کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
و أقول الأخبار في ذلك كثيرة قد أوردناها في أبواب فضائل النبي ص و الأئمة ع فيرجع إليها.
تذييل
قال السيد الأجل المرتضى في كتاب الغرر بعد أن سئل عن تفسير قوله تعالى خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ قد ذكر في هذه الآية وجوه من التأويل نحن نذكرها و نرجح الأرجح منها فأولها أن يكون معنى القول المبالغة في وصف الإنسان بكثرة العجلة و أنه شديد الاستعجال لما يؤثره من الأمور لهج باستدناء ما يجلب إليه نفعا أو يدفع عنه ضررا و لهم عادة في استعمال مثل هذا اللفظ عند المبالغة كقولهم لمن يصفونه بكثرة النوم ما خلقت إلا من نوم و ما خلق فلان إلا من شر إذا أرادوا كثرة وقوع الشر منه و ربما قالوا إنما أنت أكل و شرب و ما أشبه ذلك قالت الخنساء تصف بقرة
ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت
و إنما هي إقبال و إدبار .
و إنما أرادت ما ذكرناه من كثرة وقوع الإقبال و الإدبار منها و يشهد لهذا التأويل قوله عز و جل في موضع آخر وَ كانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا و يطابقه أيضا قوله تعالى فَلا تَسْتَعْجِلُونِ لأن وصفهم بكثرة العجلة و أن من شأنهم فعلها توبيخا لهم و تقريعا ثم نهاهم عن الاستعجال باستدعاء الآيات من حيث كانوا متمكنين من مفارقة طريقتهم في الاستعجال و قادرين على التثبت و التأيد.
و ثانيها ما أجاب به أبو عبيدة و قطرب بن المستنير و غيرهما من أن في الكلام قلبا و المعنى خلق العجل من الإنسان و استشهدوا على ذلك بقوله سبحانه وَ قَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ أي قد بلغت الكبر و بقوله تعالى ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ و المعنى أن العصبة تنوء بها و تقول العرب عرضت الناقة على الحوض و إنما هو عرضت الحوض على الناقة ثم ذكر ره شواهد و أبياتا كثيرة في ذلك ثم قال و يبقى على صاحب هذا الجواب مع التغاضي له عن حمل كلامه تعالى على القلب أن
يقال و ما المعنى و الفائدة في قوله عز و جل خلق العجل من الإنسان أ تريدون بذلك أن الله تعالى خلق العجلة في الإنسان و هذا لا يجوز لأن العجلة فعل من أفعال الإنسان فكيف تكون مخلوقة فيه لغيره و لو كان كذلك لما جاز أن ينهاهم عن الاستعجال في الآية فيقول سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ لأنه لا ينهاهم عما خلقه فيهم فإن قالوا لم يرد أنه تعالى خلقها لكنه أراد كثرة فعل الإنسان لها و أنه لا يزال يستعملها قيل لهم هذا هو الجواب الذي قدمناه من غير حاجة إلى القلب و التقديم و التأخير و إذا كان هذا المعنى يتم و ينتظم على ما ذكرناه من غير قلب فلا حاجة بنا إليه و قد ذكر أبو القاسم البلخي هذا الجواب في تفسيره و اختاره و قواه و سأل نفسه عنه و قال كيف جاز أن يقول فَلا تَسْتَعْجِلُونِ و هو خلق العجلة فيهم و أجاب بأنه قد أعطاهم قدرة على مغالبة طبائعهم و كفها و قد يكون الإنسان مطبوعا عليها و هو مع ذلك مأمور بالتثبت قادر على أن يجانب العجلة و ذلك كخلقه في البشر شهوة النكاح و أمرهم في كثير من الأوقات بالامتناع منه و هذا الذي ذكره البلخي تصريح بأن المراد بالعجل غيره و هو الطبع الداعي إليه و الشهوة المتناولة له و يجب أيضا أن يكون المراد بمن هاهنا في لأن شهوة العجل لا تكون مخلوقة من الإنسان و إنما تكون فيه و هذا تجوز على تجوز و توسع على توسع لأن القلب أولا مجاز ثم هو من بعيد المجاز و ذكر العجل و المراد به غيره مجاز آخر و إقامة من مقام في كذلك على أنه تعالى إذا نهاهم عن العجلة بقوله عز و جل فَلا تَسْتَعْجِلُونِ أي معنى لتقديم قوله إني خلقت شهوة العجلة فيهم و الطبع الداعي إليها على ما عبر به البلخي و هذا إلى أن يكون عذرا لهم أقرب منه إلى أن يكون حجة عليهم و أيسر الأحوال أن لا يكون عذرا و لا احتجاجا فلا يكون لتقديمه معنى و في الجواب الأول حسن تقديم ذلك على طريق الذم و التوبيخ و التقريع من غير إضافة له إليه عز و جل فالجواب الأول أوضح و أصح.
و ثالثها جواب روي عن الحسن قال يعني بقوله مِنْ عَجَلٍ أي من ضعف و هي النطفة المنتنة المهينة الضعيفة و هذا قريب إن كان في اللغة شاهد على أن العجل
يكون عبارة عن الضعف أو عن معناه. و رابعها ما حكي أن أبا الحسن الأخفش أجاب به و هو أن يكون المراد أن الإنسان خلق من تعجيل الأمر لأنه تعالى قال إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 10076 فإن قيل كيف يطابق هذا الجواب قوله من بعد فَلا تَسْتَعْجِلُونِ قلنا يمكن أن يكون وجه المطابقة أنه لما استعجلوا بالآيات و استبطئوها أعلمهم تعالى أنه ممن لا يعجزه شيء إذا أراده و لا يمتنع عليه و أن من خلق الإنسان بلا كلفة و لا مئونة بأن قال له كن فكان مع ما فيه من بدائع الصنعة و عجائب الحكمة التي يعجز عنها كل قادر و يحار فيها كل ناظر لا يعجزه إظهار ما استعجلوه من الآيات.
و خامسها ما أجاب به بعضهم من أن العجل الطين فكأنه تعالى قال خلق الإنسان من طين كما قال في موضع آخر بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ 10077 و استشهد بقول الشاعر.
و النبع يخرج بين الصخر ضاحية
و النخل ينبت بين الماء و العجل .
و وجدنا قوما يطعنون في هذا الجواب و يقولون ليس بمعروف أن العجل هو الطين و قد حكى صاحب كتاب العين عن بعضهم أن العجل الحمأة و لم يستشهد عليه إلا أن البيت الذي أنشدناه يمكن أن يكون شاهدا له و قد رواه تغلب عن ابن الأعرابي و خالف في شيء من ألفاظه و إذا صح هذا الجواب فوجه المطابقة بين ذلك و بين قوله تعالى فَلا تَسْتَعْجِلُونِ على نحو ما ذكرناه و هو أن من خلق الإنسان مع الحكمة الظاهرة فيه من الطين لا يعجزه إظهار ما استعجلوه من الآيات أو يكون المعنى أنه لا يجب بمن خلق من الطين المهين و كان أصله هذا الأصل الحقير الضعيف أن يهزأ برسل الله تعالى و آياته و شرائعه لأنه تعالى قال قبل هذه الآية وَ إِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَ هذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ 10078
و سادسها أن يكون المراد بالإنسان آدم ع و معنى مِنْ عَجَلٍ أي في سرعة من خلقه لأنه تعالى لم يخلقه مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ كما خلق غيره و إنما ابتدأه الله ابتداء و أنشأه إنشاء فكأنه تعالى نبه بذلك على الآية العجيبة في خلقه له و أنه عز و جل يري عباده من آياته و بيناته أولا ما تقتضيه مصالحهم و تستدعيه أحوالهم.
و سابعها ما روي عن مجاهد و غيره أن الله تعالى خلق آدم بعد خلق كل شيء آخر نهار يوم الجمعة على سرعة معاجلا به غروب الشمس و روي أن آدم ع لما نفخت فيه الروح و بلغت أعالي جسده و لم تبلغ أسافله قال رب استعجل بخلقي قبل غروب الشمس.
و ثامنها ما
روي عن ابن عباس و السدي أن آدم ع لما خلق و جعلت الروح في أكثر جسده وثب عجلان مبادرا إلى ثمار الجنة.
و قال قوم بل هم بالوثوب فهذا معنى قوله خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ و هذه الأجوبة الثلاثة المتأخرة مبنية على أن المراد بالإنسان فيها آدم ع دون غيره.
باب 40 آخر
نورد ما ذكره محمد بن بحر الشيباني المعروف بالدهني 10079 في كتابه من قول مفضلي الأنبياء و الرسل و الأئمة و الحجج على الملائكة صلوات الله عليهم أجمعين على ما
أورده الصدوق ره في كتاب علل الشرائع ناقلا عنه حيث قال قال مفضلو الأنبياء و الرسل و الحجج على الملائكة أنا نظرنا إلى جميع ما خلق الله عز و جل من شيء علا علوا طبعا و اختيارا أو علي به قسرا و اضطرارا و ما سفل شيء طبعا و اختيارا أو ما سفل به قصرا و اضطرارا فإذا هي ثلاثة أشياء بإجماع حيوان نام و جماد و أفلاك سائرة و بالطبع الذي طبعها عليه صانعها دائرة و في ما دونها عن إرادة خالقها مؤثرة و أنهم نظروا في الأنواع الثلاثة و في الأشياء التي هي أجناس منقسمة إلى جنس الأجناس الذي هو شيء إذ يعطي كل شيء اسمه.
قالوا و نظرنا أي الثلاثة هو نوع لما فوقه و جنس لما تحته أنفع و أرفع و أيها أدون و أوضع فوجدنا أرفع الثلاثة الحيوان و ذلك بحق الحياة التي بان بها النامي و الجماد و إنما رفعة الحيوان عندنا في حكمة الصانع و ترتيبها إن الله تقدست أسماؤه جعل النامي له أغذاء و جعل له عند كل داء دواء و في ما قدر له صحة و شفاء فسبحانه ما أحسن ما دبره في ترتيب حكمته إذ الحيوان الرفيع مما دونه يغذو و منه لوقاية الحر و البرد يكسو و عليه أيام حياته ينشو و جعل الجماد له مركزا و مكديا فامتهنه له امتهانا و جعل له مسرحا و أكنانا و مجامع و بلدانا و مصانع و أوطانا و جعل له حزنا محتاجا و سهلا محتاجا إليه و علوا ينتفع بعلوه و سفلا ينتفع به و بمكاسبه برا و بحرا فالحيوان مستمتع فيستمتع بما جعل له فيه من وجوه المنفعة و الزيادة و الزبول عند الزبول 10080 و تتخذ المركز عند التجسيم و التأليف من الجسم المؤلف تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ قالوا ثم إنا نظرنا فإذا الله عز و جل قد جعل المتخذ بالروح و النمو و الجسم أعلى و أرفع مما يتخذ بالنمو و الجسم و التأليف و التصريف ثم جعل الحي الذي هو بالحياة التي هي غيره نوعين ناطقا و أعجم ثم أبان الناطق من الأعجم بالنطق و البيان اللذين جعلهما له فجعله أعلى منه بفضيلة النطق و البيان ثم جعل
الناطق نوعين حجة و محجوجا فجعل الحجة أعلى من المحجوج لإبانة الله الحجة و اختصاصه إياه بعلم علوي يخصه له دون المحجوجين فجعله معلما من جهة باختصاصه إياه و علما بأمره إياه أن يعلم بأن الله عز و جل معلم الحجة دون أن يكله إلى أحد من خلقه فهو متعال به و بعضهم يتعالى على بعض بعلم يصل إلى المحجوجين من جهة الحجة.
قالوا ثم رأينا أصل الشيء الذي هو آدم فوجدناه قد جعله علما على كل روحاني خلقه قبله و جسماني ذرأه و برأه منه فعلمه علما خصه به لم يعلمهم قبل و لا بعد و فهمه فهما لم يفهمهم قبل و لا بعد ثم جعل ذلك العلم الذي علمه ميراثا فيه لإقامة الحجج من نسله على نسله ثم جعل آدم لرفعة قدره و علو أمره للملائكة الروحانيين قبله و أقامه لهم محنة فابتلاهم بالسجود إليه فجعل لا محالة من أسجد له أعلى و أفضل ممن أسجدهم و لأن من جعل بلوى و حجة أفضل ممن حجهم به و لأن إسجاده جل و عز إياهم للخضوع ألزمهم الاتضاع منهم له و المأمورين بالاتضاع بالخضوع و الخشوع و الاستكانة دون من أمرهم بالخضوع له أ لا ترى إلى من أبى الائتمار لذلك الخضوع و لتلك الاستكانة فأبى و استكبر و لم يخضع لمن أمره له بالخضوع كيف لعن و طرد عن الولاية و أدخل في العداوة فلا يرجى له من كبوته الإقالة آخر الأبد فرأينا السبب الذي أوجب الله عز و جل لآدم عليهم فضلا فإذا هو العلم خصه الله عز و جل دونهم فعلمه الأسماء و بين له الأشياء فعلا بعلمه من لا يعلم ثم أمره جل و عز أن يسألهم سؤال تنبيه لا سؤال تكليف عما علمه بتعليم الله عز و جل إياه مما لم يكن علمهم ليريهم جل و عز علو منزلة العلم و رفعة قدره كيف خص العلم محلا و موضعا اختاره له و أبان ذلك المحل عنهم بالرفعة و الفضل.
ثم علمنا أن سؤال آدم إياهم عما سألهم عنه مما ليس في وسعهم و طوقهم الجواب عنه سؤال تنبيه لا سؤال تكليف لأنه جل و عز لا يكلف ما ليس في وسع المكلف القيام به فلما لم يطيقوا الجواب عما سألوا علمنا أن السؤال كان كالتقرير منه لهم يقرن 10081
به اتضاعهم بالجهالة عما علمه إياه و علو خطره و قدره و اختصاصه 10082 إياه بعلم لم يخصهم به فالتزموا الجواب بأن قالوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا 10083 ثم جعل الله عز و جل آدم ع معلم الملائكة بقوله أَنْبِئْهُمْ لأن الإنباء من النبأ تعليم و الأمر بالإنباء من الأمر تكليف يقتضي طاعة و عصيانا و الإصغاء من الملائكة للتعليم و التوقيف و التفهيم و التعريف تكليف يقتضي طاعة و عصيانا فمن ذهب منكم إلى فضل المتعلم على المعلم و الموقف على الموقف و المعرف على المعرف كان في تفضيله تعكيس لحكمة الله عز و جل و قلب لترتيبها التي رتبها الله عز و جل فإنه على قياد مذهبه أن تكون الأرض التي هي المركز أعلى من النامي الذي هو عليها الذي فضله الله عز و جل بالنمو و النامي أفضل و أعلى من الحيوان الذي فضله الله جل جلاله بالحياة و النمو و الروح و الحيوان الأعجم الخارج عن التكليف و الأمر و الزجر أعلى و أفضل من الحيوان الناطق المكلف للأمر و الزجر و الحيوان الذي هو المحجوج أعلى من الحجة التي هي حجة الله عز و جل فيها و المتعلم أعلى من المعلم و قد جعل الله عز و جل آدم حجة على كل من خلق من روحاني و جسماني إلا من جعل له أولية الحجة
فَقَدْ رُوِيَ لَنَا أَنَّ حَبِيبَ بْنَ مُظَاهِرٍ الْأَسَدِيَّ بَيَّضَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّهُ قَالَ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع أَيَّ شَيْءٍ كُنْتُمْ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ آدَمَ ع قَالَ كُنَّا أَشْبَاحَ نُورٍ نَدُورُ حَوْلَ عَرْشِ الرَّحْمَنِ فَنُعَلِّمُ لِلْمَلَائِكَةِ التَّسْبِيحَ وَ التَّهْلِيلَ وَ التَّحْمِيدَ.
و لهذا تأويل دقيق ليس هذا مكان شرحه و قد بيناه في غيره.