کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1013

القلب و اللسان، و عمل القلب و اللسان و الجوارح. فيشمل ذلك جميع شرائع الدين الظاهرة و الباطنة. فالذين جمعوا هذه الأمور هُمُ الصِّدِّيقُونَ‏ ، أي: الّذين مرتبتهم فوق مرتبة عموم المؤمنين، و دون مرتبة الأنبياء. و قوله: وَ الشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَ نُورُهُمْ‏ كما ورد في الحديث الصحيح:

«إن في الجنة مائة درجة، ما بين كلّ درجتين كما بين السماء و الأرض، أعدها اللّه للمجاهدين في سبيله». و هذا يقتضي شدة علوها و رفعتهم، و قربهم من اللّه تعالى. وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ‏ فهذه الآيات جمعت أصناف الخلق: المتصدقين، و الصديقين و الشهداء، و أصحاب الجحيم. فالمتصدقون هم الّذين جلّ عملهم الإحسان إلى الخلق، و بذل النفع لهم بغاية ما يمكنهم خصوصا بالنفع بالمال في سبيل اللّه. و الصديقون هم الّذين كملوا مراتب الإيمان و العمل الصالح، و العلم النافع، و اليقين الصادق. و الشهداء هم الّذين قاتلوا في سبيل اللّه، لإعلاء كلمة اللّه، و بذلوا أنفسهم و أموالهم فقتلوا.

و أصحاب الجحيم هم الكفار الّذين كذبوا بآيات اللّه. و بقي قسم ذكرهم اللّه في سورة فاطر، و هم المقتصدون الّذين أدوا الواجبات، و تركوا المحرمات، إلا أنهم حصل منهم بعض التقصير بحقوق اللّه و حقوق عباده، فهؤلاء مآلهم الجنة، و إن حصل لبعضهم عقوبة ببعض ما فعل.

[20] يخبر تعالى عن حقيقة الدنيا، و ما هي عليه، و يبين غايتها، و غاية أهلها، بأنها لَعِبٌ وَ لَهْوٌ تلعب بها الأبدان، و تلهو بها القلوب، و هذا مصداقه ما هو موجود و واقع من أبناء الدنيا، فإنك تجدهم قد قطعوا أوقات عمرهم بلهو قلوبهم، و غفلتهم عن ذكر اللّه، و عما أمامهم من الوعد و الوعيد، تراهم قد اتخذوا دينهم لعبا و لهوا.

بخلاف أهل اليقظة و عمّال الآخرة، فإن قلوبهم معمورة بذكر اللّه، و معرفته و محبته، و قد شغلوا أوقاتهم بالأعمال الّتي تقربهم إلى اللّه، من النفع القاصر و المتعدي. و قوله: وَ زِينَةٌ ، أي: تزيّن في اللباس و الطعام، و الشراب و المراكب، و الدور و القصور، و الجاه و غير ذلك. وَ تَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ‏ ، أي: كل واحد من أهلها، يريد مفاخرة الآخر، و أن يكون هو الغالب في أمورها، و الذي له الشهرة في أحوالها. وَ تَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ ، أي: كلّ يريد أن يكون هو الكاثر لغيره، في المال و الولد، و هذا مصداقه، وقوعه من محبّي الدنيا، و المطمئنين إليها. بخلاف من عرف الدنيا و حقيقتها، فجعلها معبرا، و لم يجعلها مستقرا، فنافس فيما يقربه إلى اللّه، و اتخذ الوسائل الّتي توصله إلى دار كرامته، و إذا رأى من يكاثره، و ينافسه في الأموال و الأولاد، نافسه بالأعمال الصالحة. ثمّ ضرب للدنيا مثلا، بغيث نزل على الأرض، فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس و الأنعام، حتى إذا أخذت الأرض زخرفها، و أعجب نباته الكفار، الّذين قصروا نظرهم و هممهم على الدنيا، جاءها من أمر اللّه، ما أتلفها، فهاجت و يبست، و عادت إلى حالها الأولى، كأنه لم ينبت فيها خضراء، و لا رؤي لها مرأى أنيق. كذلك الدنيا، بينما هي زاهية لصاحبها، زاهرة، مهما أراد من مطالبها حصل، و مهما توجه لأمر من أمورها وجد أبوابه مفتحة، إذا أصابها القدر فأذهبها من يده، و أزال تسلطه عليها، أو ذهب به عنها، فرحل منها صفر اليدين، و لم يتزود منها سوى الكفن، فتبّا

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1014

لمن أضحت هي غاية أمنيته و لها عمله و سعيه. و أما العمل للآخرة فهو الذي ينفع، و يدخر لصاحبه، و يصحب العبد على الأبد، و لهذا قال تعالى: وَ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَ مَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رِضْوانٌ‏ ، أي: حال الآخرة، لا يخلو من هذين الأمرين. إما العذاب الشديد في نار جهنم، و أغلالها و سلاسلها و أهوالها لمن كانت الدنيا هي غايته، و منتهى مطلبه، فتجرأ على معاصي اللّه، و كذب بآيات اللّه، و كفر بأنعم اللّه. و إما مغفرة من اللّه للسيئات، و إزالة العقوبات، و رضوان من اللّه، يحل من أحله عليه دار الرضوان لمن عرف الدنيا، و سعى للآخرة سعيها. فهذا كله، مما يدعو إلى الزهد في الدنيا، و الرغبة في الآخرة و لهذا قال: وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ ، أي: إلا متاع يتمتع به، و ينتفع به، و يستدفع به الحاجات، لا يغتر به، و يطمئن إليه، إلا أهل العقول الضعيفة الّذين يغرهم باللّه الغرور.

[21] ثمّ أمر بالمسابقة إلى مغفرة اللّه و رضوانه و جنته، و ذلك يكون بالسعي بأسباب المغفرة، من التوبة النصوح، و الاستغفار النافع، و البعد عن الذنوب و مظانها، و المسابقة إلى رضوان اللّه بالعمل الصالح، و الحرص على ما يرضي اللّه على الدوام، من الإحسان في عبادة الخالق، و الإحسان إلى الخلق بجميع وجوه النفع، و لهذا ذكر اللّه الأعمال الموجبة لذلك، فقال: وَ جَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ‏ ، و الإيمان باللّه و رسله، يدخل فيه أصول الدين و فروعه، ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ ، أي: هذا الذي بيناه لكم، و ذكرنا الطرق الموصلة إلى الجنة، و الطرق الموصلة إلى النار، و أن ثواب اللّه بالأجر الجزيل، و الثواب الجميل، من أعظم منته على عباده و فضله. وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ‏ ، الذي لا يحصي أحد ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه، و فوق ما يثني عليه أحد من خلقه.

[22] و يقول تعالى مخبرا عن عموم قضائه و قدره: ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ‏ ، و هذا شامل لعموم المصائب الّتي تصيب الخلق، من خير و شر، فكلها قد كتب في اللوح المحفوظ صغيرها و كبيرها. و هذا أمر عظيم لا تحيط به العقول، بل تذهل عنه أفئدة أولي الألباب، و لكنه على اللّه يسير.

[23] و أخبر اللّه عباده بذلك لأجل أن تتقرر هذه القاعدة عندهم، و يبنوا عليها ما أصابهم من الخير و الشر. فلا يأسوا و يحزنوا على ما فاتهم، مما طمحت له أنفسهم، و تشوفوا إليه لعلمهم أن ذلك مكتوب في اللوح المحفوظ، لا بد من نفوذه و وقوعه، فلا سبيل إلى دفعه، و لا يفرحوا بما آتاهم اللّه، فرح بطر و أشر، لعلمهم أنهم ما أدركوه بحولهم و قوتهم، و إنّما أدركوه بفضل اللّه و منّه، فيشتغلوا بشكر من أولى النعم، و دفع النقم، و لهذا قال: وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ ، أي: متكبر فظ، معجب بنفسه، فخور بنعم اللّه، ينسبها إلى نفسه، و تطغيه و تلهيه كما قال تعالى: و إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى‏ عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ .

[24] الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ‏ ، أي: يجمعون بين الأمرين الذميمين، اللذين كلّ منهما كاف في الشر: البخل و هو منع الحقوق الواجبة، و يأمرون الناس بذلك، فلم يكفهم بخلهم، حتى أمروا الناس بذلك، و حثّوهم على هذا الخلق الذميم بقولهم و فعلهم، و هذا من إعراضهم عن طاعة ربهم و توليهم عنها. وَ مَنْ يَتَوَلَ‏ عن طاعة اللّه، فلا يضر إلا نفسه، و لن يضر اللّه شيئا. فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ الذي غناه من لوازم ذاته، الذي له ملك السماوات و الأرض، و هو الذي أغنى عباده و أقناهم. الحميد الذي له كلّ اسم حسن، و وصف كامل، و فعل جميل، يستحق أن يحمد عليه، و يثنى و يعظم عليه.

[25] يقول تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ‏ و هي الأدلة و الشواهد و العلامات الدالة على صدق ما جاءوا به و حقيته. وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ‏ و هو اسم جنس يشمل سائر الكتب، الّتي أنزلها اللّه لهداية الخلق و إرشادهم، إلى ما ينفعهم في دينهم و دنياهم. وَ الْمِيزانَ‏ و هو العدل في الأقوال و الأفعال. و الدين الذي جاءت به الرسل، كله عدل و قسط في الأوامر و النواهي و في معاملات الخلق، و في الجنايات و القصاص و الحدود و المواريث، و غير

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1015

ذلك. و ذلك‏ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ قياما بدين اللّه، و تحصيلا لمصالحهم الّتي لا يمكن حصرها وعدها. و هذا دليل على أن الرسل متفقون في قاعدة الشرع، و هو القيام بالقسط، و إن اختلفت صور العدل، بحسب الأزمنة و الأحوال. وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ من آلات الحرب، كالسلاح و الدروع و غير ذلك. وَ مَنافِعُ لِلنَّاسِ‏ و هو: ما يشاهد من نفعه في أنواع الصناعات و الحرف، و الأواني، و آلات الحرث، حتى إنه قلّ أن يوجد شي‏ء إلا و هو يحتاج إلى الحديد. وَ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَ رُسُلَهُ بِالْغَيْبِ‏ ، أي: ليقيم تعالى سوق الامتحان بما أنزله من الكتاب و الحديد، فيتبين من ينصره، و ينصر رسله في حالة الغيب، الّتي ينفع فيها الإيمان قبل الشهادة، الّتي لا فائدة بوجود الإيمان فيها، لأنه حينئذ يكون ضروريا و اضطراريا. إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ، أي: لا يعجزه شي‏ء، و لا يفوته هارب.

و من قوته و عزته أن أنزل الحديد، الذي منه الآلات القوية، و من قوته و عزته أنه قادر على الانتصار من أعدائه، و لكنه يبتلي أولياءه بأعدائه، ليعلم من ينصره بالغيب. و قرن تعالى بهذا الموضع بين الكتاب و الحديد، لأن بهذين الأمرين ينصر اللّه دينه، و يعلي كلمته: بالكتاب، الذي فيه الحجة و البرهان، و السيف الناصر بإذن اللّه، و كلاهما قيامه بالعدل و القسط، الذي يستدل به على حكمة الباري و كماله، و كمال شريعته الّتي شرعها على ألسنة رسله.

[26] و لما ذكر نبوة الأنبياء عموما، ذكر من خواصهم النبيين الكريمين نوحا و إبراهيم اللذين جعل اللّه النبوة و الكتاب في ذريتهما، فقال: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَ إِبْراهِيمَ وَ جَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَ الْكِتابَ‏ ، أي: الأنبياء المتقدمين و المتأخرين كلهم من ذرية نوح و إبراهيم عليهما السّلام. و كذلك الكتب كلها، نزلت على ذرية هذين النبيين الكريمين. فَمِنْهُمْ‏ ، أي: ممن أرسلنا إليهم الرسل‏ مُهْتَدٍ بدعوتهم، منقاد لأمرهم، و مسترشد بهداهم.

وَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ‏ ، أي: خارجون عن طاعة اللّه، و طاعة رسله كما قال تعالى: وَ ما أَكْثَرُ النَّاسِ وَ لَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ‏ (103).

[27] ثُمَّ قَفَّيْنا ، أي: أتبعنا عَلى‏ آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَ قَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ‏ ، خصّ اللّه عيسى عليه السّلام؛ لأن السياق مع النصارى، الّذين يزعمون اتباع عيسى. وَ آتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ‏ الذي هو من كتب اللّه الفاضلة وَ جَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَ رَحْمَةً كما قال تعالى: * لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا وَ لَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى‏ ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَ رُهْباناً وَ أَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ‏ (82). و لهذا كان النصارى، ألين من غيرهم قلوبا، حين كانوا على شريعة عيسى عليه السّلام. وَ رَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ، و الرهبانية: العبادة، فهم ابتدعوا من عند أنفسهم عبادة، و وظفوها على أنفسهم، و التزموا لوازم ما كتبها اللّه عليهم و لا فرضها. بل هم الّذين التزموا بها من تلقاء أنفسهم، قصدهم بذلك رضا اللّه، و مع ذلك‏ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها ، أي: ما قاموا بها، و لا أدوا حقوقها، فقصروا من وجهين: من جهة ابتداعهم، و من جهة عدم قيامهم بما فرضوه على أنفسهم. فهذه الحال هي الغالب من أحوالهم. و منهم من هو

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1016

مستقيم على أمر اللّه، و لهذا قال: فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ‏ ، أي: الّذين آمنوا بمحمد صلّى اللّه عليه و سلّم، مع إيمانهم بعيسى، كلّ أعطاه اللّه على حسب إيمانه‏ وَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ‏ ، أي: مكذبون بمحمد، و خارجون عن الطاعة و الطريق المستقيم.

[28] و هذا الخطاب، يحتمل أنه خطاب لأهل الكتاب الّذين آمنوا بموسى و عيسى عليهما السّلام، يأمرهم أن يعملوا بمقتضى إيمانهم، بأن يتقوا اللّه فيتركوا معاصيه، و يؤمنوا برسوله محمد صلّى اللّه عليه و سلّم، و أنهم إن فعلوا ذلك أعطاهم اللّه‏ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ‏ ، أي: نصيبين من الأجر. نصيب على إيمانهم بمحمد صلّى اللّه عليه و سلّم. و يحتمل أن يكون الأمر عاما يدخل فيه أهل الكتاب و غيرهم و هذا هو الظاهر، و أن اللّه أمرهم بالإيمان و التقوى الذي يدخل فيه جميع الدين، ظاهره و باطنه، و أصوله و فروعه، و أنهم إن امتثلوا هذا الأمر العظيم، أعطاهم‏ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ‏ لا يعلم قدرهما و لا وصفهما إلا اللّه تعالى. أجر على الإيمان، و أجر على التقوى، و أجر على امتثال الأوامر، و أجر على اجتناب النواهي، أو أن التثنية المراد بها تكرار الإيتاء مرة بعد أخرى.

وَ يَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ‏ ، أي: يعطيكم علما و هدى، و نورا تمشون به في ظلمات الجهل، و يغفر لكم السيئات. وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ‏ فلا يستغرب كثرة هذا الثواب على فضل ذي الفضل العظيم، الذي عم فضله أهل السماوات و الأرض، فلا يخلو مخلوق من فضله طرفة عين، و لا أقل من ذلك.

[29] و قوله: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى‏ شَيْ‏ءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ‏ ، أي: بينا لكم فضلنا و إحساننا لمن آمن إيمانا عاما، و اتقى اللّه، و آمن برسوله، لأجل أن يكون عند أهل الكتاب علم، بأنهم لا يقدرون على شي‏ء من فضل اللّه، أي: لا يحجرون على اللّه، بحسب أهوائهم و عقولهم الفاسدة، فيقولون: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى‏ ، و يتمنون على اللّه الأماني الفاسدة. فأخبر اللّه تعالى المؤمنين برسوله محمد صلّى اللّه عليه و سلّم، المتقين للّه أن لهم كفلين من رحمته، و نورا، و مغفرة، رغما عن أنوف أهل الكتاب. و ليعلموا وَ أَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ ممن اقتضت حكمته تعالى أن يؤتيه من فضله‏ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ‏ الذي لا يقادر قدره. تم تفسير سورة الحديد- و للّه الحمد و المنة.

تفسير سورة المجادلة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] نزلت هذه الآيات الكريمات في رجل من الأنصار، اشتكته زوجته إلى اللّه، و جادلته إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لما

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1017

حرمها على نفسه، بعد الصحبة الطويلة، و الأولاد، و كان هو رجلا شيخا كبيرا. فشكت حالها و حاله إلى اللّه، و إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و كررت ذلك، و أبدت فيه و أعادت. فقال تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَ تَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَ اللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما ، أي: تخاطبكما فيما بينكما. إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ‏ لجميع الأصوات، في جميع الأوقات، على تفنن الحاجات. بَصِيرٌ يبصر دبيب النملة السوداء، على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء. و هذا إخبار عن كمال سمعه و بصره، و إحاطتهما بالأمور الدقيقة و الجليلة، و في ضمن ذلك الإشارة بأن اللّه سيزيل شكواها و بلواها، و لهذا ذكر حكمها، و حكم غيرها على وجه العموم، فقال:

الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ‏ . المظاهرة من الزوجة: أن يقول الرجل لزوجته: «أنت عليّ كظهر أمي»، أو غيرها من محارمه، أو:

«أنت عليّ حرام»، و كان المعتاد عندهم في هذا اللفظ «الظهر» و لهذا سماه اللّه «ظهارا» فقال:

[2] الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ‏ ، أي: كيف يتكلمون بهذا الكلام، الذي يعلمون أنه لا حقيقة له، فيشبهون أزواجهم بأمهاتهم اللاتي ولدنهم؟ و لهذا عظم اللّه أمره، و قبحه، فقال: وَ إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَ زُوراً ، أي: قولا شنيعا، و كذبا. وَ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ عمن صدر منه بعض المخالفات، فتداركها بالتوبة النصوح.

[3] وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا ، اختلف العلماء في معنى العود، فقيل: معناه العزم على جماع من ظاهر منها، و أنه بمجرد عزمه، تجب عليه الكفارة المذكورة، و يدل على هذا أن اللّه تعالى ذكر في الكفارة، أنها تكون قبل المسيس، و ذلك إنّما يكون بمجرد العزم، و قيل: معناه حقيقة الوطء، و يدل عليه أن اللّه قال: ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا ، و الذي قالوا إنّما هو الوطء. و على كلّ من القولين (ف) إذا وجد العود، صار كفارة هذا التحريم تحرير رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ كما قيدت في آية القتل، ذكر أو أنثى، بشرط أن تكون سالمة من العيوب الضارة بالعمل.

مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ، أي: يلزم الزوج أن يترك وطء زوجته الّتي ظاهر منها، حتى يكفر برقبة. ذلِكُمْ‏ الحكم الذي ذكرناه لكم، تُوعَظُونَ بِهِ‏ ، أي: يبين لكم حكمه مع الترهيب المقرون به، لأن معنى الوعظ ذكر الحكم مع الترغيب و الترهيب، فالذي يريد أن يظاهر، إذا ذكر أن عليه عتق رقبة، كف نفسه عنه. وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فيجازي كلّ عامل بعمله.

[4] فَمَنْ لَمْ يَجِدْ رقبة يعتقها، بأن لم يجدها، أ و لم يجد ثمنها (ف) عليه صيام‏ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ‏ الصيام‏ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً . إما أن يطعمهم من قوت بلده ما يكفيهم، كما هو قول كثير من المفسرين. و إما أن يطعم كلّ مسكين مدّ برّ أو نصف صاع من غيره مما يجزي في الفطر كما هو قول طائفة أخرى. ذلِكَ‏ الحكم الذي بيناه لكم، و وضحناه‏ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ‏ و ذلك بالتزام هذا الحكم و غيره من الأحكام و العمل به. فإن التزام أحكام اللّه، و العمل بها من الإيمان، بل هي المقصودة، و يزداد بها الإيمان، و يكمل‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1018

و ينمو. وَ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ‏ الّتي تمنع من الوقوع فيها، فيجب أن لا تتعدى و لا يقصر عنها. وَ لِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ‏ و في هذه الآيات عدة أحكام: منها: لطف اللّه بعباده، و اعتناؤه بهم، حيث ذكر شكوى هذه المرأة المصابة، و أزالها، و رفع عنها البلوى، بل رفع البلوى بحكمه العام، عن كلّ من ابتلي بمثل هذه القضية. و منها: أن الظهار مختص بتحريم الزوجة، لأن اللّه قال: مِنْ نِسائِهِمْ‏ . فلو حرم أمته، لم يكن ظهارا بل هو من جنس تحريم الطيبات، كالطعام و الشراب، تجب فيه كفارة اليمين فقط. و منها: أن لا يصلح الظهار من امرأة قبل أن يتزوجها، لأنها لا تدخل في نسائه وقت الظهار، كما لا يصح طلاقها، سواء نجّز ذلك، أو علّقه. و منها: أن الظهار محرم، لأن اللّه سماه‏ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَ زُوراً . و منها: تنبيه اللّه على الحكم و حكمته، لأن اللّه قال: ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ‏ . و منها: أنه يكره للرجل أن ينادي زوجته و يدعوها باسم محارمه، كقوله:

«يا أمي»، «يا أختي» و نحو ذلك، لأن ذلك يشبه المحرم.

و منها: أن الكفارة إنّما تجب بالعود لما قال المظاهر، على اختلاف القولين السابقين، لا بمجرد الظهار. و منها: أنه يجزى‏ء في كفارة الرقبة، الصغير و الكبير، و الذكر و الأنثى، لإطلاق الآية في ذلك. و منها: أنه يجب إخراجها إذا كانت عتقا أو صياما، قبل المسيس، كما قيده اللّه. بخلاف كفارة الإطعام، فإنه يجوز المسيس و الوطء في أثنائها.

منها: أنه لعل الحكمة في وجوب الكفارة قبل المسيس، أن ذلك أدعى لإخراجها، فإنه إذا اشتاق إلى الجماع، و علم أنه لا يمكّن من ذلك إلا بعد الكفارة، بادر إلى إخراجها. و منها: أنه لا بد من إطعام ستين مسكينا، فلو جمع طعام ستين مسكينا، و دفعه لواحد أو أكثر من ذلك، دون الستين لم يجز، لأن اللّه قال: فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً .

[5] محادة اللّه و رسوله: مخالفتهما و معصيتهما خصوصا في الأمور الفظيعة، كمحادة اللّه و رسوله بالكفر، معاداة أولياء اللّه. و قوله: كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ‏ ، أي: أذلوا و أهينوا، كما فعل بمن قبلهم، جزاء وفاقا.

ليس لهم حجة على اللّه، فإن اللّه قد قامت حجته البالغة على الخلق، و قد أنزل من الآيات البينات، و البراهين ما عين الحقائق، و يوضح المقاصد، فمن اتبعها و عمل عليها، فهو من المهتدين الفائزين. وَ لِلْكافِرِينَ‏ بها عَذابٌ مُهِينٌ‏ أي: يهينهم و يذلهم. فكما تكبروا عن آيات اللّه، أهانهم اللّه و أذلهم.

[6] يقول اللّه تعالى: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ‏ ، أي: يوم يبعث اللّه الخلق‏ جَمِيعاً فيقومون من أجداثهم سريعا فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا من خير و شر، لأنه علم ذلك، و أَحْصاهُ اللَّهُ‏ ، أي: كتبه في اللوح المحفوظ، و أمر ملائكة الكرام الحفظة بكتابته. هذا وَ العاملون قد نَسُوهُ‏ ، أي: نسوا ما عملوه و اللّه أحصى ذلك. وَ اللَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ شَهِيدٌ على الظواهر و السرائر، و الخبايا و الخفايا، و لهذا أخبر عن سعة علمه و إحاطته بما في السماوات و الأرض من دقيق و جليل.

[7] و أنه‏ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى‏ ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَ لا أَدْنى‏ مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ، و المراد بهذه المعية: معية العلم و الإحاطة، بما تناجوا به و أسروه فيما بينهم، و لهذا قال: إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ‏ .

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1019

[8- 9] ثم قال تعالى: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ‏ ، إلى:

تُحْشَرُونَ‏ . النجوى هي: التناجي بين اثنين فأكثر، و قد تكون في الخير، و تكون في الشر. فأمر اللّه المؤمنين أن يتناجوا بالبر، و هو: اسم جامع لكل خير و طاعة، و قيام بحق اللّه، و حق عباده، و التقوى، و هي- هنا-: اسم جامع لترك جميع المحارم و المآثم. فالمؤمن يمتثل هذا الأمر الإلهي، فلا تجده مناجيا و متحدثا، إلا بما يقربه إلى اللّه، و يباعده من سخطه. و الفاجر يتهاون بأمر اللّه و يناجي بالإثم و العدوان، و معصية الرسول، كالمنافقين الّذين هذا دأبهم و حالهم مع الرسول صلّى اللّه عليه و سلم. قال تعالى: وَ إِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ‏ ، أي: يسيئون الأدب في تحيتهم لك. وَ يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ‏ ، أي: يسرون فيها ما ذكر عالم الغيب و الشهادة عنهم، و هو قولهم: لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ‏ . و معنى ذلك أنهم يتهاونون بذلك، و يستدلون بعدم تعجيل العقوبة عليهم، أن ما يقولونه غير محذور. و قال تعالى في بيان أنه يمهل و لا يهمل: حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ ، أي: تكفيهم جهنم، الّتي جمعت كلّ عذاب و شقاء عليهم، تحيط بهم، و يعذبون بها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ ، أي: المرجع و المآل: جهنم. و هؤلاء المذكورون إما أناس من المنافقين، يظهرون الإيمان، و يخاطبون الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم بهذا الخطاب الذي يوهمون أنهم أرادوا به خيرا، و هم كذبة في ذلك، و إما أناس من أهل الكتاب، الّذين سلموا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، و قالوا: «السام عليك يا محمد» يعنون: الموت.

[10] يقول تعالى: إِنَّمَا النَّجْوى‏ ، أي: تناجي أعداء المؤمنين بالمؤمنين، بالمكر و الخديعة و طلب السوء، مِنَ الشَّيْطانِ‏ ، الذي كيده ضعيف. لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا ، هذا غاية هذا المكر و مقصوده. وَ لَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ‏ فإن اللّه وعد المؤمنين بالكفاية، و النصر على الأعداء، و قال تعالى: وَ لا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ‏ .

فأعداء اللّه و رسوله و المؤمنين، مهما تناجوا و مكروا فإن ضرر ذلك عائد إلى أنفسهم، و لا يضر المؤمنين إلا شي‏ء قدره اللّه و قضاه. وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ‏ ، أي: ليعتمدوا عليه، و يثقوا بوعده، فإن من توكل على اللّه كفاه كيد الأعداء، و كفاه أمر دينه و دنياه.

[11] هذا أدب من اللّه لعباده، إذا اجتمعوا في مجلس من مجالس مجتمعاتهم، و احتاج بعضهم، أو بعض القادمين للتفسح له في المجلس، فإن من الأدب أن يفسحوا له تحصيلا لهذا المقصود. و ليس ذلك بضار للفاسح شيئا، فيحصل مقصود أخيه من غير ضرر يلحقه، و الجزاء من جنس العمل، فإن من فسح لأخيه، فسح اللّه له، و من وسع لأخيه، وسع اللّه عليه. وَ إِذا قِيلَ انْشُزُوا ، أي: ارتفعوا و تنحوا عن مجالسكم، لحاجة تعرض.

صفحه بعد