کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
و إن مده العضل الموضوع في ظهره رجع إلى خلف و إن مداه جميعا استوى و قام بينهما.
ثم إن مبدأ الحس و الحركة جميعا في الأعضاء قد يكون عصبة واحدة و قد يكون اثنتين و مبدئية العصب للحس و الحركة إنما هو بسبب حمله للقوة اللامسة و القوة المحركة من جهة الروح الحيوانية المنبثة فيه من الدماغ فالقوة اللامسة منبثة في جملة جلد البدن و أكثر اللحم و الغشاء و غير ذلك بسبب انبثاث حاملها الذي هو الروح إلا ما يكون عدم الحس أنفع له كالكبد و الطحال و الكلية و الرئة و العظم.
و تدرك هذه القوة الكيفيات الأول الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة و تدرك أيضا الخفة و الثقل و الملامسة و الخشونة و الصلابة و اللين و الهشاشة و اللزوجة كلها بالمماسة.
و كذلك القوة المحركة منبثة في جميع الأعضاء بواسطة الروح المنبثة في العضلات ثم لما كانت أسافل البدن و ما بعد عن الدماغ يحتاج أن ينال الحس و الحركة و كان نزول العصب إليها من الدماغ بعيد المسلك غير حريز و لا وثيق و أيضا لو نبتت الأعصاب كلها من الدماغ لاحتيج أن يكون الرأس أعظم مما هو عليه بكثير و لثقل على البدن حمله فلذلك جعل الله عز اسمه في أسفل القحف ثقبا و أخر 11226 منها شيئا من الدماغ و هو النخاع و حصنه لشرفه و عزته بالعنق و الصلب كما حصن الدماغ بالقحف و أجراه في طول البدن و هو محصن موقي و أنبت منه حين قارب و حاذى عضوا ما عصبا يخرج من ثقب في خرز العنق و الصلب و يتصل بتلك الأعضاء التي يأتيها العصب من ذلك الموضع فيعطيها الحس و الحركة بقوة مبدئهما الذي فيه.
فإن حدث على الدماغ حادثة عظيمة فقد البدن كله الحس و الحركة و إن حدث على النخاع فقدتهما الأعضاء التي يجيئها العصب من ذلك الموضع و ما دونه
فحسب لأن الدماغ بمنزلة العين و الينبوع لذلك و النخاع بمنزلة النهر العظيم الجاري منه و الأعصاب بمنزلة الجداول و أول 11227 مبادئ الأعصاب الخارجة من الدماغ و النخاع تكون لينة شبيهة بهما ثم إنها تصلب متى تباعدت منهما حتى يصير عصبا تاما النوع.
ثم اعلم أن العضلات كلها مجللة بغشاء لطيف و كذلك جميع الأحشاء مجللة بأغشية و الغشاء جسم لطيف رقيق منتسج من العصب و الرباط ليفيد العضو الذي هو غشاء له و محيط به مما لا حس له الحس و الشعور العرضيين فيتبادر إلى دفع الألم في الجملة و ليحفظ أيضا الأعضاء على أشكالها و أوضاعها و يصونها 11228 عن التبدد و التفرق و ليربطها بواسطة العصب و الرباط الذي يشظى إلى ليفها بعضو آخر.
و جميع الأشياء الملفوفة في الغشاء مما هو داخل الأضلاع فمنبت غشائها من أحد غشائي الصدر و البطن المستبطنين و الأعضاء اللحمية إما ليفية كلحم العضل و إما ليس فيها ليف كالكبد و لا شيء من الحركات إلا بالليف أما الإرادية فبسبب ليف العضل و أما الطبيعية كحركة الرحم و العروق و المركبة كحركة الازدراد فبليف مخصوص بهيئة من وضع الطول و العرض و التورب و للجذب الليف المطول 11229 و للدفع الليف الذاهب عرضا العاصر و للإمساك الليف المؤرب.
و أما العروق فنوعان إحداهما النابضة الضوارب و منبتها القلب و يسمى بالشرايين و لها حركتان انقباضية و انبساطية و شأنها أن تنفض البخار الدخاني من القلب بحركتها الانقباضية و تجذب بحركتها الانبساطية نسيما طيبا صافيا يستريح به القلب و يستمد منه الحرارة الغريزية و بهذه الحركة ينتشر الروح و القوة الحيوانية و الحرارة الغريزية في جميع البدن و خلقت كلها ذات صفاقين احتياطا في وثاقة جسميتها لئلا تنشق بسبب
قوة حركتها بما فيها و لئلا يتحلل ما فيها إلا واحدة منها تسمى بالشريان الوريدي فإنها ذات صفاق واحد ليكون ألين و أطوع للانبساط و الانقباض فإن الحاجة إلى السلاسة أمس منها إلى الوثاقة لأنها كما أنها منفذ للنسيم كذلك منفذ لغذاء الرئة فإن غذاءها من القلب و هي تغوص في الرئة و تصير شعبا و لحم الرئة لين لطيف لا تخشى مصادمته عند النبض و يحتاج إلى ترشح الغذاء إليه بسرعة و سهولة و جعل الصفاق الداخلاني من ذوات الصفاقين أصلب لأنه كالبطانة التي تحمي الظهارة و هو الملاقي لقوة الحرارة الغريزية و لمصادمته حركة الروح فأوجبت الحكمة تقوية منفذ الروح و الحرارة الغريزية بهذه البطانة و إحرازها بها.
و النوع الثاني العروق الساكنة و منبتها الكبد و تسمى الأوردة و شأنها إما جذب الغذاء إلى الكبد و إما إيصال الغذاء من الكبد إلى الأعضاء و كلها ذات صفاق واحد إلا واحد يسمى بالوريد الشرياني فإنه ذو غشاءين صلبين لأنه ينفذ في التجويف الأيمن من القلب و يأتي بغذاء الرئة إلى القلب و لحم الرئة لحم لطيف خفيف لا يصلح له إلا دم رقيق لطيف.
و من الشرايين ما يرافق 11230 الأوردة لترتبط الأوردة بالأغشية المجللة بها فيستقي في ما بينهما من الأعضاء فيستقي كل واحد منهما عن الآخر و كلما ترافقا 11231 على الصلب في داخل امتطى 11232 الشريان الوريد ليكون أخسهما حاملا للأشرف و ما ترافقا في الأعضاء الظاهرة غاص الشريان تحت الوريد ليكون أستر و أكن له و يكون الوريد له كالجنة.
و أما الغضروف فهو ألين من العظم فينعطف و أصلب من سائر الأعضاء و فائدته أن يحسن به اتصال العظام بالأعضاء اللينة فلا يكون الصلب و اللين قد تركبا بلا
متوسط 11233 فيتأذى اللين بالصلب خصوصا عند الضربة و الضغطة و ليحسن به تجاور المفاصل المستحاكة فلا تتراض لصلابتها و ليستند به و يقوى بعض العضلات الممتدة إلى عضو غير ذي عظم و ليعتمد عليه ما افتقر إلى الاعتماد على شيء قوي ليس بغاية الصلابة.
فهذه هي الأعضاء المتشابهة الأجزاء التي تركب عنها الأعضاء الآلية لواهبها الحمد كما هو أهله و كلها يتكون عن المني ما خلا اللحم و الشحم فإنهما يتكونان عن الدم.
الفصل الثاني في تشريح الرأس و أعضائه و ما اشتملت عليه
فمنها قحف الرأس و هو الذي خلقه الله لحفظ الدماغ و وقايته عن الآفات فخلقه الله مستديرا إلى طول لأن المستدير أعظم مساحة من الأشكال المستقيمة الخطوط إذا تساوت إحاطتها و لئلا ينفعل عن المصادمات ما ينفعل عنه ذو الزوايا و أما طوله فلأن منابت الأعصاب الدماغية موضوعة في الطول لئلا يزدحم و لا ينضغط و قد يفقد النتوء 11234 المقدم أو المؤخر أو كلاهما.
و القحف مؤلف من ستة أعظم اثنان منها بمنزلة السقف و أربعة بمنزلة الجدران و يتصل بعضها ببعض بدروز 11235 تسمى بالشئون و جعل الجدران أصلب من اليافوخ 11236 لأن السقطات و الصدمات عليها أكثر و لأن الحاجة إلى تخلخل اليافوخ أمس لينفذ فيه البخار المتحلل و لئلا يثقل على الدماغ و جعل أصلب الجدران
مؤخرها لأنها غائبة عن حراسة الحواس.
و في القحف ثقب كثيرة ليخرج منها أعصاب كثيرة و يدخل فيها عروق و شرايين و يخرج منها الأبخرة الغليظة الممتنعة النفوذ في العظم فينقى بتحللها الدماغ و ليتشبث بها الحجاب الثقيل الغليظ الآتي ذكره فيخف عن الدماغ و أعظم ثقب فيه الذي من أسفل عند فقرة القفا و هو يخرج النخاع و يتصل بالقحف اللحي 11237 الأعلى و هو الذي فيه الخدان و الأذنان و الأسنان العليا و يتركب من أربعة عشر عظما يتصل بعضها ببعض بدروز ثم اللحي الأسفل و هو الذي فيه الأسنان السفلى إلا أنه لم يتصل به اتصال التحام و ركز بل اتصال مفصل لاحتياجه إلى حركة و يسمى موضع اتصاله به الزرفين و هو مركب سوى الأسنان من عظمين بينهما شان في وسط الذقن.
و تحت القحف من ناحية الخلف فيما بينه و بين اللحي الأعلى عظم مركوز قد ملئ به الخلل الحادث من تقسيم أشكال هذه العظام و يسمى بالوتد فجميع عظام الرأس إذا عدت على ما ينبغي خلا الأسنان ثلاثة و عشرون عظما.
و أما الدماغ فخلقه الله سبحانه لينا دسما لينطبع المحسوسات فيه بسهولة و لتكون الأعصاب النابتة منه لدنا 11238 لا ينكسر و لا ينقطع و جعل مزاجه باردا رطبا لتنفعل القوى المودعة فيه عن مدركاتها و لئلا يشتعل بالحرارة المتولدة فيه من الحركات الفكرية و الخيالية و لتعدل قوة الروح و الحرارة الصاعدة إليه من القلب و جعل مقدمه الذي هو منبت الأعصاب الحسية ألين من مؤخره الذي هو منبت الأعصاب الحركية لأن الحركة لا تحصل إلا بقوة و القوة إنما تحصل بصلابة و هو ذو قسمين طولا و عرضا لئلا تشمل الآفة جميع أجزائها و في طوله تجاويف ثلاثة يفضي بعضها إلى بعض تسمى بطون الدماغ و هي محل الروح النفساني و مواضع الحواس و مقدمها أعظمها و يتدرج إلى الصغر حتى يعود إلى قدر النخاع و شكله.
و له زائدتان شبيهتان بحلمتي الثدي يبلغان إلى العظم الكثير الثقب الشبيهة بالمصفى في موضعه من القحف حيث ينتهي إليه أقصى الأنف فيهما حس الشم و بهما يندفع الفضول من هذا البطن المقدم إلى العظم المذكور و ينزل منه إلى الخيشوم بالعطاس.
و أما فضول البطنين الآخرين فتندفع إلى العظم المثقب الذي تحت الحنك و البطن المقدم هو موضع انجذاب الهواء إلى الدماغ و الهواء بعد مكثه في البطون و تغيره إلى المزاج الدماغي يصير روحا نفسانيا و كثيرا ما يزيد على ما تسعه البطون فيصعد إلى بطون للدماغ تسمى بالتزاريد و يستحيل فيها إلى المزاج الدماغي و إلى صلوحه له.
و الزرد الموضوع من جانبي البطن الأوسط يتمدد تارة و يتقلّص أخرى مثل الدودة و يسمى بها كما يسمى هذا البطن أيضا لأن بتمدّده يستطيل هو و ينتظم معه و بتقلّصه يستعرض و ينفرج عنه و الأول حركة الانقباض بها يندفع الفضلة و الثاني حركة الانبساط بها تتأدى صور المدركات إلى القوة الحافظة بتقدير العزيز الحكيم.
ثم إنه تعالى قد جلل الدماغ بغشاءين رقيق لين ملاصق له و مخالط في مواضع و غليظ صلب فوقه ملاصق للقحف و له في أمكنة منه و هو مثقب ثقبا كثيرة في موضعين عند العظيم الشبيه بالمصفّى و العظم الذي في الحنك لاندفاع الفضول و يتشعب منه شعب دقاق يصعد من دروز القحف إلى ظاهر يتشبث أولا الغشاء بالقحف بتلك الشعب فيتجافى بها عن الدماغ و يرتفع ثقله عنه ثم ينسج من تلك الشعب على ظاهر القحف غشاء يجلله.
و يتوسط أيضا جزئي الدماغ المقدّم و المؤخّر حجاب لطيف. يحجب الجزء الألين عن مماسّة الأصلب و تحت الدماغ بين الغشاء الغليظ و العظم نسجة شبيهة بالشباك الكثيرة التي ألقيت بعضها على بعض حصلت من الشرايين الصاعدة إلى الرأس من القلب و الكبد و يخرج منها عرقان فيدخلان الغشاء الصلب و يتصلان بالدماغ
و إنما فرشت الشبكة تحت الدماغ ليبرد فيها الدم الشرياني و الروح فيتشبه بالمزاج الدماغي بعد النضج ثم يتخلص إلى الدماغ على التدريج و الفرج التي تقع بين فروع هذه الشريانات محشوّة بلحم غدديّ لئلا تبقى خالية و لتعتمد عليه تلك الفروع و تبقى على أوضاعها.
و أما الأعصاب النابتة من الدماغ فسبعة أزواج أولها ينشأ من مقدّم الدماغ و يجيء إلى العين فيعطيها حسّ البصر بتوسط القوة الباصرة و هاتان العصبتان مجوّفتان و إذا نشأتا من الدماغ و بعدتا عنه قليلا اتصلتا و أفضى ثقب كل واحد منهما إلى صاحبه ثم يفترقان أيضا و هما بعد داخل القحف ثم يخرجان و يصير كل واحد منهما إلى العين التي من جانبه.
و الزوج الثاني ينشأ من خلف منشإ الأول و يخرج من القحف في الثقب الذي في قعر العين و يتفرق في عضل العين فتكون به حركاتها.
و الثالث منشؤه من خلف الثاني بحيث ينتهي البطن المقدم إلى البطن الثاني و يخالط الزوج الرابع الذي بعده ثم يفارقه.
و ينقسم أربعة أقسام أحدها ينزل إلى البطن إلى ما دون الحجاب و الباقي منها يتفرق في أماكن من الوجه و الأنف و منها ما يتصل بالزوج الذي بعده.
و الرابع منشؤه من خلف منشإ الثالث و يتفرق في الحنك فيعطيه حسّا خاصا له.
و الخامس يكون ببعضه حس السمع و ببعضه حركة العضل الذي يحرّك الخدّ.