کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
الرحمن، و كلّ ذلك ممّا لا يستحقّ به القتل 397 و ما تمسّكوا به من أنّ أمير المؤمنين عليه السلام دخل في الشورى طائعا و بايع غير مكره، فتدلّ رواياتهم على خلاف ذلك، فقد
رَوَى الطَّبَرِيُ 398 فِي تِلْكَ الْقِصَّةِ : أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ قَالَ: يَا عَلِيُّ! لَا تَجْعَلَنَّ عَلَى نَفْسِكَ سَبِيلًا، فَإِنِّي نَظَرْتُ فَشَاوَرْتُ النَّاسَ فَإِذَا هُمْ لَا يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ، فَخَرَجَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ هُوَ يَقُولُ:
سَيَبْلُغُ الْكِتَابُ أَجَلَهُ.
وَ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِ 399 : إِنَّ النَّاسَ لَمَّا بَايَعُوا عُثْمَانَ تَلَكَّأَ 400 عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ عُثْمَانُ 401 : (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) 402 ، فَرَجَعَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى بَايَعَهُ وَ هُوَ يَقُولُ: خُدْعَةٌ وَ أَيُ 403 خُدْعَةٍ.
وَ رَوَى السَّيِّدُ 404 رَحِمَهُ اللَّهُ، عَنِ الْبَلاذُرِيِ 405 ، عَنِ ابْنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مِخْنَفٍ فِي إِسْنَادٍ لَهُ: إِنَّ عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا بَايَعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ 406 عُثْمَانَ كَانَ
قَائِماً فَقَعَدَ، فَقَالَ لَهُ 407 عَبْدُ الرَّحْمَنِ: بَايِعْ وَ إِلَّا ضَرَبْتُ 408 عُنُقَكَ، وَ لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ مَعَ أَحَدٍ 409 سَيْفٌ غَيْرَهُ، فَخَرَجَ عَلِيٌ 410 عَلَيْهِ السَّلَامُ مُغْضَباً، فَلَحِقَهُ أَصْحَابُ الشُّورَى، فَقَال ُوا: بَايِعْ وَ إِلَّا جَاهَدْنَا 411 ، فَأَقْبَلَ مَعَهُمْ يَمْشِي حَتَّى بَايَعَ عُثْمَانَ.
فأيّ رضا هاهنا؟! و أيّ إجماع؟! و كيف يكون مختارا من يهدّد بالقتل و الجهاد؟!.
و قد تكلّم في هذا اليوم المقداد و عمّار رضي اللّه عنهما و جماعة في ذلك عرضوا نصرتهم على أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: وَ اللَّهِ مَا أَجِدُ أَعْوَاناً عَلَيْهِمْ وَ لَا أُحِبُّ أَنْ أُعَرِّضَكُمْ لِمَا لَا تُطِيقُونَ 412 .
و أمّا دخوله عليه السلام في الشورى فسيأتي ما روي من العلل في ذلك، و أيّ علّة أظهر من أنّهم رووا أنّ عمر أوصى أبا طلحة في خمسين رجلا حاملي سيوفهم على عواتقهم في إحضار القوم و قتلهم لو لم يعيّنوا خليفة في الأيّام المعيّنة.
و قال السيّد 413 رضي اللّه عنه بعد إيراد بعض الروايات من طرقهم ممّا يدلّ على عدم رضاه عليه السلام بالشورى و بما 414 ترتّب عليه-: و هذه الجملة التي أوردناها قليل من كثير في أنّ الخلاف كان واقعا، و الرضا كان مرتفعا، و الأمر إنّما تمّ بالحيلة و المكر و الخداع، و أوّل شيء مكر به عبد الرحمن أنّه ابتدأ فأخرج نفسه
عن الأمر 415 ليتمكّن من صرفه إلى من يريد، و ليقال إنّه لو لا إيثاره 416 الحقّ و زهده في الولاية لما أخرج نفسه منها 417 ، ثم عرض على أمير المؤمنين عليه السلام ما يعلم أنّه لا يجيب إليه 418 و لا يلزمه 419 الإجابة إليه من السيرة فيهم بسيرة الرجلين، و علم أنّه عليه السلام لا يتمكّن من أن يقول إنّ سيرتهما لا يلزمني 420 ، لئلّا ينسب إلى الطعن عليهما، و كيف يلتزم بسيرتهما 421 و كلّ واحد منهما لم يسر بسيرة الآخر، بل اختلفا و تباينا في كثير من الأحكام، هذا بعد أن قال لأهل الشورى: و ثقوا لي 422 من أنفسكم بأنّكم ترضون باختياري إذا أخرجت 423 نفسي، فأجابوه على
مَا رَوَاهُ أَبُو مِخْنَفٍ بِإِسْنَادِهِ إِلَى مَا عَرَضَ عَلَيْهِمْ، إِلَّا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِنَّهُ قَالَ:
انْظُرْ .. لِعِلْمِهِ بِمَا يَجُرُّ هَذَا الْمَكْرُ، حَتَّى أَتَاهُمْ أَبُو طَلْحَةَ فَأَخْبَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِمَا عَرَضَ وَ بِإِجَابَةِ الْقَوْمِ إِيَّاهُ إِلَّا عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَأَقْبَلَ أَبُو طَلْحَةَ عَلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَسَنِ! إِنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ ثِقَةٌ لَكَ وَ لِلْمُسْلِمِينَ، فَمَا بَالُكَ تُخَالِفُهُ وَ قَدْ عَدَلَ بِالْأَمْرِ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَنْ يَتَحَمَّلَ الْمَأْثَمَ لِغَيْرِهِ؟! فَأَحْلَفَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ 424 أَنْ لَا يَمِيلَ إِلَى هَوًى، وَ أَنْ يُؤْثِرَ الْحَقَّ وَ يَجْتَهِدَ لِلْأُمَّةِ وَ لَا يُحَابِيَ 425 ذَا
قَرَابَةٍ، فَحَلَفَ لَهُ.
و هذا غاية ما يتمكّن 426 منه أمير المؤمنين عليه السلام في الحال، لأنّ عبد الرحمن لّما أخرج نفسه من الأمر فظنّت 427 به الجماعة الخير، و فوّضت إليه الاختيار، لم يقدر 428 أمير المؤمنين عليه السلام على أن يخالفهم و ينقض ما اجتمعوا عليه، فكان أكثر ما تمكّن منه أن أحلفه و صرّح بما يخاف من جهته من الميل إلى الهوى و إيثار القرابة غير أنّ ذلك كلّه لم يغن شيئا.
و منها: إنّه نسب أمير المؤمني ن عليه السلام إلى الفكاهة و البطالة،
و ذمّه عموما في ضمن ذمّ جميع الستة، و كان يهتمّ و يبذل جهده في منع أمير المؤمنين عليه السلام عن الخلافة حسدا و بغيا، و يكفي هذا في القدح، و استبعاد ابن أبي الحديد 429 هذا و ادّعاؤه الظنّ بأنّها زيدت في كلامه غريب لاشتمال جلّ رواياتهم عليه، و ليس هذا ببدع منه.
فَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي الْحَدِيدِ 430 عَنْهُ ، أَنَّهُ قَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ! لَقَدْ أَجْهَدَ هَذَا الرَّجُلُ 431 نَفْسَهُ فِي الْعِبَادَةِ حَتَّى نَحَلْتَهُ رِيَاءً!. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قُلْتُ: مَنْ هُوَ؟.
قَالَ: الْأَجْلَحُ يَعْنِي عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلَامُ. قُلْتُ: وَ مَا يَقْصِدُ بِالرِّيَاءِ؟. قَالَ: يُرَشِّحُ نَفْسَهُ بَيْنَ النَّاسِ لِلْخِلَافَةِ.
وَ رُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي كِتَابِ الشُّورَى 432 ، وَ عَنِ الْجَوْهَرِيِّ فِي كِتَابِ السَّقِيفَةِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيِ 433 ، قَالَ: مَشَيْتُ وَرَاءَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
(ع) حِينَ انْصَرَفَ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ، وَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَمْشِي فِي جَانِبِهِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لِلْعَبَّاسِ 434 : ذَهَبَتْ مِنَّا وَ اللَّهِ!. فَقَالَ: كَيْفَ عَلِمْتَ؟. قَالَ: أَ لَا تَسْمَعُهُ يَقُولُ: كُونُوا فِي الْجَانِبِ الَّذِي فِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَ سَعْدٌ لَا يُخَالِفُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ 435 لِأَنَّهُ ابْنُ عَمِّهِ، وَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ نَظِيرُ عُثْمَانَ وَ هُوَ صِهْرُهُ، فَإِذَا اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ! فَلَوْ أَنَّ الرَّجُلَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ كَانَا مَعِي لَمْ يُغْنِيَا عَنِّي شَيْئاً، دَعْ إِنِّي لَسْتُ أَرْجُوهُمَا وَ لَا أَحَدَهُمَا 436 ، وَ مَعَ ذَلِكَ فَقَدْ أَحَبَّ عُمَرُ أَنْ يُعْلِمَنَا أَنَّ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ عِنْدَهُ فَضْلًا عَلَيْنَا لَا، لَعَمْرُ اللَّهِ 437 مَا جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ لَهُمْ عَلَيْنَا كَمَا لَمْ يَجْعَلْ لِأَوْلَاهُمْ عَلَى أَوْلَانَا 438 ، أَمَا وَ اللَّهِ لَئِنْ لَمْ يَمُتْ عُمَرُ لَأَذْكُرَنَّهُ 439 مَا أَتَى إِلَيْنَا قَدِيماً، وَ لَأُعْلِمَنَّهُ 440 سُوءَ رَأْيِهِ فِينَا وَ مَا أَتَى إِلَيْنَا حَدِيثاً، وَ لَئِنْ مَاتَ وَ لَيَمُوتَنَّ لَيَجْمَعَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ عَلَى أَنْ يَصْرِفُوا هَذَا الْأَمْرَ عَنَّا، وَ لَئِنْ فَعَلُوهَا لَيَرَوْنِي 441 حَيْثُ يَكْرَهُونَ، وَ اللَّهِ مَا بِي رَغْبَةٌ فِي السُّلْطَانِ وَ لَا أُحِبُّ الدُّنْيَا، وَ لَكِنْ لِإِظْهَارِ الْعَدْلِ، وَ الْقِيَامِ بِالْكِتَابِ وَ السُّنَّةِ 442 .
و قد ورد في الروايات التصريح بأنّه أراد بهذا التدبير قتل أمير المؤمنين عليه السلام كما سيأتي في أخبار الشورى.
وَ رَوَى أَبُو الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ تَقْرِيبِ الْمَعَارِفِ 443 ، عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ
عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ هَلَكَ وَ جَعَلَهَا شُورَى وَ جَعَلَنِي سَادِسَ سِتَّةٍ كَسَهْمِ الْجَدَّةِ، وَ قَالَ: اقْتُلُوا الْأَقَلَّ، وَ مَا أَرَادَ غَيْرِي، فَكَظَمْتُ غَيْظِي، وَ انْتَظَرْتُ أَمْرَ رَبِّي، وَ أَلْزَقْتُ كَلْكَلِي 444 بِالْأَرْضِ .. الْخَبَرَ.
وَ رَوَى ابْنُ أَبِي الْحَدِيدِ فِي الشَّرْحِ 445 ، وَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي الْكَامِلِ 446 ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ .. أَنَّهُ قَالَ يَوْماً لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَ تَدْرِي مَا مَنَعَ النَّاسَ لَكُمْ 447 ؟. قَالَ: لَا، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: وَ 448 لَكِنِّي أَدْرِي. قَالَ: مَا هُوَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟. قَالَ: كَرِهَتْ قُرَيْشٌ أَنْ تُجْمَعَ لَكُمُ النُّبُوَّةُ وَ الْخِلَافَةُ فَتَجْحَفُوا النَّاسَ جَحْفاً 449 ، فَنَظَرَتْ قُرَيْشٌ لِأَنْفُسِهَا فَاخْتَارَتْ، وَ وَفَّقَتْ فَأَصَابَتْ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَ يُمِيطُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَنِّي غَضَبَهُ فَيَسْمَعَ؟. قَالَ: قُلْ مَا تَشَاءُ. قَالَ:
أَمَّا قَوْلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ قُرَيْشاً اخْتَارَتْ 450 لِأَنْفُسِهَا فَأَصَابَتْ وَ وَفَّقَتْ 451 . فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: (وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) 452 ، وَ قَدْ عَلِمْتَ
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ اللَّهَ اخْتَارَ مِنْ خَلْقِهِ لِذَلِكَ مَنِ اخْتَارَ، فَلَوْ أَنَّ قُرَيْشاً 453 اخْتَارَتْ لِأَنْفُسِهَا حَيْثُ اخْتَارَ اللَّهُ لَهَا لَكَانَ الصَّوَابُ بِيَدِهَا غَيْرَ مَرْدُودٍ وَ لَا مَحْدُودٍ.
وَ أَمَّا قَوْلُكَ: إِنَّهُمْ أَبَوْا أَنْ يَكُونَ لَنَا النُّبُوَّةُ وَ الْخِلَافَةُ .. فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ قَوْماً بِالْكَرَاهَةِ، فَقَالَ 454 : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) 455 ، وَ أَمَّا قَوْلُكَ: إِنَّا كُنَّا نَجْحَفُ .. فَلَوْ جَحَفْنَا بِالْخِلَافَةِ لَجَحَفْنَا بِالْقَرَابَةِ، وَ لَكِنَّ أَخْلَاقَنَا 456 مُشْتَقَّةٌ مِنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ] وَ سَلَّمَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ فِي حَقِّهِ 457 (وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) 458 ، وَ قَالَ لَهُ: (وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) 459 .