کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 584

[76] لما ذكر أنه يمد للظالمين في ضلالهم، ذكر أنه يزيد المهتدين هداية من فضله عليهم و رحمته. و الهدى يشمل العلم النافع، و العمل الصالح. فكل من سلك طريقا في العلم و الإيمان، و العمل الصالح، زاده اللّه منه و سهله عليه و يسره له، و وهب له أمورا أخر، لا تدخل تحت كسبه، و في هذا دليل على زيادة الإيمان و نقصه، كما قاله السلف الصالح. و يدل عليه قوله تعالى: وَ يَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً ، وَ إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً . و يدل عليه أيضا، الواقع، فإن الإيمان قول القلب و اللسان، و عمل القلب و اللسان و الجوارح، و المؤمنون متفاوتون في هذه الأمور، أعظم تفاوت. ثم قال: وَ الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ‏ أي:

الأعمال الباقية، التي لا تنقطع إذا انقطع غيرها، و لا تضمحل، هي الصالحات منها، من صلاة و زكاة، و صوم، و حج، و عمرة، و قراءة، و تسبيح، و تكبير، و تحميد، و تهليل، و إحسان إلى المخلوقين، و أعمال قلبية و بدنية. فهذه الأعمال‏ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَ خَيْرٌ مَرَدًّا أي: خير عند اللّه، ثوابها و أجرها، و كثير للعاملين نفعها وردها، و هذا من باب استعمال أفعل التفضيل في غير بابه، فإنه ما ثمّ غير الباقيات الصالحات، عمل ينفع و لا يبقى لصاحبه ثوابه، و لا ينجع. و مناسبة، ذكر الباقيات الصالحات، و اللّه أعلم- أنه لما ذكر أن الظالمين جعلوا أحوال الدنيا من المال و الولد، و حسن المقام و نحو ذلك، علامة لحسن حال صاحبها، أخبر هنا أن الأمر، ليس كما زعموا، بل العمل الذي هو عنوان السعادة، و منشور الفلاح، بما يحبه اللّه و يرضاه.

[77] أي: أفلا تعجب من حالة هذا الكافر، الذي جمع بين كفره بآيات اللّه و دعواه الكبيرة، أنه سيؤتى في الآخرة مالا و ولدا، أي: يكون من أهل الجنة، هذا من أعجب الأمور. فلو كان مؤمنا باللّه و ادعى هذه الدعوى، لسهل الأمر. و هذه الآية و إن كانت نازلة في كافر معين، فإنها تشمل كل كافر، زعم أنه على الحق، و أنه من أهل الجنة.

[78] قال اللّه، توبيخا له و تكذيبا: أَطَّلَعَ الْغَيْبَ‏ أي: أحاط علمه بالغيب، حتى علم ما يكون، و أن من جملة ما يكون، أنه يؤتى يوم القيامة مالا و ولدا؟ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً أنه نائل ما قاله، أي: لم يكن شي‏ء من ذلك، فعلم أنه متقوّل، قائل ما لا علم لديه. و هذا التقسيم و الترديد، في غاية ما يكون من الإلزام و إقامة الحجة. فإن الذي يزعم أنه حاصل له خير عند اللّه في الآخرة، لا يخلو: إما أن يكون قوله صادرا عن علم بالغيوب المستقبلة، و قد علم أن هذا، للّه وحده، فلا أحد يعلم شيئا من المستقبلات الغيبية، إلا من أطلعه اللّه عليه من رسله. و إما أن يكون متخذا عهدا عند اللّه، بالإيمان به، و اتباع رسله، الّذين عهد اللّه لأهله، و أوزع أنهم أهل الآخرة، و الناجون الفائزون. فإذا انتفى هذان الأمران، علم بذلك، بطلان الدعوى.

[79] و لهذا قال تعالى: كَلَّا أي: ليس الأمر كما زعم، فليس للقائل اطلاع على الغيب، لأنه كافر، ليس عنده من علم الرسائل شي‏ء، و لا اتخذ عند الرحمن عهدا، لكفره و عدم إيمانه. و لكنه يستحق ضد ما تقوّل، و أن قوله مكتوب، محفوظ، ليجازى عليه و يعاقب. و لهذا قال: سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَ نَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا أي:

تيسير الكريم الرحمن، ص: 585

نزيده من أنواع العقوبات، كما ازداد من الغي و الضلال.

[80] وَ نَرِثُهُ ما يَقُولُ‏ أي: نرثه ماله و ولده، فينتقل من الدنيا فردا، بلا مال و لا أهل و لا أنصار، و لا أعوان‏ وَ يَأْتِينا فَرْداً فيرى من وخيم العقاب، ما هو جزاء أمثاله من الظالمين.

[81- 83] و هذا من عقوبة الكافرين أنهم- لما لم يعتصموا باللّه، و لم يتمسكوا بحبل اللّه، بل أشركوا به و والوا أعداءه، من الشياطين- سلطهم عليهم، و قيضهم، فجعلت الشياطين، تؤزهم إلى المعاصي أزا، و تزعجهم إلى الكفر إزعاجا، فيوسوسون لهم، و يوحون إليهم، و يزينون لهم الباطل، و يقبحون لهم الحق، فيدخل حب الباطل في قلوبهم، و يتشربها فيسعى فيه سعي المحق في حقه فينصره بجده، و يجاهد أهل الحق في سبيل الباطل. و هذا كله، جزاء له على توليه من وليه و توليه لعدوه جعل له عليه سلطانه. و إلا فلو آمن باللّه، و توكل عليه، لم يكن له عليه سلطان كما قال تعالى: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَلى‏ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَ الَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ‏ (100).

[84] فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ‏ أي: على هؤلاء الكفار المستعجلين بالعذاب‏ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا أي: أن لهم أياما معدودة لا يتقدمون عنها و لا يتأخرون، نمهلهم و نحلم عنهم مدة ليراجعوا أمر اللّه، فإذا لم ينجع فيهم ذلك أخذناهم أخذ عزيز مقتدر.

[85] يخبر تعالى عن تفاوت الفريقين، المتقين، و المجرمين، و أن المتقين له- باتقاء الشرك و البدع و المعاصي- يحشرهم إلى موقف القيامة مكرمين، مبجلين معظمين، و أن مآلهم الرحمن، و قصدهم المنان، و فدا إليه، و الوافد، لا بد أن يكون في قلبه، من الرجاء، و حسن الظن بالوافد إليه، ما هو معلوم. فالمتقون، يفدون إلى الرحمن، راجين من رحمته، و عميم إحسانه، و الفوز بعطاياه في دار رضوانه، و ذلك بسبب ما قدموه من العمل بتقواه، و اتباع مراضيه، و أن اللّه عهد إليهم بذلك الثواب، على ألسنة رسله فتوجهوا إلى ربهم مطمئنين به، واثقين بفضله.

[86] و أما المجرمون، فإنهم يساقون إلى جهنم وردا، أي: عطاشا، و هذا أبشع ما يكون من الحالات سوقهم على وجه الذل و الصغار، إلى أعظم سجن و أفظع عقوبة، و هو جهنم، في حال ظمئهم و نصبهم، يستغيثون، فلا يغاثون و يدعون، فلا يستجاب لهم، و يستشفعون، فلا يشفع لهم.

[87] و لهذا قال: لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ أي: ليست الشفاعة ملكهم، و لا لهم منها شي‏ء، و إنما هي للّه تعالى‏ قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً . و قد أخبر أنه لا تنفعهم شفاعة الشافعين، لأنهم لم يتخذوا عنده عهدا بالإيمان به و برسله، و إلا، فمن اتخذ عنده عهدا فآمن به و برسله، و اتبعهم، فإنه ممن ارتضاه اللّه، و تحصل له الشفاعة كما قال تعالى: وَ لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى‏ و سمى اللّه الإيمان به، و اتباع رسله، عهدا، لأنه عهد في كتبه، و على ألسنة رسله، بالجزاء الجميل، لمن اتبعهم.

[88] و هذا تقبيح و تشنيع لقول المعاندين الجاحدين، الّذين زعموا أن الرحمن اتخذ ولدا كقول النصارى‏ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ‏ و اليهود عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ‏ و المشركين «الملائكة بنات اللّه» تعالى اللّه عن قولهم علوا كبيرا.

لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (89) أي: عظيما وخيما.

[90] من عظيم أمره أنه‏ تَكادُ السَّماواتُ‏ على عظمتها و صلابتها يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ‏ أي: من هذا القول‏ وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ‏ منه، تتصدع و تنفطر وَ تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أي: تندك الجبال.

[91] أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (91) أي: من أجل هذه الدعوى القبيحة، تكاد هذه المخلوقات، أن يكون منها ما ذكر.

[92] و الحال أنه: وَ ما يَنْبَغِي‏ أي: لا يليق و لا يكون‏ لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً و ذلك لأن اتخاذه الولد، يدل‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 586

على نقصه و احتياجه، و هو الغني الحميد. و الولد أيضا، من جنس والده، و اللّه تعالى، لا شبيه له، و لا مثل، و لا سميّ.

[93] إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (93) أي: ذليلا منقادا، غير متعاص و لا ممتنع، الملائكة، و الإنس، و الجن و غيرهم. الجميع مماليك، متصرف فيهم ليس لهم من الملك شي‏ء، و لا من التدبير شي‏ء، فكيف يكون له ولد، و هذا شأنه و عظمة ملكه؟

[94] لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَ عَدَّهُمْ عَدًّا (94) أي: لقد أحاط علمه بالخلائق كلهم، أهل السموات و الأرض، و أحصاهم، و أحصى أعمالهم، فلا يضل و لا ينسى، و لا تخفى عليه خافية.

[95] وَ كُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (95) أي: لا أولاد، و لا مال، و لا أنصار، ليس معه، إلا عمله، فيجازيه اللّه، و يوفيه حسابه، إن خيرا فخير، و إن شرا فشر كما قال تعالى: وَ لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى‏ كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ .

[96] هذا من نعمه على عباده، الّذين جمعوا بين الإيمان و العمل الصالح، أن يجعل لهم ودا أي: محبة و ودادا في قلوب أوليائه، و أهل السماء و الأرض، و إذا كان لهم من الخيرات، و الدعوات، و الإرشاد، و القبول، و الإمامة، ما حصل، و لهذا ورد في الحديث الصحيح: «إن اللّه إذا أحب عبدا، نادى جبريل: إني أحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن اللّه يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض». و إنما جعل اللّه لهم ودا، لأنهم ودوه، فوددهم إلى أوليائه و أحبابه.

[97] يخبر تعالى عن نعمته، و أنه يسر هذا القرآن الكريم بلسان الرسول محمد صلّى اللّه عليه و سلّم: يسر ألفاظه و معانيه، ليحصل المقصود منه، و الانتفاع به. لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ‏ بالترغيب في المبشر به من الثواب العاجل و الآجل، و ذكر الأسباب الموجبة للبشارة. وَ تُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا أي: شديدين في باطلهم، أقوياء في كفرهم، فتنذرهم.

فتقوم عليهم الحجة، و تتبين لهم المحجة، فيهلك من هلك عن بينة، و يحيا من حيّ عن بينة.

[98] ثم توعدهم بإهلاك المكذبين قبلهم فقال: وَ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ‏ من قوم نوح، و عاد، و ثمود، و غيرهم من المعاندين المكذبين، لما استمروا في طغيانهم، أهلكهم اللّه فليس لهم من باقية. هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً و الركز: الصوت الخفي، أي: لم يبق منهم عين و لا أثر، بل بقيت أخبارهم عبرة للمعتبرين، و أسمارهم، عظة للمتعظين.

تم تفسير سورة مريم، و للّه الحمد و الشكر.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 587

سورة طه‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] طه‏ (1) من جملة الحروف المقطعة، المفتتح بها كثير من السور، و ليست اسما للنبي صلّى اللّه عليه و سلّم.

[2] ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى‏ (2) أي: ليس المقصود بالوحي، و إنزال القرآن عليك، و شرع الشريعة، لتشقى بذلك، و يكون في الشريعة تكليف يشق على المكلفين و تعجز عنه قوى العاملين. و إنما الوحي، و القرآن و الشرع، شرعه الرحيم الرحمن، و جعله موصلا للسعادة، و الفلاح، و الفوز، و سهله غاية التسهيل، و يسر كل طرقه و أبوابه، و جعله غذاء للقلوب و الأرواح، و راحة للأبدان، فتلقته الفطر السليمة و العقول المستقيمة، بالقبول، و الإذعان، لعلمها بما احتوى عليه، من الخير في الدنيا و الآخرة.

[3] و لهذا قال: إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى‏ (3) أي: إلا ليتذكر به من يخشى اللّه تعالى، فيتذكر ما فيه من الترغيب، لأجل المطالب، فيعمل بذلك، و من الترهيب عن الشقاء و الخسران، فيرهب منه، و يتذكر به الأحكام الحسنة الشرعية المفصلة، التي كانت مستقرا في عقله حسنها مجملا، فوافق التفصيل ما يجده في فطرته و عقله، و لهذا سماه اللّه‏ تَذْكِرَةً . و التذكرة لشي‏ء كان موجودا، إلا أن صاحبه غافل عنه، أو غير مستحضر لتفصيله. و خص بالتذكرة لِمَنْ يَخْشى‏ لأن غيره لا ينتفع به، و كيف ينتفع به من لم يؤمن بجنة و لا نار، و لا في قلبه من خشية اللّه مثقال ذرة؟ هذا ما لا يكون. سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى‏ (10) وَ يَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى‏ (12). ثم ذكر جلالة هذا القرآن العظيم، و أنه تنزيل خالق الأرض و السموات، المدبر لجميع المخلوقات، أي: فاقبلوا تنزيله، بغاية الإذعان، و المحبة، و التسليم، و عظموه نهاية التعظيم.

[4] و كثيرا ما يقرن بين الخلق و الأمر، كما في هذه الآية، و كما في قوله: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ و في قوله:

اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَ‏ و ذلك أنه الخالق الآمر الناهي، فكما أنه لا خالق سواه، فليس على الخلق إلزام، و لا أمر، و لا نهي إلا من خالقهم، و أيضا، فإن خلقه للخلق، فيه من التدبير القدري الكوني، و أمره، فيه التدبير الشرعي الديني، فكما أن الخلق لا يخرج عن الحكمة، فلم يخلق شيئا عبثا، فكذلك لا يأمر و لا ينهى، إلا بما هو عدل، و حكمة، و إحسان.

[5] فلما بين أنه الخالق المدبر، الآمر الناهي، أخبر عن عظمته و كبريائه، فقال: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ‏ الذي هو أرفع المخلوقات و أعظمها، و أوسعها. اسْتَوى‏ استواء يليق بجلاله، و يناسب عظمته و جماله، فاستوى على العرش، و احتوى على الملك.

[6] لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما من ملك و إنسي و جني، و حيوان، و جماد، و نبات. وَ ما تَحْتَ الثَّرى‏ أي: الأرض، فالجميع ملك للّه تعالى، عبيد مدبرون مسخرون، تحت قضائه و تدبيره ليس لهم من الملك‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 588

شي‏ء، و لا يملكون لأنفسهم، نفعا و لا ضرا، و لا موتا، و لا حياة، و لا نشورا.

[7] وَ إِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ الكلام الخفي‏ وَ أَخْفى‏ من السر، الذي في القلب، و لم ينطق به، أو السر: ما خطر على القلب‏ وَ أَخْفى‏ : ما لم يخطر، يعلم تعالى أنه يخطر في وقته، و على صفته. المعنى: أن علمه تعالى محيط بجميع الأشياء، دقيقها، و جليلها، خفيها و ظاهرها، فسواء جهرت بقولك أو أسررته، فالكل سواء، بالنسبة لعلمه تعالى.

[8] فلما قرر كماله المطلق، بعموم خلقه، و عموم أمره و نهيه، و عموم رحمته، و سعة عظمته، و علوه على عرشه، و عموم ملكه، و عموم علمه، نتج من ذلك، أنه المستحق للعبادة، و أن عبادته هي الحق التي يوجبها الشرع، و العقل، و الفطرة. و عبادة غيره باطلة، فقال: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ أي: لا معبود بحق، و لا مألوه بالحب و الذل، و الخوف و الرجاء، و المحبة و الإنابة و الدعاء، إلا هو. لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‏ أي: له الأسماء الكثيرة الكاملة الحسنى، من حسنها، أنها كلها، أسماء دالة على المدح، فليس فيها، اسم لا يدل على المدح و الحمد، و من حسنها، أنها ليست أعلاما محضة، و إنما هي أسماء و أوصاف. و من حسنها، أنها دالة على الصفات الكاملة، و أن له من كل صفة، أكملها، و أعمها، و أجلها، و من حسنها، أنه أمر العباد أن يدعوه بها، لأنها وسيلة مقربة إليه، يحبها، و يحب من يحبها، و يحب من يحفظها، و يحب من يبحث عن معانيها و يتعبد له بها، قال تعالى: وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‏ فَادْعُوهُ بِها .

[9] يقول تعالى لنبيه محمد صلّى اللّه عليه و سلّم على وجه الاستفهام التقريري و التعظيم لهذه القصة و التفخيم لها: وَ هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى‏ (9) في حاله التي هي مبدأ سعادته، و منشأ نبوته، أنه رأى نارا من بعيد، و كان قد ضل الطريق، و أصابه البرد، و لم يكن عنده ما يتدفأ به في سفره.

[10] فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ‏ أي: أبصرت‏ ناراً و كان ذلك في جانب الطور الأيمن. لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ‏ تصطلون به‏ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً‏ . أي: من يهديني الطريق. و كان مطلبه، النور الحسي و الهداية الحسية، فوجد ثمّ النور المعنوي، نور الوحي، الذي تستنير به الأرواح و القلوب، و الهداية الحقيقية، هداية الصراط المستقيم، الموصلة إلى جنات النعيم. فحصل له أمر، لم يكن في حسابه، و لا خطر بباله.

[11] فَلَمَّا أَتاها أي: النار التي آنسها من بعيد، و كانت- في الحقيقة- نورا، و هي نار تحرق و تشرق، و يدل على ذلك قوله صلّى اللّه عليه و سلّم «حجابه النور أو النار لو كشفه، لأحرقت سبحات وجهه، ما انتهى إليه بصره»، فلما وصل إليها نودي منها أي: ناداه اللّه كما قال: وَ نادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَ قَرَّبْناهُ نَجِيًّا (52).

[12] إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً‏ (12) أخبره أنه ربه، و أمره، أن يستعد و يتهيأ لمناجاته، و يهتم لذلك، و يلقي نعليه، لأنه بالوادي المقدس المطهر المعظم. و لو لم يكن من تقديسه، إلا أنه اختار لمناجاته، كليمه موسى، لكفى. و قد قال كثير من المفسرين: «إن اللّه أمره أن يلقي نعليه، لأنهما من جلد حمار» فاللّه أعلم بذلك.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 589

[13] وَ أَنَا اخْتَرْتُكَ‏ أي: تخيرتك و اصطفيتك من الناس، و هذه أكبر نعمة و منة أنعم اللّه بها عليه، تقتضي من الشكر، ما يليق بها، و لهذا قال: فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى‏ أي: ألق سمعك للذي أوحي إليك فإنه حقيق بذلك، لأنه أصل الدين و مبدؤه، و عماد الدعوة الإسلامية.

[14] ثم بين الذي يوحيه إليه بقول: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا أي: اللّه المستحق الألوهية المتصف بها، لأنه الكامل في أسمائه، و صفاته، المنفرد بأفعاله، الذي لا شريك له، و لا مثيل، و لا كفو و لا سميّ. فَاعْبُدْنِي‏ بجميع أنواع العبادة، ظاهرها و باطنها، أصولها و فروعها، ثم خص الصلاة بالذكر و إن كانت داخلة في العبادة، لفضلها و شرفها، و تضمنها عبودية القلب، و اللسان، و الجوارح. و قوله: لِذِكْرِي‏ اللام للتعليل أي: أقم الصلاة لأجل ذكرك إياي، لأن ذكره تعالى، أجل المقاصد، و به عبودية القلب، و به سعادته، فالقلب المعطل عن ذكر اللّه، معطل عن كل خير، و قد خرب كل الخراب، فشرع اللّه للعباد، أنواع العبادات، التي، المقصود منها، إقامة ذكره و خصوصا، الصلاة. قال تعالى: اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَ أَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى‏ عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ لَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ، أي: ما فيها من ذكر اللّه أكبر من نهيها عن الفحشاء و المنكر، و هذا النوع يقال له توحيد الإلهية، و توحيد العبادة، فالألوهية، وصفه تعالى، و العبودية، وصف عبده.

[15] إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أي: لا بد من وقوعها أَكادُ أُخْفِيها ، أي: عن نفسي كما في بعض القراءات، كقوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي‏ و قال: وَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ، فعلمها، قد أخفاه عن الخلائق كلهم، فلا يعلمها ملك مقرب، و لا نبي مرسل. و الحكمة في إتيان الساعة لِتُجْزى‏ كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى‏ من الخير و الشر، فهي الباب لدار الجزاء لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى‏ .

[16] أي: فلا يصدنك و يشغلك عن الإيمان بالساعة، و الجزاء، و العمل لذلك، من كان كافرا بها، غير معتقد لوقوعها. يسعى في الشك فيها، و التشكيك، و يجادل فيها، بالباطل، و يقيم من الشبه، ما يقدر عليه، متبعا في ذلك هواه، ليس قصده الوصول إلى الحق، و إنما قصاراه، اتباع هواه، فإياك أن تصغي إلى من هذه حاله، أو تقبل شيئا، من أقواله و أعماله الصادة عن الإيمان بها و السعي لها سعيها، و إنما حذر اللّه تعالى عمن هذه حاله، لأنه من أخوف ما يكون على المؤمن بوسوسته و تدجيله، و كون النفوس مجبولة على التشبه، و الاقتداء بأبناء الجنس، و في هذا تنبيه و إشارة إلى التحذير، عن كل داع إلى باطل، يصد عن الإيمان الواجب، أو عن كماله، أو يوقع الشبهة في القلب، و عن النظر في الكتب، المشتملة على ذلك، و ذكر في هذا، الإيمان به، و عبادته، و الإيمان باليوم الآخر، لأن هذه الأمور الثلاثة، أصول الإيمان، و ركن الدين، و إذا تمت تم أمر الدين، و نقصه أو فقده بنقصها، أو نقص شي‏ء منها. و هذه نظير قوله تعالى في الإخبار عن ميزان سعادة الفرق، الّذين أوتوا الكتاب و شقاوتهم‏ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هادُوا وَ النَّصارى‏ وَ الصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ عَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ‏ (62). و قوله: فَتَرْدى‏ أي: تهلك و تشقى، إن اتبعت طريق من يصد عنها.

[17- 18] و قوله تعالى: وَ ما تِلْكَ‏ إلى‏ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى‏ .

لما بين اللّه لموسى أصل الإيمان، أراد أن يبين له، و يريه من آياته، ما يطمئن به قلبه، و تقر به عينه، و يقوى إيمانه، بتأييد اللّه له على عدوه فقال: وَ ما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى‏ (17) هذا، مع علمه تعالى، و لكن لزيادة الاهتمام في هذا الموضع، أخرج الكلام بطريق الاستفهام. فقال موسى: هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَ أَهُشُّ بِها عَلى‏ غَنَمِي‏ ذكر فيها، هاتين المنفعتين، منفعة لجنس الآدمي، و هو أنه يعتمد عليها في قيامه و مشيه، فيحصل فيها معونة، و منفعة للبهائم، و هو أنه كان يرعى الغنم، فإذا رعاها في شجر الخبط و نحوه، هش بها، أي: ضرب الشجر، ليتساقط ورقه، فيرعاه الغنم. هذا الخلق الحسن من موسى عليه السّلام، الذي من آثاره، حسن رعاية الحيوان البهيم،

تيسير الكريم الرحمن، ص: 590

و الإحسان إليه، دل على عناية من اللّه له و اصطفاء، و تخصيص تقتضيه رحمة اللّه و حكمته. وَ لِيَ فِيها مَآرِبُ‏ أي: مقاصد أُخْرى‏ غير هذين الأمرين.

[19- 20] و من أدب موسى عليه السّلام، أن اللّه لما سأله عما في يمينه، و كان السؤال محتملا عن السؤال عن عينها، أو منفعتها- أجابه بعينها، و منفعتها. فقال اللّه له:

أَلْقِها يا مُوسى‏ (19) فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى‏ (20) انقلبت بإذن اللّه ثعبانا عظيما، فولى موسى هاربا خائفا، و لم يعقب. و في وصفها بأنها تسعى، إزالة لوهم يمكن وجوده، و هو أن يظن أنها تخييل، لا حقيقة، فكونها تسعى يزيل هذا الوهم.

[21] فقال اللّه لموسى: خُذْها وَ لا تَخَفْ‏ أي: ليس عليك منها بأس. سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى‏ أي: هيئتها و صفتها، إذ كانت عصا، فامتثل موسى أمر اللّه، إيمانا به، و تسليما، فأخذها، فعادت عصاه التي كان يعرفها، هذه آية.

[22] ثم ذكر الآية الأخرى فقال: وَ اضْمُمْ يَدَكَ إِلى‏ جَناحِكَ‏ أي: أدخل يدك إلى جيبك، و ضم عليك عضدك، الذي هو جناح الإنسان‏ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ أي:

بياضا ساطعا، من غير عيب و لا برص‏ آيَةً أُخْرى‏ . قال اللّه: فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى‏ فِرْعَوْنَ وَ مَلَائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ‏ .

[23] لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى‏ (23) أي: فعلنا ما ذكرنا، من انقلاب العصا حية تسعى، و من خروج اليد بيضاء للناظرين، لأجل أن نريك من آياتنا الكبرى، الدالة على صحة رسالتك، و حقيقة ما جئت به، فيطمئن قلبك، و يزداد علمك، و تثق بوعد اللّه لك، بالحفظ و النصرة، و لتكون حجة و برهانا، لمن أرسلت إليهم.

[24] لما أوحى اللّه إلى موسى، و نبأه، و أراه الآيات الباهرات، أرسله إلى فرعون، ملك مصر فقال: اذْهَبْ إِلى‏ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى‏ (24) أي: تمرد و زاد على الحد، في الكفر و الفساد، و العلو في الأرض، و القهر للضعفاء، حتى إنه ادعى الربوبية و الألوهية، قبحه اللّه، أي: و طغيانه سبب لهلاكه. و لكن من رحمة اللّه، و حكمته، و عدله، أنه لا يعذب أحدا، إلّا بعد قيام الحجة بالرسل، فحينئذ علم موسى عليه السّلام، أنه تحمل حملا عظيما، حيث أرسل إلى هذا الجبار العنيد، الذي ليس له منازع في مصر من الخلق، و موسى عليه السّلام، وحده، و قد جرى منه ما جرى من القتل، فامتثل أمر ربه، و تلقاه بالانشراح و القبول، و سأله المعونة، و تيسير الأسباب، التي هي من تمام الدعوة فقال:

[25] رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي‏ أي: وسعه و أفسحه، لأتحمل الأذى القولي و الفعلي، و لا يتكدر قلبي بذلك، و لا يضيق صدري، فإن الصدر إذا ضاق، لم يصلح صاحبه لهداية الخلق، و دعوتهم. قال اللّه لنبيه محمد صلّى اللّه عليه و سلم: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ‏ و عسى الخلق يقبلون الحق مع اللين و سعة الصدر و انشراحه عليهم.

صفحه بعد