کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ علة للاستثناء.
قوله ع فبرأه الله الظاهر أنه ع استدل على عدم وصفهم بالإيمان بوصفهم بالفسق لأن في عرف القرآن الفسق لازم للكفر و لم يطلق فيه الفاسق إلا على الكافر كقوله تعالى أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً 7343 فقابل بين الإيمان و الفسق فدل على أن الفاسق ليس بمؤمن و قال إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ 7344 فحصر الفاسق في المنافق فجعله الله منافقا و جعله من أولياء إبليس حيث أطلق الفسق عليهما و أيضا إذا نظرت في الآيات الكريمة و سبرتها لم تر الفاسق أطلق فيها إلا على الكافر قال الراغب فسق فلان خرج من حد الشرع و ذلك من قولهم فسق الرطب إذا خرج عن قشره و هو أعم من الكفر و الفسق يقع بالقليل من الذنوب و بالكثير لكن تعورف فيما كان كثيرا و أكثر ما يقال الفاسق لمن التزم حكم الشرع و أقر به ثم أخل بجميع أحكامه أو ببعضه و إذا قيل للكافر الأصلي فاسق فلأنه أخل بحكم ما ألزمه العقل و اقتضاه الفطرة قال عز و جل فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ 7345 فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ 7346 وَ أَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ 7347 و أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ 7348 أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ و قال وَ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ 7349 و قال تعالى وَ أَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ 7350 وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ 7351 وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ 7352 إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ 7353 كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ انتهى 7354 .
و جعله أي الرامي الْمُحْصَناتِ أي العفائف الْغافِلاتِ مما قذفن به الْمُؤْمِناتِ بالله و رسوله و ما جاء به لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ بما طعنوا فيهن وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ لعظم ذنوبهم يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ ظرف لما في لهم من معنى الاستقرار لا للعذاب أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ 7355 يعترفون بها بإنطاق الله إياها بغير اختيارهم أو بظهور آثاره عليها قوله ع و ليست تشهد يدل على أن شهادة الجوارح إنما هي للكفار كما ذكره جماعة من المفسرين و ذكره الشيخ البهائي رحمه الله في الأربعين.
قوله ع فيعطى كتابه بيمينه أي فيقرؤه و من تنطق جوارحه يختم على فيه لقوله تعالى الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ أو لأن سياق آيات شهادة الجوارح تدل على غاية الغضب و الآيات النازلة في المؤمنين مشتملة على نهاية اللطف كقوله سبحانه يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ أي من المدعوين كِتابَهُ بِيَمِينِهِ أي كتاب عمله فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ ابتهاجا بما يرون فيه وَ لا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا 7356 أي و لا ينقصون من أجورهم أدنى شيء و الفتيل المفتول و سمي ما يكون في شق النواة فتيلا لكونه على هيئته و قيل هو ما تفتله بين أصابعك من خيط أو وسخ و يضرب به المثل في الشيء الحقير.
ثم اعلم أن هذا المضمون وقع في مواضع من القرآن المجيد أولها في بني إسرائيل فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ إلى آخر ما في الحديث و ثانيها في الحاقة فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ 7357 و ثالثها في الإنشقاق فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً 7358 و ما في الحديث لا يوافق شيئا منها و إن كان بالأول أنسب فكأنه من تصحيف النساخ أو كان في قراءتهم ع هكذا أو نقل بالمعنى جمعا بين الآيات.
و سورة النور أنزلت كأن هذا جواب عن اعتراض مقدر و هو أنه لما
أنزل الله في سورة النساء مرتين إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ و هي تدل على عدم ترتب العذاب على غير الشرك فيمكن كونها ناسخة للآيات الدالة على عقوبات أصحاب الكبائر و عدم كونهم من المؤمنين.
فأجاب ع بعد التنزل عن عدم المخالفة بين هذه الآية و تلك الآيات لأن تجويز المغفرة لمن شاء الله لا ينافي استحقاقهم للعذاب و العقاب و خروجهم عن الإيمان بأحد معانيه بأن أكثر ما أوردنا من الآيات و استدللنا بها إنما هي في سورة النور و هي نزلت بعد سورة النساء فكيف تكون آية النساء ناسخة لها فلو احتاج التوفيق إلى القول بالنسخ لكان الأمر بعكس ما قلتم مع أنه لا قائل بالفصل ثم استدل ع على ذلك بأن الله تعالى قال في سورة النساء أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا و السبيل هو الذي ذكره من الحد في سورة النور و يحتمل أن يكون الغرض إفادة دليل آخر على ما سبق من نزول الأحكام مدرجا و نسخ الأشد للأضعف لكن الأول أظهر.
وَ اللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ 7359 ذهب الأكثر إلى أن المراد بالفاحشة الزنا و قيل هي المساحقة فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ الخطاب للأئمة و الحكام بطلب أربعة رجال من المسلمين شهودا عليهن و قيل الخطاب للأزواج فَإِنْ شَهِدُوا أي الأربعة فَأَمْسِكُوهُنَ أي فاحبسوهن فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَ أي يدركهن الْمَوْتُ قيل أريد به صيانتهن عن مثل فعلهن و الأكثر على أنه على وجه الحد على الزنا.
قالوا كان في بدو الإسلام إن فجرت المرأة و قام عليها أربعة شهود حبست في البيت أبدا حتى تموت ثم نسخ ذلك بالرجم في المحصنين و الجلد في البكرين أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا أي ببيان الحكم كما مر و قيل بالتوبة أو بالنكاح المغني عن السفاح و قالوا لما نزل قوله تعالى الزَّانِيَةُ وَ الزَّانِي فَاجْلِدُوا
قال النبي ص خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا 7360 سُورَةٌ أي هذه سورة أو فيما أوحينا إليك سورة أَنْزَلْناها صفة وَ فَرَضْناها أي فرضنا ما فيها من الأحكام لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فتتقون الحرام الزَّانِيَةُ وَ الزَّانِي قيل أي فيما فرضنا أو أنزلنا حكمهما و هو الجلد و يجوز أن يرفعا بالابتداء و الخبر فَاجْلِدُوا إلى قوله رَأْفَةٌ أي رحمة فِي دِينِ اللَّهِ أي في طاعته و إقامة حده فتعطلوه أو تسامحوا فيه إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ فإن الإيمان يقتضي الجد في طاعة الله.
ثم اعلم أن عدم ذكر الولاية في هذا الخبر مع أنه الغرض الأصلي منه لنوع من التقية لأنه ع ذكره إلزاما عليهم حيث أنكروا كون الولاية جزءا من الإيمان ..
تذييل نفعه جليل
اعلم أن الذي ظهر لنا من مجموع الآيات المتضافرة و الأخبار المتكاثرة الواردة في الإيمان و الإسلام و حقائقهما و شرائطهما أن لكل منهما إطلاقات كثيرة في الكتاب و السنة و لكل منها فوائد و ثمرات تترتب عليه.
فالأول من معاني الإيمان مجموع العقائد الحقة و الأصول الخمسة و الثمرة المترتبة عليه في الدنيا الأمان من القتل و نهب الأموال و الإهانة إلا أن يأتي بقتل أو فاحشة يوجب القتل أو الحد أو التعزير و في الآخرة صحة أعماله و استحقاق الثواب عليها في الجملة و عدم الخلود في النار و استحقاق العفو و الشفاعة و يدخل في الكفر المقابل لهذا الإيمان من سوى الفرقة الناجية الإمامية من فرق الإسلام و غيرهم فإنهم مخلدون في النار سوى المستضعفين منهم كما سيأتي.
الثاني الاعتقادات المذكورة مع الإتيان بالفرائض التي ظهر وجوبها من
القرآن و ترك الكبائر التي أوعد الله عليها النار و على هذا المعنى أطلق الكافر على تارك الصلاة و تارك الزكاة و أشباههم و ورد لا يزني الزاني و هو مؤمن و لا يسرق السارق و هو مؤمن و ثمرة هذا الإيمان عدم استحقاق الإذلال و الإهانة و العذاب في الدنيا و الآخرة.
الثالث العقائد المذكورة مع فعل جميع الواجبات و ترك جميع المحرمات و ثمرته اللحوق بالمقربين و الحشر مع الصديقين و تضاعف المثوبات و رفع الدرجات.
الرابع ما ذكر مع ضم فعل المندوبات و ترك المكروهات بل المباحات كما ورد في أخبار صفات المؤمن و بهذا المعنى يختص بالأنبياء و الأوصياء كما ورد في الأخبار الكثيرة تفسير المؤمنين في الآيات بالأئمة الطاهرين ع و قد ورد في تفسير قوله سبحانه وَ ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ 7361 أن جميع معاصي الله بل التوسل بغيره تعالى داخلة في الشرك المذكور في هذه الآية و ثمرة هذا الإيمان أنه يؤمن على الله فيجيز أمانه و أنه لا يرد الله دعوته و سائر ما ورد في درجاتهم ع و منازلهم عند الله تعالى.
و أما الإسلام فيطلق غالبا على التكلم بالشهادتين و الإقرار الظاهري و إن لم يقترن بالإذعان القلبي و لا بالإقرار بالولاية كما عرفت سابقا و ثمرته إنما تظهر في الدنيا من حقن دمه و ماله و جواز نكاحه و استحقاقه الميراث و سائر الأحكام الظاهرة للمسلمين و ليس له في الآخرة من خلاق و قد يطلق على كل
من معاني الإيمان حتى المعنى الأخير فيكون بمعنى الاستسلام و الانقياد التام.
ثم إن الآيات و الأخبار الدالة على دخول الأعمال في الإيمان يحتمل وجوها الأول أن يحمل على ظواهرها و يقال إن العمل داخل في حقيقة الإيمان على بعض المعاني الثاني أن يكون الإيمان أصل العقائد لكن يكون تسميتها إيمانا مشروطة بالأعمال الثالث أن يقال بزيادة الإيمان و تفاوته شدة و ضعفا و تكون الأعمال كثرة و قلة كاشفة عن حصول كل مرتبة من تلك المراتب فإنه لا شك أن لشدة اليقين مدخلا في كثرة الأعمال الصالحة و ترك المناهي و قد بسطنا الكلام في ذلك قليلا في كتاب عين الحيوة و سيتضح لك بعض ما ذكرنا في تضاعيف الأخبار الآتية و لنذكر هنا بعض ما ذكره أصحابنا في حقيقة الإيمان و الإسلام و معانيهما و شرائطهما.
قال المحقق الطوسي قدس سره القدوسي في قواعد العقائد المسألة الخامسة فيما به يحصل استحقاق الثواب و العقاب قالوا الإسلام أعم في الحكم من الإيمان و هما في الحقيقة شيء واحد أما كونه أعم فلأن من أقر بالشهادتين كان حكمه حكم المسلمين قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا 7362 و أما كون الإسلام في الحقيقة هو الإيمان فلقوله تعالى إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ 7363 و اختلفوا في معناه فقال بعض السلف الإيمان إقرار باللسان و تصديق بالقلب و عمل صالح بالجوارح و قالت المعتزلة أصول الإيمان خمسة التوحيد و العدل و الإقرار بالنبوة و بالوعد و الوعيد و القيام بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و قال الشيعة أصول الإيمان ثلاثة التصديق بوحدانية الله تعالى في ذاته و العدل في أفعاله و التصديق بنبوة الأنبياء و التصديق بإمامة الأئمة المعصومين و التصديق بالأحكام التي يعلم يقينا أنه ص حكم بها دون ما فيه الخلاف و الاستتار.
و الكفر يقابل الإيمان و الذنب يقابل العمل الصالح و ينقسم إلى كبائر
و صغائر و يستحق المؤمن بالإجماع الخلود في الجنة و يستحق الكافر الخلود في العذاب و صاحب الكبيرة عند الخوارج كافر لأنهم جعلوا العمل الصالح جزءا من الإيمان و عند غيرهم خارج فاسق و المؤمن عند المعتزلة و الوعيدية لا يكون فاسقا و جعلوا الفاسق الذي لا يكون كافرا منزلة بين المنزلتين الإيمان و الكفر و هو عندهم يكون في النار خالدا و عند غيرهم المؤمن قد يكون فاسقا و قد لا يكون و تكون عاقبة الأمر على التقديرين الخلود في الجنة.
و قال ره في التجريد الإيمان التصديق بالقلب و اللسان و لا يكفي الأول لقوله تعالى وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ 7364 و نحوه و لا الثاني لقوله تعالى قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا و الكفر عدم الإيمان إما مع الضد أو بدونه و الفسق الخروج عن طاعة الله تعالى مع الإيمان به و النفاق إظهار الإيمان به و إخفاء الكفر و الفاسق مؤمن لوجود حده فيه.
و قال العلامة نور الله ضريحه في الشرح اختلف الناس في الإيمان على وجوه كثيرة و ليس هنا موضع ذكرها و الذي اختاره المصنف رضوان الله أنه عبارة عن التصديق بالقلب و اللسان معا و لا يكفي أحدهما فيه أما التصديق القلبي فإنه غير كاف لقوله تعالى وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ و قوله تعالى فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ 7365 فأثبت لهم المعرفة و الكفر و أما التصديق اللساني فإنه غير كاف أيضا لقوله تعالى قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا الآية و لا شك في أن أولئك الأعراب صدقوا بألسنتهم.