کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
بحاله أن لا يستحي من أحد، و تمنّيه أن يكون الرسول صلّى اللّه عليه و آله بيّن لهم الخلافة دليل واضح على شكّه في خلافة أبي بكر و في خلافته، كما سبق ما يدلّ على الشكّ عن أبي بكر، و ما جعله دليلا على اجتهاد أبي بكر- من أنّ له في المسائل أقوالا مشهورة عند أهل العلم- فأوّل ما فيه أنّه افتراء على أبي بكر، و أين هذه الأقوال المشهورة التي لم يسمعها أحد؟! و من لم يرو عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في مدة البعثة، و قد كان- بزعمهم الفاسد- أوّل الناس إسلاما، و كان من بطانته و صاحبا له في الغار غير مفارق عنه في الأسفار- إلّا مائة و اثنين و أربعين حديثا 33918 ، مع ما وضعه في ميراث الأنبياء لحرمان أهل البيت عليهم السلام و دفنهم حيث يموتون لأن يدفن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في بيت عائشة و يسهّل ما أوصى به من دفنه مع الرسول صلّى اللّه عليه و آله و غير ذلك لأغراض أخر، فمبلغ علمه و كثرة أقواله ظاهر لأولي الألباب.
ثم لو سلّمت كثرة أقواله فليس مجرّد القول دليلا على الاجتهاد و القوّة في العلم، و من تتبّع آثارهم و أخبارهم علم أنّه ليس فيها ما يدلّ على دقّة النظر و جودة الاستنباط، بل فيها ما يستدلّ به على دناءة الفطرة و ركاكة الفهم، كما لا يخفى على المتتبّع.
و أمّا قطع يسار السارق في المرّة الأولى فهو خلاف الإجماع، و قد اعترف به الفخر الرازي في تفسير آية السرقة 33919 ، و لو كان من غلط الجلّاد لأنكره عليه أبو بكر و بحث عن الحال، هل كان عن تعمّد من الجلّاد فيقاصّه بفعله أو على السهو و الخطإ فيعمل بمقتضاه؟ و كون القطع في المرّة الثالثة خلاف المنقول، و لم يبد هذا الاحتمال أحد غير الفخر الرازي 33920 و تبعه المتأخّرون عنه.
و أمّا الاجتهاد في إحراق فجاءة السلمي فهو من قبيل الاجتهاد في مقابلة النصّ، و قد قامت الأدلّة على بطلانه، و ما ذكره من عدم قبول توبته لأنّه زنديق فاسد، إذ لم ينقل أحد عن فجاءة إلّا الإغارة على قوم من المسلمين، و مجرّد ذلك ليس زندقة حتّى لا تقبل توبته، و قد ذكر في المواقف 33921 في الطعن أنّه كان يقول:
أنا مسلم .. و لم يمنعه في مقام الجواب.
و اعلم أنّ الرواية الدالّة على عدم التعذيب بالنار من الروايات الصحيحة عند العامّة، و رواه 33922 البخاري في باب لا يعذّب بعذاب اللّه من كتاب الجهاد 33923 عن أبي هريرة و عن ابن عباس.
و رواه ابن أبي الحديد 33924 أيضا.
وَ الَّذِي رَوَاهُ أَصْحَابُنَا مَا رُوِيَ فِي الْفَقِيهِ 33925 وَ غَيْرِهِ 33926 ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُحْرَقَ شَيْءٌ مِنَ الْحَيَوَانِ بِالنَّارِ.
، لكن في بعض أخبارنا 33927 ما ينافي هذا العموم، و سيأتي الكلام فيه في كتاب المناهي 33928 إن شاء اللّه تعالى، و لا يضرّ ذلك في الطعن، لأنّ بناءه على الإلزام لاعتراف العامّة بصحّتها.
و ما روي من فعل أمير المؤمنين عليه السلام فهو عندنا استناد إلى نصّ خاصّ ورثه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و عند العامّة استناد إلى الاجتهاد،
فلا مطعن فيه بالاتّفاق.
خاتمة في ذكر ولادة أبي بكر و وفاته و بعض أحواله
قال المخالفون: كان مولده بمكة بعد الفيل بسنتين و أربعة أشهر إلّا أيّاما، و اسمه: عبد اللّه بن عثمان 33929 بن 33930 أبي قحافة بن عامر بن عمر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب، و قيل اسمه: عتيق،
و قيل : كان اسمه: عبد ربّ الكعبة، فسمّاه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: عبد اللّه.
، و أمّه أمّ الخير سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب 33931 .
غصب 33932 الخلافة ثاني يوم مات فيه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و مات بالمدينة ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة بين المغرب و العشاء و له ثلاث و ستون سنة، و قيل خمس و ستون، و الأول أشهر. و كانت مدّة خلافته المغصوبة سنتين و أربعة أشهر 33933 .
و قال في الاختصاص 33934 : مات و هو ابن ثلاث و ستين سنة، و ولي الأمر سنتين و ستة أشهر.
ثم اعلم أنّه لم يكن له نسب شريف و لا حسب منيف، و كان في الإسلام خيّاطا، و في الجاهليّة معلّم الصبيان، و نعم ما قيل:
كفى للمرء نقصا أن يقال بأنّه
معلّم أطفال و إن كان فاضلا
و كان أبوه سيّئ الحال ضعيفا، و كان كسبه أكثر عمره 33935 من صيد القماري و الدباسي لا يقدر على غيره، فلمّا عمي و عجز ابنه عن القيام به التجأ إلى عبد اللّه ابن جدعان- من رؤساء مكة- فنصبه ينادي على مائدته كلّ يوم لإحضار الأضياف، و جعل له على ذلك ما يعونه من الطعام، ذكر ذلك جماعة منهم الكلبي في كتاب المثالب 33936 - على ما أورده في الصراط المستقيم 33937 - و لذا قال أبو سفيان لعليّ عليه السلام- بعد ما غصب الخلافة-:- أ رضيتم يا بني عبد مناف!- أن يلي عليكم تيميّ رذل؟!، و قال أبو قحافة: ما رواه ابن حجر في صواعقه 33938 حيث قال: و أخرج الحاكم 33939 أنّ أبا قحافة لمّا سمع بولاية ابنه قال: هل رضي بذلك بنو عبد مناف و بنو المغيرة؟. قالوا: نعم. قال: اللّهمّ لا واضع لما رفعت و لا رافع لما وضعت 33940 .
وَ قَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَامُ- فِي بَعْضِ كَلِمَاتِهَا-: إِنَّهُ مِنْ أَعْجَازِ قُرَيْشٍ وَ أَذْنَابِهَا 33941 .
و قال بعض الظرفاء: بل من ذوي أذنابها.
و قال صاحب إلزام النواصب 33942 : أجمع النسّابون أنّ أبا قحافة كان حبرا لليهود يعلّم أولادهم 33943 .
و العجب أنّهم مع ذلك يدّعون أنّ اللّه تعالى أغنى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بمال أبي بكر.
و عقد الخلافة عند موته لعمر، فحمل أثقاله مع أثقاله، و أضاف وباله إلى وباله.
وَ قَالَ ابْنُ أَبِي الْحَدِيدِ 33944 - فِي كَيْفِيَّةِ ذَلِكَ- أَنَّهُ أَحْضَرَ أَبُو بَكْرٍ عُثْمَانَ- وَ هُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ- فَأَمَرَ 33945 أَنْ يَكْتُبَ عَهْداً، وَ قَالَ: اكْتُبْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، هَذَا مَا عَهِدَ بِهِ 33946 عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ 33947 إِلَى الْمُسْلِمِينَ أَمَّا بَعْدَ، .. ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَكَتَبَ عُثْمَانُ: قَدِ اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْكُمُ ابْنَ الْخَطَّابِ 33948 ، وَ أَفَاقَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: اقْرَأْ فَقَرَأَهُ، فَكَبَّرَ أَبُو بَكْرٍ، وَ قَالَ 33949 : أَرَاكَ خِفْتَ أَنْ يَخْتَلِفَ النَّاسُ إِنْ مِتُّ فِي غَشْيَتِي!
قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْراً عَنِ الْإِسْلَامِ وَ أَهْلِهِ، ثُمَّ أَتَمَّ الْعَهْدَ وَ أَمَرَهُ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى النَّاسِ فَقَرَأَ 33950 ، ثُمَّ أَوْصَى إِلَى عُمَرَ بِوَصَايَا 33951 .
قَالَ: وَ رَوَى كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ دَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ عُمَرَ، فَقَالَ: إِنَّهُ أَفْضَلُ مَنْ رَأَيْتُهُ 33952 إِلَّا أَنَّ فِيهِ غِلْظَةً. فَقَالَ: ذَاكَ لِأَنَّهُ يَرَانِي رَفِيقاً 33953 وَ لَوْ قَدْ أَفْضَى الْأَمْرُ إِلَيْهِ لَتَرَكَ كَثِيراً مِمَّا هُوَ عَلَيْهِ، وَ قَدْ رَمَقْتُهُ 33954 إِذَا أَنَا غَضِبْتُ عَلَى رَجُلٍ أَرَانِي الرِّضَا عَنْهُ، وَ إِذَا لِنْتُ أَرَانِي الشِّدَّةَ عَلَيْهِ، ثُمَّ دَعَا عُثْمَانَ، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ عُمَرَ. فَقَالَ: سَرِيرَتُهُ خَيْرٌ مِنْ عَلَانِيَتِهِ، وَ لَيْسَ فِينَا مِثْلُهُ. فَقَالَ لَهُمَا: لَا تَذْكُرَا مِمَّا قُلْتُ لَكُمَا شَيْئاً، وَ لَوْ تَرَكْتُ عُمَرَ مَا 33955 عَدَوْتُكَ يَا عُثْمَانُ، وَ الْخِيَرَةُ لَكَ أَنْ لَا تَلِيَ مِنْ أُمُورِهِمْ شَيْئاً، وَ لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ مِنْ أُمُورِكُمْ خِلْواً، وَ كُنْتُ فِيمَنْ مَضَى مِنْ سَلَفِكُمْ.