کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
الأذكياء من الناس عنها و لو لا كونها عاقلة فاهمة لما صح شيء من ذلك فهذا ما يتعلق بالعقل و أما النقل فقد تمسكوا في إثبات قولهم بآيات فإحداها قوله تعالى حكاية عن سليمان ع يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَ أُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ 392 و الثانية 393 قوله تعالى حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ 394 و الثالثة 395 وَ تَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ 396 و هذا التهديد لا يعقل إلا مع العاقل.
و الرابعة 397 قوله تعالى حكاية عن الهدهد أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ 398 إلى آخر الآية.
و الخامسة 399 قوله وَ الطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَ تَسْبِيحَهُ 400 قيل معناه كل من الطير قد علم صلاته و تسبيحه.
قَالَ بَعْضُهُمْ كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ ع فَقَالَ لِي أَ تَدْرِي مَا تَقُولُ هَذِهِ الْعَصَافِيرُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ بَعْدَ طُلُوعِهَا قُلْتُ لَا قَالَ إِنَّهَا تُقَدِّسُ رَبَّهَا وَ تَسْأَلُهُ قُوتَ يَوْمِهَا..
و أقول رأيت في بعض الكتب أن في بعض الأوقات اشتد القحط و عظم حر الصيف و الناس خرجوا إلى الاستسقاء فلما أبلحوا 401 قال خرجت إلى بعض الجبال فرأيت ظبية جاءت إلى موضع كان في الماضي من الزمان مملوا من الماء و لعل تلك الظبية كانت تشرب منه فلما وصلت الظبية إليه ما وجدت فيه شيئا من الماء و كان أثر العطش الشديد ظاهرا على تلك الظبية فوقفت و حركت رأسها إلى جانب السماء فأطبق الغيم و جاء الغيث الكثير.
ثم إن أنصار هذا القول قالوا لما بينا بالدليل أن هذه الحيوانات تهدي إلى الحيل اللطيفة فأي استبعاد في أن يقال إنها تعرف أن لها ربا و مدبرا و خالقا و هذا تمام القول في دلائل هذه الطائفة.
و احتج المنكرون لكونها عاقلة عارفة بأن قالوا لو كانت عاقلة لوجب أن تكون آثار العقل ظاهرة في حقها لأن حصول العقل لها مع أنه لا يمكنها الانتفاع البتة بذلك العقل عبث و ذلك لا يليق بالفاعل الحكيم إلا أن آثار العقل غير ظاهرة فيها لأنها لا تحترز عن الأفعال القبيحة و لا تميز بين ما ينفعها و بين ما يضرها فوجب القطع بأنها غير عاقلة.
و لمجيب أن يجيب فيقول إن درجات العلوم و المعارف كثيرة و اختلاف النفوس في ماهيتها محتمل فلعل خصوصية نفس كل واحد منها لا تقتضي إلا النوع المعين من العقل و إلا القسم المخصوص من المعرفة فإن كان المراد بالعقل جميع العلوم الحاصلة للإنسان فحق أنها ليست عاقلة و إن كان المراد بالعقل معرفة نوع من هذه الأنواع فظاهر أنها موصوفة بهذه المعرفة و بالجملة فالحكم عليها بالثبوت و العدم حكم على الغيب و لا يعلم الغيب إلا الله و ليكن هاهنا آخر كلامنا في النفوس الحيوانية و الله أعلم انتهى كلامه.
و قال الدميري الغرنيق بضم الغين و فتح النون قال الجوهري و الزمخشري إنه طائر أبيض من طير الماء طويل العنق 402 و قال في النهاية إنه الذكر من طير الماء و يقال غرنيق و غرنوق و قيل هو الكركي و قيل الغرانيق و الغرانقة طير أسود في حد البط 403 و قال القزويني الغرنيق 404 من الطيور القواطع و هي إذا أحست بتغير الزمان عزمت على الرجوع إلى بلادها فعند ذلك تتخذ قائدا حارسا ثم تنهض معا فإذا طارت ترتفع في الهواء حتى لا يعرض لها شيء من السباع فإذا رأت غيما أو غشيها الليل أو سقطت للطعم أمسكت عن الصياح كيلا يحس بها العدو و إذا أرادت النوم أدخل كل واحد منها رأسه تحت جناحه لعلمه بأن الجناح أحمل للصدمة من الرأس لما فيه من العين التي هي أشرف الأعضاء و الدماغ الذي هو ملاك البدن و ينام كل واحد منها قائما على إحدى رجليه حتى لا يكون نومها 405 ثقيلا و أما قائدها و حارسها فلا ينام و لا يدخل رأسه في جناحه و لا يزال ينظر في جميع الجوانب فإذا أحس بأحد صاح بأعلى صوته 406 انتهى.
قوله قد اضطبعت أي أدخلت رأسها في ضبعها.
باب 2 أحوال الأنعام و منافعها و مضارها و اتخاذها
الآيات المائدة أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ الأنعام وَ جَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَ الْأَنْعامِ نَصِيباً إلى قوله ساءَ ما يَحْكُمُونَ و قال سبحانه وَ قالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ إلى قوله ما كانُوا مُهْتَدِينَ و قال تعالى وَ مِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَ فَرْشاً إلى آخر الآية النحل وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَ مَنافِعُ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ وَ لَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَ حِينَ تَسْرَحُونَ وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَ زِينَةً وَ يَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ و قال سبحانه وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَ يَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَ مِنْ أَصْوافِها وَ أَوْبارِها وَ أَشْعارِها أَثاثاً وَ مَتاعاً إِلى حِينٍ الحج وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ إلى قوله تعالى وَ أُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ إلى قوله تعالى وَ الْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ إلى قوله عز و جل كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ المؤمنون وَ إِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها وَ لَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ وَ عَلَيْها وَ عَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ فاطر وَ مِنَ النَّاسِ وَ الدَّوَابِّ وَ الْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ يس وَ خَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ
و قال عز و جل أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ وَ ذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَ مِنْها يَأْكُلُونَ وَ لَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَ مَشارِبُ أَ فَلا يَشْكُرُونَ الزمر وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ المؤمن اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَ مِنْها تَأْكُلُونَ وَ لَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَ لِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَ عَلَيْها وَ عَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ حمعسق جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَ مِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ الزخرف وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَ الْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ الغاشية أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ تفسير بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ ذهب أكثر المفسرين إلى أنها إضافة بيان أو إضافة الصفة إلى الموصوف أريد بها الأزواج الثمانية و المستفاد من أكثر الأخبار أن بيان حل الأنعام في آيات أخر و المراد هنا بيان الأجنة التي في بطونها
وَ رُوِيَ فِي الْكَافِي فِي الْحَسَنِ كَالصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَحَدَهُمَا ع عَنْقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ فَقَالَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ إِذَا أَشْعَرَ وَ أَوْبَرَ فَذَكَاتُهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ فَذَلِكَ الَّذِي عَنَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ 407 .
فعلى هذا الإضافة بتقدير من أو اللام و يمكن حمل الخبر على أن المراد أن الجنين أيضا داخل في الآية فيكون الغرض بيان الفرد الأخفى أو يكون تحديدا لأول تسميتها بالبهيمة و حلها فلا ينافي التعميم قال الطبرسي رحمه الله اختلف في تأويله على أقوال أحدها أن المراد به الأنعام و إنما ذكر البهيمة للتأكيد فمعناه أحلت لكم الأنعام الإبل و البقر و الغنم.
و ثانيها أن المراد بذلك أجنة الأنعام التي توجد في بطون أمهاتها إذا أشعرت و قد ذكيت الأمهات و هي ميتة فذكاتها ذكاة أمهاتها و هو المروي عن أبي جعفر
و أبي عبد الله ع. و ثالثها أن بهيمة الأنعام وحشيها كالظبي 408 و البقر الوحشي و حمر الوحش و الأولى حمل الآية على الجميع انتهى 409 و الآية تدل على حل أكل لحوم البهائم بل سائر أجزائها بل جميع الانتفاعات منها إلا ما أخرجه الدليل وَ جَعَلُوا أي مشركو العرب لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ أي خلق مِنَ الْحَرْثِ أي الزرع وَ الْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ من غير أن يؤمروا به وَ هذا لِشُرَكائِنا يعني الأوثان فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَ ما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ و روي أنهم كانوا يعينون شيئا من حرث و نتاج لله و يصرفونه في الضيفان و المساكين و شيئا منهما لآلهتهم و ينفقون على سدنتها 410 و يذبحون عندها ثم إن رأوا ما عينوا لله أزكى بدلوه بما لآلهتهم و إن رأوا ما لآلهتهم أزكى تركوه لها حبا لها و اعتلوا لذلك بأن الله أغنى و روي في المجمع عن أئمتنا ع أنه كان إذا اختلط ما جعل للأصنام بما جعل لله ردوه و إذا اختلط ما جعل الله بما جعلوه للأصنام تركوه و قالوا الله أغنى و إذا انخرق الماء 411 من الذي لله في الذي للأصنام لم يسدوه و إذا انخرق 412 من الذي للأصنام في الذي لله سدوه و قالوا الله غني 413 ساءَ ما يَحْكُمُونَ أي ساء الحكم حكمهم هذا 414 وَ قالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَ حَرْثٌ حِجْرٌ أي حرام لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ 415 يعنون خدمة الأوثان و الرجال دون النساء بِزَعْمِهِمْ أي بغير حجة وَ أَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها 416 يعني البحائر و السوائب و الحوامي وَ أَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ
اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا في الذبح بل يسمون آلهتهم و قيل لا يحجون على ظهورها افْتِراءً عَلَيْهِ نصب على المصدر سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ وَ قالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ يعنون أجنة البحائر و السوائب خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَ مُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا أي إن ولد حيا وَ إِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ أي الذكور و الإناث فيه سواء سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ أي جزاء وصفهم الكذب على الله في التحليل و التحريم إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ أي بناتهم سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ حَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ من البحائر و نحوها افْتِراءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ إلى الحق و الصواب وَ مِنَ الْأَنْعامِ أي و أنشأ من الأنعام.
حَمُولَةً وَ فَرْشاً قيل فيه وجوه الأول أن الحمولة كبار الإبل أو الأعم و الفرش صغارها الدانية من الأرض مثل الفرش المفروش عليها الثاني أن الحمولة ما يحمل عليه من الإبل و البقر و الفرش الغنم الثالث أن الحمولة كل ما حمل من الإبل و البقر و الخيل و البغال و الحمير و الفرش الغنم روي ذلك عن ابن عباس فكأنه ذهب إلى أنه يدخل في الأنعام الحافر على وجه التبع.
و الرابع أن معناه ما ينتفعون به في الحمل و ما يفترشونه في الذبح فمعنى الافتراش الاضطجاع للذبح.
و الخامس أن الفرش ما يفرش من أصوافها و أوبارها أي من الأنعام ما يحمل عليه و منها ما يتخذ من أوبارها و أصوافها ما يفرش و يبسط و قيل أي ما يفرش المنسوج من شعره و صوفه و وبره و يدل على جواز حمل ما يقبل الحمل منها و ذبح ما يستحق الذبح منها أو افتراش أصوافها و أوبارها و أشعارها 417 .