کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 786

فتليت عليهم آيات القرآن، و أتتهم النصائح على أيدي رسل اللّه، و دعوا إلى التذكر، سمعوها فقبلوها، و انقادوا، و خَرُّوا سُجَّداً أي: خاضعين لها، خضوع ذكر للّه، و فرح بمعرفته. وَ سَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ هُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ‏ لا بقلوبهم، و لا بأبدانهم، فيمتنعون من الانقياد لها بل متواضعون لها، و قد تلقوها بالقبول، و قابلوها بالانشراح و التسليم، و توصلوا بها إلى مرضاة الرب الرحيم، و اهتدوا بها إلى الصراط المستقيم.

[16] تَتَجافى‏ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ‏ أي: ترتفع جنوبهم، و تنزعج عن مضاجعها اللذيذة، إلى ما هو ألذ عندهم منه و أحب إليهم، و هو: الصلاة في الليل، و مناجاة اللّه تعالى. و لهذا قال: يَدْعُونَ رَبَّهُمْ‏ أي: في جلب مصالحهم الدينية و الدنيوية، و دفع مضارهما. خَوْفاً وَ طَمَعاً أي: جامعين بين الوصفين، خوفا أن ترد أعمالهم، و طمعا في قبولها. خوفا من عذاب اللّه، و طمعا في ثوابه. وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ‏ من الرزق، قليلا أو كثيرا يُنْفِقُونَ‏ و لم يذكر قيد النفقة، و لا المنفق عليه، ليدل على العموم. فإنه يدخل فيه، النفقة الواجبة، كالزكوات، و الكفارات، و نفقة الزوجات و الأقارب، و النفقة المستحبة في وجوه الخير، و النفقة و الإحسان المالي، خير مطلقا، سواء وافق فقيرا أو غنيا، قريبا أو بعيدا، و لكن الأجر يتفاوت، بتفاوت النفع، فهذا عملهم.

[17] و أما جزاؤهم، فقال: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ‏ يدخل فيه جميع نفوس الخلق، لكونه نكرة في سياق النفي. أي:

فلا يعلم أحد ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ‏ من الخير الكثير، و النعيم الغزير، و الفرح و السرور، و اللذة و الحبور. كما قال تعالى على لسان رسوله: «أعددت لعبادي الصالحين، ما لا عين رأت و لا أذن سمعت، و لا خطر على قلب بشر». فكما صلوا في الليل، و دعوا، و أخفوا العمل، جازاهم من جنس عملهم، فأخفى أجرهم، و لهذا قال:

جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ‏ .

[18] ينبه تعالى، العقول على ما تقرر فيها، من عدم تساوي المتفاوتين المتباينين، و أن حكمته تقضي عدم تساويهما فقال: أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً قد عمّر قلبه الإيمان، و انقادت جوارحه لشرائعه، و اقتضى إيمانه آثاره و موجباته، من ترك مساخط اللّه، التي يضر وجودها بالإيمان. كَمَنْ كانَ فاسِقاً قد خرب قلبه، و تعطل من الإيمان، فلم يكن فيه وازع ديني، فأسرعت عنه جوارحه بموجبات الجهل و الظلم، في كل إثم و معصية، و خرج بفسقه عن طاعة ربه. أ فيستوي هذان الشخصان؟ لا يَسْتَوُونَ‏ عقلا و شرعا، كما لا يستوي الليل و النهار، و الضياء، و الظلمة، و كذلك لا يستوي ثوابهما في الآخرة.

[19] و أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ‏ من فروض و نوافل‏ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى‏ أي: الجنات التي هي مأوى اللذات، و معدن الخيرات، و محل الأفراح، و نعيم القلوب، و النفوس، و الأرواح، و محل الخلود، و جوار الملك المعبود، و التمتع بقربه، و النظر إلى وجهه، و سماع خطابه. نُزُلًا لهم أي: ضيافة، و قرى‏ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ‏ .

فأعمالهم التي تفضل اللّه بها عليهم، هي التي أوصلتهم لتلك المنازل الغالية العالية، التي لا يمكن التوصل إليها ببذل‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 787

الأموال، و لا بالجنود و الخدم، و لا بالأولاد، بل و لا بالنفوس و الأرواح، و لا يتقرب إليها بشي‏ء أصلا، سوى الإيمان و العمل الصالح.

[20] وَ أَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ أي: مقرهم و محل خلودهم، النار التي جمعت كل عذاب و شقاء، و لا يفتّر عنهم العقاب ساعة. كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها فكلما حدثتهم إرادتهم بالخروج، لبلوغ العذاب منهم كل مبلغ، ردوا إليها، فذهب عنهم روح ذلك الفرج، و اشتد عليهم الكرب. وَ قِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ‏ فهذا عذاب النار، الذي يكون فيه مقرهم و مأواهم.

[21] و أما العذاب الذي قبل ذلك، و مقدمة له و هو عذاب البرزخ، فقد ذكر بقوله: وَ لَنُذِيقَنَّهُمْ‏ إلى‏ يَرْجِعُونَ‏ . أي: و لنذيقن الفاسقين المكذبين، نموذجا من العذاب الأدنى، و هو عذاب البرزخ، فنذيقهم طرفا منه، قبل أن يموتوا. إما بعذاب بالقتل و نحوه، كما جرى لأهل بدر من المشركين. و إما عند الموت، كما في قوله تعالى: وَ لَوْ تَرى‏ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَ الْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ‏ ثم يكمل لهم العذاب الأدنى في برزخهم. و هذه الآية من الأدلة على إثبات عذاب القبر، و دلالتها ظاهرة، فإنه قال:

وَ لَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى‏ أي: بعض و جزء منه، فدلّ على أن ثمّ عذابا أدنى قبل العذاب الأكبر، و هو عذاب النار. و لما كانت الإذاقة من العذاب الأدنى في الدنيا، قد لا يتصل بها الموت، أخبر تعالى، أنه يذيقهم ذلك لعلهم يرجعون إليه و يتوبون من ذنوبهم كما قال تعالى: ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ‏ (41).

[22] أي: لا أحد أظلم، و أزيد تعديا، ممن ذكر بآيات ربه، التي أوصلها إليه ربه، الذي يريد تربيته، و تكميل نعمته على أيدي رسله، تأمره، و تذكره بمصالحه الدينية و الدنيوية، و تنهاه عن مضاره الدينية و الدنيوية، التي تقتضي أن تقابلها بالإيمان و التسليم، و الانقياد و الشكر. فقابلها هذا الظالم بضد ما ينبغي، فلم يؤمن بها، و لا اتبعها، بل أعرض عنها و تركها وراء ظهره، فهذا من أكبر المجرمين، الذين يستحقون شديد النقمة. و لهذا قال: إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ‏ .

[23] لما ذكر تعالى، آياته التي ذكر بها عباده، و هو: القرآن، الذي أنزله على محمد صلّى اللّه عليه و سلّم، ذكّر أنه ليس ببدع من الكتب، و لا من جاء به، بغريب من الرسل. وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ‏ الذي هو التوراة المصدقة للقرآن، و التي قد صدقها القرآن، فتطابق حقهما، و ثبت برهانهما. فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ‏ لأنه قد تواردت أدلة الحق و بيناته، فلم يبق للشك و المرية محل. وَ جَعَلْناهُ‏ أي: الكتاب الذي آتيناه موسى‏ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ‏ يهتدون به في أصول دينهم، و فروعه، و شرائعه و موافقة لذلك الزمان، في بني إسرائيل. و أما هذا القرآن الكريم، فجعله اللّه هداية للناس كلهم، لأنه هداية للخلق في أمر دينهم و دنياهم، إلى يوم القيامة، و ذلك لكماله و علوه‏ وَ إِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ‏ (4).

[24] وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ‏ أي: من بني إسرائيل‏ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا أي: علماء بالشرع، و طرق الهداية، مهتدين في أنفسهم يهدون غيرهم بذلك الهدى. فالكتاب الذي أنزل إليهم هدى، و المؤمنون به منهم على قسمين:

أئمة يهدون بأمر اللّه، و أتباع مهتدون بهم. و القسم الأول، أرفع الدرجات بعد درجة النبوة و الرسالة، و هي درجة الصديقين. و إنما نالوا هذه الدرجة العالية لَمَّا صَبَرُوا على التعلم و التعليم، و الدعوة إلى اللّه، و الأذى في سبيله، و كفوا نفوسهم عن جماحها في المعاصي، و استرسالها في الشهوات. وَ كانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ‏ أي: وصلوا في الإيمان بآيات اللّه، إلى درجة اليقين، و هو العلم التام، الموجب للعمل. و إنما وصلوا إلى درجة اليقين، لأنهم تعلموا تعلما صحيحا، و أخذوا المسائل عن أدلتها المفيدة لليقين. فما زالوا يتعلمون المسائل، و يستدلون عليها بكثرة

تيسير الكريم الرحمن، ص: 788

الدلائل، حتى وصلوا لذلك. فبالصبر و اليقين، تنال الإمامة في الدين.

[25] و ثمّ مسائل اختلف فيها بنو إسرائيل، منهم من أصاب فيها الحق، و منهم من أخطأه خطأ، أو عمدا، و اللّه تعالى‏ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ‏ و هذا القرآن يقص على بني إسرائيل، بعض الذي يختلفون فيه، فكل خلاف وقع بينهم، و وجد في القرآن تصديق لأحد القولين، فهو الحق، و ما عداه مما خالفه، باطل.

[26] يعني: أو لم يتبين لهؤلاء المكذبين للرسول، و يهدهم إلى الصواب. كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ‏ الذين سلكوا مسلكهم. يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ‏ فيشاهدونها عيانا، كقوم هود، و صالح، و قوم لوط. إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ‏ يستدل بها، على صدق الرسل التي جاءتهم، و بطلان ما هم عليه، من الشرك و الشر، و على أن من فعل مثل فعلهم، فعل به كما فعل بأشياعه من قبل. و على أن اللّه تعالى مجازي العباد، و باعثهم للحشر و التناد. أَ فَلا يَسْمَعُونَ‏ آيات اللّه، فيعونها، فينتفعون بها. فلو كان لهم سمع صحيح، و عقل رجيح، لم يقيموا على حالة يجزم بها بالهلاك.

[27] أَ وَ لَمْ يَرَوْا بأبصارهم نعمتنا، و كمال حكمتنا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ التي لا نبات فيها، فيسوق اللّه المطر، الذي لم يكن قبل موجودا فيها، فيفرغه فيها، من السحاب، أو من الأنهار. فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً أي: نباتا، مختلف الأنواع‏ تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ‏ و هو نبات البهائم‏ وَ أَنْفُسُهُمْ‏ و هو طعام الآدميين. أَ فَلا يُبْصِرُونَ‏ تلك المنة، التي أحيا اللّه بها البلاد و العباد، فيستبصرون فيهتدون بذلك البصر، و تلك البصيرة، إلى الصراط المستقيم. و لكن غلب عليهم العمى، و استولت عليهم الغفلة، فلم يبصروا في ذلك بصر الرجال. و إنما نظروا إلى ذلك نظر الغفلة، و مجرد العادة، فلم يوفقوا للخير.

[28] أي: يستعجل المجرمون بالعذاب، الذي وعدوا به على التكذيب، جهلا منهم و معاندة. وَ يَقُولُونَ مَتى‏ هذَا الْفَتْحُ‏ الذي يفتح بيننا و بينكم، بتعذيبنا على زعمكم‏ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ‏ في دعواكم.

[29] قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ‏ الذي يحصل به عقابكم، لا يستفيدون به شيئا. فلو كان إذا حصل، حصل إمهالكم، لتستدركوا ما فاتكم، حين صار الأمر عندكم يقينا، لكان لذلك وجه. و لكن إذا جاء يوم الفتح، انقضى الأمر، و لم يبق للمحنة و الابتلاء محل إذ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ‏ لأنه صار إيمان ضرورة. وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ‏ أي:

يمهلون، فيؤخر عنهم العذاب، فيستدركون أمرهم. فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ‏ لما وصل خطابهم لك و ظلمهم إلى حالة الجهل، و استعجال العذاب. وَ انْتَظِرْ الأمر الذي يحل بهم، فإنه لا بد منه، و لكن له أجل، إذا جاء لا يتقدم و لا يتأخر. إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ‏ بك ريب المنون، و متربصون بكم دوائر السوء، و العاقبة للتقوى. تم تفسير سورة السجدة.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 789

سورة الأحزاب‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] أي: يا أيها الذي منّ اللّه عليه بالنبوة، و اختصه بوحيه، و فضله على سائر الخلق. اشكر نعمة ربك عليك، باستعمال تقواه، التي أنت أولى بها من غيرك، و التي يجب عليك منها، أعظم من سواك، فامتثل أوامره و نواهيه، و بلّغ رسالاته، و أدّ إلى عباده وحيه، و ابذل النصيحة للخلق. و لا يصدنك عن هذا المقصود صاد، و لا يردك عنه راد. فلا تطع كل كافر، قد أظهر العداوة للّه و لرسوله، و لا منافق، قد أبطن التكذيب و الكفر، و أظهر ضده. فهؤلاء هم الأعداء على الحقيقة، فلا تطعهم في بعض الأمور، التي تنقض التقوى، و تناقضها، و لا تتبع أهواءهم، فيضلوك عن الصواب.

[2] وَ لكن‏ اتَّبِعْ ما يُوحى‏ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏ فإنه هو الهدى و الرحمة. و ارج بذلك ثواب ربك‏ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً يجازيكم بحسب ما يعلمه منكم، من الخير و الشر. فإن وقع في قلبك، أنك إن لم تطعهم في أهوائهم المضلة، حصل عليك منهم ضرر، أو حصل نقص في هداية الخلق، فادفع ذلك عن نفسك، و استعمل ما يقاومه و يقاوم غيره، و هو التوكل على اللّه، بأن تعتمد على ربك، اعتماد من لا يملك لنفسه ضرا و لا نفعا، و لا موتا و لا حياة، و لا نشورا، في سلامتك من شرهم، و في إقامة الدين، الذي أمرت به، وثق باللّه في حصول ذلك الأمر على أي حال كان.

[3] وَ كَفى‏ بِاللَّهِ وَكِيلًا توكل إليه الأمور، فيقوم بها، و بما هو أصلح للعبد. و ذلك لعلمه بمصالح عبده، من حيث لا يعلم العبد، و قدرته على إيصالها إليه، من حيث لا يقدر عليها العبد، و أنه أرحم بعبده من نفسه، و من والديه، و أرأف به من كل أحد، خصوصا خواص عبيده، الذين لم يزل يربيهم ببره، و يدرّ عليهم بركاته الظاهرة و الباطنة. خصوصا و قد أمره بإلقاء أموره إليه، و وعده أن يقوم بها. فهناك لا تسأل عن كل أمر يتيسر، و صعب يتسهل، و خطوب تهون و كروب تزول، و أحوال و حوائج تقضى، و بركات تنزل، و نقم تدفع و شرور ترفع. و هناك ترى العبد الضعيف، الذي يفوض أمره لسيده، قد قام بأمور، لا تقوم بها أمة من الناس، و قد سهل اللّه عليه، ما كان يصعب على فحول الرجال و باللّه المستعان.

[4] يعاتب تعالى عباده، عن التكلم بما لا حقيقة له من الأقوال، و لم يجعله اللّه تعالى كما قالوا، فإن ذلك القول منهم كذب و زور، يترتب عليه منكرات من الشرع. و هذه قاعدة عامة في التكلم في كل شي‏ء، و الإخبار بوقوع و وجود ما لم يجعله اللّه تعالى. و لكن خص هذه الأشياء المذكورة، لوقوعها، و شدة الحاجة إلى بيانها فقال: ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ‏ هذا لا يوجد. فإياكم أن تقولوا عن أحد: إن له قلبين في جوفه، فتكونوا كاذبين على الخلقة الإلهية. وَ ما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَ‏ بأن يقول أحدكم لزوجته: «أنت عليّ كظهر أمي أو كأمي»

تيسير الكريم الرحمن، ص: 790

فما جعلهن اللّه‏ أُمَّهاتِكُمْ‏ ، أمك من ولدتك، و صارت أعظم النساء عليك، حرمة و تحريما. و زوجتك أحلّ النساء لك، فكيف تشبه أحد المتناقضين بالآخر؟ هذا أمر لا يجوز، كما قال تعالى: الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَ إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَ زُوراً . وَ ما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ‏ و الأدعياء، جمع «دعيّ» و هو: الولد الذي كان الرجل يدعيه، و هو ليس له، أو يدعى إليه، بسبب تبنيه إياه، كما كان الأمر في الجاهلية، و أول الإسلام. فأراد اللّه تعالى أن يبطله و يزيله، فقدم بين يدي ذلك بيان قبحه، و أنه باطل و كذب، و كل باطل و كذب، لا يوجد في شرع اللّه، و لا يتصف به عباد اللّه.

يقول تعالى؛ فاللّه لم يجعل الأدعياء الذين تدعونهم، أو يدعون إليكم، أبناءكم. فإن أبناءكم في الحقيقة، من ولدتموهم، و كانوا منكم. أما هؤلاء الأدعياء من غيركم، فلا جعل اللّه هذا كهذا. ذلِكُمْ‏ القول، الذي تقولون في الدعي: إنه ابن فلان الذي ادعاه، أو والده فلان‏ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ‏ أي: قول لا حقيقة له و لا معنى له. وَ اللَّهُ يَقُولُ الْحَقَ‏ أي: اليقين و الصدق، فلذلك أمركم باتباعه، على قوله و شرعه. فقوله حق، و شرعه حق، و الأقوال و الأفعال الباطلة لا تنسب إليه بوجه من الوجوه و ليست من هدايته؛ لأنه لا يهدي إلا إلى السبيل المستقيمة، و الطرق الصادقة. و إن كان ذلك واقعا بمشيئته، فمشيئته عامة، لكل ما وجد من خير و شر.

[5] ثم صرّح لهم بترك الحالة الأولى، المتضمنة للقول الباطل فقال: ادْعُوهُمْ‏ أي: الأدعياء لِآبائِهِمْ‏ الذين ولدوهم‏ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ‏ أي: أعدل، و أقوم، و أهدى. فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ‏ الحقيقيين‏ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَ مَوالِيكُمْ‏ أي: إخوتكم في دين اللّه، و مواليكم في ذلك، فادعوهم بالأخوة الإيمانية الصادقة، و الموالاة على ذلك، فترك الدعوة إلى من تبناهم حتم، لا يجوز فعلها. و أما دعاؤهم لآبائهم، فإن علموا، دعوا إليهم، و إن لم يعلموا، اقتصر على ما يعلم منهم، و هو أخوة الدين و الموالاة. فلا تظنوا أن حالة عدم علمكم بآبائهم، عذر في دعوتهم إلى من تبناهم، لأن المحذور لا يزول بذلك. وَ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ‏ بأن سبق على لسان أحدكم، دعوته إلى من تبناه، فهذا غير مؤاخذ به، أو علم أبوه ظاهرا، فدعوتموه إليه و هو في الباطن غير أبيه، فليس في ذلك حرج، إذا كان خطأ. وَ لكِنْ‏ يؤاخذكم في‏ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ‏ من الكلام، بما لا يجوز.

وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً غفر لكم، و رحمكم، حيث لم يعاقبكم بما سلف، و سمح لكم بما أخطأتم به، و رحمكم حيث بيّن لكم أحكامه، التي تصلح دينكم و دنياكم، فله الحمد تعالى.

[6] يخبر تعالى المؤمنين، خبرا يعرفون به حالة الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم و مرتبته، فيعاملونه بمقتضى تلك الحالة فقال:

النَّبِيُّ أَوْلى‏ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ‏ أقرب ما للإنسان، و أولى ما له نفسه. فالرسول أولى بالمؤمن من نفسه، لأنه عليه الصلاة و السلام، بذل لهم من النصح، و الشفقة، و الرأفة، ما كان به أرحم الخلق، و أرأفهم. فرسول اللّه، أعظم الخلق منّة عليهم، من كل أحد، فإنه لم يصل إليهم مثقال ذرة من الخير، و لا اندفع عنهم مثقال ذرة من الشر، إلا

تيسير الكريم الرحمن، ص: 791

على يديه و بسببه. فلذلك وجب عليهم إذا تعارض مراد النفس، أو مراد أحد من الناس، مع مراد الرسول، أن يقدم مراد الرسول، و أن لا يعارض قول الرسول، بقول أحد، كائنا من كان، و أن يفدوه بأنفسهم و أموالهم و أولادهم، و يقدموا محبته على الخلق كلهم، و ألا يقولوا حتى يقول، و لا يتقدموا بين يديه. و هو صلّى اللّه عليه و سلّم، أب للمؤمنين، كما في قراءة بعض الصحابة، يربيهم كما يربي الوالد أولاده. فترتب على هذه الأبوة، أن كان نساؤه أمهاتهم، أي: في الحرمة و الاحترام، و الإكرام، لا في الخلوة و المحرمية، و كأن هذا مقدمة، لما سيأتي في قصة زيد بن حارثة، الذي كان يدعى قبل «زيد بن محمد» حتى أنزل اللّه‏ ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ‏ فقطع نسبه و انتسابه منه. فأخبر في هذه الآية، أن المؤمنين كلهم، أولاد للرسول، فلا مزيد لأحد عن أحد. و إن انقطع عن أحدهم انتساب الدعوة، فإن النسب الإيماني لم ينقطع عنه، فلا يحزن و لا يأسف. و ترتب على أن زوجات الرسول أمهات المؤمنين، أنهن لا يحللن لأحد من بعده، كما صرّح بذلك في قوله: وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً . وَ أُولُوا الْأَرْحامِ‏ أي:

الأقارب، قربوا أو بعدوا بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ‏ أي: في حكمه، فيرث بعضهم بعضا، و يبر بعضهم بعضا، فهم أولى من الحلف و النصرة. و الأدعياء الّذين كانوا من قبل، يرثون بهذه الأسباب، دون ذوي الأرحام. فقطع تعالى، التوارث بذلك، و جعله للأقارب، لطفا منه و حكمة، فإن الأمر لو استمر على العادة السابقة، لحصل من الفساد و الشر، و التحيل لحرمان الأقارب من الميراث، شي‏ء كثير. مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهاجِرِينَ‏ أي: سواء كان الأقارب مؤمنين مهاجرين، أو غير مهاجرين، فإن ذوي الأرحام مقدمون في ذلك. و هذه الآية حجة على ولاية ذوي الأرحام، في جميع الولايات، كولاية النكاح و المال و غير ذلك. إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى‏ أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً أي ليس لهم حق مفروض، و إنّما هو بإرادتكم. إن شئتم أن تتبرعوا لهم تبرعا، و تعطوهم معروفا منكم، كانَ‏ ذلك الحكم المذكور فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً أي: قد سطر، و كتب، و قدره اللّه، فلا بد من نفوذه.

[7- 8] يخبر تعالى أنه أخذ من النبيين عموما، و من أولي العزم- و هم هؤلاء الخمسة المذكورون- خصوصا، ميثاقهم الغليظ و عهدهم الثقيل المؤكد، على القيام بدين اللّه و الجهاد في سبيله، و أن هذا سبيل قد مشى عليه الأنبياء المتقدمون، حتى ختموا بسيدهم و أفضلهم، محمد صلّى اللّه عليه و سلّم، و أمر الناس بالاقتداء بهم. و سيسأل اللّه الأنبياء و أتباعهم، عن هذا العهد الغليظ هل وفوا فيه، و صدقوا؟ فيثيبهم جنات النعيم؟ أم كفروا، فيعذبهم العذاب الأليم؟ قال تعالى:

مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ‏ .

[9- 10] يذكر تعالى عباده المؤمنين، نعمته عليهم، و يحثهم على شكرها، حين جاءتهم جنود أهل مكة و الحجاز، من فوقهم، و أهل نجد، من أسفل منهم، و تعاقدوا، و تعاهدوا على استئصال الرسول و الصحابة، و ذلك في وقعة الخندق. و مالأتهم طوائف اليهود، الّذين حوالي المدينة، فجاءوا بجنود عظيمة و أمم كثيرة. و خندق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، على المدينة، فحصروا المدينة، و اشتد الأمر، و بلغت القلوب الحناجر، حتى بلغ الظن من كثير من الناس كل مبلغ، لما رأوا من الأسباب المستحكمة، و الشدائد الشديدة، فلم يزل الحصار على المدينة، مدة طويلة، و الأمر كما وصف اللّه في قوله: وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَ تَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا أي: الظنون السيئة، أن اللّه لا ينصر دينه، و لا يتم كلمته.

[11] هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ‏ بهذه الفتنة العظيمة وَ زُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً بالخوف و القلق، و الجوع، ليتبين إيمانهم، و يزيد إيقانهم. فظهر- و للّه الحمد- من إيمانهم، و شدة يقينهم، ما فاقوا فيه الأولين و الآخرين. و عند ما اشتد الكرب، و تفاقمت الشدائد، صار إيمانهم عين اليقين. وَ لَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ صَدَقَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ ما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَ تَسْلِيماً (22).

تيسير الكريم الرحمن، ص: 792

[12] و هنالك تبين نفاق المنافقين، و ظهر ما كانوا يضمرون، قال تعالى: وَ إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ‏ إلى‏ إِلَّا غُرُوراً . و هذه عادة المنافق عند الشدة و المحنة، لا يثبت إيمانه، و ينظر بعقله القاصر، إلى الحالة الحاضرة، و يصدق ظنه.

[13] وَ إِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ‏ أي: من المنافقين، بعد ما جزعوا و قلّ صبرهم، و صاروا أيضا من المخذولين، فلا صبروا بأنفسهم، و لا تركوا الناس من شرهم. فقالت هذه الطائفة: يا أَهْلَ يَثْرِبَ‏ يريدون «يا أهل المدينة». فنادوهم باسم الوطن المنبئ عن التسمية فيه، إشارة إلى أن الدين و الأخوة الإيمانية، ليس لهما في قلوبهم قدر، و أن الذي حملهم على ذلك مجرد الخور الطبيعي. يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ‏ أي: في موضعكم الذي خرجتم إليه خارج المدينة.

و كانوا عسكروا دون الخندق، و خارج المدينة فَارْجِعُوا إلى المدينة. فهذه الطائفة تخذل عن الجهاد، و تبين أنهم لا قوة لهم بقتال عدوهم، و يأمرونهم بترك القتال. فهذه الطائفة، شر الطوائف و أضرها. و طائفة أخرى دونهم، أصابهم الجبن و الجزع، و أحبوا أن ينخذلوا عن الصفوف. فجعلوا يعتذرون بالأعذار الباطلة، و هم الّذين قال اللّه فيهم:

وَ يَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ أي: عليها الخطر، و نخاف عليها أن يهجم عليها الأعداء، و نحن غيّب عنها، فائذن لنا نرجع إليها، فنحرسها، و هم كذبة في ذلك. وَ ما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ‏ أي: ما قصدهم‏ إِلَّا فِراراً و لكن جعلوا هذا الكلام، وسيلة و عذرا لهم. فهؤلاء قلّ إيمانهم، و ليس لهم ثبوت عند اشتداد المحن.

[14] وَ لَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ‏ المدينة مِنْ أَقْطارِها أي: لو دخل الكفار إليها من نواحيها، و استولوا عليها ثُمَ‏ سئل هؤلاء الْفِتْنَةَ أي: الانقلاب عن دينهم، و الرجوع إلى دين المستولين المتغلبين‏ لَآتَوْها أي: لأعطوها مبادرين. وَ ما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً أي: ليس لهم منعة و لا تصلّب على الدين، بل بمجرد ما تكون الدولة للأعداء، يعطونهم ما طلبوا، و يوافقونهم على كفرهم، هذه حالهم.

[15] و الحال أنهم‏ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَ كانَ عَهْدُ اللَّهِ‏ سيسألهم عن ذلك العهد، فيجدهم قد نقضوه، فما ظنهم إذا بربهم؟

[16] قُلْ‏ لهم- لائما على فرارهم، و مخبرا أنهم لا يفيدهم ذلك شيئا لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ‏ فلو كنتم في بيوتكم، لبرز الّذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعكم. و الأسباب تنفع، إذا لم يعارضها القضاء و القدر، فإذا جاء القضاء و القدر، تلاشى كلّ سبب، و بطلت كلّ وسيلة ظنها الإنسان تنجيه. وَ إِذاً حين فررتم لتسلموا من الموت و القتل، و لتنعموا في الدنيا فإنكم‏ لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا متاعا، لا يسوي فراركم، و ترككم أمر اللّه، و تفويتكم على أنفسكم، التمتع الأبدي، في النعيم السرمدي.

صفحه بعد