کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
الجزء الثامن و الخمسون
تتمة كتاب السماء و العالم
تتمة أبواب الإنسان و الروح و البدن و أجزائه و قواهما و أحوالهما
باب 42 حقيقة النفس و الروح و أحوالهما
الآيات الإسراء وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا 10421 الزمر اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَ يُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ 10422 الواقعة فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَ أَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ 10423 الملك الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا 10424 تفسير وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قال الطبرسي روّح الله روحه اختلف في الروح المسئول عنه على أقوال أحدها أنهم سألوه عن الروح الذي في بدن الإنسان ما هو و لم يجبهم و سأله عن ذلك قوم من اليهود عن ابن مسعود و ابن عباس و جماعة و اختاره الجبائي و على هذا فإنما عدل النبي ص عن جوابهم لعلمه بأن ذلك أدعى لهم إلى الصلاح في الدين و لأنهم كانوا بسؤالهم متعنتين لا مستفيدين فلو صدر
الجواب لازدادوا عنادا و قيل إن اليهود قالت لقريش 10425 سلوا محمدا عن الروح فإن أجابكم فليس بنبي و إن لم يجبكم فهو نبي فإنا نجد في كتبنا ذلك فأمر الله سبحانه بالعدول عن جوابهم و أن يكلمهم 10426 في معرفة الروح إلى ما في عقولهم ليكون ذلك علما على صدقه و دلالة لنبوته.
و ثانيها أنهم سألوه عن الروح أ هي مخلوقة محدثة أم ليست كذلك فقال سبحانه قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي أي من فعله و خلقه و كان هذا جوابا لهم عما سألوه عنه بعينه و على هذا فيجوز أن يكون الروح الذي سألوه عنه هو الذي به قوام الجسد على قول ابن عباس و غيره أم جبرئيل على قول الحسن و قتادة أم ملك من الملائكة له سبعون ألف وجه لكل وجه سبعون ألف لسان يسبح الله تعالى بجميع ذلك على ما روي عن علي ع أم عيسى ع فإنه سمي بالروح.
و ثالثها أن المشركين سألوه عن الروح الذي هو القرآن كيف يلقاك به الملك و كيف صار معجزا و كيف صار نظمه و ترتيبه مخالفا لأنواع كلامنا من الخطب و الأشعار و قد سمى الله سبحانه القرآن روحا في قوله وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا 10427 فقال سبحانه قل يا محمد إن الروح الذي هو القرآن من أمر ربي أنزله علي دلالة على نبوتي و ليس من فعل المخلوقين و لا مما يدخل في إمكانهم و على هذا فقد وقع الجواب أيضا موقعه و أما على القول الأول فيكون معنى قوله الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي هو الأمر الذي يعلمه ربي و لم يطلع عليه أحدا. و اختلف العلماء في مهيّة الروح فقيل إنه جسم رقيق هوائي متردد في مخارق الحيوان و هو مذهب أكثر المتكلمين و اختاره المرتضى قدس الله روحه و قيل هو جسم هوائي على بنية حيوانية في كل جزء منه حياة عن علي بن عيسى قال فلكل حيوان روح و بدن إلا أن منهم من الأغلب عليه الروح و منهم من الأغلب
عليه البدن و قيل إن الروح عرض ثم اختلف فيه فقيل هو الحياة التي يتهيأ بها المحل لوجود العلم و القدرة و الاختيار و هو مذهب الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رضي الله عنه و البلخي و جماعة من المعتزلة البغداديين و قيل هو معنى في القلب عن الأسواري و قيل إن الروح الإنسان و هو الحي المكلف عن ابن الإخشيد و النظام.
و قال بعض العلماء إن الله خلق الروح من ستة أشياء من جوهر النور و الطيب و البقاء و الحياة و العلم و العلو أ لا ترى أنه ما دام في الجسد كان الجسد نورانيا يبصر بالعينين و يسمع بالأذنين و يكون طيبا فإذا خرج من الجسد نتن البدن و يكون باقيا فإذا فارقه الروح بلي و فني و يكون حيا و بخروجه يصير ميتا و يكن عالما فإذا خرج منه الروح لم يعلم شيئا و يكون علويا لطيفا توجد به الحياة بدلالة قوله تعالى في صفة الشهداء بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ 10428 و أجسادهم قد بليت في التراب.
و قوله وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا قيل هو خطاب للنبي ص و غيره إذ لم يبين له الروح و معناه و ما أوتيتم من العلم المنصوص عليه إلا قليلا أي شيئا يسيرا لأن غير المنصوص عليه أكثر فإن معلومات الله تعالى لا نهاية لها و قيل خطاب لليهود الذين سألوه فقالت اليهود عند ذلك كيف و قد أعطانا الله التوراة فقال التوراة في علم الله قليل 10429 .
و قال الرازي للمفسرين في الروح المذكورة في هذه الآية أقوال و أظهرها أن المراد منه الروح الذي هو سبب الحياة ثم ذكر رواية سؤال اليهود و إبهام النبي ص قصة الروح و زيفها بوجوه ضعيفة ثم قال بل المختار عندنا أنهم سألوه عن الروح و أنه ص أجابهم عنه على أحسن الوجوه و تقريره أن المذكور في الآية أنهم سألوه عن الروح و السؤال عنه يقع على وجوه كثيرة أحدها أن يقال ماهية الروح أ هو
متحيز أو حال في المتحيز أو موجود غير متحيز و لا حال في المتحيز و ثانيها أن يقال الأرواح قديمة أو حادثة و ثالثها أن يقال الأرواح هل تبقى بعد موت الأجساد أو تفنى و رابعها أن يقال ما هي حقيقة سعادة الأرواح و شقاوتها.
و بالجملة فالمباحث المتعلقة بالروح كثيرة و قوله وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ليس فيه ما يدل على أنهم عن أي هذه المسائل سألوا إلا أن جوابه تعالى لا يليق إلا بمسألتين من المسائل التي ذكرناها إحداهما السؤال عن ماهية الروح و الثانية عن قدمها و حدوثها.