کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
حال زياد كحال الثلاثة في أنّه إنّما حضر للشهادة، و إنّما عدل عنها لكلام عمر.
و قولهم: إنّ الشرع يبيحه السكوت. ليس بصحيح، لأنّ الشرع قد حظر كتمان الشهادة.
و قولهم: لم يفسق زياد لأنّ أمير المؤمنين عليه السلام ولّاه فارس .. فليس بشيء يعتمد، لأنّه لا يمتنع أن يكون تاب بعد ذلك و أظهر توبته له عليه السلام، فجاز أن يولّيه.
و كان بعض أصحابنا يقول في قصّة المغيرة شيئا طيّبا- و هو معتمد في باب الحجّة- و هو 34770 أنّ زيادا إنّما امتنع من التصريح بالشهادة المطلوبة في الزنا، و قد شهد بأنّه شاهده بين شعبها الأربع و سمع نفسا عاليا، فقد صحّ على المغيرة بشهادة الأربعة جلوسه منها جلوس مجلس 34771 الفاحشة .. إلى غير ذلك من مقدمات الزنا و أسبابه، فألّا ضمّ إلى جلد الثلاثة تعزير هذا الذي صحّ عنده بشهادة الأربعة ما 34772 صحّ من الفاحشة مثل 34773 تعريك 34774 أذنه أو ما جرى مجراه من خفيف التعزير و يسيره؟!، و هل في العدول عن ذلك حين عدل 34775 عن لومه و توبيخه و الاستخفاف به إلّا ما ذكروه من السبب الذي يشهد الحال به، انتهى كلامه رفع اللّه مقامه.
و أقول: اعترض ابن أبي الحديد 34776 و غيره 34777 على هذا الكلام بوجوه سخيفة لا طائل في التعرّض لها لوهنها.
و قال ابن أبي الحديد 34778 - في تضاعيف كلامه-: ورد في الخبر أنّ عمر قال للمغيرة: ما أظنّ أبا بكرة كذب عليك .. و قال: تقديره أظنّه لم يكذب عليك، انتهى.
و لا يخفى أنّ هذا إسناد معصيته 34779 إلى عمر، إذ لو لم يكن ذلك قذفا صريحا يوجب الحدّ فلا أقلّ يكون تعريضا يوجب التعزير، بل كذلك قوله: ما رأيتك إلّا خفت أن يرميني اللّه بحجارة من السماء 34780 ؟! و هل يقال مثل ذلك لمن ندب اللّه إلى درء الحدّ عنه و سمّى في كتابه من رماه بالفجور كاذبا؟!، و لو أراد عمر أن يعظ المغيرة أمكنه أن يذكّره عذاب اللّه و يأمره 34781 بالاجتناب عن ارتكاب مساخطه على وجه لا يوجب قذفا، و لا يتضمّن تعريضا.
ثم إنّ ما ذكروه أنّ سبب حبّه للمغيرة أنّه كان واليا من قبله فلا وجه له، بل لا يخفى على من تتبّع أحوالهما أنّه لم يكن الباعث على الحبّ و على جعله واليا إلّا الاتّفاق في النفاق و الاشتراك في بغض أمير المؤمنين عليه السلام 34782 .
كما روي أنّه كان من أصحاب الصحيفة الملعونة 34783 التي كتبوها لإخراج الخلافة عن أهل البيت عليهم السلام، و لو لم يكن يحبّه حبّا شديدا فلم كان يتغيّر عند شهادة كلّ شاهد على الوجه المتقدّم؟!، مع أنّ المغيرة لم يكن ذا سابقة في الإسلام، و من أهل الورع و الاجتهاد حتى يتوهّم أنّه كان مثل ذلك سببا لحبّه، و بغض المغيرة لأمير المؤمنين عليه السلام كان أظهر من الشمس، و قد اعترف ابن أبي الحديد 34784 بذلك حيث قال: قال أصحابنا البغداديّون: من كان إسلامه على هذا الوجه- أي على الخوف و المصلحة- و كانت خاتمته ما تواتر الخبر به من لعن عليّ عليه السلام على المنابر إلى أن مات على هذا الفعل، و كان المتوسط من عمره الزّنا 34785 ، و إعطاء البطن و الفرج سؤالهما، و ممالاة الفاسقين، و صرف الوقت إلى غير طاعة اللّه، كيف نتولّاه؟! و أيّ عذر لنا في الإمساك عنه؟ و أن لا نكشف للناس فسقه ...
و ذكر 34786 أخبارا كثيرة في أنّه- لعنه اللّه- كان يلعن عليّا عليه السلام على المنبر و يأمر بذلك، و كذا اشتهاره بالزنا في الجاهليّة و الإسلام ممّا اعترف به ابن أبي الحديد 34787 ، فكفى طعنا لعمر حبّه لمثل هذا الرجل مثل هذا الحبّ، و هل يظنّ أحد بعمر أنّه لم يكن يعلم بغضه لأمير المؤمنين عليه السلام، و قد كان
سمع النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَقُولُ: لَا يُحِبُّ عَلِيّاً إِلَّا مُؤْمِنٌ وَ لَا يُبْغِضُهُ إِلَّا كَافِرٌ 34788 مُنَافِقٌ 34789 .
السادس: أنّه منع من المغالاة في صدقات النساء
، وَ قَالَ: مَنْ غَالَى فِي مَهْرِ ابْنَتِهِ أَجْعَلْهُ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ 34790 ، لِشُبْهَةِ
أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ زَوَّجَ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ.
، فَقَامَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ وَ نَبَّهَتْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
... وَ آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً 34791 عَلَى جَوَازِ الْمُغَالاةِ، فَقَالَ: كُلُّ النَّاسِ أَفْقَهُ مِنْ عُمَرَ حَتَّى الْمُخَدَّرَاتُ فِي الْبُيُوتِ 34792 .
و أجيب بأنّه لم ينه نهي تحريم بل نهي تنزيه، و قوله: كلّ الناس أفقه من عمر .. على طريق التواضع و كسر النفس 34793 .
و أجاب السيد المرتضى 34794 رضي اللّه عنه بأنّ 34795 : المرويّ أنّه منع من ذلك و حظره حتّى قالت له المرأة ما قالت، و لو كان غير حاظر للمغالاة لما 34796 كان في الآية حجّة عليه، و لا كان لكلام المرأة موقع، و لا كان يعترف لها بأنّها أفقه منه،
بل كان الواجب عليه 34797 أن يردّ عليها و يوبّخها و يعرّفها أنّه ما حظر ذلك و إنّما تكون الآية حجّة عليه لو 34798 كان حاظرا مانعا.
و أمّا التواضع فلا يقتضي إظهار القبيح و تصويب الخطإ، إذ 34799 لو كان الأمر على ما توهّمه المجيب 34800 لكان 34801 هو المصيب و المرأة مخطئة، و كيف يتواضع بكلام يوهم أنّه المخطئ و هي المصيبة؟ انتهى.
أقول: و ممّا يدلّ على بطلان كون هذا 34802 الأمر للاستحباب مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الْحَدِيدِ 34803 فِي شَرْحِ نَهْجِ الْبَلَاغَةِ أَنَّهُ خَطَبَ فَقَالَ: لَا يَبْلُغُنِي أَنَّ امْرَأَةً تَجَاوَزَ صَدَاقُهَا صَدَاقَ زَوْجَاتِ رَسُولِ اللَّهِ 34804 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ] إِلَّا ارْتَجَعْتُ ذَلِكَ مِنْهَا، فَقَامَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: وَ اللَّهِ مَا جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ لَكَ 34805 ، إِنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: وَ آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً . 34806 .، فَقَالَ عُمَرُ: لَا تَعْجَبُونَ 34807 مِنْ إِمَامٍ أَخْطَأَ وَ امْرَأَةٍ أَصَابَتْ، نَاضَلَتْ إِمَامَكُمْ فَنَضَلَتْهُ! 34808 .