کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1119

سورة التين‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] وَ التِّينِ‏ هو التين المعروف، و كذلك‏ وَ الزَّيْتُونِ‏ أقسم بهاتين الشجرتين، لكثرة منافع شجرهما و ثمرهما، و لأن سلطانهما في أرض الشام، محل نبوة عيسى ابن مريم عليه السلام.

[2] وَ طُورِ سِينِينَ‏ (2)، أي: طور سيناء، محل نبوة موسى عليه السلام.

[3] وَ هذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ‏ (3) و هو مكة المكرمة، محل نبوة محمد صلّى اللّه عليه و سلّم. فأقسم تعالى بهذه المواضع المقدسة، التي اختارها و ابتعث منها أفضل الأنبياء و أشرفهم. و المقسم عليه قوله:

[4] لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ‏ (4)، أي: تام الخلق، متناسب الأعضاء، منتصب القامة، لم يفقد مما يحتاج إليه ظاهرا و باطنا شيئا.

[5] و مع هذه النعم العظيمة، التي ينبغي له القيام بشكرها، فأكثر الخلق منحرفون عن شكر المنعم، مشتغلون باللهو و اللعب، قد رضوا لأنفسهم، بأسافل الأمر، و سفساف الأخلاق. فردهم اللّه في أسفل سافلين، أي: أسفل النار، موضع العصاة المتمردين على ربهم، إلا من منّ اللّه عليه بالإيمان، و العمل الصالح، و الأخلاق الفاضلة العالية.

[6] فَلَهُمْ‏ بذلك المنازل العالية، و أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ‏ ، أي: غير مقطوع، بل لذات متوافرة، و أفراح متواترة، و نعم متكاثرة، في أبد لا يزول، و نعيم لا يحول، أكلها دائم و ظلها.

[7] فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ‏ (7)، أي: أي شي‏ء يكذبك أيها الإنسان، بيوم الجزاء على الأعمال، و قد رأيت من آيات اللّه الكثيرة ما يحصل لك به اليقين، و من نعمه ما يوجب عليك أن لا تكفر بشي‏ء منها؟

[8] أَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ‏ (8)، فهل تقتضي حكمته أن يترك الخلق سدى لا يؤمرون و لا ينهون، و لا يثابون و لا يعاقبون؟ أم الذي خلق بني الإنسان أطوارا بعد أطوار، و أوصل إليهم من النعم و الخير و البر ما لا يحصونه، و رباهم التربية الحسنة، لا بد أن يعيدهم إلى دار هي مستقرهم، و غايتهم التي إليها يقصدون، و نحوها يؤمون. تم تفسير سورة التين- و الحمد.

تفسير سورة العلق‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] هذه السورة أول السور القرآنية نزولا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم. فإنها نزلت في مبادئ النبوة، إذ كان لا يدري ما

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1120

الكتاب و لا الإيمان. فجاءه جبريل عليه السلام بالرسالة، و أمره أن يقرأ، فاعتذر، و قال: «ما أنا بقارئ» فلم يزل به حتى قرأ. فأنزل اللّه: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ‏ (1) عموم الخلق. ثم خص الإنسان، و ذكر ابتداء خلقه‏ مِنْ عَلَقٍ‏ .

فالذي خلق الإنسان، و اعتنى بتدبيره، لا بد أن يدبر بالأمر و النهي، و ذلك بإرسال الرسل، و إنزال الكتب. و لهذا أتى بعد الأمر بالقراءة، بخلقه للإنسان.

[3] ثم قال: اقْرَأْ وَ رَبُّكَ الْأَكْرَمُ‏ (3)، أي: كثير الصفات واسعها، كثير الكرم و الإحسان، واسع الجود، الذي من كرمه أن علم أنواع العلوم.

[4- 5] و الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ‏ (5) فإنه تعالى أخرجه من بطن أمه، لا يعلم شيئا، و جعل له السمع و البصر و الفؤاد، و يسر له أسباب العلم.

فعلمه القرآن، و علمه الحكمة، و علمه بالقلم، الذي به تحفظ العلوم، و تضبط الحقوق، و تكون رسلا للناس، تنوب مناب خطابهم. فلله الحمد و المنة، الذي أنعم على عباده بهذه النعم التي لا يقدرون لها، على جزاء و لا شكور. ثم منّ عليهم بالغنى و سعة الرزق.

[11] و لكن الإنسان- لجهله و ظلمه- إذا رأى نفسه غنيا، طغى و بغى، و تجبر عن الهدى، و نسي أن لربه الرجعى، و لم يخف الجزاء، بل ربما وصلت به الحال إلى أنه يترك الهدى بنفسه، و يدعو غيره إلى تركه، فينهى عن الصلاة التي هي أفضل أعمال الإيمان، يقول اللّه لهذا المتمرد العاتي: أَ رَأَيْتَ‏ أيها الناهي للعبد إذا صلى‏ إِنْ كانَ‏ العبد المصلي‏ عَلَى الْهُدى‏ العلم بالحق، و العمل به.

[12] أَوْ أَمَرَ غيره‏ بِالتَّقْوى‏ . فهل يحسن أن ينهى، من هذا وصفه؟ أ ليس نهيه من أعظم المحادّة للّه، و المحاربة للحق؟ فإن النهي لا يتوجه إلا ممن هو في نفسه على غير الهدى، أو كان يأمر غيره بخلاف التقوى.

[13] أَ رَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ‏ الناهي بالحق‏ وَ تَوَلَّى‏ عن الأمر، أما يخاف اللّه، و يخشى عقابه؟ أَ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى‏ (14) ما يعمل و يفعل؟

[15- 16] ثم توعده إن استمر على حاله فقال: كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ‏ عما يقول و يفعل‏ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ، أي: لنأخذن بناصيته أخذا عنيفا، و هي حقيقة بذلك، فإنها ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ (16)، أي: كاذبة في قولها، خاطئة في فعلها.

[17] فَلْيَدْعُ‏ هذا الذي حق عليه العذاب‏ نادِيَهُ‏ ، أي: أهل مجلسه و أصحابه، و من حوله، ليعينوه على ما نزل به.

[18] سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (18)، أي: خزنة جهنم، لأخذه و عقوبته. فلينظر أي الفريقين أقوى و أقدر؟ فهذه حالة الناهي، و ما توعد به من العقوبة. و أما حالة المنهي، فأمره اللّه أن لا يصغي إلى هذا الناهي، و لا ينقاد لنهيه، فقال:

[19] كَلَّا لا تُطِعْهُ‏ ، أي: فإنه لا يأمر إلا بما فيه الخسار. وَ اسْجُدْ لربك‏ وَ اقْتَرِبْ‏ منه في السجود و غيره من أنواع الطاعات و القربات، فإنها كلها تدني من رضاه، و تقرب منه. و هذا عام لكل ناه عن الخير، و لكل منهي عنه. و إن كانت نازلة في شأن أبي جهل، حين نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن الصلاة، و عذبه و آذاه. تم تفسير سورة العلق- و الحمد للّه رب العالمين.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1121

سورة القدر

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] يقول تعالى مبينا لفضل القرآن و علو قدره: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) و ذلك أن اللّه تعالى، ابتدأ بإنزال القرآن في رمضان في ليلة القدر، و رحم اللّه بها العباد رحمة عامة، لا يقدر العباد لها شكرا. و سميت ليلة القدر، لعظم قدرها، و فضلها عند اللّه، و لأنه يقدر فيها ما يكون في العام من الأجل و الأرزاق، و المقادير القدرية.

[2] ثم فخّم شأنها، و عظّم مقدارها، فقال: وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2)، أي: فإن شأنها جليل، و خطرها عظيم.

[3] لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)، أي: تعادل في فضلها ألف شهر، فالعمل الذي يقع فيها، خير من العمل في ألف شهر، خالية منها. و هذا مما تتحير فيه الألباب، و تندهش له العقول، حيث منّ تعالى على هذه الأمة الضعيفة القوة و القوى، بليلة يكون العمل فيها يقابل و يزيد على ألف شهر، عمر رجل معمر عمرا طويلا، نيفا و ثمانين سنة.

[4- 5] تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيها ، أي: يكثر نزولهم فيها مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (5) سَلامٌ هِيَ‏ ، أي: سالمة من كل آفة و شر، و ذلك لكثرة خيرها. حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ، أي: مبتداها من غروب الشمس، و منتهاها طلوع الفجر. و قد تواترت الأحاديث في فضلها، و أنها في رمضان، و في العشر الأواخر منه، خصوصا في أوتاره، و هي باقية في كل سنة إلى قيام الساعة. و لهذا كان النبي صلّى اللّه عليه و سلم يعتكف، و يكثر من التعبد في العشر الأواخر من رمضان، رجاء ليلة القدر، و اللّه أعلم. تم تفسير سورة القدر- بعون اللّه تعالى.

تفسير سورة البينة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] يقول تعالى: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ‏ ، أي: من اليهود و النصارى‏ وَ الْمُشْرِكِينَ‏ من سائر أصناف الأمم. مُنْفَكِّينَ‏ عن كفرهم و ضلالهم، الذي هم عليه، أي: لا يزالون في غيهم و ضلالهم، لا يزيدهم مرور الأوقات إلا كفرا. حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ الواضحة، و البرهان الساطع، ثم فسر تلك البينة فقال:

[2] رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ‏ ، أي: أرسله اللّه، يدعو الناس إلى الحق، و أنزل عليه كتابا يتلوه، ليعلم الناس الحكمة، و يزكيهم، و يخرجهم من‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1122

الظلمات إلى النور، و لهذا قال: يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً ، أي:

محفوظة من قربان الشياطين، لا يمسها إلا المطهرون، لأنها أعلى ما يكون من الكلام.

[3- 4] و لهذا قال عنها:

فِيها ، أي: في تلك الصحف‏ كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ، أي: أخبار صادقة، و أوامر عادلة تهدي إلى الحق، و إلى صراط مستقيم.

فإذا جاءتهم هذه البينة، فحينئذ يتبين طالب الحق، ممن ليس له مقصد في طلبه، فيهلك من هلك عن بينة، و يحيا من حي عن بينة. و إذا لم يؤمن أهل الكتاب بهذا الرسول، و ينقادوا له، فليس ذلك ببدع من ضلالهم و عنادهم، فإنهم ما تفرّقوا و اختلفوا، و صاروا أحزابا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ، التي توجب لأهلها الاجتماع و الاتفاق. و لكنهم لرداءتهم و نذالتهم، لم يزدهم الهدى إلّا ضلالا، و لا البصيرة إلّا عمى، مع أن الكتب كلها، جاءت بأصل واحد، و دين واحد.

[5] وَ ما أُمِرُوا في سائر الشرائع‏ إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ‏ ، أي: قاصدين بجميع عباداتهم، الظاهرة و الباطنة، وجه اللّه، و طلب الزلفى لديه. حُنَفاءَ ، أي:

معرضين مائلين عن سائر الأديان، المخالفين لدين التوحيد. و خصّ الصلاة و الزكاة بالذكر، مع أنهما داخلان في قوله: لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ‏ لفضلهما و شرفهما، و كونهما العبادتين اللتين من قام بهما، قام بجميع شرائع الدين. وَ ذلِكَ‏ أن التوحيد و الإخلاص في الدين، هما دِينُ الْقَيِّمَةِ ، أي: الدين المستقيم، الموصل إلى جنات النعيم، و ما سواه فطرق موصلة إلى الجحيم.

[6] ثمّ ذكر جزاء الكافرين، بعد ما جاءتهم البينة، فقال: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ الْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ‏ قد أحاط بهم عذابها، و اشتد عليهم عقابها. خالِدِينَ فِيها لا يفتّر عنهم العذاب، و هم فيها مبلسون. أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ لأنهم عرفوا الحقّ و تركوه، و خسروا الدنيا و الآخرة.

[7] إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) لأنهم عبدوا اللّه و عرفوه، و فازوا بنعيم الدنيا و الآخرة.

[8] جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ‏ ، أي: جنات إقامة، لا ظعن فيها و لا رحيل، و لا طلب لغاية فوقها.

تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ‏ فرضي عنهم بما قاموا به من مراضيه، و رضوا عنه، بما أعد لهم من أنواع الكرامات. ذلِكَ‏ الجزاء الحسن‏ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ‏ ، أي: لمن خاف اللّه فأحجم عن معاصيه، و قام بما أوجب عليه. تم تفسير سورة البينة- بفضل اللّه و توفيقه.

تفسير سورة الزلزلة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] يخبر تعالى، عما يكون يوم القيامة، و أن الأرض تتزلزل و ترجف، و ترتج، حتى يسقط ما عليها من بناء

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1123

و معلم. فتندك جبالها، و تسوّى تلالها، و تكون قاعا صفصفا، لا عوج فيه و لا أمت.

[2] وَ أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (2)، أي: ما في بطنها، من الأموات و الكنوز.

[3] وَ قالَ الْإِنْسانُ‏ إذا رأى ما عراها من الأمر العظيم:

ما لَها ؟، أي: أيّ شي‏ء عرض لها؟

[4] يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ‏ الأرض‏ أَخْبارَها ، أي: تشهد على العاملين بما عملوا على ظهرها، من خير و شر، فإن الأرض من جملة الشهود الذين يشهدون على العباد بأعمالهم.

[5] ذلك‏ بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى‏ لَها (5)، أي: أمرها أن تخبر بما عمل عليها، فلا تعصي لأمره.

[6] يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ‏ من موقف القيامة أَشْتاتاً ، أي: فرقا متفاوتين. لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ‏ أي: ليريهم اللّه ما عملوا من السيئات و الحسنات، و يريهم جزاءه موفورا.

[7- 8] فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ‏ (8) و هذا شامل عام للخير و الشر كله، لأنه إذا رأى مثقال الذرة، التي هي أحقر الأشياء، و جوزي عليها، فما فوق ذلك من باب أولى و أخرى، كما قال تعالى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً ، وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً . و هذا، فيه الترغيب في فعل الخير و لو قليلا، و الترهيب من فعل الشر و لو حقيرا. تم تفسير سورة الزلزلة- و الحمد للّه.

تفسير سورة العاديات‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] أقسم تعالى بالخيل، لما فيها من آياته الباهرة، و نعمه الظاهرة، ما هو معلوم للخلق. و أقسم تعالى بها في الحال التي لا يشاركها فيه غيرها من أنواع الحيوانات، فقال: وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً (1)، أي: العاديات عدوا بليغا قويا، يصدر عنه الضبح، و هو صوت نفسها في صدرها، عند اشتداد عدوها.

[2] فَالْمُورِياتِ‏ بحوافرهن ما يطأن عليه من الأحجار قَدْحاً ، أي: تنقدح النار من صلابة حوافرهن و قوتهن إذا عدون.

[3] فَالْمُغِيراتِ‏ على الأعداء صُبْحاً ، و هذا أمر أغلبي، أن الغارة تكون صباحا.

[4] فَأَثَرْنَ بِهِ‏ ، أي: بعدوهن، و غارتهن‏ نَقْعاً ، أي: غبارا.

[5] فَوَسَطْنَ بِهِ‏ ، أي: براكبهن‏ جَمْعاً ، أي توسطن به جموع الأعداء، الذين أغار عليهم.

[6] و المقسم عليه قوله: إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6)، أي: منوع للخير، الذي للّه عليه. فطبيعة الإنسان و جبلته، أن نفسه، لا تسمح بما عليه من الحقوق، فتؤديها كاملة موفرة، بل طبيعتها الكسل و المنع لما عليها من‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1124

الحقوق المالية و البدنية، إلّا من هداه اللّه و خرج عن هذا الوصف إلى وصف السماح بأداء الحقوق.

[7] وَ إِنَّهُ عَلى‏ ذلِكَ لَشَهِيدٌ (7)، أي: إن الإنسان، على ما يعرف من نفسه من المنع و الكند، لشاهد بذلك، لا يجحده و لا ينكره، لأن ذلك، بيّن واضح. و يحتمل أن الضمير عائد إلى اللّه، أي: إن العبد لربه لكنود، و اللّه شهيد على ذلك، ففيه الوعيد، و التهديد الشديد، لمن هو عليه كنود، بأن اللّه عليه شهيد.

[8] وَ إِنَّهُ‏ ، أي: الإنسان‏ لِحُبِّ الْخَيْرِ ، أي:

المال‏ لَشَدِيدٌ ، أي: كثير الحب للمال. و حبه لذلك، هو الذي أوجب له ترك الحقوق الواجبة عليه، قدم شهوة نفسه على رضا ربه، و كلّ هذا لأنه قصر نظره على هذه الدار، و غفل عن الآخرة. و لهذا قال- حاثا له على خوف يوم الوعيد-:

[9] أَ فَلا يَعْلَمُ‏ ، أي: هلّا يعلم هذا المعتز إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ ، أي: أخرج اللّه الأموات من قبورهم، لحشرهم و نشرهم.

[10] وَ حُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ (10)، أي: ظهر و بان ما فيها، و ما استتر في الصدور من كمائن الخير و الشر، فصار السر علانية، و الباطن ظاهرا، و بان على وجوه الخلق نتيجة أعمالهم.

[11] إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11) بأعمالهم الظاهرة و الباطنة، الخفية و الجلية، و مجازيهم عليها. و خص خبرهم بذلك اليوم، مع أنه خبير بهم في كلّ وقت، لأن المراد بهذا، الجزاء على الأعمال، الناشئ عن علم اللّه، و اطلاعه. تم تفسير سورة العاديات، و للّه الحمد و المنة.

تفسير سورة القارعة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1- 4] الْقارِعَةُ (1) من أسماء يوم القيامة، سميت بذلك، لأنها تقرع الناس و تزعجهم بأهوالها. و لهذا عظم أمرها، و فخمه بقوله: الْقارِعَةُ (1) مَا الْقارِعَةُ (2) وَ ما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ‏ من شدة الفزع و الهول. كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ‏ ، أي: كالجراد المنتشر، الذي يموج بعضه في بعض، و الفراش هي: الحيوانات التي تكون في الليل، يموج بعضها ببعض لا تدري أين توجه. فإذا أوقد لها نار، تهافتت إليها، لضعف إدراكها، فهذه حال الناس أهل العقول.

[5] و أما الجبال الصم الصلاب، فتكون‏ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ‏ ، أي: كالصوف المنفوش، الذي بقي ضعيفا جدا، تطير به أدنى ريح. قال تعالى: وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ‏ . ثمّ بعد ذلك، تكون هباء

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1125

منثورا، فتضمحل و لا يبقى منها شي‏ء يشاهد، فحينئذ تنصب الموازين، و ينقسم الناس قسمين: سعداء و أشقياء.

[6- 7] فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ‏ (6)، أي: رجحت حسناته على سيئاته‏ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (7) في جنات النعيم.

[8] وَ أَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ‏ (8) بأن لم تكن له حسنات تقاوم سيئاته.

[9] فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (9)، أي: مأواه و مسكنه النار التي من أسمائها الهاوية، تكون له بمنزلة الأم الملازمة كما قال تعالى: إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً . و قيل: إن معنى ذلك، فأم دماغه هاوية في النار، أي: يلقى في النار على رأسه.

[10] وَ ما أَدْراكَ ما هِيَهْ‏ (10) و هذا تعظيم لأمرها، ثمّ فسرها بقوله: نارٌ حامِيَةٌ (11)، أي: شديدة الحرارة، قد زادت حرارتها، على حرارة نار الدنيا بسبعين ضعفا. نستجير باللّه منها. تم تفسير سورة القارعة- بحمد اللّه و فضله.

سورة التكاثر

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] يقول تعالى موبخا عباده عن اشتغالهم عما خلقوا له من عبادته وحده لا شريك له، و معرفته، و الإنابة إليه، و تقديم محبته على كلّ شي‏ء. أَلْهاكُمُ‏ عن ذلك المذكور التَّكاثُرُ ، و لم يذكر المتكاثر به، ليشمل ذلك كلّ ما يتكاثر به المتكاثرون، و يفتخر به المفتخرون، من الأموال، و الأولاد، و الأنصار، و الجنود، و الخدم، و الجاه، و غير ذلك مما يقصد منه مكاثرة كلّ واحد للآخر، و ليس المقصود منه وجه اللّه. فاستمرت غفلتكم، و لهوتكم، و تشاغلكم‏ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (2)، فانكشف حينئذ لكم الغطاء، و لكن بعد ما تعذر عليكم استئنافه.

[2] و دل قوله: حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (2) أن البرزخ دار، المقصود منها، النفوذ إلى الدار الآخرة، لأن اللّه سماهم زائرين، و لم يسمهم مقيمين.

[3- 5] فدل ذلك على البعث، و الجزاء على الأعمال، في دار باقية غير فانية، و لهذا توعدهم بقوله: كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ‏ (5)، أي: لو تعلمون ما أمامكم، علما يصل إلى القلوب، لما ألهاكم التكاثر، و لبادرتهم إلى الأعمال الصالحة. و لكن عدم العلم الحقيقي، صيّركم إلى ما ترون.

[6] لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ‏ (6)، أي: لترون القيامة، فلترون الجحيم، التي أعدها اللّه للكافرين.

[7] ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ‏ (7)، أي: رؤية بصرية، كما قال تعالى: وَ رَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَ لَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (53).

صفحه بعد