أبدا. فالذي يقهر جميع الأشياء هو الواحد، الذي لا نظير له، و هو الذي يستحق أن يعبد وحده، كما كان قاهرا وحده. و قرر ذلك بتوحيد الربوبية فقال:

[66] رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُمَا أي: خالقهما، و مربيهما، و مدبرهما بجميع أنواع التدبير. الْعَزِيزُ الذي له القوة، الّتي بها خلق المخلوقات العظيمة. الْغَفَّارُ لجميع الذنوب، صغيرها، و كبيرها، لمن تاب إليه، و أقلع منها. فهذا الذي يحب و يستحق أن يعبد، دون من لا يخلق، و لا يرزق، و لا يضر، و لا ينفع، و لا يملك من الأمر شيئا، و ليس له قوة الاقتدار، و لا بيده مغفرة الذنوب و الأوزار.

[67] قُلْ‏ لهم، محذرا، و مخوفا، و منهضا لهم و منذرا: هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ‏ أي: ما أنبأتكم به من البعث، و النشور، و الجزاء على الأعمال، خبر عظيم ينبغي الاهتمام الشديد بشأنه، و لا ينبغي إغفاله.

[68] و لكن‏ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ‏ (68) كأنه ليس أمامكم حساب و لا عقاب و لا ثواب. فإن‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 862

شككتم في قولي، و امتريتم في خبري، فإني أخبركم بأخبار لا علم لي بها، و لا درستها في كتاب. فإخباري بها على وجهها، من غير زيادة و لا نقص، أكبر شاهد لصدقي، و أدلّ على حقية ما جئتكم به، و لهذا قال:

[69] ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى‏ أي: الملائكة إِذْ يَخْتَصِمُونَ‏ لو لا تعليم اللّه إياي، و إيحاؤه إليّ، و لهذا قال:

[70] إِنْ يُوحى‏ إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ‏ (70) أي: ظاهر النذارة، جليها، فلا نذير أبلغ من نذارته صلّى اللّه عليه و سلم.

[71- 72] ثمّ ذكر اختصام الملأ الأعلى فقال: إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ على وجه الإخبار إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ‏ أي: مادته من طين‏ فَإِذا سَوَّيْتُهُ‏ أي: سويت جسمه، و ثمّ‏ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ‏ . فوطّن الملائكة الكرام أنفسهم على ذلك، حين يتم خلقه و نفخ الروح فيه، امتثالا لربهم، و إكراما لآدم عليه السّلام. فلما تم خلقه في بدنه و روحه، و امتحن اللّه آدم و الملائكة في العلم، و ظهر فضله عليهم، أمرهم اللّه بالسجود.

[73- 74] فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ‏ لم يسجد اسْتَكْبَرَ عن أمر ربه، و استكبر على آدم‏ وَ كانَ مِنَ الْكافِرِينَ‏ في علم اللّه تعالى.

[75] قالَ‏ اللّه موبخا و معاتبا: يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ‏ أي: شرفته، و كرمته، و اختصصته بهذه الخصيصة، الّتي اختص بها عن الخلق، و ذلك يقتضي عدم التكبر عليه.

أَسْتَكْبَرْتَ‏ في امتناعك‏ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ‏ «أي: ممن علوت على العالمين».

[76] قالَ‏ إبليس معارضا لربه، و مناقضا: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ‏ . و بزعمه أن عنصر النار خير من عنصر الطين، و هذا من القياس الفاسد، فإن عنصر النار، مادة الشر و الفساد، و العلو و الطيش، و الخفة. و عنصر الطين، مادة الرزانة، و التواضع، و إخراج أنواع الأشجار و النباتات، و هو يغلب النار، و يطفئها. و النار، تحتاج إلى مادة تقوم بها، و الطين قائم بنفسه. فهذا قياس شيخ القوم، الذي عارض به الأمر الشفاهي، من اللّه، قد تبين غاية بطلانه و فساده. فما بالك بأقيسة التلاميذ، الّذين عارضوا الحقّ بأقيستهم؟ فإنها كلها، أعظم بطلانا، من هذا القياس.

[77] قالَ‏ اللّه له: فَاخْرُجْ مِنْها أي: من السماء و المحل الكريم. فَإِنَّكَ رَجِيمٌ‏ أي: مبعد مدحور.

[78] وَ إِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي‏ أي: طردي و إبعادي‏ إِلى‏ يَوْمِ الدِّينِ‏ دائما أبدا.

[79] قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى‏ يَوْمِ يُبْعَثُونَ‏ (79) لشدة عداوته لآدم و ذريته، ليتمكن من إغواء من قدر اللّه أن يغويه.

[80- 81] قالَ‏ اللّه مجيبا لدعوته، حيث اقتضت حكمته ذلك: فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى‏ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ‏ (81) حين تستكمل الذرية، يتم الامتحان.

[82] فلما علم أنه منظر، بادى ربه، من خبثه، بشدة العداوة لربه و لأدم و ذريته فقال: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ‏ «أي: بعظمتك و جلالك». يحتمل أن الباء للقسم، و أنه أقسم بعزة اللّه، ليغوينهم كلهم أجمعين.

[83] إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ‏ (83) «أي: هم الّذين أخلصهم اللّه لطاعته و عصمهم من الغواية لكمال إيمانهم، و بذلهم أقصى ما في وسعهم في طاعة ربهم». علم «إبليس» أن اللّه سيحفظهم من كيده. و يحتمل أن الباء للاستعانة، و أنه لما علم أنه عاجز من كلّ وجه، و أنه لا يضل أحدا إلا بمشيئة اللّه تعالى، استعان بعزة اللّه، على إغواء

تيسير الكريم الرحمن، ص: 863

ذرية آدم، هذا، و هو عدو اللّه حقا. و نحن يا ربنا العاجزون المقصرون، المقرون لك بكل نعمة، ذرية من شرفته و كرمته.

فنستعين بعزتك العظيمة، و قدرتك، و رحمتك الواسعة لكل مخلوق، و رحمتك الّتي أوصلت إلينا بها، ما عنا صرفت من النقم، أن تعيننا على محاربته و عداوته، و السلامة من شره، و شركه. و نحسن الظن بك أن تجيب دعاءنا، و نؤمن بوعدك الذي قلت لنا: وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ‏ فقد دعوناك كما أمرتنا، فاستجب لنا كما وعدتنا. إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ .

[84- 85] قالَ‏ اللّه تعالى‏ فَالْحَقُّ وَ الْحَقَّ أَقُولُ‏ أي:

الحقّ وصفي، و الحقّ قولي‏ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَ مِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ‏ (85) «من ذرية آدم».

[86] قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ‏ أي: على دعائي إياكم‏ مِنْ أَجْرٍ وَ ما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ‏ أدعي أمرا، ليس لي، و أقفو ما ليس لي به علم، لا أتبع إلا ما يوحى إليّ.

[87] إِنْ هُوَ أي: ما هذا الوحي و القرآن‏ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ‏ به كلّ ما ينفعهم، من مصالح دنياهم، فيكون شرفا و رفعة للعالمين به، و إقامة حجة على المعاندين. فهذه السورة العظيمة، مشتملة على الذكر الحكيم، و النبأ العظيم، و إقامة الحجج و البراهين، على من كذّب بالقرآن و عارضه، و كذّب من جاء به، و الإخبار عن عباد اللّه المخلصين، و جزاء المتقين و الطاغين. فلهذا أقسم في أولها بأنه ذو الذكر، و وصفه في آخرها، بأنه ذكر للعالمين.

و أكثر التذكير بها، فيما بين ذلك كقوله: وَ اذْكُرْ عَبْدَنا* - وَ اذْكُرْ عِبادَنا - رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَ ذِكْرى‏ - هذا ذِكْرُ* . اللهم علمنا منه ما جهلنا، و ذكرنا منه ما نسينا، نسيان غفلة، و نسيان ترك.

[88] وَ لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ‏ أي: خبره‏ بَعْدَ حِينٍ‏ و ذلك حين يقع عليهم العذاب و تنقطع عنهم الأسباب. تم تفسير سورة ص.

تفسير سورة الزّمر

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] يخبر تعالى عن عظمة القرآن، و جلالة من تكلّم به، و نزل منه. و أنه نزل من اللّه العزيز الحكيم. أي الذي وصفه الألوهية للخلق، و ذلك لعظمته و كماله و العزة الّتي قهر بها كلّ مخلوق، و ذل له كلّ شي‏ء، و الحكمة في خلقه و أمره. فالقرآن نازل ممن هذا وصفه، و الكلام وصف للمتكلم، و الوصف يتبع الموصوف. فكما أن اللّه تعالى هو الكامل من كلّ وجه، الذي لا مثيل له، فكذلك كلامه كامل من كلّ وجه، لا مثيل له، فهذا وحده، كاف في وصف القرآن، دال على مرتبته. و لكنه- مع هذا- زاد بيانا، لكماله، بمن نزل عليه، و هو محمد صلّى اللّه عليه و سلّم، الذي هو أشرف الخلق فعلم أنه أشرف الكتب، و بما نزل به، و هو الحقّ. فنزل بالحق، الذي لا مرية فيه، لإخراج الخلق من‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 864

الظلمات إلى النور. و نزل مشتملا على الحقّ في أخباره الصادقة، و أحكامه العادلة. فكل ما دلّ عليه، فهو أعظم أنواع الحقّ، من جميع المطالب العلمية، و ما بعد الحقّ إلا الضلال. و لما كان نازلا من الحقّ، مشتملا على الحقّ لهداية الخلق، على أشرف الخلق، عظمت فيه النعمة، و جلّت، و وجب القيام بشكرها، و ذلك بإخلاص الدين للّه، فلهذا قال:

[2] فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ‏ أي: أخلص للّه تعالى جميع دينك، من الشرائع الظاهرة، و الشرائع الباطنة:

الإسلام، و الإيمان، و الإحسان- بأن تفرد اللّه وحده بها، و تقصد بها وجهه، لا غير ذلك من المقاصد.

[3] أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ‏ هذا تقرير للأمر بالإخلاص، و بيان أنه تعالى كما أنه له الكمال كله، و له التفضل على عباده من جميع الوجوه، فكذلك له الدين الخالص، و الصافي من جميع الشوائب. فهو الدين الذي ارتضاه لنفسه، و ارتضاه لصفوة خلقه، و أمرهم به؛ لأنه متضمن للتأله للّه في حبه، و خوفه، و رجائه، و الإنابة إليه، و تحصيل مطالب عباده. و ذلك الذي يصلح القلوب و يزكيها و يطهرها، دون الشرك به في شي‏ء من العبادة. فإن اللّه بري‏ء منه، و ليس للّه فيه شي‏ء، فهو أغنى الشركاء عن الشرك. و هو مفسد للقلوب و الأرواح، و الدنيا و الآخرة مشق، للنفوس غاية الشقاء. فلذلك لما أمر بالتوحيد و الإخلاص، نهى عن الشرك به، و أخبر بذم من أشرك به فقال: وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ أي:

يتولونهم بعبادتهم و دعائهم، معتذرين عن أنفسهم و قائلين: ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى‏ أي: لترفع حوائجنا للّه، و تشفع لنا عنده. و إلا، فنحن نعلم أنها، لا تخلق، و لا ترزق، و لا تملك من الأمر شيئا. أي:

فهؤلاء، قد تركوا ما أمر اللّه به من الإخلاص، و تجرؤوا على أعظم المحرمات، و هو الشرك، و قاسوا الذي ليس كمثله شي‏ء، الملك العظيم، بالملوك. و زعموا- بعقولهم الفاسدة، و رأيهم السقيم، أن الملوك كما أنه لا يوصل إليهم إلا بوجهاء، و شفعاء، و وزراء يرفعون إليهم حوائج رعاياهم، و يستعطفونهم عليهم، و يمهدون لهم الأمر في ذلك- أن اللّه تعالى كذلك. و هذا القياس من أفسد الأقيسة، و هو يتضمن التسوية بين الخالق و المخلوق، مع ثبوت الفرق العظيم، عقلا، و نقلا، و فطرة، فإن الملوك، إنّما احتاجوا للوساطة بينهم و بين رعاياهم، لأنهم لا يعلمون أحوالهم. فيحتاجون إلى من يعلمهم بأحوالهم، و ربما لا يكون في قلوبهم رحمة لصاحب الحاجة. فيحتاج من يعطّفه عليهم و يسترحمه لهم، و يحتاجون إلى الشفعاء و الوزراء، و يخافون منهم، فيقضون حوائج من توسطوا لهم مراعاة لهم، و مداراة لخواطرهم. و هم أيضا فقراء، قد يمنعون، لما يخشون من الفقر. و أما الرب تعالى، فهو الذي أحاط علمه بظواهر الأمور و بواطنها، الذي لا يحتاج إلى من يخبره بأحوال رعيته و عباده. و هو تعالى، أرحم الراحمين، و أجود الأجودين، لا يحتاج إلى أحد من خلقه، يجعله راحما لعباده، بل هو أرحم بهم من أنفسهم و والديهم. و هو الذي يحثهم و يدعوهم إلى الأسباب الّتي ينالون بها رحمته. و هو يريد من مصالحهم، ما لا يريدونه لأنفسهم. و هو الغني، الذي له الغنى التام المطلق، الذي لو اجتمع الخلق من أولهم و آخرهم في صعيد واحد،

تيسير الكريم الرحمن، ص: 865

فسألوه، فأعطى كلا منهم ما سأل و تمنى، لم ينقصوا من غناه شيئا، و لم ينقصوا مما عنده، إلا كما ينقص البحر إذا غمس فيه المخيط. و جميع الشفعاء يخافونه، فلا يشفع منهم أحد إلا بإذنه، و له الشفاعة كلها. فبهذه الفروق، يعلم جهل المشركين به، و سفههم العظيم، و شدة جراءتهم عليه. و يعلم أيضا، الحكمة في كون الشرك لا يغفره اللّه تعالى؛ لأنه يتضمن القدح في اللّه تعالى. و لهذا قال- حاكما بين الفريقين، المخلصين و المشركين، و في ضمنه التهديد للمشركين-: إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ‏ .

و قد علم أن حكمة أن المؤمنين المخلصين في جنات النعيم، أن من يشرك باللّه، فقد حرم اللّه عليه الجنة، و مأواه النار.

إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي‏ أي: لا يوفق للهداية إلى الصراط المستقيم. مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ . أي: وصفه الكذب أو الكفر، بحيث تأتيه المواعظ و الآيات، و لا يزول عنه ما اتصف به، و يريه اللّه الآيات، فيجحدها، و يكفر بها، و يكذب. فهذا أنّى له الهدى، و قد سد على نفسه الباب، و عوقب بأن طبع اللّه على قلبه، فهو لا يؤمن؟

[4] أي: لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً كما زعم ذلك من زعمه، من سفهاء الخلق. لَاصْطَفى‏ مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ أي: لا صطفى من مخلوقاته، الذي يشاء اصطفاءه، و اختصه لنفسه، و جعله بمنزلة الولد، و لم يكن له حاجة إلى اتخاذ الصاحبة. سُبْحانَهُ‏ أي: تنزه عمّا ظن به الكافرون، أو نسبه إليه الملحدون. هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ أي: الواحد في ذاته، و في أسمائه، و في صفاته، و في أفعاله فلا شبيه له في شي‏ء من ذلك، و لا مماثل.

فلو كان له ولد، لاقتضى أن يكون شبيها له في وحدته؛ لأنه بعضه، و جزء منه. القهّار لجميع العالم، العلوي و السفلي. فلو كان له ولد، لم يكن مقهورا، و لكان له إدلال على أبيه، و مناسبة منه. و وحدته تعالى، و قهره متلازمان. فالواحد لا يكون إلا قهارا، و القهّار لا يكون إلا واحدا، و ذلك ينفي الشركة له من كلّ وجه.

[5] يخبر تعالى أنه‏ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِ‏ أي: بالحكمة و المصلحة. و ليأمر العباد و ينهاهم، و يثيبهم و يعاقبهم. يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَ يُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ‏ أي: يدخل كلّا منهما على الآخر، و يحل محله فلا يجتمع هذا و هذا، بل إذا أتى أحدهما، انعزل الآخر عن سلطانه. وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ بتسخير منظم، و سير مقنن. كُلٌ‏ من الشمس و القمر يَجْرِي‏ متأثرا عن تسخيره تعالى‏ لِأَجَلٍ مُسَمًّى‏ و هو انقضاء هذه الدار و خرابها، فيخرب اللّه آلاتها، و شمسها، و قمرها، و ينشى‏ء الخلق نشأة جديدة، ليستقروا في دار القرار، الجنة، أو النار. أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الذي لا يغالب، القاهر لكل شي‏ء، الذي لا يستعصي عليه شي‏ء. الذي من عزته، أوجد هذه المخلوقات العظيمة، و سخرها تجري بأمره. الْغَفَّارُ لذنوب عباده التوابين المؤمنين، كما قال تعالى: وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى‏ (82). الغفار لمن أشرك به، بعد ما رأى من آياته العظيمة، ثمّ تاب و أناب.

[6] و من عزته أن‏ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ على كثرتكم و انتشاركم، في أنحاء الأرض. ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها و ذلك ليسكن إليها و تسكن إليه، و تتم بذلك النعمة. وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ‏ أي: خلقها بقدر نازل منه، رحمة

تيسير الكريم الرحمن، ص: 866

بكم. ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ‏ و هي الّتي ذكرها في سورة الأنعام‏ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ‏ وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ‏ . و خصها بالذكر، مع أنه أنزل لمصالح عباده من البهائم غيرها، لكثرة نفعها، و عموم مصالحها، و لشرفها، و لاختصاصها بأشياء لا يصلح لها غيرها، كالأضحية و الهدي و العقيقة، و وجوب الزكاة فيها، و اختصاصها بالدية. و لما ذكر خلق أبينا و أمنا، ذكر ابتداء خلقنا فقال: يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ‏ أي: طورا بعد طور، و أنتم في حال لا يد مخلوق تمسكم، و لا عين تنظر إليكم. و هو قد رباكم في ذلك المكان الضيق‏ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ‏ ظلمة البطن، ثمّ ظلمة الرحم، ثمّ ظلمة المشيمة. ذلِكُمُ‏ الذي خلق السموات و الأرض، و سخّر الشمس و القمر، و خلقكم، و خلق لكم الأنعام و النعم‏ اللَّهُ رَبُّكُمْ‏ أي: المألوه المعبود، الذي رباكم، و دبركم. فكما أنه الواحد في خلقه و تربيته لا شريك له في ذلك، فهو الواحد في ألوهيته، لا شريك له. و لهذا قال: لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ‏ . بعد هذا البيان أتبعه ببيان استحقاقه تعالى لإخلاص العبادة له دون عبادة الأوثان، الّتي لا تدبر شيئا، و ليس لها من الأمر شي‏ء فقال:

[7] إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ‏ لا يضره كفركم، كما لا ينتفع بطاعتكم. و لكن أمره و نهيه لكم محض فضله و إحسانه عليكم. وَ لا يَرْضى‏ لِعِبادِهِ الْكُفْرَ لكمال إحسانه بهم، و علمه أن الكفر يشقيهم شقاوة لا يسعدون بعدها. و لأنه خلقهم لعبادته، فهي الغاية الّتي خلق لها الخلق، فلا يرضى أن يدعوا ما خلقهم لأجله. وَ إِنْ تَشْكُرُوا اللّه تعالى بتوحيده، و إخلاص الدين له‏ يَرْضَهُ لَكُمْ‏ لرحمته بكم، و محبته للإحسان عليكم، و لفعلكم ما خلقكم لأجله. و كما أنه لا يتضرر بشرككم و لا ينتفع بأعمالكم و توحيدكم، كذلك كلّ أحد منكم له عمله، من خير و شر وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى‏ ثُمَّ إِلى‏ رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ‏ في يوم القيامة فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏ . إخبارا أحاط به علمه، و جرى عليه قلمه، و كتبته عليكم الحفظة الكرام، و شهدت به عليكم الجوارح، فيجازي كلّا منكم بما يستحقه. إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ أي: بنفس الصدور، و ما فيها من وصف برّ أو فجور. و المقصود من هذا، الإخبار بالجزاء، بالعدل التام.

[8] يخبر تعالى عن كرمه بعبده و إحسانه و بره، و قلة شكر عبده، و أنه حين يمسه الضر، من مرض، أو فقر، أو وقوع في كربة بحر أو غيره، أنه يعلم أنه لا ينجيه في هذا الحال، إلا اللّه. فيدعوه متضرعا منيبا، و يستغيث به في كشف ما نزل به و يلح في ذلك. ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ‏ اللّه‏ نِعْمَةً مِنْهُ‏ بأن كشف ما به من الضر و الكربة. نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ‏ أي: نسي ذلك الضر، الذي دعا اللّه لأجله، و مر كأنه ما أصابه ضر، و استمر على شركه.

وَ جَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ‏ أي: ليضل بنفسه، و يضل غيره؛ لأن الإضلال، فرع عن الضلال، فأتى بالملزوم، ليدل على اللازم. قُلْ‏ لهذا العاتي، الذي بدّل نعمة اللّه كفرا: تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ فلا يغنيك ما تتمتع به إذا كان المآل النار. أَ فَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ (206) ما أَغْنى‏ عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ‏ (207).

صفحه بعد