کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
فِي تِلْكَ 34245 الْحَالَةِ، فَرَجَعَ.
فَقَالَ: يَا عَلِيُّ! اذْهَبْ إِلَيْهِ فَاقْتُلْهُ، فَذَهَبَ عَلِيٌّ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] فَلَمْ يَرَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ] وَ سَلَّمَ: إِنَّ هَذَا وَ أَصْحَابَهُ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ 34246 يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ 34247 ، لَا يَعُودُونَ فِيهِ، فَاقْتُلُوهُمْ فَهُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ.
قال: و له شاهد من حديث جابر أخرجه أبو يعلى و رجاله ثقات.
وَ رَوَى ابْنُ أَبِي الْحَدِيدِ 34248 فِي الْجُزْءِ الثَّانِي فِي شَرْحِ خُطْبَتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي تَخْوِيفِ أَهْلِ النَّهَرِ. قَالَ: فِي بَعْضِ الصِّحَاحِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ، وَ قَدْ غَابَ الرَّجُلُ- يَعْنِي ذَا الْخُوَيْصِرَةِ 34249 - عَنْ عَيْنِهِ: قُمْ إِلَى هَذَا فَاقْتُلْهُ، فَقَامَ ثُمَّ عَادَ، وَ قَالَ: وَجَدْتُهُ يُصَلِّي، فَقَالَ لِعُمَرَ: مِثْلَ ذَلِكَ، فَعَادَ وَ قَالَ:
وَجَدْتُهُ يُصَلِّي، فَقَالَ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَعَادَ فَقَالَ: لَمْ أَجِدْهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: لَوْ قُتِلَ هَذَا لَكَانَ 34250 أَوَّلَ الْفِتْنَةِ وَ آخِرَهَا، أَمَا إِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ 34251 ..
الْحَدِيثَ.
و قال الجزري 34252 ، في حديث الخوارج: «يخرج من ضئضئ هذا قوم ...
يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّميّة»، الضّئضئ: الأصل يقال:
ضئضئ صدق و ضؤضؤ صدق، و حكى بعضهم: ضئضيء بوزن قنديل يريد أنّه يخرج من نسله و عقبه، و رواه بعضهم: بالصّاد المهملة و هو بمعناه 34253 .
يمرقون من الدّين .. أي يجوزونه و يخرقونه و يتعدّونه كما يمرق السّهم الشّيء المرميّ به و يخرج منه 34254 ، و ستأتي الأخبار في ذلك مشروحة في باب كفر الخوارج 34255 .
وَ قَالَ فِي الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ 34256 : ذَكَرَ الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَ أَبُو نَعِيمٍ فِي حِلْيَتِهِ، وَ ابْنُ عَبْدِ رَبِّهِ فِي عِقْدِهِ، وَ أَبُو حَاتِمٍ فِي زِينَتِهِ، وَ الشِّيرَازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ الْمُسْتَخْرَجِ مِنَ الِاثْنَيْ عَشَرَ تَفْسِيراً: أَنَّ الصَّحَابَةَ مَدَحُوا رَجُلًا بِكَثْرَةِ الْعِبَادَةِ فَدَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ] سَيْفَهُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَ أَمَرَهُ بِقَتْلِهِ، فَدَخَلَ فَرَآهُ يُصَلِّي فَرَجَعَ، فَدَفَعَهُ إِلَى عُمَرَ وَ أَمَرَهُ بِقَتْلِهِ، فَدَخَلَ فَرَجَعَ، فَدَفَعَهُ إِلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَدَخَلَ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ]: لَوْ قُتِلَ لَمْ يَقَعْ بَيْنَ أُمَّتِي اخْتِلَافٌ أَبَداً.
وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: لَكَانَ 34257 أَوَّلَ الْفِتْنَةِ وَ آخِرَهَا.
فما أقدم عليه أبو بكر من الرجوع من دون أن يقتله- لكونه يصلّي- لا ريب في أنّه مخالفة ظاهرة للرسول صلّى اللّه عليه و آله، فإنّ أمره بقتله 34258 كان بعد أن وصفه أبو بكر بالصلاة و الخشوع، فلم يكن صلاته شبهة توهم دفع القتل، بل هو تقبيح صريح لأمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بقتله، و تكذيب لما يتضمّنه ذلك من وجوب قتله، و أفحش منه رجوع عمر بن الخطاب معتذرا بعين ذلك الاعتذار الذي ظهر بطلانه ثانيا أيضا بأمره بالقتل بعد رجوع أبي بكر، و اعتذاره و لزمهما بتلك المخالفة الشركة في آثام من خرج من ضئضئ هذا الرجل من الخوارج إلى
يوم القيامة.
و من أمعن النظر فيما سبق من الأخبار و غيرها علم أنّ ردّ عمر على الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلوكه مسلك الجفاء، و خلعه جلباب الحياء لم يكن مخصوصا بما أقدم عليه في مرضه (ص)، و منعه عن الوصيّة لم يكن 34259 بدعا منه، بل كان ذلك عادة له، و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصفح عنه و عن غيره من المنافقين و غيرهم خوفا على الإسلام و إشفاقا من أن ينفضّوا عنه لو قابلهم بمقتضى خشونتهم، و كافاهم بسوء صنيعهم 34260 .
و قد تبيّن من تفاسيرهم و صحاحهم أنّ عمر 34261 كان داخلا فيمن أريد بقوله تعالى: وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ 34262 فيكون من الذين قال اللّه تعالى: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَ إِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ 34263 ، و قد علم- أيضا ممّا سبق- أنّ الصحابة- إلّا الأصفياء منهم- لم يقدروا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حقّ قدره، و لذلك مال طائفة إلى قول عمر و طائفة إلى قوله صلّى اللّه عليه و آله، و سوّوا بينه و بين عمر، و جعلوه كواحد من المجتهدين و القائلين برأيهم ما شاءوا فجوّزوا ردّ ما قضى به و الإنكار لقوله صلّى اللّه عليه و آله.
الثاني: التخلّف عن جيش أسامة.
و لا خلاف في أنّ عمر بن الخطاب كان من الجيش، و قد لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المتخلّف عنه.
و قد سبق في مطاعن أبي بكر ما فيه كفاية في هذا المعنى، و لا يجري هاهنا ما سبق من الأجوبة الباطلة في منع الدخول في الجيش، فتوجّه الطعن على عمر أظهر.
الثالث:
أنّه بلغ في الجهل إلى حيث لم يعلم بأنّ كلّ نفس ذائِقَةُ الْمَوْتِ* ، و أنّه يجوز الموت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و أنّه أسوة الأنبياء في ذلك، فَقَالَ: وَ اللَّهِ
مَا مَاتَ حَتَّى يَقْطَعَ أَيْدِي رِجَالٍ وَ أَرْجُلَهُمْ!، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: أَ مَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ 34264 ، وَ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ 34265 قَالَ: فَلَمَّا سَمِعْتُ ذَلِكَ أَيْقَنْتُ بِوَفَاتِهِ، وَ سَقَطْتُ إِلَى الْأَرْضِ، وَ عَلِمْتُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ 34266 .
أقول: و يؤيّد ذلك ما ذكره ابن الأثير في النهاية 34267 حيث قال: أسن الماء يأسن فهو آسن: إذا تغيّرت ريحه، و مِنْهُ حَدِيثُ الْعَبَّاسِ فِي مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ] وَ سَلَّمَ، قَالَ لِعُمَرَ: خَلِّ بَيْنَنَا وَ بَيْنَ صَاحِبِنَا، فَإِنَّهُ يَأْسَنُ كَمَا يَأْسَنُ النَّاسُ .. أَيْ يَتَغَيَّرُ 34268 ، وَ ذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ قَدْ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ] وَ سَلَّمَ لَمْ يَمُتْ وَ لَكِنَّهُ صَعِقَ كَمَا صَعِقَ مُوسَى وَ مَنَعَهُمْ عَنْ دَفْنِهِ.
و أجاب عنه قاضي القضاة 34269 بأنّه قَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: كَيْفَ 34270
يَمُوتُ وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى 34271 : لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ 34272 ، وَ قَالَ 34273 : وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً 34274 فلذلك نفى موته صلّى اللّه عليه و آله، لأنّه حمل الآية على أنّه 34275 خبّر عن ذلك في حال حياته حتى قال له أبو بكر: إنّ اللّه وعد بذلك و سيفعله، و تلا عليه 34276 فأيقن عند ذلك بموته، و إنّما ظنّ أنّ موته متأخّر 34277 عن ذلك الوقت، لا أنّه منع من موته.
ثم قال: فإن قيل: فلم قال لأبي بكر- عند سماع الآية-: كأنّي لم أسمعها، و وصف نفسه بأنّه أيقن بالوفاة.
قلنا: 34278 : لمّا كان الوجه في ظنّه ما أزال الشبهة أبو بكر 34279 فيه جاز أن يتيقّن.
ثم سأل 34280 نفسه عن سبب يقينه في ما لا يعلم إلّا بالمشاهدة، و أجاب بأنّ قرينة الحال عند سماع الخبر أفادته اليقين 34281 ، و لو لم يكن في ذلك إلّا خبر أبي بكر و ادّعاؤه لذلك و الناس مجتمعون لحصل 34282 اليقين.
و قوله: كأنّي لم أسمع بهذه الآية و لم أقرأها 34283 .. تنبيه على ذهابه عن
الاستدلال بها، لا أنّه على 34284 الحقيقة لم يقرأها و 34285 لم يسمعها، و لا يجب فيمن ذهب عن بعض 34286 أحكام الكتاب أن يكون 34287 لا يعرف القرآن، لأنّ ذلك لو دلّ لوجب 34288 أن لا يحفظ القرآن إلّا من يعرف جميع أحكامه 34289 .
و أجاب بنحو ذلك الرازي في نهاية العقول 34290 ، و بمثله أجاب صاحب المقاصد 34291 .
و أجاب السيد رضي اللّه عنه في الشافي 34292 عن جواب القاضي بأنّه: ليس يخلو خلاف عمر في وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من أن يكون على سبيل الإنكار لموته (ص) على كلّ حال، و الاعتقاد لأنّ 34293 الموت لا يجوز عليه 34294 أو يكون منكرا لموته في تلك الحال من حيث لم يظهر دينه على الدين كلّه .. و ما أشبه ذلك ممّا قال صاحب الكتاب أنّها كانت شبهة في تأخّر موته عن تلك الحال.