کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
فتكلم لم تفسد صلاته على المشهور بين الأصحاب و ذهب الشيخ في النهاية إلى البطلان و الأول أقرب لدلالة الأخبار الكثيرة عليه 6136 و لو تكلم مكرها فالظاهر البطلان و تردد في المنتهى ثم اختار الإبطال.
و منها الأكل و الشرب و ذهب جماعة منهم الشيخ في الخلاف و المبسوط إلى الإبطال و منعه المحقق في المعتبر و طالبه بالدليل على ذلك 6137 و استقرب عدم البطلان إلا مع الكثرة و اختاره جماعة من المتأخرين و لا يخلو من قوة قال في المنتهى و لو ترك في فيه شيئا يذوب كالسكر فذاب فابتلعه لم يفسد صلاته عندنا و عند الجمهور لأنه ليس أكلا أما لو بقي بين أسنانه شيء من بقايا الغذاء فابتلعه في الصلاة لم تفسد صلاته قولا واحدا لأنه لا يمكن التحرز عنه و كذا لو كان في فيه لقمة و لم يبلعها إلا في الصلاة لأنه فعل قليل انتهى.
و لو وضع في فيه لقمة و مضغها و ابتلعها أو تناول قلة فشرب منها فقال العلامة في التذكرة و النهاية إنه مبطل و نقل في المنتهى إجماع الأصحاب على عدم بطلان الصلاة بالأكل و الشرب ناسيا.
و استثنى القائلون بالمنع الشرب في صلاة الوتر لمريد الصوم و خائف العطش فيه.
لِرِوَايَةِ سَعِيدٍ الْأَعْرَجِ 6138 قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع إِنِّي أَبِيتُ وَ أُرِيدُ الصَّوْمَ فَأَكُونُ فِي الْوَتْرِ فَأَعْطَشُ فَأَكْرَهُ أَنْ أَقْطَعَ الدُّعَاءَ وَ أَشْرَبَ وَ أَكْرَهُ أَنْ أُصْبِحَ وَ أَنَا عَطْشَانُ وَ أَمَامِي قُلَّةٌ بَيْنِي وَ بَيْنَهَا خطوتين [خُطْوَتَانِ] أَوْ ثَلَاثَةٌ قَالَ ع تَسْعَى إِلَيْهَا وَ تَشْرَبُ مِنْهَا حَاجَتَكَ وَ تَعُودُ إِلَى الدُّعَاءِ.
و استقرب في المنتهى اعتبار القلة هاهنا و حمل الرواية عليها و يفهم منه أن الفعل الكثير قادح في النوافل أيضا و هو ظاهر إطلاقاتهم و قد تردد فيه بعض المتأخرين نظرا إلى ما دل على اختلاف حكم الفريضة و النافلة و وقوع المساهلة التامة فيها مثل فعلها جالسا و راكبا و ماشيا إلى غير القبلة و بدون السورة و الأحوط عدم إيقاع ما لم يرد فيه نص بالخصوص.
و منها البكاء للأمور الدنيوية كذهاب مال أو فوت محبوب ذهب الشيخان و جماعة إلى بطلان الصلاة به و لا يعلم فيه مخالف من القدماء و توقف فيه بعض المتأخرين لضعف مستنده و أجيب أن ضعفه منجبر بالشهرة و الأحوط الاجتناب و هذا إذا كان البكاء لأمور الدنيا و أما البكاء خشية من الله تعالى أو حبا له أو ندامة على ما صدر منه من الزلات فهو من أعظم القربات كما يدل عليه الروايات 6139 .
ثم اعلم أن الأصحاب أطلقوا البكاء للأمور الدنيوية و هو يشتمل ما إذا كان لطلبها أيضا و الظاهر أنه أيضا من الطاعات كما يظهر من الأخبار فالأصوب تخصيصه بالبكاء لفقدها
كَمَا وَرَدَ فِي الْخَبَرِ 6140 حَيْثُ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنِ الْبُكَاءِ فِي الصَّلَاةِ أَ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ قَالَ إِنْ بَكَى لِذِكْرِ جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ فَذَلِكَ هُوَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ فِي الصَّلَاةِ وَ إِنْ كَانَ لِذِكْرِ مَيِّتٍ لَهُ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ.
حيث خص البطلان بما هو من قبيل فقد شيء.
فإن قيل مفهوم الجزء الأول من الخبر يدل على أن ما لم يكن من الأمور الأخروية يكون مبطلا قلت مفهومه يدل على أن ما لم يكن كذلك ليس أفضل الأعمال و عدم كونه كذلك لا يستلزم الإبطال.
و قال الشهيد الثاني ره اعلم أن البكاء المبطل للصلاة هو المشتمل على الصوت لا مجرد خروج الدمع مع احتمال الاكتفاء به في البطلان و وجه الاحتمالين اختلاف معنى البكاء مقصورا و ممدودا و الشك في إرادة أيهما من الأخبار قال الجوهري البكاء يمد و يقصر فإذا مددت أردت الصوت الذي يكون مع البكاء و إذا قصرت أردت الدموع و خروجها انتهى.
و هذا الفرق لا يظهر من كلام غيره من اللغويين و العرف لا يفرق بينهما و الظاهر من كلام الأصحاب الأعم فالأحوط تركهما و لو عرض بغير اختيار فالأحوط الإتمام ثم الإعادة و الله تعالى يعلم و حججه حقائق الأحكام 6141 .
باب 18 من لا تقبل صلاته و بيان بعض ما نهي عنه في الصلاة
1- الْعِلَلُ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: قُلْتُ لِلرِّضَا ع إِنَّا رُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ ص أَنَّ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ لَمْ يُحْتَسَبْ صَلَاتُهُ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً فَقَالَ صَدَقُوا فَقُلْتُ وَ كَيْفَ لَا يُحْتَسَبُ صَلَاتُهُ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً لَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَ لَا أَكْثَرَ قَالَ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى قَدَّرَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ فَصَيَّرَ النُّطْفَةَ أَرْبَعِينَ يَوْماً ثُمَّ نَقَلَهَا فَصَيَّرَهَا عَلَقَةً أَرْبَعِينَ يَوْماً ثُمَّ نَقَلَهَا فَصَيَّرَهَا مُضْغَةً أَرْبَعِينَ يَوْماً وَ هَذَا إِذَا شَرِبَ الْخَمْرَ بَقِيَتْ فِي مُشَاشِهِ عَلَى قَدْرِ مَا خُلِقَ مِنْهُ وَ كَذَلِكَ يَجْتَمِعُ غِذَاؤُهُ وَ أَكْلُهُ وَ شُرْبُهُ تَبْقَى فِي مُشَاشِهِ أَرْبَعِينَ يَوْماً 6142 .
بيان: لعل المراد أن بناء بدن الإنسان على وجه يكون التغيير الكامل فيه بعد أربعين يوما كالتغيير من النطفة إلى العلقة إلى سائر المراتب فالتغيير عن الحالة التي حصلت في البدن من شرب الخمر إلى حالة أخرى بحيث لا يبقى فيه أثر منها لا يكون إلا بعد مضي تلك المدة.
و قال شيخنا البهائي قدس الله روحه لعل المراد بعدم القبول هنا عدم ترتب الثواب عليها في تلك المدة لا عدم إجزائها فإنها مجزية اتفاقا و هو يؤيد ما يستفاد من كلام السيد المرتضى أنار الله برهانه من أن قبول العبادة أمر مغاير للإجزاء فالعبادة المجزية هي المبرئة للذمة المخرجة عن عهدة التكليف و المقبولة هي ما يترتب عليها الثواب و لا تلازم بينهما و لا اتحاد كما يظن.
و مما يدل على ذلك قوله تعالى إنما يتقبل الله من المتقين 6143 مع أن عبادة غير المتقين مجزية إجماعا و قوله تعالى حكاية عن إبراهيم و إسماعيل رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا 6144 مع أنهما لا يفعلان غير المجزي و قوله تعالى فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَ لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ 6145 مع أن كلا منهما فعل ما أمر به من القربان
وَ قَوْلُهُ ص إِنَّ مِنَ الصَّلَاةِ مَا يُقْبَلُ نِصْفُهَا وَ ثُلُثُهَا وَ رُبُعُهَا وَ إِنَّ مِنْهَا لَمَا تُلَفُّ كَمَا يُلَفُّ الثَّوْبُ الْخَلَقُ فَيُضْرَبُ بِهَا وَجْهُ صَاحِبِهَا.
و التقريب ظاهر و لأن الناس لم يزالوا في سائر الأعصار و الأمصار يدعون الله تعالى بقبول أعمالهم بعد الفراغ منها و لو اتحد القبول و الإجزاء لم يحسن هذا الدعاء إلا قبل الفعل كما لا يخفى فهذه وجوه خمسة تدل على انفكاك الإجزاء عن القبول.
و قد يجاب عن الأول بأن التقوى على مراتب ثلاث أولها التنزه عن الشرك و عليه قوله تعالى وَ أَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى 6146 قال المفسرون هي قول لا إله إلا الله و ثانيها التجنب عن المعاصي و ثالثها التنزه عما يشغل عن الحق جل و علا و لعل المراد بالمتقين أصحاب المرتبة الأولى و عبادة غير المتقين بهذا المعنى غير مجزية و سقوط القضاء لأن الإسلام يجب ما قبله.
و عن الثاني بأن السؤال قد يكون للواقع و الغرض منه بسط الكلام مع المحبوب و عرض الافتقار لديه كما قالوه في قوله تعالى رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا 6147 على بعض الوجوه.
و عن الثالث بأنه تعبير بعدم القبول عن عدم الإجزاء و لعله لخلل في الفعل.
و عن الرابع أنه كناية عن نقص الثواب و فوات معظمه.
و عن الخامس أن الدعاء لعله لزيادة الثواب و تضعيفه و في النفس من هذه الأجوبة شيء و على ما قيل في الجواب عن الرابع ينزل عدم قبول صلاة شارب الخمر عند السيد المرتضى رض انتهى كلامه رفع الله مقامه و الحق أنه يطلق القبول في الأخبار على الإجزاء تارة بمعنى كونه مسقطا للقضاء أو للعقاب أو موجبا للثواب في الجملة أيضا و على كمال العمل و ترتب الثواب الجزيل و الآثار الجليلة عليه كما مر في قوله تعالى إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ 6148 و على الأعم منهما كما سيأتي في بعض الأخبار و في هذا الخبر منزل على المعنى الثاني عند الأصحاب.
2- كِتَابُ زَيْدٍ النَّرْسِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: حَضَرْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع وَ رَجُلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ شَارِبِ الْخَمْرِ أَ تُقْبَلُ لَهُ صَلَاةٌ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ شَارِبِ الْمُسْكِرِ أَرْبَعِينَ يَوْماً إِلَّا أَنْ يَتُوبَ قَالَ لَهُ الرَّجُلُ فَإِنْ مَاتَ مِنْ يَوْمِهِ وَ سَاعَتِهِ قَالَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَ صَلَاتُهُ إِذَا تَابَ وَ هُوَ يَعْقِلُهُ فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ فِي سُكْرِهِ فَمَا يُعْبَأُ بِتَوْبَتِهِ.
3- كِتَابُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَلْحَةَ النَّهْدِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ ثَلَاثَةٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لَهُمْ صَلَاةً جَبَّارٌ كَفَّارٌ وَ جُنُبٌ نَامَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ وَ مُتَضَمِّخٌ بِخَلُوقٍ.
4- الْخِصَالُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ مَاجِيلَوَيْهِ عَنْ عَمِّهِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْكُوفِيِّ عَنِ ابْنِ بَقَّاحٍ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: أَرْبَعَةٌ لَا تُقْبَلُ لَهُمْ صَلَاةٌ الْإِمَامُ الْجَائِرُ وَ الرَّجُلُ يَؤُمُّ الْقَوْمَ وَ هُمْ لَهُ كَارِهُونَ وَ الْعَبْدُ الْآبِقُ مِنْ مَوْلَاهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَ الْمَرْأَةُ تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ 6149 .
وَ مِنْهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ وَ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْعَطَّارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِيِّ رَفَعَهُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص ثَمَانِيَةٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لَهُمْ صَلَاةً الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى مَوْلَاهُ وَ النَّاشِزُ عَنْ زَوْجِهَا وَ هُوَ عَلَيْهَا سَاخِطٌ وَ مَانِعُ الزَّكَاةِ وَ تَارِكُ الْوُضُوءِ وَ الْجَارِيَةُ الْمُدْرِكَةُ تُصَلِّي بِغَيْرِ خِمَارٍ وَ إِمَامُ قَوْمٍ يُصَلِّي بِهِمْ وَ هُمْ لَهُ كَارِهُونَ وَ الزِّنِّينُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ مَا الزِّنِّينُ قَالَ الَّذِي يُدَافِعُ الْغَائِطَ وَ الْبَوْلَ وَ السَّكْرَانُ فَهَؤُلَاءِ الثَّمَانِيَةُ لَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ صَلَاةٌ 6150 .
معاني الأخبار، عن محمد بن موسى بن المتوكل عن أحمد بن إدريس و محمد العطار مثله 6151 المحاسن، عن أبيه عن بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبد الله ع مثله 6152 الهداية، مرسلا مثله 6153 بيان قد مر الخبر بشرحه في كتاب الطهارة 6154 و القبول فيه أعم من الإجزاء و الكمال و في الثلاثة الأولة الظاهر عدم الكمال كما هو المشهور و إن ورد في الآبق في خبر الساباطي و غيره أنه بمنزلة المرتد و يظهر من الصدوق القول به فإن الظاهر أنه على المبالغة و التشبيه في المخالفة العظيمة و ربما يقال بعدم الصحة فيها بناء على أن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده و النهي في العبادة مستلزم للفساد كما ذكره العلامة رحمه الله و غيره و فيهما أبحاث طويلة حققت في الأصول.