کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
و منه قوله وَ يُخْزِهِمْ وَ يَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَ يَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ 12409 و وزنه قول الشاعر
ألا حييت عنا يا ردينا
نحييها و إن كرمت علينا .
و منه قوله مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ 12410 وزنه
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن .
قالوا و منه موجود في كلام نبيكم معما روي أنه قال ما أبالي مما أتيت إن أنا سويت ترياقا أو علفت بهيمة و قال الشعر من قبل نفسي ثم قال يوم حنين
أنا النبي لا كذب
أنا ابن عبد المطلب
و قال يوم الخندق لما قال الأنصاري
نحن الذين بايعوا محمدا
على الجهاد ما بغينا أبدا .
و قال أيضا
غير الإله قط ما ندينا
و لو عبدنا غيره شقينا .
فقال ص
فحبذا دينا و حب دينا .
و قال لما دميت إصبعه
هل أنت إلا إصبع دميت
و في سبيل الله ما لقيت .
فصل
الجواب عما قالوه أولا فهو من أدل الأعلام على صدقه فيما أخبر به عن الغيوب و ذلك أنه
14 لما أرسل إلى كسرى و هو ممزق كتابه ع قال ص مزق الله مملكته كما مزق كتابي.
فوقع ذلك كما دعا و أخبر به و
لما كتب إلى قيصر لم يمزق كتابه قال ثبت الله مملكته.
و كان يغلب على الشام و كان النبي مخبرا بفتحها له فمعنى قوله و لا قيصر بعده يعني في كل أرض الشام.
و أما
14 قوله شهرا عيد لا ينقصان.
ففيه أجوبة أحدها أن خرج على سنة بعينها أشار إليها و كان كذلك و هذا كما قال يوم صومكم يوم نحركم لسنة بعينها و كما قال الجالس في وسط القوم ملعون أشار إلى واحد كان يستمع الأخبار من وسط الحلقة و الثاني أنهما لا ينقصان على الإجماع غالبا بل يكون أحدهما ناقصا و الآخر تاما و الثالث أن يكون معناه لا ينقص أجر من صامهما و إن كان في العدد نقصان لأن الشهر الهلالي ربما كمل و ربما نقص و على أي هذه
الوجوه حملته لم يكن في خبره خلف و لا كذب.
و أما خبر الزكاة فهو
كقوله في خبر آخر أمتعوا أموال اليتامى لا يأكلها الزكاة فلان من تصرف فيه بالتجارة.
استفاد من ثوابه أكثر مما تصدق به و كأنه لم ينقص من المال شيئا ثم إن المال الذي يزكى منه يكون له بركة.
فأما تأويل خبر يوسف بعد قيل إن الله أعطى يوسف نصف حسن آدم فلم يقع فيه التفاوت الشديد و قد كانوا فارقوه طفلا و رأوه كهلا و دفعوه أسيرا ذليلا و رواه ملكا عزيزا و بأقل هذه المدة و اختلاف هذه الأحوال تتغير فيها الخلق و تختلف المناظر فما فيه تناقض.
على أن الله ربما يرى لمصالح تعمية شيء على إنسان فيعرفه جملة و لا يعلمه تفصيلا و يحتمل أن يكون بمعنى قوله وَ هُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ أي مظهرون لإنكاره عارفون به.
و أما ما قالوا من قتل عيسى و صلبه قال نبينا ص حين أخبر أنه شبه عليهم و رأى القوم أنه قتل و صلب فقد جمعنا بين جزءين لأن إسقاط أحدهما لا يصح و استعمالهما ممكن و هو أن نقلهم عن مشاهدة صلب مصلوب يشبه عيسى صحيح لا خلف فيه و لكن لما كان الصادق أخبرنا أن الذي رأوه كان جسما ألقي عليه شبه عيسى فقلنا نجمع بين تواترهم و خبر نبينا قد قامت دلالة صحتها فنقول إن ما فعلوا عن مشاهدة الجسم الذي كان في صورة المسيح مصلوبا صحيح فأما أنهم ظنوا أنه المسيح و قد كان رجلا ألقي عليه شبه المسيح فلا لأجل خبر الصادق به على أن خبر النصارى يرجع إلى أربع نفر لا عصمة لهم.
و أما قوله إن في نسائكم أربع نبيات و أنه تناقض قوله وَ ما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فإن معنى النبي غير الرسول فيجوز أن يكون نبيات غير مرسلات و قيل المراد به سارة و أخت موسى و مريم و آسية بعثهن الله لولادة البتول فاطمة إلى خديجة ليلين أمرها.
و أما هامان فلا ينكر أن يكون من اسمه هامان قبل فرعون و في وقته
من يسمى بذلك.
و الجواب عما ذكره خبر أن النبي ص كان يعاف قول الشعر قد أمره الله تعالى بذلك لئلا يتوهم الكفار أن القرآن من قبله و ليخلص قلبه و لسانه للقرآن و يصون الوحي عن صنعة الشعر لأن المشركين كانوا يقولون في القرآن إنه شعر و هم يعلمون أنه ليس بشعر و لو كان معروفا بصنعة الشعر لنقموا عليه بذل و عابوه و قد سئل أبو عبيدة عن ذلك فقال هو كلام وافق وزنه وزن الشعر إلا أنه لم يقصد به الشعر و لا قاربه بأمثاله و القليل من الكلام مما يتزن بوزن الشعر و روي
أنا النبي لا كذبو هل أنت إلا إصبع دميت
فقد أخرج عن وزن الشعر.
فصل
و ربما قالوا إذا كان إخبار المنجمين و الكهنة قد تتفق مخبراتها كما أخبروا كذلك أخبار الأنبياء و الأوصياء فبما ذا يعرف الفرق بينهما.
الجواب أن أخبار الأنبياء و الأوصياء و أوصياؤهم إنما كانت متعلقة مخبراتها على التفصيل دون الجملة من غير أن يكون قد اطلع عليها بتكلف معالجة و استعانة عليه بآلة و أداة و لا حدس و لا تخمين فيتفق في جميع ذلك أن يكون مخبراتها على حسب ما تعلق به الخبر من غير أن يقع به خلف أو كذب في شيء منها فأما إخبار المنجمين فإنه يقع بحساب و بالنظر في كل طالع بحدس و تخمين ثم قد يتفق في بعضها الإصابة دون بعض كما يتفق إصابة أصحاب الفأل و الزوج و الفرد من غير أن يكون ذلك على أصل معتمد و أمر موثق به فإذا وقعت الأخبار منهم على هذا لم يوجب العلم و لم يكن معتمدا و لا علما معجزا و لا دالة على صدقهم و متى كان على هذا الوجه الذي أصاب في الكل كان علما معجزا و دلالة قاطعة لأن العادات لم تجر بأن يجري المخبر عن الغائبات فيتفق و يكون جميعها على ما أخبر به على التفصيل من غير أن تقع في شيء منها خلف أو كذب فمتى وقعت المخبرات كذلك كان دليل الصدق ناقضا للعادات فدلنا ذلك على أنه من عند الله خصه بعلمه ليجعله علما على نبوته و كذلك ما يظهر على يد وصي
النبي ص يكون شاهدا لصدقه فعلى هذا يكون إخبار النبي و الأئمة عن الغائبات إعلاما لصدقهم.
فصل
و معنى الغيب ما غاب عن الحس أو ما غاب علمه عن النفس و لا يمكن الوصول إليه إلا بخبر الصادق الذي يعلم الغيوب و ليس كل ما غاب عن الحس لا يمكن الوصول إلى علمه إلا بجبرئيل لأن منه ما يعلم بالاستدلال عليه بما شوهد و ما هو مبني على ما شوهد و النوع الذي كان الخبر عنه حجة مما لا دليل عليه من الشاهد و كذلك كان معجزا.
فإن قيل ما أنكرتم أن لا يدل خبره عن الغائبات على صدقه لأن قوله تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ حكم عليه بالخسران و لو آمن كان له أن يقول إنما أردت أن يكون ذلك حكمه إن لم يؤمن كقوله مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ فإن المراد منه إذا مات عليه و لم يقل إن أبا لهب يموت على كفره و كان ذلك وعيدا له كما لسائر الكفار.
الجواب أن قوله تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ يفارق لما ذكرتم لأنه خبر عن وقوع العذاب به لا محالة و ليس هذا من الوعيد الذي يفرق بالشريطة يدل عليه سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ من حيث قطع على دخوله النار لا محالة فلما مات على كفره كان ذلك دليلا على نبوته.
فإن قيل إخباره عن خسران أبي لهب كان على حسب ما رأى من خسران الشرك جرت به العادة في أمثاله قلنا كون خسرانه منه لا تدل على أن يغفل عنه إلى غيره.
ثم إن المنجم يخبر بما خبر حتى يقع واحد على ما قال صدقا و قد أخبر النبي ص نيفا و عشرين سنة و كان جميع ما أخبر به صدقا و أخبر عن ضمائر قوم و كان كما قال ص.
باب آخر في مقالهم
و الكلام عليها في مقالات من يقول بصحة النبوة منهم على الظاهر و من لا يقول و الكلام عليها و من الفلاسفة من يقال لمحاصلة أهل الاسم أن الطريق إلى المعرفة صدق المدعي للنبوة هو أن يعلم أن ما أتى به مطابق لما
يصلحون به في دنياهم و لأغراضهم التي بسببها يحتاجون إلى النبي ص و لم يشترطوا ظهور معجزة عليه و ذكر بعضهم أن ظهور المعجزة عليه لا يوصل إلى العلم اليقيني أنه صادق لأنه يظن في المعجز أنه سحر و أنه حيلة نحو انشقاق القمر فأما إذا علم مطابقة ما أتى به لمصالحهم الدنياوية فهو طريق العوام و المتكلمين.
و أما العلم بمطابقة شرعه للمصالح الدنياوية فهو طريقة المحققين و قد حكي عنهم أنهم قالوا إن صدق المدعي لصنعة من الصنائع إنما تظهر إذا أتى بتلك الصنعة التي ادعى العلم بها و مثله على الناقل بمن ادعى حفظ القرآن ثم قرأ و ادعى آخر حفظ القرآن فإذا قيل له ما دليلك على أنك تحفظ القرآن قال دليلي أني أقلب العصا حية و أشق القمر نصفين ثم فعلهما و من ادعى حفظ القرآن فإذا قيل له ما دليلك على حفظك له قرأ كله فإن علمنا بحفظ هذا القرآن يكون أقوى من علمنا بحفظ الثاني للقرآن لأنه يشتبه الحال في معجزاته فيظن أنه من باب السحر أو أنه طلسم و لا تدخل الشبهة في حفظ القاري للقرآن.
فصل
فيقال لهؤلاء و بما ذا علمتم مطابقة ما أتى به النبي ص من الشرائع للمصالح و نعرض الكلام في شريعة نبينا ع لأنكم و نحن نصدقه في النبوة و صحة شرعه بطريقة عقلية علمتم المطابقة أم بطريقة سمعية.
فإن قالوا بطريقة عقلية قيل لهم إن من جملة ما أتى به من الشرائع وجوب الصلوات الخمس و صوم شهر رمضان و وجوب أفعال الحج فما تلك الطريقة التي علمتم بها بمطابقتها للمصلحة أظفرتم بجهة وجوب لها في العقل و حكمتم لذلك بوجوبها أم ظفرتم بحكم في العقل يدل على وجوبها نحو أن تقول علمنا من جهة العقل أن من لم يصل هذه الصلوات بشروطها في أوقاتها فإنه يستحق الذم من العقلاء كما يستحق الذم من لم يرد الوديعة على صاحبها بعد ما طولب بردها و لا عذر له في الامتناع عن ذلك.
و القول به باطل لأنا لا نجد في عقول العقلاء العلم بجهة وجوب شهر رمضان دون العيدين و أيام التشريق على وجه لا يجوز و لا لصلاة الظهر على شروطها بعد الزوال جهة
يقتضي وجوبها في ذلك الوقت دون ما قبله و قد قالوا إن في أفعال الحج مثل أفعال المجانين و قالوا في وجوب غسل الجنابة إنه مشقة و شبهوه بمن نجس طرف من أطراف ثوبه فوجب غسل كله فإنه يعد سفها.
و قالوا في المحرمات الشرعية كشرب الخمر أو الزناء إنه ظلم إلى غير ذلك مما يقوله القائلون بالإباحة و غيرها كيف يمكن أن يدعى أن يمكن الوصول إلى معرفة وجوبها أو قبحها بطريقة عقلية فلا يمكن أن يعرف تلك المصالح بقول النبي إلا بعد العلم بصدقه من جهة المعجز فصح أنه لا طريق إلى العلم بذلك إلا من جهة المعجز.
فصل
و أما تشبيههم ذلك بمن ادعى حفظ القرآن أو صنعة من الصنائع الدنيوية إذا أتى بها على الوجه الذي حفظ غيره أو علم تلك الصناعة فليس بنظير مسألتنا لأن ذلك من جملة المعرفة بالمشاهدات لأن بالمشاهدة تعلم الصنعة بعد وقوعها على ترتيب و أحكام و مطابقته لما سبق من العلم بذلك الصنعة و الحفظ لذلك المقرو و ليس كذلك ما أتى به النبي لأنه لا طريق إلى المعرفة بكونه مصلحة في أوقاتها دون ما قبلها و ما بعدها و في مكان دون مكان و على شرائطها دون تلك الشرائط لا بمشاهدة و لا طريقة عقلية أ لا ترى أن المخالفين من القائلين بالمعقولات المنكرين للنبوات و الشرائع لما لم ينظروا في الطريقة التي سلكها المسلمون في تصديق الرسل من النظر في المعجزات دفعوا النبوة و القول بالشرائع لما لم يجدوا طريقة عقلية إلى معرفة شرائعهم و مطابقتها للمصالح الدنياوية.
فصل
و قولهم المعرفة بصدقهم من جهة المعجزات معرفة غير يقينية لأنه يجوز أن يكون فيها من باب السحر فيقال لهم جوزتم في المعجزات أن يكون من باب السحر و لا يحصل لكم العلم اليقيني بصدق النبي فجوزوا فيمن قرأ القرآن أنه ساحر و في كل صنعة من الصنائع أن صانعها ساحر لا يحكمها لكنه يرى السحرة أنه أحكمها و في ذلك سد الطريق عليكم إلى معرفة صدق
النبي و هذا لا يستقيم على أصولكم لأنكم تقولون بصحة السحر و أن الساحر بفضل علومه يتمكن من إحداث ما لا يقدر عليه بشر مثله و قلتم إن هذا السحر هو علم قد كان ثم انقطع بإحراق المسلمين كتب الأكاسرة التي صنفها الفلاسفة في علم السحر فمن يقول منكم بصحة النبوة هو أولى بأن يقول إن الساحر نبي من الأنبياء.
على أن قوله من بلغ في علومه إلى أن يتمكن مما لا يتمكن عنه بشر مثله فإنه يتمكن بفضل علومه أن يضع شرائع و سننا مطابقة لمصالح الناس يصلح بها دنياهم إذا قبلوا منهم فعلى هذا إذا أتى النبي بمعجز وجب القول بصدقه و حصول اليقين بنبوته.
فصل
قالوا علمنا بهذه الشرعيات و استعلمنا هذه العبادات فوجدناها راجعة إلى رياضة النفس و التنزه عن رذائل الأخلاق و داعية إلى محاسنها.
و إلى هذا أشار بعضهم فقال إذا فهمت معنى النبوة فأكثر النظر في القرآن و الأخبار يحصل لك العلم الضروري بكون محمد على أعلى درجات النبوة و اعضد ذلك بتجربة ما قاله في العبادات و تأثيرها في تصفية القلوب و كيف صدق فيما قال من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم و
في قوله من أعان ظالما سلطه الله عليه.
و
في قوله من أصبح و همه هم واحد 12411 كفاه الله هموم الدنيا و الآخرة.
قالوا إذا جربت هذا في ألف و آلاف حصل لك علم ضروري لا يتمارى فيه فمن هذا الطريق يطلب اليقين بالنبوة لا من قلب العصا حية و شق القمر هذا هو الإيمان القوي العلمي و الذي كالمشاهدة و الأخذ تأكيد و لا يوجد إلا في طريق التصوف.
فصل